نحو إرساء بيداغوجيا إيكولوجية للأدب البيئي الموجه للأطفال

غريتا غارد

النظرية الخضراء والتطبيق العملي: مجلة Ecopedagogy11، المجلد 4، العدد 2 (2008)

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

المصدر/ Gaard, G 2008, ‘Toward an Ecpedadgogy of Children’s Environmental Literature’, Green theory and Praxis: The journal of ecopedagogy, vol, 4 No,2 pp.11-21

ترجمة: إدريس أمجش

تدقيق: ريم عائش

العالم كما نعرفه منذ طفولتنا – أينما وكيفما قضينا هذه الطفولة – قد تغير. فحقول الفراولة، وبساتين البرتقال، والسماوات الزرقاء الصافية، والجبال الأرجوانية لم تعد ترافقني بوادي سان فرناندو في لوس أنجلوس كما كانت أثناء طفولتي. لقد زالت أيام الركض عبر رشاشات المياه لساعات، والتي كنا نغفل عن مرورها بعد ظهيرة أيام الصيف — حين تدفق مياهها من المرج المُعشِب الكثيف إلى الشوارع حيث تنثرها السيارات وهي تعبر الطريق. لقد ولّت أيام الجبال التي كانت تكسوها المريمية، والألفية، والخشخاش البرتقالي، والترمس الأرجواني، والأقحوان الأصفر، وولّت أيام سفوح الجبال التي كنا نرى حيوانات القيّوط، والأرانب البرية، وطيور القيق الزرقاء تعتاش عليها: جميعهم موفورين بالطعام والماء والحرية اللازمة لاستمرار حيواتهم البرية. لقد ولّت تلك الأيام التي كان فيها ثمن غالون من البنزين لا يتعدى الربع دولار، وانقضت الأيام التي كانت تُشعل فيها محارق القمامة في الأفنية الخلفية للمنازل. لم نعد نقضي ساعات في التشمّس والتحدث واللعب على الشاطئ دون وضع الواقيات الشمسية للحماية من سرطان الجلد، وبلا خوف من السباحة وسط الأكياس البلاستيكية، والمعادن الصدئة، والإبر، والزجاج المكسور.

بعض ما فقدناه يدعونا للحزن، ولكنه كذلك يشير إلى وجود تغييرات قد طال انتظارها فيما يتعلق بالسلوكيات الطائشة. ولأن معدل درجات الحرارة حول العالم في ارتفاع، أصبحت المياه الصالحة للشرب أقل توفرًا وأكثر تكلفة. ازدادت معها تكاليف الغذاء، وتضخّم أعداد السكان، واستمرار عمليات القطع الكلي للأشجار، واستمرار العنف الموجه ضد النساء والأطفال والحيوانات والنظم البيئية بلا هوادة حول العالم: ما النفع الذي سيعود علينا حين نقرأ الأدب البيئي؟

هذا هو السؤال الذي يطرحه حقل البيداغوجيا الإيكولوجية (Ecopedagogy)، وهو حقلٌ دقيق يُعنى بالبراكسيس أو التطبيق العملي Praxis والذي يستقي أطره من عمل الناشطين البيئيين الذين يشتغلون أيضًا بالكتابة، والتدريس، والبحث في الأدب البيئي. ومن أجل شرح البيداغوجيا الإيكولوجية وأهميتها للأدب البيئي الموجه للأطفال، أود أولًا أن أضع هذا الحقل في سياقه على صعيد تطوره في كلًا من الدراسات الأدبية البيئية، وكذلك من خلال ممارسات الحركة الاجتماعية والناشطة التي اعتنى بها الكثيرون منا؛ نحن أولئك الذين نفصح عن بيداغوجيا إيكولوجية ناشطة؛ أي تاريخنا بصفتنا فناني تغييرٍ اجتماعي.

تعد غريتا غارد معلمة، وكاتبة، وباحثة، وناشطة في حقل النسوية البيئية. إذ أسهمت في كتابة وتحرير كتابين: “النسوية البيئية: النساء، الحيوانات، الطبيعة” (Ecofeminism: Women, Animals, Nature) الصادر عام 1993. و “النقد الأدبي من منظور النسوية البيئية: نظرية، تفسير، وأصول التربية” (Ecofeminist Literary Criticism: Theory, Interpretation, Pedagogy) الصادر عام 1998. ومن مؤلفاتها الأخرى كتاب بعنوان: “السياسات البيئية: النسويين البيئيين والنباتات” (Ecological Politics: Ecofeminists and the Greens) الصادر عام 1998، وكتاب آخر يجمع حفنة من الكتابات الإبداعية في حقل النسوية البيئية بعنوان: “طبيعة الموطن” (The Nature of Home) الصادر عام 2007. تدرّس غريتا حاليًا اللغة الإنجليزية في جامعة ويسكونسن ريفر فولز، كما تدرّس كذلك منهجًا في دراسات المرأة (Women’s Studies) في جامعة ميتروبوليتان الحكومية في سانت بول بولاية مينيسوتا.

من النقد البيئي إلى البيداغوجيا الإيكولوجية From Ecocriticism to Ecopedagogy :

غالبًا ما تقترن البدايات الرسمية لحقل النقد البيئي بتأسيس منظمة ASLE: The Association for the Study of Literature and Environment  (جمعية دراسة الأدب والبيئة) في عام 1992، ثم بتأسيس دوريتها ISLE: Interdisciplinary Studies in Literature and Environment  (الدراسات متعددة التخصصات في الأدب والبيئة) في عام 1993، ومن ثم مع نشر شيريل بورغيس غلوتفيلتي Cheryl Burgess Glotfelty)) وهارولد فروم Harold Fromm)) كتابهما المشترك المعنون: “قارئ النقد الأدبي: معالم في الإيكولوجيا الأدبية” (The Ecocriticism Reader: Landmarks in Literary Ecology) في عام 1996.

في مقدمة الكتاب، تُعرّف غلوتفيلتي Glotfelty  النقد البيئي بأنه: “دراسة العلاقة بين الأدب والبيئة المادية” (ص 18). كانت أهداف النقد البيئي في بادئ الأمر بسيطة نسبيًا: أولاً، إتاحة مأوى لعمل جيل جديد من الباحثين في ميدان الأدب الذين كانوا ينقبون عن النصوص الأدبية المكتوبة حول البيئة ويناقشونها ويفسرونها، بالإضافة إلى إنشاء جماعة تضمهم، وإضفاء بعض الشرعية الأكاديمية على أبحاثهم؛ ثانيًا، التنقيب عن تمثيلات الطبيعة والقيم البيئية في النصوص الأدبية؛ ثالثًا، استكشاف الترابط بين الطبيعة والثقافة؛ رابعًا، والأهم، الاستجابة للمشكلات البيئية و”الإسهام في إصلاح البيئة، ليس فقط في أوقات فراغنا، ولكن من خلال عملنا بصفتنا أساتذة يُدرسون الأدب” (ص 21).

تُقر غلوتفيلتي بأن النقد البيئي كان في المجمل حركة متمركزة حول ذوي العرق الأبيض، ولكنها تعتقد بأنها ستصبح “حركة متعددة الأعراق إذا وجدت روابط أقوى بين البيئة وقضايا العدالة الاجتماعية، وعندما تشجع أصوات متنوعة على المساهمة في النقاش” (ص 25).

إذن، نشأت أولى صياغات النقد البيئي أساسا على يد باحثين بيض ينتمون إلى الطبقة الوسطى، وكان هؤلاء دعاةً لحماية البيئة متبنين لاستراتيجية ليبرالية تجوهرت حول تأسيس منظمة إضافية داخل مجال عملهم؛ لقصد الجمع بين نشاطهم ودراساتهم الفكرية/المهنية.

تفتقت الصياغة التالية للنقد البيئي، متمثلة في التأليف البيئي ecocomposition، عن أساليب بيداغوجية أكثر راديكالية أضيفت إلى هذا الحقل. ويستهدف هذا الاختصاص طلاب السنة الأولى والثانية في الجامعات، وطلاب الكليات العامة، إذ يستقصي الاختلافات الاجتماعية ونظائرها على مستوى التنوع البيولوجي. يوسع التأليف البيئي حقل النقد البيئي ويرفع من الوعي بالاختلافات الطبقية وكذلك التحليلات النسوية. ابتدأ اختصاص التأليف البيئي بمختارات من الكتب المدرسية، ولكنه اتسع وطوّر صياغات نظرية خاصة به، وقد أخذ منحى رسمي مع نشر كتاب حرره كلًا من كريستيان آر ويسر Christian R.) Weisser) وسيد دوبرين Sid Dobrin)) في عام 2001 تحت عنوان: “التأليف البيئي: ممارسات نظرية وتربوية” (Ecocomposition: Theoretical and Pedagogical Practices)، وسرعان ما أتبعه المؤلفان بكتاب آخر في عام 2002 عنوانه: “حوار الطبيعة: نحو التأليف البيئي” (Natural Discourse: Toward Ecocomposition).

نشرت مؤلفات عديدة تحتوي مقالات وخطابات بيئية خلال فترة التسعينيات، ولكن واحدًا منها فقط نجح في الربط بين قضايا العدالة الاجتماعية وقضايا العدالة البيئية، وهو كتاب: “الأدب والبيئة: قارئ الطبيعة والثقافة” (Literature and the Environment: A Reader on Nature and Culture)، الذي اشترك في تأليفه جون أوغرادي ولورين أندرسون وسكوت سلوفيك، ويجمع قراءات متنوعة بأسلوبٍ يخلق حوارًا بين وجهات نظر المتباينة من حيث العرق، الطبقة، الجنس.

من خلال عقد الروابط بين المشكلات البيئية وقضايا العدالة الاجتماعية والاقتصادية، تطوّر النقد الأدبي النسوي البيئي بعد فترة وجيزة، مما أدى إلى إدخال رؤى النسويات البيئيّات ونشاطهن إلى دراسة الأدب. فالنسوية البيئية باختصار هي منظورٌ يرى بأن المشكلات الاجتماعية والبيئية مترابطة على نحو وثيق. تنطلق النسويات البيئيات من الاعتراف بأن وضع النساء والحيوانات والطبيعة وطريقة معاملتها أمرٌ لا يمكن الفصل بينهم، ثم يُقمن بإيجاد الروابط التي لا تُعنى فقط بالتحيز الجنسي والتمييز بين الأنواع واضطهاد الطبيعة، ولكن كذلك بأشكال أخرى من الظلم الاجتماعي – كالعنصرية، والطبقية، والتمييز ضد المسنين، والتمييز ضد المصابين بإعاقات، والاستعمار – بوصفها جزءًا من اعتداء الثقافة الغربية على الطبيعة. تقوم النسوية البيئية. بدراسة بنية الأنظمة القمعية، وخلصت إلى ثلاث مقامات في “منطق الهيمنة”: فأولًا الاغتراب، وهو الإيمان بهوية ذاتية منفصلة والفردية والاستقلالية. ثم التراتبية، وهي إعلاء الذات انطلاقًا من سمتها الفريدة. وأخيرًا الهيمنة، وهي تبرير تبعية الآخرين بناءً على دونيتهم ​​وافتقارهم إلى السمة الفريدة للذات.

سبق النشاط النسوي البيئي الدراساتَ البحثية وذلك من خلال حملات متنوعة، مثل: عمل منظمة نسويات من أجل حقوق الحيوان (Feminists For Animal Rights) والذي عُني في تنظيم ملاجئ للنساء المعنّفات والحيوانات المعنّفة، وحملات نساء ضد البنتاغون (Women  (Pentagon’s Actions’، وعمل معهد نساء-أرض النسوي للسلامWoman’s Earth Feminist Peace Institute)) نحو تعليم مناهض للعنصرية، وعمل اليسار الأخضر Left Greens)) في تنظيم يوم الأرض لحملة وول ستريت Earth Day Wall Street Action)) في عام 1990، وكذلك عمل حزب الخضر، والحزب الشيوعي، والمنظمات الأناركية وغيرها من الحملات التي سعت إلى تنظيم مجموعات مختلفة لمقاومة هيمنة الشركات.

وفي الدراسات الأدبية، اشتغل العديد من الباحثين على هذه القضايا على نحو متزامن وإن كانت بمعزل عن بعضها البعض، من بين هؤلاء الباحثين باتريك مورفي((Patrick Murphy في كتابه الصادر عام 1995 بعنوان: “الأدب، الطبيعة، وغيرها: نقد النسوية البيئية” (Literature, Nature, and Other: Ecofeminist Critiques)، وغريتا غاردالتي عملت على إحداث هيئة حول النقد الأدبي النسوي البيئي في جمعية اللغات الحديثة، والتي رفضت جمعية اللغات الحديثة عقد دورتها عام 1995. وقد أدى التعاون بين مورفي وغارد إلى تحرير عدد خاص من دورية ISLE حول: “النقد الأدبي النسوي البيئي” في عام 1996 والذي أُصدر ككتاب عام 1998. ونشر باحثون آخرون من حقلي الدراسات الأدبية النسوية والدراسات الأدبية النسوية البيئية نصوصًا جديدة وقراءات حديثة لما أبدعته النساء وكان ذي صلة بالبيئة، من فنٍ وأدبٍ وعلومَ ودراسات وحراك سياسي. بحلول عام 2000، أصدر غلينيس كار Glynis) Carr) كتابه تحت عنوان: “مقالات جديدة في الأدب النسوي-البيئي” (New Essays in Ecofeminist Literary Criticism) وأصدر كلًا من لورين أندرسون Lorraine Anderson)) وتوماس إس. إدواردز Thomas S. Edwards)) كتابهما المعنون: “في موطننا على هذه الأرض: عقدان متتابعان من كتابات النساء الأميركيات حول الطبيعة” (At Home on This Earth: Two Centuries of U.S. Women’s Nature Writing) بات العمل البيئي الذي تقوم به النساء في الفنون والعلوم الإنسانية عامةً، وفي حقل النقد الأدبي النسوي البيئي خاصةً، يحتل مكانته الراسخة.

في نهاية مقدمة كتابها “النقد الأدبي النسوي البيئي” (Ecofeminist Literary Criticism) والذي نشر في عام 1998، استخلصت غارد ومورفي التالي:

“بقدر ما ينير النقد الأدبي النسوي البيئي العلاقات بين البشر بتباين اختلافاتهم بين بعضهم البعض وبين البشر وباقي عناصر الطبيعة، تُستكشف السبل التي تصوغ بها هذه الاختلافات علاقاتنا داخل الطبيعة؛ بقدر ما يعرض نقدًا لأشكال الاضطهاد العديدة ويدافع عن مركزية التنوع البشري والتنوع البيولوجي لبقائنا على هذا الكوكب؛ وبقدر التشديد على إلحاحيه العمل السياسي الرّامي إلى تفكيك مؤسسات الاضطهاد وبناء شبكات مساواتية وشبكات متمحورة حول البيئة – بقدر ما يصنع من تأثير على تلك الأمور كلها، فإن للنقد الأدبي النسوي البيئي إسهامًا حيويًا في هذا الصدد (ص 12).”

وبقدر ما يفشل النقد الأدبي النسوي البيئي في فعل كل هذه الأمور، فإنه بذلك لا يقدم أي إسهام على الإطلاق – في الواقع، إنه يفشل في أن يكون نقدًا نسويًا بيئيا، ويصبح بدلاً من ذلك مجرد شكل آخر من أشكال النقد الأدبي. وتجد هذه الدعوة الراديكالية للاعتراف بالتكافل والمطالبة بنظرية تتصل بالممارسة (“البراكسيس”) صداها في الهدف الرابع و”الأهم” للنقد البيئي، مثلما أوضحته في بادئ الأمر غلوتفيلتي (1996). وسرعان ما أضيفت إليها مفاهيم مماثلة عرضها باحثون نشطاء يعملون على تطوير حقول العدالة البيئية والبيداغوجيا الإيكولوجية.

في عام 1999، وخلال المؤتمر الذي تعقده منظمة ASLE مرتين كل سنة في كالامازو Kalamazoo ، شُكّل تجمع للأفراد (Diversity Caucus) والذين يتنوعون من خلال خلفياتهم وذلك لهدف تشجيع حضور ومشاركة الأفراد من خارج العرق الأبيض من الباحثين في النقد البيئي والكتاب والفنانين المناصرين للبيئة. احتوت الأغلبية العظمى من مُنظمي المؤتمر على نسويات وناقدات بيئيات ممن ينتمون للعرق الأبيض والطبقة المتوسطة، وكانوا كذلك ناشطات مناهضات للعنصرية وملتزمات بإضفاء التنوع العرقي والطبقي على هذا الحقل، وكانوا يملكن صلات شعبية مع نشطاء بيئيين آخرين ملوّنين. إذ أدى تضْمين وجهات نظرهم المتنوعة في إحداث تغيير جذري على نطاق الدراسات النقدية البيئية؛ وذلك بالانتقال من “كتابة الطبيعة” – والتي ركزت أساسًا على المقالة – إلى “الكتابة البيئية”، والتي لم تشتمل فقط على المقالات والأدب والشعر، ولكنها اشتملت كذلك على وجود قصص الجريمة والخيال العلمي والمقابلات وبيانات المواقف والافتتاحيات وأنواع أخرى من الوسائط.

أدت هذه النقلة إلى إشاعة النقد البيئي وتطوير بيداغوجيا نقدية بيئية جديدة – البيداغوجيا الإيكولوجية – وشددت على المشاركة المدنية بوصفها عنصرًا أساسيًا في الفصول الدراسية التي تدرّس النقد البيئي. وبعدها بسنوات، أصدر القادة الأوائل مؤسسو التجمّع المتنوع، ريتشيل ستاين Rachel Stein)) وجوني أدامسون Joni Adamson))، كتابين، أولهما بعنوان: “قارئ العدالة البيئية” (The Environmental Justice Reader) والصادر عام 2002، والكتاب الثاني الصادر عام 2004 تحت عنوان: “منظورات حديثة حول العدالة البيئية” (New Perspectives on Environmental Justice)؛ إذ أبرز هذا الكتاب نشاطات العدالة البيئية، وعناصر العرق والثقافة بوصفها جزءًا من سلسلة الطبيعة والهويات الاجتماعية المناسبة للاستكشاف النقدي البيئي.

قليلون فقط من لاحظوا أن تلك الدراسات النقدية البيئية قد ركزت بالأساس على الأدب البيئي الموجه للبالغين. لكن بدأت تظهر بعض الدراسات النقدية البيئية الحثيثة والتي تهتمّ بالأدب البيئي الموجه للأطفال، خصيصًا مع صدور عدد خاص من دورية: “الأسد ووحيد القرن” The Lion and The Unicorn)) والذي يدور حول موضوع: “العوالم الخضراء: الطبيعة والبيئة”. وعدد خاص آخر من دورية: “منظمة أدب الطفل الرباعية” (Children’s Association Literature Quarterly) عن “البيئة والطفل”. قرابة الوقت نفسه، نشرت دورية ISLE مجموعة من المقالات عن كتاب دكتور سوس The Lorax))، وأثارت عدة تساؤلات نقدية عن ثنايا الخطاب البيئي في كتب الأطفال.

تلىَ بعد ذلك العديد من فصول الكتب والمقالات التي أُفردت لمحاور بعينها، وأسهم كلًا منها على نحو كبير في تطوير نقد بيئي يتمركز حول الخطاب في أدب الأطفال. واتخذ هذا الحقل شكله الرسمي بصدور كتاب: “أشياء جامحة: الثقافة والنقد البيئي الموجه للأطفال” (Wild Things: Children’s Culture and Ecocriticism) في عام 2004 للمؤلفين سيد آي دوبرين Sid I. Dobrin)) وكينيث بي كيد Kenneth B. Kidd)). بداعي الضرورة، ونظرًا لسيادة حكايات الحيوانات في أدب الأطفال، ركز هذا الفرع من النقد البيئي على مساءلة العلاقة بين الثقافة والطبيعة من خلال علاقات الأطفال بالحيوانات، مع التدقيق الشديد على ذاتية أو موضوعية الحيوانات الممثلة في هذه الروايات.

بحثُ تقاطع العلاقات بين الأنواع أو “دراسات الحيوان”، والأدب البيئي للأطفال (وأدب العدالة البيئية)، والنسوية البيئية، والبيداغوجيا الإيكولوجية، هو محور تركيز الأقسام التالية.

البيداغوجيا الإيكولوجية والأدب البيئي الموجه للأطفال 

كلما حان وقت النوم، أو وقت القيلولة، أو وقت الحكاية، أجدني وأنا أقرأ الكتب المصورة لابنتي، كتبٌ تُعبر بالكلمات والصور عن قيم بيئية أُعزّها مثلما أُعز طفلتي. وحين تغفوا على ذراعيّ، أُبعد الكتب ثم أضعها على السرير، حتى أسمعها تهمس: “البعوض”. يعني هذا أنها تعيش في مينيسوتا وتعلم بأمر فيروس غرب النيل الذي يحمله البعوض، وتعلم بأمر قرّاد الغزلان، وداء لايم، والضفادع التي شوهتها المبيدات الزراعية، ومزارع الديك الرومي التي تعيش فيها هذه الطيور في ظروف قذرة ومكتظة حتى تنفق. إن كان اختياري للقصص يحفه العناية، فستحلم هي بطيور تهرب من الأسر، وبتجمعات بشرية تدعم المزارعين العضويين المحليين وترعى الأرض وترعي السمع للحيوانات. يمكن لكتبها المصورة أن تعلمها جميع ما ذكرت وأكثر.

تثير البيداغوجيا الإيكولوجية أسئلة مهمة عن البراكسيس – الاتحاد الضروري بين النظرية والممارسة – في حقل النقد البيئي، وتشير إلى الانفصال القائم بين النظريات والنشاطات التي تركز إما على العدالة الاجتماعية أو العدالة البيئية و/أو العدالة بين الأنواع. ومن هنا، تطرح البيداغوجيا الإيكولوجية أسئلة تُجابه إقصاء دراسات الحيوان وإغفالها من حقل النقد البيئي، وتجادل بضرورة تلاقي العدالة الاجتماعية والعدالة البيئية والعدالة بين الأنواع بوصفها عناصر محورية في البراكسيس. تُميز البيداغوجيا الإيكولوجية نفسها بوضوح عن التعليم البيئي الذي يسعى للتكيف مع الإطار النيوليبرالي العالمي، بحيث يدافع عن “التنمية المستدامة”، دون رفض عدم استدامة اقتصاد ينادي بالنمو اللامتناهي. في مقالته الاستفزازية التي تحمل عنوان: “من تعليم لأجل التنمية المستدامة إلى البيداغوجيا الإيكولوجية: إدامة الرأسمالية أم إدامة الحياة؟”، يستعرض ريتشارد كان Richard Kahn)) ثلاثة أشكال من محو الأمية البيئية بوصفها أهدافًا لبيداغوجيا إيكولوجية تسعى إلى تطوير “حضارة أكثر عدلاً وديمقراطية واستدامة على هذا الكوكب” (ص 9).

أولاً، تسعى البيداغوجيا الإيكولوجية إلى تطوير المعارف البيئية الأساسية، التي تعني غالبًا محو الأمية الإقليمية، وبلورة فهمٍ للطرق التي تتفاعل بها الإيكولوجيات المحلية والإقليمية والعالمية، سواءً للأفضل أو للأسوأ. وتتضمن السمة الثانية، وهي محو الأمية البيئية الثقافية، نقدًا للثقافات غير المستدامة وخصائصها، بالإضافة إلى دراسة الثقافات المستدامة والاستراتيجيات التي تنتهجها لمقاومة الاندماج وتقوية الجماعة وتطوير التقنيات الملائمة وتنظيم المعرفة الجماعية. ويستشهد كان بوجهة نظر سي إي باورز C. A.) Bowers) القائلة بأن “الثقافات القائمة على قيم الفردية الغربية تميل إلى إحداث أزمات بيئية من خلال المجانسة النّافذة لملكة التعبير البشري، وتسييلها، وخصخصتها” (ص 10). وبمحو الأمية البيئية الثقافية ننتقل إلى الجانب الثالث من البيداغوجيا الإيكولوجية، وهو نقد التأثيرات البيئية المدمرة التي أنتجتها الرأسمالية الصناعية، والاستعمار، والإمبريالية، وثقافة الطبقة الحاكمة (وتتضمن أيضًا تعريف الإنسانية في مقابل كل ما هو “آخر” – ما دون البشر، الحيوانات، الطبيعة). ويضم هذا الجانب الثالث أيضًا أبعادًا ناشطة وذات رؤية، تسعى جاهدة “إلى دفع الناس إلى تبني سياسات بيئية مناسبة ثقافيًا و… بناء حركات ناشطة” (ص 11).

وحتى نقد العدالة البيئية والنقد الأدبي النسوي البيئي لأدب الأطفال يتبنيان هذه البيداغوجيا الإيكولوجية الراديكالية. لاحظت كامالا بلات Kamala Platt)) أن “بعض النقاد البيئيين يختارون عدم مساءلة الأدبيات والبيئات المادية والروابط التي تربطها بالثقافة والمجتمع البشري والسياسة والتاريخ”، وهذا ما ترفضه بلات، وترى بأن هذا النوع من النقد البيئي هو مجرد “شكل من أشكال النقد الأدبي” إذ “لا يُنظر إلى النص بوصفه عاملًا موحيًا يدفع بالتغيير الاجتماعي”. عوضًا عن ذلك، اختارت بلاتدراسة “النصوص التي تُؤلف بغرض تعزيز الرفاهية البيئية والعدالة الاجتماعية، والتي تكشف العنصرية البيئية وارتباطها الوثيق بتدهور الأرض” (ص 184). وتتفق بلاتمع تعريف كان للبيداغوجيا الإيكولوجية، وتُعرّف أدب الأطفال المتعلق بالعدالة البيئية على أنه “قصص موجهة للأطفال، تدرس كيفية ارتباط قضايا حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية بالقضايا البيئية، وكيف يؤثر التدهور البيئي على الجماعات البشرية، وكيف نجحت بعض الجماعات البشرية في تكوين علاقات تكافلية طويلة الأمد مع موائلها الأرضية” (ص 186).

يبحث المنظور النسوي البيئي في الأدب البيئي الموجه للأطفال عن سبل تتيح بها هذه السرديات ترياقًا لمنطق الهيمنة. بمعنى آخر، إذا كان منطق الهيمنة متجذرًا في الاغتراب وأسطورة الذات المنفصلة، فإن إلغاء هذا المنطق سيتطلب سرديات قائمة على الارتباط والوحدة والتكافل بين البشر والحيوانات والعالم الطبيعي. وبالمثل، إذا كانت الخطوة الثانية في منطق الهيمنة هي التراتبية، فإن الترياق الأدبي سيعرض سرديات عن الفوضوية، أو عن غياب التراتبية وإقامة جماعات تستوعب البشر والحيوان والطبيعة، أو عن الديمقراطية التشاركية. إيجاد حل لهاتين الخطوتين لا يترك مجالًا للهيمنة، وهي الخطوة الثالثة في التسلسل المنطقي للفكر القمعي.

التقاء البيداغوجيا الإيكولوجية والنقد الأدبي النسوي البيئي والنقد الأدبي المتمحور حول العدالة البيئية يثير على الأقل ثلاثة أسئلة مهمة حول الأدب البيئي الموجه للأطفال، وخطابه، وقدرته على محو الأمية البيئية والثقافية، وبذلك توفير ترياق للاغتراب وحث القراء على اتخاذ الإجراءات المناسبة لتحقيق الديمقراطية البيئية والعدالة الاجتماعية:

أولاً، كيف يتناول النص السؤالَ الأنطولوجي: “من أنا؟” هل تتشكل الهوية الذاتية للإنسان في وفاق مع الطبيعة والحيوانات والثقافات/الهويات البشرية المتعددة، أم هي في تعارض معها؟ بمعنى، كيف للقصة/للنص أن توفّر ترياقًا يعالج الخطوة الأولى في منطق الهيمنة؟

نجد إحدى السرديات المعروفة التي تبين اغتراب ذات الطفل في قصة “الشجرة المعطاءة” (The Giving Tree) لشيل سيلفرستاين Shel Silverstein . تصف هذه القصة طفلًا صغيرًا يطلب كل ما يخطر على باله من شجرته، بدءًا من أرجوحة، مرورًا بأغصانها، ثم جذعها. في هذه الرؤية القمعية للعلاقة بين الإنسان والطبيعة، ترمز الشجرة إلى الأم المتفانية في ثقافة أبوية مغايرة جنسيًا، وتمثلُ القصةُ البشريةَ في طفل صغير نرجسي يواصل طلب المزيد والمزيد من الطبيعة (الشجرة) حتى لا يبقى أي شيء لم يطلبه. تقرّ هذه السردية أدوارًا غير متبادلة بين البشر والطبيعة، وهي إلى ذلك أدوار غير مستدامة. لا يشكك الطفل الصغير أبدًا في أحقيته بطلب المزيد، مثلما لا يشكك في هويته بالنسبة إلى الشجرة/الطبيعة.

في المقابل، الصبي الصغير في كتاب: “هيه! انزل من قطارنا” (Oi! Get Off Our Train) لجون بورننغهام John Burningham  يكون على تواصل مع الطبيعة، ويغير أفعاله نتيجةً لحواره معها. تصف القصة نفسه الحالمة وهي على متن قطار ليلي، وكيف يسمح هو وكلبه لحيوانات مهددة بالانقراض بالركوب. في البداية، يطالبه كل حيوان بالركوب لكنه يرفض، ولكن بعد التحدث معها، يقتنع بما دار في حوارهم ويسمح للحيوانات بصعود القطار واحدًا تلو الآخر. يدرك الصبي أن مصير هذه الحيوانات مرتبط بمصيره، ولذلك عززت قراراته “ديمقراطيةً بيئية ينصت فيها البشر إلى ما يقوله عالم غير البشر… [و] تبنى ذات الصبي بوصفها موضوعا بيئيا قابلا لإعادة الصياغة والتغيير من خلال التفاعل والتعاطف”.

ثانيًا، كيف تُعرّف القصة مشكلة العدالة البيئية؟ هل تقدم الخاتمة استراتيجية مناسبة لمواجهة المشكلة المطروحة في القصة، وترفض التراتبية لصالح الوحدة والديمقراطية التشاركية؟ هل تُلقى مهمة حل مشاكل العدالة البيئية التي خلقها الكبار على عاتق الأطفال؟ 

وكما تجادل كلير برادفورد (Clare Bradford)، فإن العديد من كتب الأطفال البيئية “تعبر بجلاء عن الأزمات البيئية، لكنها تفشل في تشجيع البرامج السياسية والعمل الجماعي” اللازمين لمعالجة هذه الأزمات على نحو فعال (ص 116). ويمكن رؤية هذا الانفصال الخطابي في القصة بين المشكلة المطروحة والحلول المقدمة في قصة اللوراكس The Lorax)) الصادرة عام 1971. إذ تناولت القصة مشكلة إزالة الغابات، وانقراض الأنواع، والتلوث، والإنتاج المفرط/الاستهلاك الناجمين عن مبدأ الرأسمالية الصناعية القائم على زيادة الأرباح، والخطاب الداعي إلى توفير “الوظائف ومزيد من الوظائف ومزيد من الوظائف”، وجاء “حل” المشكلة في محادثة بين الصناعي المدعو وانسلر Once-ler)) والصبي المناصر للبيئة. يروي وانسلر الحكاية، وتمثل الحل الذي خلص إليه الكتاب في أن يسلّم وانسلر آخر بذرة من بذور شجرة تروفولا Truffula)) إلى الصبي، وهكذا ينحصر “التغيير الاجتماعي والبيئي في مستوى فردي محدود” وهو ما لا يمكن أن يكون حلًا صالحًا للجماعات، ولا يصلح لمواجهة المشكلات المتجذرة في نظم قائمة على الإنتاج المفرط والاستهلاك المفرط. والأمر اللافت هو في إدراك أن معاناة وانسلر جراء أفعاله “لا تؤدي إلى تغيير في شخصيته، بل تدفعه إلى نقل مسؤولية تصحيح خطأه إلى صبي صغير”، وهي “ممارسة معتمدة بين البالغين”.

وضع باحثون في حقل النقد البيئي هذه “الممارسة المعتمدة بين البالغين” في مقابل ثقافات السكان الأصليين التي “تحكي عن كون القرارات أمر يشترك فيها سبعة أجيال”، وأعادوا تخيّل نهاية القصة انطلاقًا من هذا التساؤل: “ألن يكون أمرًا عظيمًا لو خرج وانسلر من منزله، وأعاد للصبي المال الذي أخذه مقابل القصة، ثم انضم إليه لزرع آخر بذور الترافولا حتى تتجدد الغابة؟ في هذه الحالة، [سيصبح] المغزى في جانب العمل العابر للأجيال، أي إنه سيكون ملموسًا وتشاركيًا” – ولكن هذه النهاية ليست هي النهاية الفعلية للقصة.

في الواقع، تُصور القصةتلك الفرص الضائعة لإقامة الوحدة، وهذا ما يقدم دليلاً على اغتراب الهوية الذاتية. يعبر وانسلر عن ندمه الواضح على غابة أشجار التروفولاالمقطوعة، والروائح الكريهة، والسماء المعتمة، وهلاك البجع البرتقالي والدببة والأسماك، ومع ذلك لا يبادر لوراكس الساخط بالتحدث مع وانسلر بخصوص اهتمامه الفعلي بالبيئة. وفقًا لمبادئ الخطابة الكلاسيكية، فشل لوراكس في الإقناع لأنه لم يستخدم الإيثوس والباثوس واللوغوس على نحو فعال. أولاً، شخصية لوراكس ومصداقيته (إيثوس) ليست مؤثرة، لأن نبرته مهينة و”حادة ومتسلطة”. إنه لا يلتمس تقدير وانسلر للطبيعة (باثوس)، ولا يتحدى استخدامه للعقل (اللوغوس) معتقدات وانسلر المبنية على أن التقدم يقتضي استغلال الطبيعة، وأن هذا الاستغلال يمكن أن يدوم إلى أجل غير مسمى، وأن هذا التقدم إنما هو منفعة تلقائية وحتمية. في الواقع، ومثلما يحاجج إيان مارشال Ian Marshall))، يفترض كل من لوراكس ووانسلر أن غابة التروفولا وسكانها ملكيةٌ – ويدور النقاش حول ما إذا كانت الغابة في ملكية لوراكس الساعي إلى حفظها، أم هي في ملكية وانسلر الهادف إلى استغلالها في سبيل التنمية.

بدلاً من رؤية النظام البيئي بوصفه ملكيةً، جادلت سوزان روس (Suzanne Ross) بأن لوراكس أضاع فرصة تعريف النظام البيئي خطابيًا على أنه جماعة – جماعة لا تشمل المكان والنباتات والحيوانات فحسب، بل تشمله هو وخصمه المزعوم وانسلر كذلك. فبخلق جماعة أكثر تنوعًا وتعقيدًا مما كانت عليه في الأصل، يصبح بإمكان لوراكستنزيل استراتيجيات للتفاوض والتعاون؛ بحيث يلتمس احتياجات كل قسم من أقسام هذه الجماعة المركبة. والأهم من ذلك، تجادل روس بأن فشل لوراكس – وبالأحرى، فشل وانسلر – مرده هو النزعة الفردية: إذ “يرى كل واحدٍ منهم نفسه فردًا بارزًا بوضوح أمام البيئة الخلفية”. لو رأى لوراكس نفسه متحدًا بالآخرين وعضوًا في الجماعة المنتمية إلى النظام البيئي، لربما نجح خطابه من خلال “إيثار الإشراك على الإقصاء، والمشاركة على المنافسة، والإقناع على التسلط، والتماهي على الانعزال”. وبدلاً من “التحدث باسم الأشجار” أو “التحدث إلى وانسلر“، كان من الممكن أن يخلق لوراكس، لو كان متحدًا بذاته، إمكانيةً “للتحدث مع” الآخرين.

ومثل قصة اللوراكس، تتناول دانا ليونز Dana Lyons)) في قصتها التي تحمل عنوان: “الشجرة” The Tree)) مشكلة القطع الكلي للأشجار، وهلاك الحيوانات، وضياع الموائل. وتُروى القصة هذه المرة على لسان شجرة معمّرة من نوع تنوب دوغلاس. إلا أن الحل الذي خلصت إليه الحكاية كان غير مناسب للمشكلة: تُختتم السردية بمشهد أطفال يشبكون أيديهم حول قاعدة الشجرة، وبصورة لطفلة تحمل الشجرة بين يديها في إجلال. بالرغم من أن القصة تدافع عن الإشراف البيئي، فإن تشبيك الأيدي حول شجرة – في إشارات متنوعة إلى حركة شيبكو الهندية، فضلًا عن هدف جوليا بترفلاي هيل في العيش على الأشجار والذي استمر لعامين – يعرض استراتيجيةً واحدةً للمقاومة فقط، ولا يطرح أي استراتيجية بديلة للنهوض باقتصاد الجماعات المحلية. يعظ الكتابُ المؤمنينَ الجدد بقضية البيئة، وينحو منحى عاطفيًا عند الحديث عن الطبيعة والطفولة من خلال “المحاكاة المتعجرفة لصوت الشجرة [علاوة على] الصرخات الساذجة عند طلبها مساعدة الأطفال”. بيد أن الإمساك بالأيدي حول الأشجار هي آخر استراتيجية لوقف الجرّافات، والمطلوب هنا هو إعادة التقييم الثقافي والاقتصادي لإقامة الترابط الكائن بين الإنسان والطبيعة.

على النقيض من سلسلة الأطفال الأمريكية الشهيرة حول دورا المستكشفة وقريبها دييغو منقذ الحيوانات الذي يسارع لإنقاذ الحيوانات البرية من الأخطار المحدقة بها (كالتيه، والوقوع وسط الشجيرات)، تُظهر مجموعة متزايدة من قصص الأطفال المتمحورة حول البيئة طريقة لإنقاذ الحيوانات على نحو أدق؛ تحمل وصفًا للمشاكل الحقيقية التي تحتاج حلولًا فعلية. في قصة داف بيلكي Dav Pilkey)) التي تحمل عنوان: “كانت الليلة التي تسبق عيد الشكر” Twas the Night Before Thanksgiving))، يتخذ الأطفال إجراءات مباشرة تليق بجبهة تحرير الحيوانات، فبعد زيارة التلاميذ لمزرعة للديكة الرومية، واتصالهم مع هذه الطيور، يُدركون أن المُزارع ينوي قتلها. فيحرر كل طفل طائرًا، ويخبئونها في قمصانهم وستراتهم ومعاطفهم، ثم يحضرونها إلى منازلهم لكي تحتفل معهم بعيد الشكر رفقة عائلاتهم وتتشارك معهم في تناول وجبة نباتية. تعرض قصة بيلكي أمام الأطفال صورةً لهوية ذاتية متحدة (ليست منعزلة) من خلال إظهار التعاطف الفطري الذي يكنّه الأطفال تجاه الحيوانات، فضلًا عن إظهار نجاح استراتيجية عملهم الجماعي في إنقاذ الحيوانات من أن تصبح لحومًا معدة للاستهلاك البشري.

تُقارن قصة أخرى من الهند، بعنوان: “راني وفيليسيتي: قصة دجاجتين” (Rani and Felicity: The Story of Two Chickens)، حياة دجاجتين مختلفتين، إحداهن تعيش في مزرعة تتبع مبادئ الزراعة الحيوانية الصناعية (“الزراعة الكثيفة”)، والأخرى تعيش حياتها في مزرعة عائلية محدودة الإنتاج. تكشف هذه القصة مشاكل الاغتراب والتراتبية في العلاقات بين الإنسان والحيوان، وتعرض بديلًا يحمل آثار على الزراعة المستدامة، ورعاية الحيوان (إن لم يكن حقوق الحيوان)، والاقتصادات القائمة على الجماعات المحلية. في خطوةٍ لتدعيم حقوق الحيوان، يعرض كتاب مصوّر من كندا بعنوان: “قصة موجو عن الدجاجة كلارا” (Mojo’s Story of Clara the Chicken) قصةً على لسان الغراب موجو، يحكي فيها عن تمكّن دجاجة ربيت في المصنع من إنقاذ نفسها عن طريق التفوق على آسِرها والهرب من القفص الذي كان يسجنها، ثم عرجت القصة عن الطريقة التي استطاعت بها امرأة صديقة من إنقاذها، إلى أن أحضرتها إلى مركز العناية بالطيور البرية؛ حيث استطاعت أن تعيش ما تبقى من حياتها رفقة الطيور الأخرى.

وتُصور قصة أخرى من كندا، والمنشورة عام 1991 بعنوان: “لينا والحوت” (Lena and the Whale)، عمليات الإنقاذ العديدة التي قامت بها فتاة صغيرة، والتي تُوجت بتعافي الحيوان وإطلاق سراحه؛ وفي آخر المطاف، تحاول الفتاة إنقاذ حوت صغير عالق على الشاطئ وإعادته إلى البحر، واستغرقها ذلك حشد جميع أعضاء الجماعة المحلية التي تنتمي إليها لينا. أما قصة: “بادي، الغير مقيّد” (Buddy Unchained) والصادرة عام 2006، فتصف الحياة القاسية للكلاب المقيدّة بالسلاسل، وهي قصة تؤطرها الرعاية التي أسبغتها العائلة على الكلب بادي، بحيث صادقته وجعلته “فردًا من أسرتها الدائمة”. جميع هذه القصص عن الأطفال والحيوانات تُظهر طفلًا (إما بمفرده أم بكونه يقود شخصًا آخرًا بالغًا، أو جماعة) يهمّ بإصلاح العلاقات الغير متكافئة بين الإنسان والحيوان، وبالتالي بناء روابط من الصداقة والمعاملة السويّة (بالمثل).

ثالثًا، ما نوع الفاعلية التي يقرّها النص في الطبيعة؟ هل الطبيعة شيء ينبغي أن ينقذه الطفل الفاعل البطل؟ هل الطبيعة فتاة في محنة، أم هي أمّ متفانية، أم الطبيعة تملك ذاتيتها الخاصة وفاعليتها؟

قد يُطالع الأطفال روايات مستترة عن الاستعمار والصناعية والأضرار البيئية الناجمة عن هيمنة الثقافة الغربية على الحيوانات والبيئة في الكتب، وبالتحديد مثل كتاب بيل بيت Bill Peet)) المعنون عالم وومب (The Wump World)، لكنهم لا يتعلمون الكيفية للتصدي لمثل هذه المشاكل. في هذه القصة، تُصوَّر الوومبس Wumps)) على أنها حيوانات عاجزة تنكفئ تحت الأرض بينما يدمر الملوّثون كوكبها، ثم ينتقل هؤلاء بحثًا عن كواكب “عذراء” لنهبها دون أن ينتفض أحدًا في وجه ثقافتهم وأنماط استهلاكهم وإنتاجهم. وعندما تصعد حيوانات الوومبس في نهاية المطاف فوق الأرض، يعتريها الحزن بسبب رصف طرقات كوكبها، وانتشار التلوّث، وإزالة الغابات، ثم تجُول في الأرجاء حتى تجد محمية طبيعية أخيرة؛ حيث يمكنها تناول الطعام واللعب حتى تسود نباتاتُ الكوكب الأرضَ في نهاية المطاف. إن الوومبس أجسام مفعولٌ بها؛ لا يمتلكون فاعلية تدعوهم لمقاومة الملوثين: إما يفرون، أو ينتظرون الإنقاذ، ولكن لا يوجد أي منقذَ قادمٌ كي يُنجدهم. لكن في قصص مثل أبيغيل الحوت السعيد (Abigail the Happy Whale) وطيور الحصاد (The Harvest Birds)، نرى أن للحيوانات فاعليةٌ، وهذه خاصية تملك قدرًا كبيرًا من الأهمية في السرديات البيئية الملتزمة باستعادة ذاتية الطبيعة.

بينما تسبح الحيتان الحدباء في جماعتها بحزن، متجهةً صوب انتحار جماعي على شواطئ سانتا مونيكا، تلتقي أبيغيل الحوت السعيد بصديق بحري يلي الآخر، وتستنتج بأن الدلافين والمحار والأسماك الزرقاء والأسماك الذهبية وأسماك أبو سيف والأخطبوط والبط؛ إما محاصرةً، أو مصابة، أو أنها تعاني مع التلوث المنتشر في الخليج البحري. وتحدث نقطة التحول في القصة عندما تتحدث أبيغيل مع بطة جسمها مغطّى بالنفط والستايروفوم والبلاستيك والقمامة، وأمام هذا المشهد تعلن: “علينا أن نُري سكان الأرض حالتنا حتى يوقفوا التلوّث”. لكن البطة الفطِنة تقول لها: “لن يحقق ذلك شيئًا؛ هذا لأنهم يرونني، ومع ذلك يستمرون يلوثون ويلوثون”.

وعند إدراكها أن مشهد “المواتِ” لن يخترق جدار اللامبالاة الذي يلف سكان الأرض، تختار أبيغيل أن تشرع بالعملِ المباشر: فتبدأ بأكل القمامة وصبّها من جوفها إلى الشاطئ. وعلى المنوال نفسه يباشر أصدقاؤها البحريون فعل الأمر عينه؛ مما يؤدي إلى نقل كل قمامة المحيط إلى الشاطئ، مُجبرين بذلك سكان الأرض على نقل القمامة بعيدًا إلى “ساحات القمامات الحقيقية”. وفي الصفحات ما قبل الأخيرة من الكتاب المصوّر، يظهر أشخاص وهم يلتقطون القمامة من الشاطئ ويحملون لافتات كتب عليها: “لا تُلوث” و”نظف الشاطئ”، بينما تسبح الحيتان بعيدًا. وبالرغم من كونها أكثر أشكال التلوث سمّيّةً ودوامًا، يبدو أن الرسالة التي يخاطب بها الكتابُ قرائهم مفادها أن الناس لن ينتقلوا من حال اللامبالاة إلى حال العمل (كتنظيف قمامتهم، كما في القصة) إلا عندما يبادر المقهورون بالتحرك الجادّ، على نحوٍ يجعل الآخرين غير مرتاحين ولا خيار لهم سوى الرّد.

أحد الكتب التي تتمثّل بالقيم التي تتبناها البيداغوجيا الإيكولوجية والنسوية البيئية والعدالة البيئية هو كتاب طيور الحصاد (The Harvest Birds) للكاتبة بلانكا لوبيز دي ماريسكال Blanca López de) Mariscal). في هذه الحكاية الشعبية المأخوذة من الحكايات الشفهيّة لمدينة أواكساكا المكسيكية، يحقق خوان، المزارع العادي، حلمه في الزراعة بنجاح بمساعدة عجوز وطائر. سُمي هذا الشاب خوان زانات بهذا الاسم؛ لأن طائرين من طيور السّواديّة (zanate) يرافقانه دومًا. يحلم خوان بالزراعة، ولكنه فقير جدًا؛ مما يضطره إلى العمل لصالح الآخرين. وأخيرًا يستجمع خوان شجاعته ويطلب قطعة من الأرض لزراعتها: يقابل أغنى رجل في المدينة ويرفض الأخير طلبه بها. عندها يذهب خوان إلى رجل عجوز يناديه الجميع بالجد تشون الذي يوافق على إعارته قطعة أرضٍ شريطة أن يخدمه كل يوم استفاد بها خوان من تلك الأرض، فقط في حال فشله في زراعة أي محصول غذائي.

سخر القرويون من هذا الاتفاق لما بدا لهم بأنه صفقةً مع الشيطان، لكن خوان استحثّ قواه للعمل. يعرض خوان على صاحب متجرٍ مقايضة عمله بالبذور، مسترشدًا بصديقه الطائر غراخو Grajo)). واتباعًا لتوجيهات طائريْ السّواديّة عند زرع البذور: يزرع خوان الذرة والكوسا والفاصوليا معًا، أما البذور المتبقية فيطعمها للطيور حتى لا تجوع. وعندما تُنبِت البذور ينصح الطائرين خوان بزراعة “الحشائش” على حدود أرضه (إذ تحتوي هذه النباتات على مبيد حشري طبيعي)، وبهذه الطريقة يأتي حصاده “عظيمًا”. ثم يبيع خوان محصوله “بسعر ممتاز” ويتقاسم ثروته مع الجد تشون الذي يمنحه الأرض كما وعده ويسأله عن سره. هنا يرد خوان بقوله: “علمتني طيور السّواديّة أن جميع النباتات كالأخوة والأخوات”.

وتتطرق هذه السردية لمستويات عديدة: بتمكين الفلاحين الذين لا يملكون أراضي من زراعة محاصيلهم، وبالدعوة إلى “الإنصات” إلى الحيوانات، وبخلق إرثٍ يتصل بالحفاظ على البيئة ونقل المعارف البيئية خارج نطاق الأسرة الواحدة والمغايرة في النوع.

نحو بيداغوجيا إيكولوجية للأدب البيئي الموجه للأطفال

ما هو التأثير الذي نريد أن نراه على أطفالنا عندما نقرأ وندرس ونعلّم الأدب البيئي الموجه للأطفال؟ بالطبع، أريد لابنتي أن تتصرف بشجاعة وحماس في الدفاع عن الطبيعة، والعمل من أجل إحقاق العدالة العالمية. أريدها أن تستطيع تحليل مشاكل العدالة البيئية بطريقة شاملة، بحيث تكون حلول هذه المشكلات حلولًا عملية. ولكن تطوير هذه القدرة على حل المشكلات، وتغذية نفسها بالعمل المتواصل من أجل العدالة الاجتماعية والاستدامة البيئية، يتطلب مرونة نفسية لا يمكن اكتسابها إلا إذا كانت الهوية الذاتية متحدة: أي أن تكون في اتصال، وابتهاج بالطبيعة، وتواصل مع الثقافات.

نجد في قصة ريتشارد لوف Richard Louv)) الصادرة عام 2005، بعنوان: “الطفل الأخير في الغابة” (Last Child in the Woods)، أن اضطراب نقص الطبيعة ينمو بين أطفال المناطق الحضرية الذين لم يلعبوا يومًا أبدًا في الأماكن البرية ولم يكن لهم أي ارتباط بالطبيعة. تُظهر الأبحاث أن الأطفال الذين يتعلمون عن الطبيعة من الجانب النظري فقط بأنهم لا يُغيرون سلوكياتهم، وأنهم سرعان ما ينسون المعلومات التي درسوها بعد أشهر. في المقابل، عند تقييم مشاكل العدالة البيئية، بدا أن الطلاب يستندون إلى عواطفهم أكثر من استنادهم إلى معارفهم الفكرية المتصلة بعلوم البيئة. ما دامت أولى الصلات العاطفية مع الطبيعة وأقواها مردّها إلى حب الأطفال الفطري للحيوانات، فإن الأدب البيئي الموجه للأطفال قادر على مخاطبة مشاعر الأطفال وإحداث تأثيرات عميقة ودائمة على عواطفهم، ذلك لأنه يتجه إلى المشاعر والأفكار. ومثلما تُبين هذه الأمثلة من الأدب البيئي الموجه للأطفال من الهند والمكسيك وكندا والولايات المتحدة، فإن قصص الكتب المصورة قادرة على محو الأمية الثقافية، وتشجيع الأطفال على إقامة روابط عبر الثقافات وعبر الاختلافات.

هذه الروابط كلها هي الأساس لمحو الأمية البيئية والالتزام بالعدالة الاجتماعية. ولإقامة هذه الروابط، أعرض هنا ستة شروط حدّيّة لإرساء بيداغوجيا إيكولوجية للأدب البيئي الموجه للأطفال، وهي:

البراكسيس / التطبيق العملي (Praxis). تلتزم البيداغوجيا الإيكولوجية بضمان التماسك بين النظرية والممارسة، وتحجم عن تتبع النصوص والدراسات والأنشطة التي تُبعدها عن هدفها المتمثل في وضع النظرية موضع التنفيذ. يتجلى البراكسيس في اختيارات بسيطة، مثل: استعمال الورق المعاد تدويره في المناهج الدراسية، وتشجيع الطلاب على “التقليب في القمامة” بحثًا عن أوراق يمكنهم كتابة مقالاتهم البحثية على ظهورها، أو استخدام مواقع الإنترنت التابعة للمنهج للكتابة والقراءة والنقاش والرد. لقد لاحظ النقاد البيئيون بالفعل الانفصال الخطابي بين القيم التي يتبناها الأدب البيئي الموجه للأطفال والأوراق التي طبعت عليها تلك الكتب. قد يعني الباركسيس لناشري كتب الأطفال الالتزام بالطباعة فقط على الورق المعاد تدويره، والانضمام إلى “مبادرة الصحافة الخضراء” Green Press Initiative)).

يشجع البراكسيس النقل المستدام للطلاب من الفصل وإليه، ويؤدي غالبًا إلى بناء المواطنة، المشاركة والتعلم التجريبي بينهم، وتعلم تقديم الخدمات وبعض الأنواع الأخرى من المشاركة المدنية؛ لمساعدة الطلاب على اختبار معارفهم وتوليفها، وللتصدي للممارسات الاجتماعية المعادية للبيئة أو دعم الاستدامة. إذا كان جذر مشكلة العدالة البيئية يتمثّل في الاغتراب، وفي الذات المنفصلة، وفي تفسخ الروابط، فإن البيداغوجيا الإيكولوجية تجادل بأن الحل يكمن في استعادة هذه الروابط – الروابط بين النظرية والممارسة، والقراءة والفعل، والسرد والطباعة على حدٍ سواء.

تقديم دروس عن البيئة الاجتماعية والطبيعية. تبحث البيداغوجيا الإيكولوجية في النصوص البيئية الموجهة للأطفال في حيثيات قدرتها على إلقاء الضوء على القضايا البيئية الراهنة، فضلاً عن كشف جذور هذه القضايا واستراتيجيات الاستجابة لها، وذلك على الصعيدين الفردي والجماعي.

التدريس في البيئة الاجتماعية والطبيعية. تعمل البيداغوجيا الإيكولوجية على إطلاع الطلاب على علاقاتهم بالبيئات الاجتماعية والطبيعية. فقد ينقل المدرسون فصولهم الدراسية خارج حيطان الفصل إلى أماكن مثل: الشوارع، الأنهار وضفافها، الغابات والجبال والمحيطات، مواطن الحيوانات، وإلى حيث يعيش الآخرون المتنوعين ثقافيًا.

التدريس من البيئة الاجتماعية والطبيعية. تُكيف البيداغوجيا الإيكولوجية الواجبات المدرسية، وتمارين الكتابة، والمشاريع الجماعية، وتعلم تقديم الخدمات، والتعلم التجريبي، والمشاركة المدنية، وذلك من أجل غرضٍ أكبر يروم المرور بالمعرفة إلى حال الفعل؛ لتحقيق العدالة الاجتماعية والبيئية، ولضمان الصحة والاستدامة.

تعليم روابط الاستدامة. تسلّط البيداغوجيا الإيكولوجية الضوء على الروابط البيئية وعمل النظم البيئية بوصفها “طريقة سير الأمور” (حقيقة علم البيئة)، وعلى الانقسام الحاصل بين البشر والحيوانات، وبين البشر والطبيعة، وبين البشر من مختلف أطيافهم، وتعدّها محض طرقٍ أخرى لتعزيز التراتبية والهيمنة. أما الروابط المستدامة فتتضمن في الترابط بين العدالة الاجتماعية والصحة البيئية، وفي الترابط بين البشر وغيرهم من المخلوقات، وفي استحالة الذات المستقلة، وفي ترابط الممارسات الاقتصادية غير المستدامة والظلم الاجتماعي والبيئات غير المستدامة، وغيرها من الأمور التي تحقق التماسك بين النظرية والتطبيق.

الإلحاحية. تشدد البيداغوجيا البيئية على الحاجة إلى العمل والالتزام والتغيير في الحاضر والمستقبل، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالأدب البيئي الموجه للأطفال. وتطالب بإحداث تغييرات شخصية واجتماعية-سياسية من أجل صحة الأرض وصحة سكانها. ويمكن للبيداغوجيا الإيكولوجية أن تشتمل على أنواع النقد البيئي التي تتخطى إطار الدراسات الأدبية – ولكن على النقد البيئي أن يصدر من الناشطين في المجال، الذين يكرّسون أوقاتهم في تعليم الأطفال والبالغين استراتيجيات الاستدامة، والتواصل، وبناء الجماعات الديمقراطية التي تحتوي على كل أشكال الحياة في الأرض.

بحديثي عن البيداغوجيا الإيكولوجية، لا يمكنني أن أختم هذا المقال بإبراز السياقات والروابط، وإغفال السياق الذي أكتب منه. ففي الولايات المتحدة، وأنحاء أخرى متفرقة من العالم، أدى هجْر الأطعمة النباتية التقليدية، لصالح الوجبات السريعة الضارة على النمط الغربي، إلى انبثاق مزيد ومزيد من المزارع الصناعية المدمرة للبيئة، مثل تلك التي فرّت منها كلارا في قصة (Clara the Chicken). إن أدب الأطفال الذي يلتزم بشروط البيداغوجيا الإيكولوجية التي أشرت إليها أعلاه، قد يهيئ الأطفال في جميع أنحاء العالم لمقاومة مثل هذه التطورات المدمرة للثقافة والبيئة. دعونا نخلق جماعات تعزز الروابط بين الأجيال وبين الثقافات والأنواع، جماعات تلتزم بالعيش وبقراءة السرديات عن المقاومة والسرديات التي تتحدث عن العدالة الاجتماعية والبيئية — لنفعل ذلك الآن.

References:

Adamson, J., M. M. Evans, and R. Stein. (eds.). 2002. The Environmental Justice Reader: Politics, Poetics, and Pedagogy. Tucson: University of Arizona Press.

Alaimo, S. 1998. “Skin Dreaming”: The Bodily Transgressions of Fielding Burke, Octavia Butler, and Linda Hogan. In G. Gaard and P. D. Murphy (eds.), Ecofeminist Literary Criticism: Theory, Interpretation, Pedagogy. Chicago: University of Illinois Press: 123- 138.

Anderson, C. and L. Runciman. 1995. A Forest of Voices: Reading and Writing the Environment. Mountain View, CA: Mayfield.

Anderson, L (ed.). 1991[2003]. Sisters of the Earth. New York: Random House/Viking.

Anderson, L, S. Slovic and J. P. O’Grady. (eds.). 1999. Literature and the Environment: A Reader on Nature and Culture. New York: Longman.

Anderson, L. and T. S. Edwards. (eds.). 2002. At Home on This Earth: Two Centuries of U.S. Women’s Nature Writing. Hanover: University Press of New England.

Armbruster, K. 1998. “Buffalo Gals, Won’t You Come Out Tonight”: A Call for Boundary- Crossing in Ecofeminist Literary Criticism. In G. Gaard and P. D. Murphy (eds.), Ecofeminist Literary Criticism: Theory, Interpretation, Pedagogy. Chicago: University of Illinois Press: 97-122.

Author Unlisted. 1995. Ecology and the Child. Special section of Children’s Literature Association Quarterly 19(4) (Winter 1994-95).

—–. 1995. Green Worlds: Nature and Ecology. In S. Rahn (ed.), Special issue of The Lion and The Unicorn 19(2) (December).

Bigwood, C. 1993 Earth Muse: Feminism, Nature, and Art. Philadelphia: Temple University Press.

Bix, D. 2006. Buddy Unchained. Edina, MN: Gryphon Press.

Bradford, C. 2003. The Sky is Falling: Children as Environmental Subjects in Contemporary Picture Books. Children’s Literature and the Fin de Sie’cle: 111-120.

Burningham, J. 1989. Oi! Get Off Our Train! London: Jonathan Cape.

Carr, G. (ed.). 2000. New Essays in Ecofeminist Literary Criticism Lewisburg: Bucknell University Press.

Chapel, F., S. James and J. C. McDermott. 2008. The Green Earth Book Award. Book Links (March): 26-29. Online at: www.ala.org/booklinks.

de Mariscal, B. L. 1995. The Harvest Birds/los pájaros de la cosecha. San Francisco: Children’s Book Press.

Dobrin, S. I and K. B. Kidd. (eds.). 2004. Wild Things: Children’s Culture and Ecocriticism. Detroit: Wayne State University Press.

Farrelly, P. 2006. Abigale the Happy Whale. New York: Little, Brown and Co..

Gaard, G. 1993. Ecofeminism and Native American Cultures: Pushing the Limits of Cultural Imperialism? In Ecofeminism: Women, Animals, Nature. Philadelphia: Temple University Press: 295-314.

Gaard, G. and P. D. Murphy. (eds.). 1998. Ecofeminist Literary Criticism: Theory, Interpretation, Pedagogy. Chicago: University of Illinois Press.

Gates, B. 1998. Kindred Nature: Victorian and Edwardian Women Embrace the Living World. Chicago: University of Chicago Press.

Geisel, T. S. (Dr. Seuss). 1971. The Lorax. New York: Random House.

Glotfelty, C. B. and H. Fromm. (eds.). 1996. The Ecocriticism Reader: Landmarks in Literary Ecology. Athens, GA: University of Georgia Press.

Greene, J. n.d. Mojo’s Story of Clara the Chicken. Canada: Wild Bird Care Centre/Black Feather Productions.

Heller, C. 1999. Ecology of Everyday Life: Rethinking the Desire for Nature. Montréal: Black Rose Books.

Henderson, B., M. Kennedy and C. Chamberlin. 2004. Playing Seriously with Dr. Seuss: A Pedagogical Response to The Lorax. In S. I. Dobrin and K. B. Kidd (eds.), Wild Things: Children’s Culture and Ecocriticism. Detroit: Wayne State University Press: 128-148.

Humes, B. 2008. Moving Toward a Liberatory Pedagogy for all Species: Mapping the Need for Dialogue Between Humane and Anti-Oppressive Education. Green Theory and Praxis: The Journal of Ecopedagogy 4(1): 65-85.

Kahn, R. 2008. From Education for Sustainable Development to Ecopedagogy: Sustaining Capitalism or Sustaining Life? Green Theory and Praxis: The Journal of Ecopedagogy 4(1) (2008): 1-14.

Kessler, D. 1991. Lena and the Whale. Charlottetown, P.E.I.: Ragweed Press.

King, Y. 1989. The Ecology of Feminism and the Feminism of Ecology. In J. Plant (ed.), Healing the Wounds: The Promise of Ecofeminism. Santa Cruz, CA: New Society Publishers: 18-29.

Levy, W. and C. Hallowell. 1994. Green Perspectives: Thinking and Writing about Nature and the Environment. New York: HarperCollins.

Louv, R. 2005. Last Child in the Woods: Saving Our Children from Nature Deficit Disorder Chapel Hill, NC: Algonquin Books.

Lyons, D. 2002. The Tree. Bellevue, WA: Illumination Arts.

Marshall, I. S. 1996. The Lorax and the Ecopolice. Interdisciplinary Studies in Literature and Environment 2(2) (Winter ): 85-92.

Mockler, K. 2004. Green Kids Books. Green Guide. November/December. Issue #105. Online at: http://www.thegreenguide.com/doc/105/books.

Monhardt, R. and L. Monhardt. 2000. Children’s Literature and Environmental Issues: Heart over Mind? Reading Horizons 40(3) (Jan/Feb.): 175-184.

Morgan, S. and D. Okerstrom (eds.). 1992. The Endangered Earth: Readings for Writers. Boston: Allyn and Bacon.

Norwood, V. 1993. Made From This Earth: American Women and Nature. Chapel Hill, NC: University of North Carolina Press.

Op de Beeck, N. 2005. Speaking for the Trees: Environmental Ethics in the Rhetoric and  Production of Picture Books. Children’s Literature Association Quarterly: 265-287.

Peet, B. 1970. The Wump World. Boston: Houghton Mifflin.

Pilkey, D. 1990. ‘Twas the Night Before Thanksgiving. New York: Scholastic/Orchard Books.

Plevin, A. 2004 Still Putting Out “Fires”: Ranger Rick and Animal/Human Stewardship. In S. I. Dobrin and K. B. Kidd (eds.), Wild Things: Children’s Culture and Ecocriticism. Detroit: Wayne State University Press:168-192.

Richardson, J. and P. Parnell. 2005. And Tango Makes Three. New York: Simon and Schuster Books for Young Readers.

Ross, C. 1995. Writing Nature: An Ecological Reader for Writers. New York: St. Martin’s.

Ross, S. 1996. Response to “The Lorax and the Ecopolice” by Ian Marshall. Interdisciplinary Studies in Literature and Environment 2(2) (Winter): 99-104.

Shiva, V. and Radha. 1996. Rani and Felicity: The Story of Two Chickens. New Delhi: Research Foundation for Science, Technology, and Natural Resource Policy.

Silverstein, S. 1964. The Giving Tree. New York: HarperCollins.

Slovic, S. H. and T. F. Dixon. (eds.). 1993. Being in the World: An Environmental Reader for Writers. New York: Macmillan.

Sobel, D. 1996. Beyond Ecophobia: Reclaiming the Heart in Nature Education. Nature Literacy Series #1. Great Barrington, MA: The Orion Society.

Stein, R. 1997. Shifting the Ground: American Women Writers’ Revisions of Nature, Gender, and Race. Charlottesville: University Press of Virginia.

—–. (ed.). 2004. New Perspectives on Environmental Justice: Gender, Sexuality, and Activism. New Brunswick, NJ: Rutgers University Press.

Sturgeon, N. 2004. “The Power is Yours, Planeteers!” Race, Gender, and Sexuality in Children’s Environmental Popular Culture. In R. Stein (ed.), New Perspectives on Environmental Justice: Gender, Sexuality, and Activism. New Brunswick, NJ: Rutgers University Press.

Verburg, C. J. 1995. The Environmental Predicament: Four Issues in Critical Analysis. Boston: Bedford-St. Martin’s.

Walker, M. (ed.). 1994. Reading the Environment. New York: Norton.

Warren, K. 1990. The Power and The Promise of Ecofeminism. Environmental Ethics 12: 125- 146.

Weisser, C. R. and S. Dobrin. (eds.). 2001. Ecocomposition: Theoretical and Pedagogical Practices. Albany: State University of New York Press.

Westling, L. 1996. The Green Breast of the New World: Landscape, Gender, and American Fiction. Athens, GA: University of Georgia Press.

Acknowledgement

The author gratefully acknowledges pattrice jones, author of Aftershock: Confronting Trauma in a Violent World and co-founder of the Eastern Shore Sanctuary, for her helpful comments on an earlier version of this article.

حمل مقالة نحو إرساء بيداغوجيا إيكولوجية للأدب البيئي الموجه للأطفال