من التساؤل الفلسفي إلى التساؤل الرياضي في الصف الدراسي

ناديا ستويانوفا كينيدي

جامعة الولاية نيويورك

ستوني بروك، الولايات المتحدة الأمريكية

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

المصدر/Kennedy, N. S. 2007, ‘From philosophical to mathematical inquiry in the classroom‘, Childhood & Philosophy, vol.6, pp.289-311.

ترجمة وتدقيق: علوي السقاف

نبذة:

تناقش هذه الورقة بعض التشابهات والفروق البارزة بين مجتمع التساؤل الفلسفي (CPI) ومجتمع التساؤل الرياضي (CMI)، وتقدّم عدّة أمثلة على تطبيق التساؤل الرياضي في سياق مادة الرياضيات في المدرسة. تم اقتراح ثلاثة أساليب للتساؤل الرياضي. يبسّط الأسلوب الأول عملية التساؤل في قضايا رياضية؛ بأن يوفّر وسيطًا “للتحدث والتفكير الرياضي”. في هذه الحالة يعدّ التساؤل الرياضي بشكل أساسي وسيلةً من أجل حلّ المشاكل، التعرّف عليها وتحديدها، العمل ضمن منهجيات مختلفة لحلّها، التفكير في بدائل مقترحة، التحقق من الحلول، والتوصّل للنتائج. الأسلوب الثاني يقودنا نحو “الحديث حول الرياضيات” عبر تساؤل تعاوني ضمن مفاهيم رياضية مثل البدهيّات، النظريات، الخوارزميات، اللانهايات وتقديم أسئلة فلسفية معنيّة بالرياضيات بوصفها نظامًا لديه قوانين وهيكلة خاصة وعلاقتها بالتجربة الإنسانية. أما الأسلوب الثالث فهو معنيّ بأن يجعل من التساؤل الرياضي أداة ما فوق حوارية لاستيعاب “التحدث والتفكير الرياضي” و “الحديث حول الرياضيات” في نطاق تجربتنا الجمعية، ويمكن وصفه بأنه “الحديث عن الفعل الرياضيّ”.

كلمات مفتاحية: تعليم الرياضيات؛ مجتمع التساؤل الرياضي؛ تعلّم الرياضيات وتدريسها

من التساؤل الفلسفي إلى التساؤل الرياضي في الصف الدراسي

ناديا ستويانوفا كينيدي

   ما زال تعلّم الرياضيات وتدريسها يعاني من تلك النماذج التقليدية والمتوارثة والتي لا تزال تصف الرياضيات بأنها “نقل” للحقائق، القوانين، أو المفاهيم المفككة من المعلم إلى الطالب الذي يُتوقع منه أن يجد الروابط بين تلك المفاهيم من تلقاء نفسه سواء في الحاضر أو في لحظة مستقبلية. يمكن أن تعزى هذه الإشكالية وغيرها من المشكلات التعليمية والتربوية في تعلم الرياضيات والتي تسود هذا المجال إلى اعتقادات معرفية ووجودية ذات نطاق أوسع، والتي أصبحت محلًا للجدل منذ نصف القرن الأخير.

   أحد التحديات البارزة لوجهة النظر التقليدية تم تقديمه من قبل النظريات البنائية والتي تعي التعليم الرياضي بصفته شكلًا حيويًا من الحدس الذي يعد بطبيعة الحال موجّهًا نحو البناء المفهوميّ وخلق الروابط بين المفاهيم المختلفة؛ عوضًا عن كونه تراكمًا للحقائق، والأفكار غير المترابطة أو تبنّي الحقائق الثابتة. الممارسة الرياضية سواءً بصفتك متعلمًا، معلّمًا، ممارسًا تطبيقيًا أو باحثًا، يعد في هذا العصر أمرًا له مغزى وفاعلية كونه يتضمن تفكرات في آراء الآخرين، استكشاف النظريات والفرضيّات التي تعد فعّالة، القيام باستدلالات وتقديم تفسيرات. غير التغير الحادث في التركيز على العملية التعليمية من نطاق فرديّ نحو آخر ذي سياق جماعي في الفصل الدراسي. يمكن أن نعتبر الأخير بأنه واعد من ناحية الاسهامات الممكنة التي يمكن تقديمها عبر الأساليب الإبداعية من أجل عملية تعليمية أثرى من ناحية تعلم الرياضيات وتدريسها.

  تشجّع الرؤية البنائية التي يتشاركها المعلّمون الرياضيون البارزون حول العالم على خلق بيئة تعليمية تتعرّف وتستغل معرفة الطلاب العامة والأفكار العفوية التي تتولد لديهم، وتتوقع من الطلاب العمل بشكل تعاونيّ مع زملائهم في المهام الرياضية التي صُمّمت لتشجيع التساؤل الفرديّ والجماعي، تواصل الأفكار الرياضية، والاستكشاف المشترك للتقاطعات المحتملة. المعنى والغاية من هذه الرؤية دعم الطلاب في بناء، تقوية، وربط العديد من التمثيلات للأفكار الرياضيات لديهم وتطوير عمق أكبر من أجل استيعاب التعقيدات في الفهم الرياضي وعلاقة المفاهيم الرياضية بالعالم. هناك حاجة على أية حال إلى نماذج فعّالة تتضمن هذه الرؤية التعليمية والتي تعد قادرة على أن تخدم المعلّمين بصفتها مرجعًا لهم.

   تعدّ الفلسفة للأطفال (P4C) -باعتبار منهجها المميز وأسلوبها التربويّ المصمّم لتوجيه الطلاب نحو لُقيا تعاونية مع عناصر الفلسفة عبر النصوص السردية والحوار الجماعي- برنامجًا قادرًا على المساهمة في إيجاد نماذج فعّالة. لا يقدّم منهج البرنامج أي نصوص رياضية، أو أهداف منشودة متعلقة بالتفكير الرياضية أو المعرفة بشكل خاص سوى تركيزه على التفكير الناقد. رغمًا عن ذلك، تقدّم نظرية الفلسفة للأطفال ومنهجيتها العديد من الفرص من أجل التقمّص الإبداعي في سياق تعلم وتدريس الرياضيات. منهجية الفلسفة الأطفال والتي هي (مجتمع التساؤل الفلسفي) تتضمن عملية بناء واعي للحدث الصفّي والذي يعدّ منبثقًا، تشاركيًأ، حواريًا، ومساويَا. تم استعمال نموذج تربويّ أكثر وضوحًا لمجتمع التساؤل الفلسفي في تعليم الرياضيات ضمن عدّة نسخ: Ball, 1995; Lampert, 1990, Schonfeld, 1989; Cobb et al, 2001; Goos 2004; Boaler & Humphreys, 2005. وفي تعليم الرياضيات عادة ما يشار إلى مصطلح مجتمع التساؤل الفلسفي في هيكل التدريب الرياضي في الصف الذي يتفاعل فيه مجتمع التعلّم في الممارسة الرياضية تعاونيًا. بعيدًا عن ذلك، فهي -أي الفلسفة للأطفال- تختلف بشكل واسع في الأهداف والسمات.

      شكل مجتمع التساؤل الرياضي الذي نطوره أنا ومجموعة من الزملاء يتضمن أكثر السمات جوهرية في مجتمع التساؤل الفلسفي كما تم تجسيدها من قبل الفلسفة للأطفال، لكنه يقدّم مزيدًا من الفروقات البينية بين المجالين. فيما يلي سأبين أوجه الشبه والتباين بين مجتمعات التساؤل الفلسفي والرياضي، وبعد ذلك سأقدم مجموعة من الأمثلة لتطبيقات مجتمع التساؤل الرياضي في سياق مادة الرياضيات في الصف الدراسي.

   هدف رئيسي لكليّ مجتمعيّ التساؤل بناء المعنى وتشكيل المفاهيم، ليس عبر النقل والتلقي، ولا التفكّر الذاتي والتي هي بحد ذاتها حواريّة، ضمنًا لذلك هي عملية جدليّة والتي تمضي قدمًا عبر التعامل مع الأفكار المتضاربة ومحاولة فكّ العقد والتناقضات التي تتم مواجهتها. معرفيًا وبمصطلح نظرية التعلم تعمل هذه العملية بناء على الإدراك المتوزّع أو المعرفة التي تتشكل جماعيًا عوضًا عن التشكيل الفرديّ لها.

   يتم بناء أي حوار في مجتمعات التساؤل الفلسفي أو الرياضي على ما يسبقه، أو يبرز كحوار معاكس له. وبالتالي فإن جدليّة مجتمعات التساؤل تعد عشوائية وغائية (ليبمان، 1991م). ويمكن التأثير فيها بأي عنصر من عناصر النظام الإدراكي، على سبيل المثال: التأثر بأي عضو مشارك. أيضًا عبر أي عامل في الوسط الإدراكي مثل: القضية الأولية تحت التساؤل، أمثلة معينة وأخرى معاكسة لها تُقدّم من قبل المشاركين، أو حتى تواجد الافتراضات الواعية أوغير الواعية في الحوار الجماعي.

   أحد السمات التربوية المهمة في تشكيل مجتمع التساؤل أنها تعمل في المنطقة الجمعية من التنمية القريبة التي تعمل على إنشاء أفكار “scaffold”، ومهارات وتصرفات كل فرد. عملية سكافولد في مجتمع التساؤل الرياضي هي ذاتها في مجتمع التساؤل الفلسفي؛ تعمل عبر عمليات ضمنية، أو عبر مشارك يقوم بالتوضيح، إعادة الصياغة، التلخيص، والشرح. كما يحدث ذلك عبر التحديّ والخلاف أو الشك في وجهة نظر أحدهم؛ مما قد يدفع المشاركين لأن يقوموا بتوضيح أفكارهم. وبالتالي تفُهم السكافولدية بأنها تتضمن وتؤدي إلى تخريج المفاهيم عبر ظهورها في مجتمع التساؤل الفلسفي؛ مما يجعل “استيعابها الداخلي” ممكنَا من قبل الفرد، بالتالي هي تمثّل مثاليّ فيجوتسكي على التعلم في أنها: “عملية تمثل نشاط خارجي يعاد هيكلته ويبدأ في الحدوث داخليًا” والآخر: “عملية علاقيّة -أي تحدث عبر العلاقات المجتمعية- ويتم تحويلها إلى أخرى جوّانية فردية”. يمكن القول بأن مجتمع التساؤل يمثّل الوضع المثالي من أجل تكييف ماهو جوّاني من أجل العملية التي تحدث ضمن الصلات والروابط الجماعية، ليس على المستوى المفاهيميّ فحسب بل أيضًا على المستوى السلوكي. على سبيل المثال: تطوّر عادات التحكم والسيطرة على الذات إدراكيًا وسلوكيًا.

   مجتمع التساؤل الفلسفي بصفته نظامًا مفتوحًا ومنبثقًا يتوسّط باستمرار المزيد من التقدّم الإدراكي عبر إعادة التجسيد لما يحدث بالداخل في السجال المجتمعي، متبوعًا بمزيدًا من الاستيعاب الداخلي، وهلمّ جرًا في صعود حلزوني (فيجوتسكي، 1978). المهارات والنزعات للجدل التي تٌنتقى عبر التفاعل الجماعيّ، على سبيل المثال: القيام بافتراض، تقديم مثال معاكس، أو التعليل بشكل قياسي أو تشبيهيّ، في هذا السياق، تُستوعب داخليًا من قبل كل فرد في العملية الحوارية وبالتي تُنقل في شكل مهارات شخصية ونزعات تغذّي العملية الجماعية رجعيًأ مع مرور الوقت. بشكل خاص نود أن نشير إلى نتيجتين إدراكيتين وسلوكيتين محددتين تنتجان من هذا التفاعل بين العمليات الداخلية-الخارجية: 1-التحوّل المفاهيمي الفرديّ والجماعي المستمر ويمكن مشاهدته في مجتمع التساؤل الرياضي. 2- النمذجة المستمرة في تفكير المجموعة وحركة الجدل وأنماطه، الذي يؤدي إلى اعتيادات ونزعات في التفكير والجدل عند الحوار. 3-التنمية المستمرّة للتفكير والحركات الجدلية في جعلها ضمن نمط عادات فكرية مستقرة. (كينيدي 2005).

   بالتالي، نستخلص من نظرية الفلسفة للأطفال، خبرتي التعليمية لمادة الرياضيات والتجارب ضمن مجتمعات التساؤل الرياضي، ثلاثة أساليب تضمّن منهجية مجتمع التساؤل في تعليم الرياضيات وتعلّمها. يشير الأول إلى أننا قد نمارس منهجية مجتمع التساؤل للتساؤل في مشاكل رياضية نقيّة وبسيطة، وذلك هو أن “تمارس وتتحدث رياضيًا”. في هذه الحالة مجتمع التساؤل الرياضي هو بشكل أساسي الطريق من أجل حل المشاكل، التعريف بها، تفسيرها، والعمل بعدّة طرق لحلّها، بأساليب وطرق أخرى، تأكي الحلول، والتوصّل لنتائج. الأسلوب الثاني يقودنا نحو “الحديث عن الرياضيات” عبر التساؤل المتعاون لمفاهيم رياضية مثل البدهيات، النظريات، الخوارزميات، اللانهائية، وتقديم الأسئلة الفلسفية التي تعنى بالرياضيات كونها نظام لديه هيكلته وقواعده الخاص وعلاقتها بالتجربة الإنسانية. الأسلوب الثالث يستخدم مجتمع التساؤل الرياضي للتساؤل المافوق الإدراكي في جعله ضمن التجربة الجمعية في “الحديث عن الممارسة الرياضية”. تجربة مشابهة في التحليل المافوق إدراكي تعد أداة فعّالة لجلب الوعي للقضايا التي كان يمكن أن تبقى غير مُلاحظة. على سبيل المثال، بعض الطلاب خائفون من المشاركة في النقاشات الجماعية بسبب قلقهم من أن يكونوا على خطأ، حتى يتم الاستيعاب الجماعي كيف يمكن للخطأ أو الفهم الخاطئ أن يكون مهمًا لتنمية فهم فكريّ أكثر تعقيدًا. ما بعد ذلك هو جمع هذه الأساليب الثلاثة لمجتمع التساؤل الرياضي، متبوعًا بأمثلة من عملي مع طلاب المرحلة الأساسية في المدرسة.

   مجتمع التساؤل الرياضي يعد في الواقع بيئة العمل المثالية ل”الممارسة والحديث بشكل رياضي”. نسخ متعددة من التساؤل الفلسفي مورست من قبل معلميّ الرياضيات، وجميعها استفادت من إمكانية التفكير التعاوني والتواصل مع الطلاب على حل المشاكل الرياضية. أحد أكثر الأبحاث توثيًقا في أسلوب مجتمع التساؤل الرياضي يصوّر العمل الجمعي على مشاكل رياضية تم تعريفها بشكل واضح. على أننا نتفق أن أسلوب التساؤل المشترك والمتعاون لتسهيل حلّ المشاكل الرياضية مهم، أريد هنا أن أقترح أن المزيد يمكن اكتسابه عبر التساؤل في المشاكل الرياضية الأكثر غموضًا، المفتوحة للتأويلات، والتي قد تستدعي تعريفات للمفاهيم أو المصطلحات. مهمة الميّسر أن يختار المشاكل الرياضية التي لا تعد حسابية ولا تقدّم أي طرق واضحة وسريعة للحل، أو التي تقدم أكثر من إجابة واحدة. هدف رئيسي من هذا الشكل التساؤلي ليس “الإجابة الصحيحة” للمشكلة الرياضية كما ندعوه “البقايا” التي تأتي كنتيجة للتجربة الجماعية من التفكّر الدقيق (دافيس وسمت، 2003). هذه “البقايا” قد تكون أي شيء للتجربة الجماعية إذا أخذناها من فهم أكثر تعقيدًا للفكرة القائلة بأن المشكلة الرياضية يمكن أن “تُقرأ” وتُفسّر بعدّة طرق، هذه التجربة التي تعدّ عينًا نابضة بالأفكار ومحاورًا مؤثرًا يساعد الفرد في إعادة تشكيل أفكاره. يتوازى هذا مع هدف أساسي آخر بالنسبة للميّسر في عملية حل المشاكل الجماعية، بغض النظر عن نوعية المشاكل الرياضية التي تعمل عليها المجموعة، في أن يشجّع الطلاب على أشكلة الرياضيات -أي أن يولّدوا مزيدًا من المشاكل الرياضية-، وليطوّروا أسلوبًا متشككًا صحيًا الذي يستحثّ التساؤل للافتراضات الكامنة والتقييم الدقيق للأساليب والحلول المقترحة. مجتمع التساؤل الرياضي يعد أمرًا مثاليًا لهدف مشابه، حيث أنه يوفّر فرصًا للميسّر في أن يمثّل طرقًا أكثر عمومًا لحلّ المشاكل

 بالإضافة إلى أنها طريقة معينة لحلّ المشاكل الرياضية للطلاب. فإن هذا السياق الاستطرادي يشجّع على ظهور أساليب جديدة نحو الرياضيات، بالإضافة إلى مهارات ونزعات أفضل للتفكّر المشترك، مثل: مساءلة الطرق أو استشعار المشاركة المقاسة في الحوار الجماعي.

هذه التشكيلة لمجتمع التساؤل الرياضي تضع المشاركين بصفتهم داخل النظام الرياضي كمجموعة من مسني القوانين- يُتوقّع منهم معرفة القوانين والمبادئ الرئيسية في الرياضيات، وحلّ هذه المشاكل الرياضية وفقًا للقوانين التي تعدّ تأسيسية للنظام الرياضي.

   وبالنسبة للأسلوب الثاني “الحديث عن الرياضيات”، لدينا مثال ثري في الفلسفة للأطفال والتي علّمتنا أن نصنع ونسهّل الحوارات النقدية المركزة على أسئلة وأفكار فلسفية. في الحقيقة، تسريب بعد فلسفي في التفكير الرياضي والتواصل في الصف قد يوفر سياقًا جديدة لبحث فلسفي-رياضي في منطق الرياضيات كنظام بدهيّ-

تكمن قوته وحدوده- وفي الصلات بين الرياضيات والتجربة الإنسانية. التساؤل الفلسفي الذي يركز على الفئة السابقة يمكن أن يشجع بحثًأ عن المعاني في المفاهيم الرياضية التي لم يتم طرحها بشكل تقليدي في الحوارات الصفية للرياضيات المدرسية، مثل: اللانهاية، المسلّمات، الخوارزميات أو طبيعة واستخدام النماذج الرياضية. بالإضافة لذلك فإن التساؤل الجماعي في المعنى للمصطلحات التي لا تعد رياضية ولكنها تفصح عم معنى جديد عندما يتم وضعها في سياق رياضي يمكن أن يثري ويعمّق من فهم الطلاب، مثل: “ممتاز”، “واضح”، و”التفكير”، كما يتم تضمينها في أسئلة التساؤل “ماهو التفكير الرياضي؟”، “ماهو الحل الممتاز؟”، أو “ماهو الواضح في الرياضيات؟”.

   أبحاث فلسفية أخرى تثير أسئلة تركّز على الرابطة بين الرياضيات والتجربة الإنسانية. بعض الأمثلة لمثل هذه الأسئلة: “متى يمكننا أن نقول بأننا “فهمنا” المفهوم الرياضي؟”، “مالذي يجعل المسألة الرياضية صعبة؟”، “هل الرياضيات مرآة للعالم، خريطة، نموذج، أو شيء آخر؟”، “هل يمكن لشيء أن يكون محدود ولا محدود في نفس الوقت؟”، “هل يمكننا صنع نماذج رياضيات للعلاقات الإنسانية؟”، “أين توجد الرياضيات؟”، “كيف يمكننا أن نثق بالرياضيات فيما ليس مُعاش؟”. نقاشات فلسفية مشابهة تكمّل أبحاث فلسفية أكثر متانة في أنها تسمح لتشكيل الفرد للمعاني والفهم للأفكار وصنع الروابط بينها التي لن تكون متاحة دون إن لم يتم التركيز على الوعي، والتساؤل الفلسفي الرياضي المتفكر. بالتالي، تقديم بعد فلسفي في التساؤل الرياضي يوفّر الإمكانية لتوجّه معرفي أعمق وأوسع للرياضيات، وتجارب تعليمية أثرى في المناهج التعليمية للرياضيات في المدرسة.

   وأخيرًا، في الأسلوب الذي سميته “الحديث عن الممارسة الرياضية”، يمكن لصيغة مجتمع التساؤل أن  تطبق بالنسبة للنقاشات التقييمية أو المافوقية اللي تتبع وقائع الأسلوبين السابقين سواء الأول أو الثاني. يفكر المشاركون هنا في تجربتهم الجماعية سواء في حل المسائل الرياضية أو في هدم أو إعادة بناء المفاهيم الفلسفية الرياضية. نقاشات مافوق إدراكية مشابهة تلزم المشاركين -بمن فيهم المعلّم وقائد المجموعة- ليقيسوا نواحي مشاركتهم في التساؤل الجماعي ولكي يقيّموا السمات الاعتيادية للحدث الذي يبرز عن التساؤل المشترك. عملية تفكير مشابهة مرغوب فيها كونها لا تزيد من وعي المشاركين لتعقيد ديناميكات المجموعة فحسب، بل في نمو الوظائف الإدراكية العليا، والوعي والسيطرة على جودة ونوعية المشاركة. النقاشات المافوقية توفر سياقًا لتنمية فهم أعمق في عمليات تشكيل المعرفة، خصوصًا استيعاب أهمية نقاش المشاكل الرياضية وسوء الفهم الناتج في النزعات المتعلقة بالتقييم الذاتي، وبالتالي تسهّل بشكل أكبر التفكير المستقل والقدرة على التعلّم بتحفيز ذاتي وتفكير دقيق.

   بعد وصف ثلاثة أساليب من التساؤل مناسبة لمجتمع التساؤل الرياضية، أريد أن أقدّم مثالين واقعيين لأول أسلوبين على هيئة نصوص تم أخذها من نقاشين وقعوا بين طلاب المرحلة الأساسية في مدرسة محلية تقع في شمال نيوجيرسي، الولايات المتحدة الأمريكية. تضم أقسام تم اقتطافها من 20 جلسة أسبوعية، 4 دقيقة لكل منها، قمت بها بنفسي مع مجموعة من الصف الخامس عبر مدة زمنية تقدّر بعام دراسي واحد. يصاحب المقتطفات تحليلي الخاص، في محاولة لعرض التوافق بين الأفكار التي ناقشناها بالأعلى ومع الحدث الفعلي الذي خضناه خلال التساؤلات الجماعية.

   مقالة قصيرة 1 : التحدث والممارسة بشكل رياضي: تساؤل في المسائل الرياضية

   النقاش التالي يدور حول القضية التي تم تقديمها من قبل الميّسر كما يلي: يجد ضفدع نفسه في أسفل بئر يبلغ عمقه 30 قدمًا. كل ساعة يتسلق الضفدع 3 أقدام، ويتزحلق مقدار قدمين. كم ساعة يتطلب منه الأمر حتى يخرج من البئر؟ تم تقديم تفسير لهذه المسألة مع الحل التقريبي بسرعة فائقة، أيضًا مع مجموعة الافتراضات غير الموضّحة. ردة فعل أخرى أتت معارضة لهذا التحليل تقودنا مرة أخرى نحو الإطار التفسيري الأول.

سامانثا: يتسلق الضفدع 3 أقدام ويتراجع قدمين؛ لذلك كل ساعة هو يتسلق قدمًا واحدًا، فسيحتاج بالتالي إلى 30 ساعة حتى تخرج من البئر.

فيكتور: لا أتفق مع سامانثا، تظن هي أنه يتطلب خطوة واحدة كل ساعة، لكن ماذا عن 27 ساعة لاحقًا؟ لن يضطر الضفدع أن يتسلق المزيد.

نيلي: أتفق مع الاقتراح الأول-خطوة كل ساعة.

الميّسر: تقصد قدمًا واحدًا كل ساعة؟

نيلي: نعم، قدم كل ساعة. بالتي سيحتاج إلى 30 ساعة؛ لأنني أظن أنه سيتراجع، سوا ذلك فسيكون خارج المسألة.

   عند هذه النقطة المبكرة من المحادثة وصلنا عند ما يدعوه ديوي 1910 بحالة “forked-road””الطريق المتشعب”-الحالة التي تكون غامضة، وتقدّم معضلة، وتقترح بدائل، وتبقينا في ما يدعى ب ”in the suspense of uncertainty” “قلق عدم التأكد” وتدفع بالتساؤل قدمًا. مجاز “الطريق المتشعب” يشير إلى العملية التساؤلية الجماعية والتي بدأت عبر اختيار دقيق لمسألة رياضية، ويركّز على لحظة بداية الفعل للدراما الجمعية التي تحفّز مزيدًا من الالتزام لعملية التساؤل. هي أيضًا ملحق لما يصفه ليون فيستنجر (1975) ”cognitive dissonance” ب” التنافر الإدراكي”- عدم اتّساق متصوّر كنتيجة لتداعي مخادع لمسألتين متناقضتين لا يمكن أن يكونا صحيحتين في ذات الوقت. يؤكد فيستنجر أن التنافر الإدراكي لا يمكن أن يتم تفاديه أو التقليل منه بتجنّبه، بل بتغيير أحد عناصر التنافر، على سبيل المثال: تغيير الاستدلال الخاطئ، أو المقدمات المعيوبة، أو الافتراض غير الصحيح، أو الاعتقادات غير الكافية، ومن منظور جدلي يمكن الحصول على بديل ثالث عبر التوصل إلى نوع من الجمع بين البديلين الآخرين. وباختصار فإن “الطريق المتشعب” تعد حالة من أجل التقييم الراجع أو العكسي لتعليل الطلاب، والتفكر الانعكاسي ليس في الاستدلال فحسب بل المقدمات ومبرراتها المتضمنة.

   في هذه الحالة كان الطلاب لديهم معرفة كافية بتكتيكات الميّسر لمعرفة أن “الإجابة الصحيحة” لن يُتوصّل إليها، وأن وظيفتهم أن يصلوا إلى إجابة عبر التشاور الجماعي. طريقتهم في مواصلة هذا التشاور كانت شفافة كفاية كونها بحثًا مفصّلأ للمزيد من الأدلة مجموعةً بالنظر في عيوب طريقة تعليل بعضهم الآخر. هذا السبر العفوي للمزيد من القرائن أدى إلى التعرّف على منطقة المشكلات وخلق حدودها، ويظهر تفاعلٌ جدليّ بوضوح بين عملية تأطير المشكلة والبحث عن العيوب؛ أي أنهم ينبّهوا بعضهم الآخر. المقتطفة التالية توضّح عملية التأطير وإعادة التأطير هذه:

فيكتور: لا تذكر المسألة ما إذا كان الضفدع سيقرر العودة للبئر بمجرد أن يخرج منه.

راش: أعتقد أنه سيعود إلى البئر.

سمانثا: لكن لماذا عليه أن يعود؟ انظر، أنه يحاول أن يخرج.

تشاس: لكن كان السؤال، متى سيخرج أولًا من البئر؟ أليس كذلك؟

الميّسر: تذكر المسألة “كم ساعة يتطلب الأمر للضفدع حتى يخرج؟” كيف نفسّر ذلك؟

تشاس: إذًا هم يعنون أولًا.

آسيا: قد يعني ذلك أنه مجرد ما يخرج من الماء فإنه لن يعود ثانية. لكن يمكن أن يخرج من الماء ويعود لاحقًا؛ لذا أنا أقول أنه ممكن للحالتين.

الميّسر: سمانثا؟

سماثنا: أعتقد أنه قد يستغرق 28 ساعة لأن ما دام هذا البئر (ترسم رسمة). هذه 27 قدمًا فوق الأسفل، بالتالي سيحتاج إلى 3 أقدام أخرى، بالتالي ساعة أخرى.

الميّسر: لدينا الآن اقتراحين، كيف يمكننا تقييمهم؟

لورا: في الواقع جميها قد تكون صحيحة.

راش: ألن يحتاج إلى بعض النوم؟

باد: إنه خارج المسألة، غالبًا فهو يريد الخروج في أسرع وقت ممكن.

نيلي: لكنه لا يهم سواء خرج أم لا، لأن عليه أن يتسلق رجوعًا “لأننا لا نستطيع أن نخرج عن المسألة”.

الميّسر: تقول نيلي أن الضفدع سيعود إلى البئر حتى إذا كان بالفعل خارجًا. هناك مجموعة من الطلاب تقول أنه بمجرّد ما يخرج الضفدع فإنه لن يحتاج أن يعود. مالذي سنقرره إذًأ ؟

بيل: أعتقد أن فيكتور غالبًا محقّ، لأن بمجرد ما يخرج الضفدع لماذا قد يعود إلى البئر مرة أخرى؟

فيكتور: السؤال يقول “متى سيخرج أولًا من البئر”. قد يعود مرة أخرى، لكن السؤال يصرّح بخروجه لأول مرة أي بعد 27 ساعة.

الميّسر: حسنًا، نستطيع أن نوضّح السؤال بأنه “متى سيخرج الضفدع لأول مرة من البئر؟” دعونا الآن ننتقل من هنا لفحص الحلول. هل هي 27 ساعة، 30 ساعة، أو 28 ساعة سيحتاجه الضفدع؟ لدينا عدة اقتراحات حتى الآن.

رش: اتّفق مع فيكتور؛ لأنك إذا كنت في بئر وتريد التسلق والخروج، هل تظن أنك ستعود إليه مرة أخرى؟ ستخرج فحسب. هذا هو هدفه الرئيسي، لا شيء آخر.

ظاهرة تأطير المسألة والتي سنعود إليها لاحقًا مثيرة للاهتمام من وجهة نظر منطقية. في المقتطفة السابقة يمكننا تتبع النقاش بأنه يبادل بين تأطير المسألة والقيام باستدلال. على سبيل المثال: لكي تكون قادرًا على أن تستدلّ كم سيتطلبه الوقت للضفدع حتى يخرج من البئر، عليك أن تكون قادرًا على إعادة تعريف السؤال “متى سيخرج الضفدع لأول مرة من البئر؟” ينبغي أيضًا أن نشير أن إعادة التعريف هذه زادت من حسّ الطلاب بأنهم يملكون تفسير هذه المسألة، وبالتالي تصرّفوا ليسهّلوا تشاورهم الذي سيتبع ذلك.

   كانت سمانثا من قدّمت الاقتراح الأول، بعدها تخلّصت منه مع التأطير التفسيري الأول، وقدّمت آخرًا مرتبطًا بالثاني. التغيير في مجموعة الافتراضات التي خاضتها عُبّر عنه بشكل واضح، والذي يقترح أنها لم تضع في عين الاعتبار أي بدائل في البداية عندما افترضت أن الضفدع سيتبع النمط ذاته في التسلّق. لكن بعد التفكر في الاقتراح الذي قدّمه فيكتور، أخذته بأنه الأكثر عقلانية والذي يقترح أسلوبها المدروس الذي تم تضمينه كمعيار للتعليل، على سبيل المثال أن الافتراضات يمكن تقييمها، والمقبولة ستحلّ مكان غير المقبولة. تعليقها “لكن لماذا عليه أن يعود؟ انظر أنها يحاول الخروج” يبدو أنه يدعم تلك النظرية.

   اللحظة الزمنية في نهاية المقتطفة لا تزال تجعل من النقاش متوقفًا بين إطارين لتفسير المسألة. عند هذه النقطة، الإطار الثاني يشمل خيارين مستقلين للحل:

أحدهم، من قبل فيكتور، يقول بأن الضفدع يحتاج 27 ساعة ليخرج، والآخر من قبل سمانثا، التي تدّعي أن الضفدع سيتسلق خارج البئر خلال 28 ساعة. التضارب الإدراكي ما زال موجودًا، لكن الإطار الأول لم يعد مرجّحًا. أولئك الطلاب الذين قالوا به في البداية، على سبيل المثال: سمانثا، راش، وبيل، كانوا قد أعلنوا تغيير موقفهم. منذ أن الإطار الأول وافتراضاته المتضمنة يبدو أنها رُفضت، كان من المتوقع أن يكون التركيز على الاقتراحين المتعلقين بالإطار الثاني، لكنه تبين أننا لم نصل للذروة بعد. تطور جديد كان في طريقه لأن يظهر، اقترحت سالي أطرًا ثالثَا مبني على افتراض ثالث عن نمط السلوك المعقّد للضفدع.

سالي: إنني أفكر بأنه من ال27 قدمًا سيتسلق الضفدع ثلاثة أقدام ثم سيكون بالخارج، لكن ذلك يعني أنه يجب عليه أن يكون على مستوى مساو للأرض، وسيحتاج مزيدًا من القوة للخروج من البئر، فربما لن يكون لديه القوة الكافية وسيتزحلق مجددًأ.

سمانثا: إذا سيعتمد الأمر على قوته، لكن كيف لنا أن نعلم؟

جيمي: انتظروا، أنتم تقولون 28 في حالة أنه تسلق ثلاثة أقدام ليصل للأرض، لكن ماذا إذا تسلق قليلًا وبعد ذلك تزحلق وبعدها تسلق قليلَأ وتزحلق قليلًا، لن يكون حينها تسلق 3 أقدام أليس ذلك صحيحًا؟

فيكتور: تشير المسألة إلى أنه سيتسلق 3 أٌقدام ثم ينزلق قدمين لاحقًا.

بيل: حسنًأ، إنها الطريقة التي نفهمها بها لكنها ليست واضحة بالحقيقة.

   تعقيدات سالي غير المتوقعة للمسألة كانت متبوعة باقتراح غير متوقع أيضًا من قبل جيمي الذي قدّم إطارًا رابعًا تفسيريًا يوفّر إيحاءًا مزيدًا لنمط الضفدع السلوكي. ومع الوقت الضيّق، قرر مجتمع التساؤل أن، باستثناء الإطار الأول، فإن الأطر الثلاثة الأخرى بدت أطرًا صالحة من أجل التفسير، باعتبار حقيقة أن المسألة لم تقدّم معلومات عن نمط قفز الضفدع المتوقع. تلّخص النقاش بتصريح عكس كل الاحتمالات الثلاثة التي تم وضعها تحت عين الاعتبار.

الميّسر: من سيخلص النتائج التي توصلنا لها حتى الآن؟ جيمي؟

جيمي: إذا تسلق بالطريقة التي ظننا عند البداية فالأرجح ستكون 28 ساعة كافية، لكن إن لم يتسلق الثلاثة أقدام أولًا وبعدها ينزلق قدمين فسيكون حينها مختلفًا..

باد: والذي على الأرجح سيكون..

جيمي: ربما يحتاج حينها إلى 30 ساعة

   كملخص، هذه الشذرة تصوّر لنا الطريقة التي تعاملت فيها المجموعة مع حل مسألة رياضية تم تقديمها. نستطيع أن ترى حالة “الطريق المتشعب” وصراع المجموعة في تفسير المشكلة والتوصل إلى طرق التفكير المناسبة حولها والبحث عن الإجابة، ونستطيع تتبع 4 أطر تفسيرية والمنافسة بين المقولات المتضادة المتعلقة بهذه الأطر. تقترح المسألة أيضًا مستوى عال من الشك وعدم الوضوح، الذي أرغم المجتمع المتسائل على توسيع الفهم في النقاشات حول حدود المسألة والتفكّر في طرق تعليل أحدهم الآخر قبل الاتفاق حول الحل الذي كان من الممكن التوصل له.

   “البقايا” التي يأمل أحدهم أن الطلاب وصلوا لها أتت بعد تجربة حل مشكلة رياضية بشكل جماعي مثل تلك التي تم توثيقها في سياق مجتمع التساؤل والذي يعد متعدد الأوجه. يدور الأمر حول مساعدة الطلاب على اكتساب فهم أن ممارسة الرياضيات عبارة عن عملية حدسية، وأن المسائل الرياضية تستدعي الفهم وتتطلب تقييمًا متأنيًا للقيم المعطاة، وأن أي استدلالات تم القيام بها تعتمد على افتراضات كامنة والتي تتطلب تقييمًا ومراجعة. بعض هذه الأوجه بتعلق بفهم العلاقة بين الرياضيات وعدم التأكد، والدور الذي يقوم به أحدهم في حل مسألة رياضية في تعريف وشرح المسألة. وهناك وجه آخر، على الرغم من أنه ليس الأخير، يتعامل مع فهم دور المجتمع كمحاوِر، وخالق للأفكار، وكعاكس ومصحّح لتعليلات ووجهة نظر الشخص.

   مقالة قصيرة2: الحديث عن الرياضيات: التساؤل الفلسفي الرياضي

   يجري النقاش الفلسفي الرياضي على طريقتين على الأقل: أ- يمكن أن “يجهّز” بمعنى أنه يُخطّط بالتفصيل من قبل الميّسر، الذي جهّز عددًا من الأسئلة الفلسفية وبدأ النقاش مع أحد هذه الأسئلة، المختارة من قبل المجموعة. وبشكل مشابه يمكن أن يتبع هذا النقاش تقليد الفلسفة للأطفال ويستعمل نصًا سرديًّا الذي يقدّم أو يقترح سؤالًأ فلسفيَا رياضيًا ضمنيًا واحدًا أو أكثر، ويتم سؤال المجموعة لخلق أسئلتهم الخاصة واختيار أيها ليبدأ منه. ب- النقاش الفلسفي الرياضي ينبثق من نقاش رياضي أكثر تقييدًا. لدى الميّسر في هذه الحالة الخيار في أن يتبنّى الدافع الفلسفي الطارئ ويسمح للنقاش أن يستمر، أو يحبط ذلك بالتمسّك بشكل مقيّد بالتساؤل الرياضي كما هو مؤطر – على الرغم أنه من الصعب رسم خط واضح بين الفلسفة والرياضيات-. وبناء على حواراتي الصفيّة مع الطلاب، أعتقد أن دافع المجموعة في اجتياز تساؤل رياضيّ مقيّد نحو آخر فلسفي رياضي يميل لأن يحدث في أوقات يكون فيها التساؤل جامدًا. مثل هذه الأوقات تتميز بوجود حس من نضوب الأدوات الفكرية أو المهارات أو الفهم اللازم للاستمرار. مثل هذه النقلات تسمح لنوع مختلف من الاستكشاف حيث يتّخذ أحدهم أسلوبًا فلسفيًا عوضًا عن الآخر البنائي. في الحقيقة، تكمّل مثل هذه الحلقات الداخلية من التساؤل الفلسفي التساؤل الرياضي بطرق تشير إلى أنها قد تكون مصادرًا لتنمية أدوات إدراكية مصقولة بشكل أكبر وفهم أعمق، الذي يزوّد المجموعة بمزيد من التقدّم نحو التساؤل الرياضي.

   الحلقة القادمة تعد مثالًا على التساؤل الفلسفي الرياضي في مفهوم اللانهاية الذي يبرز من الاستكشاف الرياضي المبني على الأسئلة التالية: بالقيم غير المحدودة المعطاة [1،2،3،4،5،….] و [2،4،6،8،10،..]. هل كلا المجموعتين لديها عدد متساو أو مختلف من الأرقام؟ قبل هذا لم تمم مناقشة مصطلح اللانهائية، على الرغم من أن مفاهيم المجموعات المحدودة واللامحدودة تم خوضه في نقاش سابق. وبعد نقاش طويل، تم طرح ثلاث ملاحظات تتعلق بالمقارنة بين مجموعتين لا نهائيتين على طاولة النقاش كالتالي: 1- العناصر في المجموعة الثانية ضعف العناصر من المجموعة الأولى-الأعداد الزوجية الموجبة ضعف الأعداد الفردية الموجبة-. 2- كلا المجموعتين لديهما نفس عدد العناصر، على سبيل المثال هناك نفس العدد من الأعداد الفردية الموجبة من الأعداد الزوجية الموجبة. 3- مقارنة بين عناصر كلي المجموعتين تعد مستحيلة، لأننا لا نعرف بالتحديد ماذا يجري مع الأرقام أسفل خط الأرقام. ولا حتى المجموعات الأخرى كانت قادرة على التصريح وإقناع الأخرى، وبدا أن النقاش علق في التكرار.

   بعد ذلك قام طالب بشكل عفوي تقديم سؤال “هل اللانهائية رقم؟” وذلك غيّر محور النقاش، بالتالي يمكن فهمه بأنه على الأقل تغيير لفظي لبحث المجموعة عن طرق للخروج من الحالة الجامدة. الميّسر -سواء كانت واعية بإمكان استكشافات مشابهة أو سمحت لها حدسيًا- سهّلت من هذا التساؤل الفلسفي.

نيلي: هل اللانهائية رقم؟

الميّسر: حسنًا، البعض لا يستعمل كلمة “لا نهائي” بل أيضًا “لا نهائية”، وماذا يعني ذلك؟ هل هي رقم؟

تشاس: أعتقد أن عندما يقول الناس لانهائية فإن ذلك يعني أنهم جدًا متعبون من خلق المزيد من الأرقام، وأنهم كسولون لدرجة أن لا يستطيعون تسمية المزيد من الأرقام، و..، وهناك أيضًا الكثير من العمل في ظل ذلك.

فويسس: وكيف تعلم ذلك؟

تشاس: لا أحد قد يعبأ أن يستمر نحو اللانهائية.

جيمي: اللانهائية ليست رقمًا.

تشاس: اللانهائية ليست رقمًأ، اا..، إنها فقط هناك.

سالي: إذا كانت الأرقام تستمر إلى مالا نهاية أعتقد أنها رقم.

تشاس: إنها ليست بالتحديد رقمًا، بل بالتحديد اسم بقية الأرقام،.. [يعني أن الأرقام تم التعويض عنها بالحذف] وأنه يمكن أن تتجاهل رقمًا ما عندما تعبر منه، فقد تصبح فردية، زوجية، فردية، زوجية. إنها مشكلة قدرتها على التغير.

   في هذه النقطة يبدو أنه تتواجد عدة تصوّرات لوصف أو تخيّل اللانهائية. البعض اعتقد أنها رقم، البعض الآخر قال أنها ليست كذلك. فهم تشاس بأن اسم الأرقام التي تم التعبير عنها بسلسلة من النقاط [1،2،3،4….] “ذلك ليس رقمًا، إنه اسم بقية الأرقام ويمكن أن تتجاهل رقمًا عندما تعبر. فقد تصبح فردية، زوجية، فردية، زوجية. إنها مشكلة قدرتها على التغير.” بعد ذلك فكرة أخرى تم تقديمها من قبل رش، أن اللانهائية تعد رقمًا، لكنها رقم مميز.

رش: لأن الرقم لانهائي، فإنه ليس 1000 مليار، أو 1000 تريليون، إنه ليس كذلك، هناك عدد كبير من الأرقام بداخل اللانهائية، ونحن لا نعلم ما إذا كان بالداخل يتم تجاهل المفرد، زوجي، زوجي، زوجي، مفرد.

   هذه فكرة “جامحة” ومثيرة للاهتمام بأن اللانهائية رقم مميز يحتوي على عدد كبير من الأرقام. لكن كلير تحدّت هذه الفكرة بأن اللانهائية ليست رقمًا على الإطلاق:

كلير: وماهي الأرقام التي تأتي قبل اللانهائية؟ لا أعتقد حقًا أن اللانهائية رقم، أو مجموعة من الأرقام، ما يقوله رش.

سالي: قال أن كل الأرقام تم تجميعها بالداخل.

   ما يبدو أن كلير تعنيه أن فكرة كون اللانهائية رقم تعد سخيفة لأنها تشير إلى محدودية مما يؤدي إلى تناقض ذاتي. كانت تستنتج بما إذا كانت اللانهائية عبارة عن رقم فإنه يتوجب أن يكون هناك رقم سابق لها، وما دمنا لا نعلم ما ذلك الرقم فإن اللانهائية لا يمكن أن تكون رقمًا. هذا التدخل سبّب نقلة في الحوار قادت لاتّفاق بين الطلاب من ناحية فهمهم الحالي للانهائية:

جيمي: أعتقد أن اللانهائية ليست رقمًا نحن نقولها بهذه الطريقة-أبدي.

تشاس: هذا ما قلناه.

ماركس: يبدو أن الجميع يقول ذلك.

فيكتور: نحن نصنع تعريفنا الخاص، لأن القاموس كُتب من قبل أناس وأعتقد أنهم قد يكونون خاطئين أحيانًا. اللانهائية فقط أرقام كبيرة جدًا.

جيمي: اللانهائية تعني فقط التوسع والتوسع والتوسع. إنها تعني اللامحدودية.

سالي: حسنًأ، ذلك يعني أن ليس هناك أرقام محشوة بداخل اللانهائية، لكن نحن لدينا أعداد لا نهائية محشوّة في هذه المجموعات [في المجموعات اللانهائية].

   هكذا بعد سلسلة من التتابعات التي تتضمن التشكيل وإعادة التشكيل للأفكار، الفهم الحالي للانهائية تغيّر وأًصبح يعني: 1- “اللامحدودية”، “الأبدية”، عملية “التوسع والتوسع”- مفهوم قد أتوا به مبكرًا في النقاش. 2- “اللانهائية ليست رقمًا حقيقيا”، و”ليست هناك أرقام محشوّة في اللانهائية”، “لكن عندما نتعامل مع مجموعات لا محدودة”، “لدينا أرقام لا محدودة محشوّة في هذه المجموعات”. الثاني في الحقيقة أشار إلى فهم مكمّل للآخر، وسّع الفهم الحاضر للانهائية. هذا الثراء المفاهيمي للانهائية ساعد الطلاب على المضي قدمًا في النقاش الأساسي الذي يقارن بين الأعداد الفردية اللانهائية الموجبة والأخرى الزوجية. بعد النقاش عدنا إلى التساؤل الرياضي في اتّفاق المجموعة على “أي المجموعتين لا تملك أعداد أكثرمن الأخرى”. حتى هذه الملاحظة التي تستدعي مننا استيعابًا لعدم المقدرة على أن نقرر أي مجموعة لديها عناصرًا أكثر لأننا لا نعلم كيف العناصر “تتصرف تحت خط الأرقام” تم إعادة تقييمها. تم التوصل بالأخير أنه “نفس عدد الأرقام أو العناصر في كلي المجموعتين، حتى وإن تم تجاوز بعض الأرقام، سيظل لدينا أعدادًا لا نهائية في كلي الصفّين، فحتى لو قمنا بالتجاوز فإن ذلك ليس مهمًا جدًا بطبيعة الحال.”

الاستنتاج

   دعوى هذه الورقة العريضة أن هناك تبّصرات يمكن أن تكون متوافرة عبر برنامج الفلسفة للأطفال ومنهجيتها في مجتمع التساؤل، وأن هذه التبصرات تبرز على حد سواء من فلسفة هذا البرنامج وممارساته. المزايا التي يمكن الاستفادة منها عن طريق تقديم النقاش الجدلي كأسلوب رئيس في التربية الرياضية تبدو واضحة، إلى الحد الذي يكون فيه التساؤل الجماعي والتشاور مقويًا للنقل المفاهيمي بين الطلاب في النمو والفهم الرياضي، وفي قدرتهم على تصوّر الرياضيات بأنها هيكل منطقي على سبيل المثال: لغة مفتوحة من أجل التفكر الفردي والمشترك.

   لكن الفكرة الأساسية في الفلسفة للأطفال، والتي يجعلها مقنعة، مؤثرة، وذات نقلة هو إصرارها على التساؤل الفلسفي بصفته موقفًا معرفيًا وعمليًا. إذا تم تبنّي التساؤل الفلسفي كأسلوب في تدريس الرياضيات، سيتضمن ذلك تغييرًا كبيرًا في الطريقة التي يتفاعل فيها المعلّمون والطلاب معها، وسيصنع ذلك حسًا، ليس لنشاطات الرياضيات فحسب، بل للعالم، الآخر، والذات. الأساليب الثلاثة في مجتمع التساؤل الرياضي -الذي سبق وصفه- قد تجد مكانًا في أنها تكوينات معتادة للممارسة الصفية والتي تتنقل بشكل طبيعي بين بعضها الآخر، طالما أن التساؤل الفلسفي لا يمكن حصره بالحدود المتعارف عليها أو أن يكون مقصورًا بطريقة مصطنعة في مجالات معينة. تعلم الرياضيات وتدريسها سيعني حينها التساؤل عبر مدى واسع من المشاكل والحالات، والتي يعد معظمها متجاوزًا للحدود الشكلية، باستعمال الأدوات الرياضية، وأيضًا التساؤل في الأفكار والمفاهيم الرياضية على مستوى فلسفي واسع، سواء كان جماليًا، وجوديًا، معرفيًا، منطقيًا، أو أخلاقيًا.

   مجتمع التساؤل الفلسفي يعد شكلًا من الممارسة التي تعد قائمة على اعتقاد إنساني عميق، وتبنّيه من قبل أي مجال سواء كان ذلك: الرياضيات، الدراسات الاجتماعية، العلم الطبيعي أو التعليم الفيزيائي، يمكن أن يحدث نقلة في التعليم والتعلم بحيث تصبح العملية التعليمية تآزرية توحّد بين النظرية والممارسة، الفلسفة والتطبيق، الجدل والحساب في سياق المسائل المحددة للصف للدراسي. مع طبيعة الممارسة والتقاليد التربوية والتي ما تزال مهيمنة على تعليم الرياضيات، أي إضافة أو تغيير في هيكلها الشرعيّ يقدّم تحديًا عويصًا. لكنني أود أن أفكر وآمل بأن الاستكشاف النظري والعملي -مثل هذا- يقترح أن مجتمع التساؤل الرياضي الفلسفي، والذي تم أخذه في سياق التشاور الجماعي مع التركيز على الجدل، لديه الإمكانية في النماء في شكل من التفاعل الصفّي المستدام، والذي يعد قادرًا على تغيير مجال الرياضيات بطريقة فعّالة وإيجابية.

حمل مقالة من التساؤل الفلسفي إلى التساؤل الرياضي في الصف الدراسي