معوقات تعليم الفلسفة لمرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية

د.بدر العتيبي ، د.عماد الزهراني

كلية التربية، جامعة الملك سعود

المقدمة

تكمن قوة التربية والتعليم في قدرتهما على إحداث التغيير في المجتمعات والتأثير في جوانب الحياة المختلفة للإنسان الذي هو محور عملها (عبد الهادي، 2011). ويوضح أبل Apple  كيف أن للتربية دور كبير في إحداث التغير في المجتمع عن طريق مجموعة من العناصر كان من بينها المناهج الدراسية، ويُشير إلى أن التربية قادرة على مواجهة التحديات والإشكالات الاجتماعية (Apple, 2013, p. 53). فكل تغيير مرغوب يريده المجتمع يكون بدايةً من عالم الأفكار عند الإنسان من خلال حلحلة أفكار وإحلال أفكار مكانها (علي، 2012). فالتفكير في الحياة العامة يرتبط دائمًا بالتعليم الذي يُعد طريقةً للحصول على حياةٍ أفضل للعلاقة القوية بينه وبين تطور المجتمعات المتحضرة (أوزمون وكرافر، 2005). ويرى الباحثان أن تحقيق أهداف التربية والتعليم لا يكون إلا عن طريق عملية تربوية ذات فلسفة واضحة تعي احتياجات الفرد والمجتمع في ظل الوضع العالمي والتطور التقني والمعرفي دون تغليب جانب على آخر بمحتوى شامل يتعامل مع الإنسان ككائن شعوري وإدراكي، لا ككائنٍ إدراكي فحسب؛ مما يجعل الفرد واعيًّا مستشعرًا لمستجدات عصره الأخلاقية والقيمية ليجيد التفاعل الإيجابي معها.

فللمعرفة كما يذكر جون ديوي تطبيقات مباشرة -خلال الحياة- والتي هي نتاج الخبرة الفيزيقية، وتأتي فقط من تجربة الفرد الخارجية مع الأشياء مما اكتشفه عنها وحوْلها بالاتصال المباشر معها وبمعالجات اتصاله بها (كما ورد في Sharma, 2009, p. 140) وبالتالي فإن المعرفة ليست محصورة في حجرة الصف بأداء اختبارات هدفها التقدم في التصنيفات الدولية وتلافي مراكز متأخرة فيها، بل يجدها الباحثان تمتد إلى ما وراء الفصل والمدرسة؛ لتناقش قضايا تتعلق بالأخلاق وبالفرد نفسه وبالوجود من حوله من خلال تعزيز المناهج الدراسية بمقررات وموضوعات تحفِّز مهارات التفكير المختلفة، ومنها مهارات التفكير الفلسفي التي تتناول مجال التساؤلات التي ترِدُ إلى ذهن الفرد من خارج حدود المنهج ومن داخل عالمه الخاص.

فتدريس الفلسفة بشكل عام يقود إلى إعمال الرأي، وتقوية المعرفة والاستقلالية، وذلك بحسب دراسة موسعة قامت بها اليونسكو لاستقصاء وضع تعليم الفلسفة شملت ما يقارب 126 بلدًا من بلدان العالم، وقد طالبت الدراسة نفسها بتدريس أقوى للفلسفة خصوصًا على مستوى التعليم الثانوي بإجماع المشاركين فيها من بلدان مختلفة لما لها أثر في تكوين الحس النقدي للطالب وإشاعة التسامح بين الثقافات وتنمية قدرات التفكير (اليونسكو، 2009أ).

وقد عَقِب دراسة اليونسكو إجراء دراسات أخرى حديثة شجعت تدريس الفلسفة وتضمينها في المناهج؛ وذلك لآثارها الإيجابية على الطلبة متناولةً مراحل تعليمية مختلفة في عدة بلدان (Siddiqui, Gorard & See, 2019; Makaiau & Tanaka, 2018; Rahdar, Pourghaz& Marziyeh 2018; Scholl, 2014). وفي ظل هذه التطورات حول تعليم الفلسفة عالميًا والتشجيع لتضمينها في المناهج الدراسية؛ أقرّت وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية خلال الفصل الثاني من العام الدراسي 1439-1440ه تدريس مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي في المرحلة الثانوية تجريبيًّا في 200 مدرسة لتصب هذه الخطوة -كما جاء في كتاب المقرر- في تحقيق ثلاثة أهداف في برنامج التحول الوطني 2020 لدعم رؤية السعودية 2030 وهي تطوير المناهج وأساليب التقويم والتعليم، وتحسين البيئة التعليمية المحفزة على الإبداع والابتكار، وأخيرًا تعزيز القيم والمهارات اللازمة للطلبة (وزارة التعليم، 2019).

تأتي هذه الخطوة في نظام التعليم السعودي بعد ١٣عامًا من إعلان اليوم العالمي للفلسفة في 2005م الذي أشار في وثيقته أن تدريس الفلسفة يغيب في بعض نظم التعليم العربية ولا يشغل إلا مكانة هشة مزعزعة في نظمٍ تعليمية أخرى، وتأمَل اليونسكو إدراج الفلسفة تدريجيًّا في المناهج الدراسية لتشجيع إعمال الفكر والعقل إعمالًا تأمليًّا ونقديًّا (وثيقة اليونيسكو للإعلان العالمي للفلسفة، ٢٠٠٥)، مع الإشارة إلى أن مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي في المملكة العربية السعودية قد طُبِّق لفصل دراسي واحد فقط ثم توقف بعد ذلك للمراجعة، ليصرح وزير التعليم الحالي معالي د.حمد بن محمد آل الشيخ في 16/11/2020م عن إعداد مناهج جديدة في التفكير النقدي والفلسفة عبر حساب وزارة التعليم في تويتر (وزارة التعليم- عام، 2020).

وبناءً على ما سبق؛ تأتي هذه الدراسة لتستكشف أبرز ما قد يواجهه هذا القرار من معوقات ثقافية وبيداغوجية في ظل الموقف الاجتماعي المتردد من الفلسفة وفي ظل أهمية تعليمها وما يصاحبه من إشكالات، ومن المأمول أن تقدم هذه الدراسة للميدان التربوي ما يسهم في أن يُحقق تعليم الفلسفة أهدافه التي وضع من أجلها في المملكة العربية السعودية بل وفي الوطن العربي لتعزيز الشخصية العربية من خلال تنمية القيم والمهارات اللازمة للطلبة، والتي من شأنها أن تقود وتحفز الأفراد نحو النجاح والتفاؤل العلمي والخلقي.

:مشكلة الدراسة

إقرار تعليم الفلسفة في المملكة العربية السعودية في المرحلة الثانوية يبلور مشكلة الدراسة الحالية من حيث جوانب عدة أولها؛ أنه وبحسب نظرية المنهج لا يكون إقرار منهج جديد بالأمر اليسير؛ كونها عملية في غاية التعقيد وتتدخل فيها عدة متغيرات، فالمنهج يرتبط ويتشكّل لاعتبارات عدة منها على سبيل المثال الطبقة الاجتماعية، والعرق، والجنس، والاعتقادات الأيدولوجية، والبيئة، والدين، وبالمدارس الفكرية التي ظهرت في عصر الحداثة، وما بعدها (دول، 2016).

والفلسفة فضلًا أن تصاغ كمنهج يُدرَّس في المملكة العربية السعودية فقد رافقها ما رافقها من الجدل والإشكالات الفكرية على المستوى الإسلامي منذ نشأتها مستقلةً عن علم الكلام في القرن الثالث الهجري بإنتاج متزايد في ترجمة الكتب الفلسفية وشرَّاحها التي قَبِلتها عقول ورفضتها أخرى بشدة لدرجةٍ وصلت إلى إقصاء ومهاجمة من يُقبل عليها (علي، 1991). وهذه الجدلية حول الفلسفة لم تكن وليدة العصور الإسلامية فقط؛ بل هي جدلية حضرت حتى مع فلاسفة اليونان (شرف، 2014). ليمتد هذا الجدل عبر العصور ليلقي بظلاله على مجتمعات عدة ومنها المجتمع السعودي؛ ويستنتج الباحثان ذلك من خلال ما رافق إقرار تعليم الفلسفة من ردَّاتِ فعل تراوحت ما بين مؤيدين ومعارضين على ساحات مواقع التواصل الاجتماعي وساحات الصحف الورقية والإلكترونية سواء بين الكادر التعليمي في الميدان، أو الأكاديميين.

والجانب الآخر الذي بلور مشكلة الدراسة الحالية هو أن دراسة اليونسكو (2009أ) أشارت إلى أن بعض البلدان لا تُدرِّس الفلسفة بكيفية واضحة وذلك بغياب الفلسفة في مراحل تعليمية وحضورها في مراحل تعليمية أخرى، كما بينت الدراسة نفسها أن تدريس الفلسفة اليوم يواجه رهانات عدة للميل العام الذي يتجه نحو الإحجام عن تدريسها دون نقاش؛ وذلك الوضع يعود إلى عدة عوامل مجتمعة من أهمها -في المرحلة الثانوية- المستوى الهش لمعلمي هذه المرحلة ومعلمي الفلسفة بشكل عام.

وتلك الحالة المتذبذبة في تدريس الفلسفة طالت بلدان عربية مجاورة؛ فدراسة النشار (2018) أوضحت أن تدريس الفلسفة في جمهورية مصر يركز على الجوانب النظرية فقط واقتصاره على مقررات تدرس المنطق الصوري الذي لا يُكسب الطلبة مهارات التفكير المطلوبة. كما وصف مالك (2016) تدريس الفلسفة في لبنان بأنه يمر بمحنة مهدت النفور من الفلسفة وإخراجها من مجال المعارف المدرسية الضرورية لأسباب تتعلق بمناهجها المقررة من تأليفٍ وموضوعات، بالإضافة إلى طرق التدريس والتقييم وإعداد أساتذتها. كما رصد العرقي (2003) في دراسته التاريخية مجموعة من عوائق الدرس الفلسفي في تونس بين العامين 1986-2000م مردها غموض أهداف الدرس الفلسفي ما أفرز صعوبات عدة تعترض معلم الفلسفة، وهذه النتائج تؤيدها عدة دراسات وأوراق علمية أشارت إلى القلق ذاته من وضع تدريس الفلسفة في العالم العربي كما جاء في (حمود، 2015؛ وإسماعيل، 2016؛ ومحمود، 2004).

وأما آخر الجوانب المؤطرة لمشكلة الدراسة الحالية هو دراسة استطلاعية أجراها الباحثان شملت 418 من المنتسبين إلى الميدان التربوي في المملكة العربية السعودية لاستقصاء الوعي بالفلسفة وتقبل تدريسها، وقد أوضحت النتائج أن 69.1% تباينت مواقفهم بين من لا يملك موقفًا باختيار البديل ‘لاأعلم‘ بنسبة 36.6% وبين ‘غيرمؤيد‘ بنسبة 32.5% لأسباب تتعلق بضبابية مفهوم الفلسفة لديهم أو لأسباب أخرى دينية من حيث إنها قد تؤدي إلى الإلحاد أو أن لدينا دينٌ يغني عنها، وجاءت نسبة المؤيدين 32.1% لأسباب تتعلق بتوسيع المدارك وتنمية التفكير الناقد، كما بينت النتائج أن 59.8% لم يقرأوا كتابًا أو أكثر في الفلسفة، و84.7% لم يحضروا دورة في موضوعات تتعلق بالفلسفة، وذكر 76.3% أنهم لم يحضروا ندوة أو لقاءاتٍ ومحاضرات فلسفية، فهذا الموقف المتردد في الميدان التعليمي من تعليم الفلسفة العائد لبعض المفاهيم المغلوطة عنها بالإضافة إلى المبررات السابقة أعلاه هو مما يدعو إلى إجراء الدراسة الحالية التي تتلخص مشكلتها في السؤال الرئيس التالي: ما هي معوقات تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية؟

أهداف الدراسة

  1. كشف المعوقات الثقافية التي تواجه تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر معلمي مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي.
  2. تحديد المعوقات البيداغوجية التي تواجه تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر معلمي مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي.

أسئلةالدراسة

  1. ما المعوقات الثقافية التي تواجه تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر معلمي مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي؟
  2. ما المعوقات البيداغوجية التي تواجه تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر معلمي مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي؟

مصطلحاتالدراسة

تعليمالفلسفة Teaching of Philosophy

يشير وايت (2018) أن تدريس الفلسفة يدل على تعزيز الإحساس بالتساؤل وتوجيهه نحو عدة اتجاهات، وهذه التساؤلات تدور حول مفاهيم وأفكار تهم كل شخص بطريقة أو بأخرى كالعدالة، والصداقة، والوقت، والحقيقة.

أما النشار (2018) يذكر أن تدريس الفلسفة للطلبة لا يعني دراستهم لتاريخ الفلسفة وعصورها، ولا تعليمهم أسماء كبار الفلاسفة وأعمالهم، ولا القضايا الفلسفية؛ بل يعني ممارسة مهارات التفكير السديد (الفلسفي، والمنطقي، والناقد، والإبداعي…وغيرها) ممارسة فعلية وعملية وتنميتها لديهم، من خلال إقحامهم في مناقشة بعض المواقف والمشكلات والقضايا التي يمرون بها في حياتهم اليومية داخل المدرسة وخارجها.

ويتبنى الباحثان تعريف (النشار، 2018) كتعريفٍ إجرائيٍّ لمفهوم تدريس الفلسفة كونه ينسجم بشكل كبير مع المنهج التجريبي الذي يُدرَّس حاليًّا في بعض مدراس المملكة العربية السعودية.

البيداغوجيا Pedagogie Pedagogy

يعرّف معجم مصطلحات ومفاهيم التعليم والتعلم البيداغوجيا بأنها “علم التربية، وهو العلم الذي يهتم بالإنسان من جميع جوانبه العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية، كما يهتم بعلاقة هذا الإنسان مع نفسه ومع الآخرين” (إبراهيم، 2009، ص 226).

أما معجم مصطلحات التربية لفظًا واصطلاحًا يعرف البيداغوجيا لغة بأنها “مصطلح معرب عن اليونانية ويعني علم التربية، واصطلاحًا؛ يستخدمه البعض للتعبير عن المعتقدات التربوية والوسائل المتنوعة التي يشيع استخدامها بين المربين لبلوغ أهداف المجتمع في بناء مواطنيه وتشكيل سماتهم العقلية والخلقية وغيرها…” (فلية والزكي، 2004، ص 69). ويمكن تعريفها إجرائيًا في البحث بأنها التربية كعلمٍ يتناول مختلف الجوانب التربوية من سياسات تربوية ومناهج ومعلمين وطلبة ووسائل تدريس بما يُؤثِّر في عمليات التعليم والتعلم.

التفكيرالفلسفي Philosophical Thinking

يشير التفكير الفلسفي إلى ذلك النوع من التفكير الشامل لا أحادي الجانب والذي ينضج تدريجيًّا بزيادة المعرفة والخبرة ويُعنى بالمشكلات الفلسفية المختلفة باستخدام الأساليب الفلسفية وتوظيف الموقف الفلسفي، ويتم إما فرديًّا أو ضمن مجموعة (Chandra& Sharma, 2004).

والتفكير الفلسفي هو منهج وأسلوب تعليمي ذو طابع عملي يُقدم مهارة الحوار السقراطي كطريقة لتعليم التجريد والتساؤل الفلسفي باستخدام مجتمع التساؤل Community of Inquiry المتمركز حول أربعة أنواع من التفكير هي؛ التفكير النقدي، والتفكير التعاوني، والتفكير الإبداعي، وتفكير الرعاية (تونسي، 2019).

ويمكن تعريف التفكير الفلسفي إجرائيًا في هذا البحث بأنه ذلك النوع من التفكير الذي يوظف مجموعة من أنواع مهارات التفكير تجاه قضية محددة أو عدة قضايا باستخدام مجموعة من الأساليب لتنميته أشهرها وأكثرها تداولًا في مجال التعليم أسلوب P4C من خلال جلسات الحوار السقراطي في مجموعات.

الإطارالنظريوالدراساتالسابقة

أولًا: المقاربات النظرية والأسس المنهجية لموضوع الدراسة

يجد الباحثان أن تعليم الفلسفة وتدريسها من الموضوعات الديناميكية التي أخذت أبعادًا عدة على المستوى الثقافي والاجتماعي والتربوي، ما جعله موضوعًا تتقاطع فيه العديد من المنهجيات والنظريات المفسرة له سواءً اجتماعيةً أو ثقافيةً أو تربوية وفلسفية، وفيما يلي مجموعة من المنهجيات والنظريات التي يجدها الباحثان -بتأييد مجموعة من الدراسات والمراجع والممارسة- الأقرب لموضوع تدريس الفلسفة وتعليمها:

النظرية البنائية Structuralism Theory

البنائية كمصطلح لم يظهر في المعجم الفلسفي المعاصر إلا منذ 1929م، والمنهج الذي يتبناه البنيويون هو المنهج الذي يحاول الكشف عن القوانين الداخلية التي تخضع لها بنية الأشياء، فهو منهج ينطلق باعتبار البنية نسقٌ مُعطى لا يهتم بماضيها أو بمستقبلها أو بما يمكن أن يطرأ عليها من تغيير؛ بل يهتم فقط بالبنية كما هي معطاة في لحظة الدراسة (ناصر باي، 2014).

ويرى -أحد أهم رواد النظرية- جان بياجيه Jean Piaget أن الكائن العضوي يسيطر على تجربته بإيجاد أبنية عقلية ويطبقها عليها، ويستدل بياجيه على وجود هذه الأبنية من دراساته على الأطفال، فالمعرفة عنده هي فعل إيجابي حيث يتفاعل فيها الكائن العضوي أو الفرد مع البيئة ويحولها في عقله بمساعدة هذه الأبنية، وبنص كلمات بياجيه:” أن تعرف شيئا هو أن تستوعب الحقيقة وتدخلها في أبنية التحول، وتصبح هذه هي الأبنية -التي يبنها العقل- كانعكاس مباشر لأفعالنا”. وعلى هذا يضع بياجيه نفسه في معارضة مجموعة من النظريات منها (كما ورد في نيللر، 2005، ص. 115-116):

  1. النظريات التي تتعامل مع العقل كصفحة بيضاء.
  2. النظريات التي ترى أن العقل يبني الخبرة عن طريق الأفكار القائمة عند الولادة.
  3. النظريات الوضعية التي تعتمد في التحقق على التجريب الكمي.
  4. النظريات الوظيفية، والتي ترى أن أفضل وسيلة لفهم العقل هي أن ملاحظة فعله.

وفي نظرية النمو المعرفي التي طورها بياجيه ترى أن الفلسفة وتعليميها لا يجب أن تقدم للطفل قبل سن 12 حيث إن مراحل ما قبل هذا السن تتسم بالحركية (من الولادة حتى سن الثانية تقريباً)، وفيها يتعلم الطفل كيف يميز نفسه من أشياء العالم المحيط به وأشخاصه، باستخدام ردود الفعل الفطرية لديه، وبتجاوز سن 12 تبدأ مرحلة العمليات الشكلية التي من خلالها يمكن تعليم الطفل الفلسفة حيث إن بإمكان الفتى في هذه المرحلة فصل قواه الإجرائية عن المهمات العينية، والتفكير في استخدام المبادئ المجردة وطرح الفرضيات، فهو لا يقوّم المعلومات المعطاة فحسب، بل بإمكانه أيضاً طرح استراتيجيات خاصة لاكتساب المعرفة (بوركارد، 2013).

وتبرز صورة الأساس النظري لتعليم الفلسفة في البنائية من خلال تأكيد جان بياجيه بأن الموقف النموذجي التعليمي يكون من خلال الأسئلة التي يطرحها الطالب بنفسه، ومن خلال ردود الأفعال التي يكشف عنها الطفل في هذا السن بشكل مستمر، وبطبيعة الحال فإن هذا يتطلب مواد تشجع على التقدم، وبتعاطي الطالب مع الأسئلة فإنه في الغالب سوف يميل إلى أن يسأل نفسه سؤالاً جديداً (نيللر، 2005)، وهذا بالفعل ما يحدث أثناء تعليم الفلسفة بطريقة ماثيو ليبمان، حيث تذكر تونسي (2019) أن تعليم التفكير الفلسفي يُعد تعليمًا بنائيًّا يتمركز حول الطفل ليعطيه مهارة مستدامة للتعلم، وينمي حس المنطق لديه من جهة والجانب العاطفي والاستماع اليقظ والتحدث الفصيح والتعبير عن الأفكار بوضوح من جهة أخرى.

المنهجالسقراطي Socratic Method

تعليم مهارات التفكير الفلسفي يحدث ضمن إجراء يُسمى الحلقة السقراطية بطريقة ابتكرها ماثيو ليبمان حيث يُشجَّع الطلبة على التفاعل والتجاوب مع مثير فلسفي معين ومخطط له وقد يكون قصة مصورة، أو صورة، أو مقطع من فيلم قصير… ومن ثم تعليم الطلبة على كيفية طرح السؤال الفلسفي المفتوح لتنتهي هذه العملية باختيار سؤال واحد عن طريق التصويت فيقود الميسر الحوار باستخدام مجموعة من الأساليب المساعدة (تونسي، 2019).

تجد هذه الطريقة جذورها في المنهج السقراطي المنسوب إلى الفيلسوف اليوناني سقراط (469-399ق.ب) الذي يؤمن بأن التعليم هو فن طرح الأسئلة (O’Riordan, 2013, p. 53) ويذكر ماثيو ليبمان Matthew Lipman أن الفلسفة كفنٍ في الحوار قد بدأت مع سقراط نفسه، إلا أنها كموضوع للدراسة كان عليها أن تنتظر حوارات أفلاطون (Lipman, Sharp & Oscanyan, 1977, p. 26).

سقراط كان يعتاد التواجد كل صباح في الأسواق حيث يتجمع الناس، وهناك ينخرط معهم في مناقشات عن الحياة والموت، والكون والطبيعة، وكان يُنصت إليه الصغير والكبير، والفقير والغني، والشاب والشيخ، وهي أسئلة اعتبرها الكثير جنونية، إلا أن رسالة سقراط تتلخص بأن يثير في الناس العناية بأنبل ما فيهم من خلال اكتساب الحكمة والفضيلة دون أن يعطي الأوامر والنصائح، فقد كانت براعته تتمثل في القدرة على أن يجعل المحاور يصل بنفسه إلى الحقيقة (حسين، 2018)

وبجانب طريقة ليبمان Lipman طريقة أوسكار برينيفيي Oscar Brenifier السقراطية، وهي تنطلق من الأسئلة والصياغات والاعتراض والدحض، وقد أدت هذه المنهجية بدور نشر دولية إلى إنتاج الأدوات التعليمية المتعلقة بها (اليونسكو، 2009ب)، وبالتالي تتضح جذور تعليم الفلسفة ببعض الأساليب لدى سقراط ومنهجيته في الحوار.

الفلسفةالبراجماتية (ديوي) Pragmatic Philosophy (Dewey)

جذور البراجماتية كفلسفة تعود إلى البريطانيين والأوربيين وتقاليد الفلسفة القديمة، ويمكن إيجاز أسسها الفلسفية في عناصر سابقة لها تتثمل في الاستقراء الذي جاء به فرانسيس بيكون كأسلوب جديد في التفكير، وأهمية الخبرة الإنسانية، والإنسانية الطبيعية، والعلاقات بين العلوم وثقافة الإنسان (أوزمون وكرافر، 2005).

وعلى صعيد التربية والتعليم يمكن ملاحظة الأصول الفلسفية للبراجماتية تتمظهر في نظام التعليم الأمريكي في كثير من الممارسات التربوية والتي من أبرزها تعليم الفلسفة للأطفال P4C Philosophy for Children الذي ابتكره وبلوره ماثيو ليمبان Matthew Lipman حيث يذكر في قصة بداياته مع الفلسفة أنه استهل ذلك بالبحث عن مؤلفات جون ديوي الذي يعد من أهم وأبرز رواد الفلسفة البراجماتية وبعد عناء رحلة قضاها إلى لوس أنجلوس استمرت نحو400 ميل للبحث عن مؤلفات ديوي لم يجد منها إلا بعض الكتابات المحررة ما أشعره ذلك بالإحباط إلا أنه انكب على قراءتها ليجد ما أثار فضوله، وبعد عدة مراسلات أرسلها ليبمان لديوي أعجب الأخير بورقة قام بإرسالها ليبمان ليدعوه إلى اجتماع بينهما إلا أن موت ديوي كان حائلًا ليتم هذا اللقاء، وفي 2008م يكتب ماثيو ليبمان ورقة بأن مشروعه مدين بالفضل لجون ديوي (Lipman, 2008). وبذلك يمكن للباحثَين القول بأن فلسفة ديوي البراجماتية كانت إحدى الأسس التي شكلت الإطار المفاهيمي والفلسفي لمشروع ليبمان في تعليم الفلسفة الأطفال.

نظريةالتفاعلالرمزي Symbolic Interaction Theory

تفترض نظرية التفاعل الرمزي أن الطفل عند الولادة لا يكون اجتماعيًّا، إلا أنه عن طريق التفاعل مع الآخرين تنمو لديه اللغة ويتعلم المعاني، ومن ثم تبدأ الذات الاجتماعية في الظهور، ويعد جورج هربرت ميد G. Herbert Mead من أبرز رواد هذه النظرية لآرائه وإسهاماته في تحليل التفاعل الرمزي ومناقشتها، وهو يرى أن التفاعل الاجتماعي يحدث عن طريق الاتصالات الرمزية واللغة مما يساعد الإنسان على اكتساب الاتجاهات والعواطف ومن ثم يتكون العقل (المقاطي، 2018). ويؤكد ميد أن التحدث من العقل لا يتم إلا عن طرق رموز مهمة، وأن العقل يتمظهر ويبرز متى ما كان الكائن الفرد قادرًا على أن يشير من المعاني إلى الآخر وإلى الذات (Juuso, 2007, p.102).

ويوضّح هربرت ميد Herbert Mead أهمية ما يُصطلح عليه بالاتصال أو التواصل بأنه يكمن في حقيقة الشكل السلوكي الذي يقدمه هذا الاتصال للكائن الحي أو للفرد مما قد يجعله أن يصبح موضوعًا لنفسه، وهذا التواصل يتفرّد به الإنسان وحده عن سائر الكائنات الحية الأخرى، إنه اتصال شعوري برموز ذات أهمية، كما أنه اتصال لا يتجه فقط للآخر وإنما هو موجه للذات أيضًا، وبما أن هذا النوع من الاتصال هو جزء من السلوك فإنه على الأقل يقوم بتقديم الذات للذات نفسها وللآخر أيضًا (Mead, 2011, p. 121-125).

النقاط السابقة تؤيد بوضوح ما مر مع الباحث الثاني لهذه الدراسة عند ممارسته لتعليم التفكير الفلسفي مع أطفال في عمر 11 عام وذلك من خلال استجاباتهم للمثيرات الفلسفية المعروضة عليهم، ومن خلال حواراتهم مع بعضهم البعض، ففي مرحلة من مراحل جلسات تعليم التفكير الفلسفي يُطلب من الطلبة التفكير بصمت لمدة دقيقة، وهذا فيه شكل من أشكال تفعيل نظرية التفاعل الرمزي لهربرت ميد بالتخاطب مع الذات، ومن ثم يتكرر هذا التواصل بمجموعة من الحوارات يُلاحظ فيها أن الطالب يقوم بتغيير رأيه بين الفينة والأخرى إزاء قضية ما أكثر من مرة، إنه حوار وتواصل ينتقل من مجتمع التساؤل أثناء الجلسات إلى حوار وتواصل مع الذات فيما بعد الجلسات حتى يصل الطالب للمفهوم بنفسه.

هذه النظرة للاتصال والتواصل كانت لها انعكاساتها في تعليم الفلسفة، حيث يشير جيوسو Juuso أن ماثيو ليبمان Mathew Lipman مؤسس تعليم الفلسفة للأطفال P4C كان مهتمًّا بأفكار هربرت ميد وقت دراسته في جامعة كولومبيا وبشكل خاص الاهتمام بعلاقة التفكير بالسياق الاجتماعي والثقافي وبالتشكُّل الاجتماعي للتجربة، ويرتكز ليبمان بقوة على الفكر الفلسفي والتربوي لهربرت ميد بجانب قلة من مفكرين آخرين، الأمر الذي جعل من هذه النظرية أحد النظريات والفلسفات الاجتماعية التي مثَّلت القاعدة التي انطلق منها ليبمان لمشروعه (Juuso, 2007, p.221).

الاقتصار على النظريات السابقة كمداخل لتعليم الفلسفة وتدريسها؛ لا يعني أنها الوحيدة في الميدان العلمي والتربوي وإنما لكونها الأشهر، مع الإشارة إلى وجود العديد من النظريات الأخرى ذات العلاقة بتعليم الفلسفة مثل البنائية الاجتماعية Social Constructionism لفيجوتسكي Vygotsk التي تعد إحدى النظريات المؤسسة لتعليم الفلسفة للأطفال P4C (O’Riordan, 2013, p. 53-54) ونظرية التفكير الإبداعي لتورانس Torrance والتي أشارت دراسة ذات العلاقة لهذه مع تعليم الفلسفة للأطفال P4C في مرحلة ما قبل المدرسة (Ghaedi, Mahdian & Fomani, 2015, p. 548)، وغيرها من النظريات التي يمكن أن نجد فيها جذورًا لممارسات تعليم الفلسفة وتدريسها.

ثانيًا: الدراساتالسابقة

تُعد الدراسة الحالية حديثة في موضوعها في المملكة العربية السعودية نظرًا إلى أن إقرار تعليم الفلسفة لم يأتِ إلا مؤخرًا؛ لذا تناول الباحثان مجموعة من الدراسات السابقة ذات العلاقة التي تناولت تعليم الفلسفة في بعض البلدان العربية والأجنبية، وسيتم عرض الدراسات مصنفة بتسلسل تاريخي بدءًا من الأقدم لمتابعة ورصد تطور الموضوع وما استجد فيه:

أسئلة فلسفية حول تدريس الفلسفة: ماالمحكفيتدريسالفلسفةفيالمرحلةالثانوية (Norris, 2015)

هدفت دراسة نوريس (2015) إلى تفسير أهمية تدريس الفلسفة، في المرحلة الثانوية باستخدام المنهج الوصفي الوثائقي بمراجعة وتحليل وثائق المناهج الدراسية في الفلسفة لطلبة الصف الثاني عشر في مقاطعة أونتاريو الكندية وتحليل بعض نتائج البحوث الممولة من قبل مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية والإنسانية الفيدرالية، ومن أهم النتائج التي توصلت إليها الدراسة هو ما حوته تلك البيانات التي جُمعت منذ أوائل ربيع 2014م عن طريق أسئلة وجهت إلى الطلبة حول سبب رغبتهم في دراسة الفلسفة، وما الذي يساعدهم على ذلك؟ وما تأثير الفلسفة على قيمهم ونظرتهم إلى العالم؟ وكان من أبرز إجابات هذه الأسئلة؛ الحماس لدراسة الفلسفة، وقد وصفها أحد الطلبة أن الفلسفة تمثل له زجاجة Advil، ومما تخوف منه الطلبة ورأوا أنه يشكل تحديًّا بالنسبة لهم من تعلم الفلسفة هو التجريد الذي تقدم فيه الفلسفة، وضعف قدراتهم القرائية لها، بالإضافة إلى افتقار المعلمين الإعداد المناسب لتدريسها، وقد أكدت الدراسة على أهمية تعليم الفلسفة وتعقيده في نفس الوقت.

عوائق تدريس الفلسفة لتلاميذ الشعب العلمية: وجهة نظر التلاميذ والأساتذة: دراسة تشخيصية علاجية (خزار و ابن ميسي، 2015)

أجرى خزار وابن ميسي (2015) دراسة لتشخيص الصعوبات التي تواجه تدريس الفلسفة بالجزائر في المرحلة الثانوية، وذلك بتطبيق المنهج الوصفي المسحي، لتشمل الدراسة في عينتها 80 طالبًا من الشعب العلمية و 13 معلمًا في المرحلة الثانوية طبق عليهم استبانة فردية شبه مفتوحة، وكان من أهم ما توصلت إليه الدراسة من نتائج أن 50% من المعلمين يجدون تلاميذهم يواجهون صعوبة في استيعاب المضمون المعرفي ويُرجع الأساتذة ذلك بنسبة 80% إلى صعوبة الإشكالات المطروحة، كما وجدت النتائج أن 60% من المعلمين يلجؤون إلى التلقين كطريقة تدريس، وأكد 69.57% من التلاميذ عزوفهم عن دراسة مادة الفلسفة لأسباب عدة أهمها غموض المادة وصعوبتها.

هل تستطيع برامج مثل “الفلسفة للأطفال” مساعدةالمدارسفيالنظرإلىماوراءالتحصيلالدراسي؟ (Siddiqui, N., Gorard, S., & See, B. H., 2019)

أجرى صديقي وجورارد وسي (2019) دراسة هدفت الكشف عن آثار تعليم الفلسفة على قدرات الطلبة غير المعرفية، وذلك باستخدام المنهج التجريبي المطبق على عينة مكونة من 2722 طالبًا في 42 مدرسة ابتدائية بإنجلترا حيث تعرضت فيها المجموعة التجريبية إلى جلسات الفلسفة للأطفال بأسلوب P4C لمدة 18 شهرًا بمعدل ساعة واحدة في الأسبوع وذلك بإجراء اختبار قبلي وبعدي للمجموعتين، كما قام الباحثون بإجراء مجموعة من المقابلات الشخصية مع المعلمين وطلبتهم المشاركين في الدراسة، وكان من أبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة تقدُّم المجموعة التجريبية على الضابطة فيما يتعلق بالمهارات الاجتماعية ومهاراتهم التواصلية والعمل الجماعي كفريق مع الآخرين، كما كشفت نتائج المقابلات الشخصية عن الفارق الملموس لدى الطلبة على صعيد المهارات التواصلية والاجتماعية خصوصًا في جانب الاستماع والانصات للآخر، كما أن الطلبة أصبحوا يسألون أسئلة أكثر عمقًا ويستخدمون عبارات من قبيل “أتفق” و “لا أتفق”، وكانوا أقل مقاطعة للحديث.

تدريس وتعلُّم الفلسفة في مدارس أونتاريو الثانوية (Bialystok, Norris & Pinto, 2019).

قام كل من بياليستوك ونوريس وبينتو (2019) بدراسةٍ هدفت إلى التعرف على وضع الفلسفة وتعليمها بصيغتها الحالية في مدارس أونتاريو الثانوية وذلك بالاعتماد على المنهج النوعي الذي باستخدام أداتين بحثيتين؛ الأولى المقابلات الشخصية شبه المنتظمة مع تسعة من معلمي ومعلمات الفلسفة في المدارس الثانوية بمقاطعة أونتاريو الكندية بالإضافة إلى الملاحظة الصفية في 149 فصلًا دراسيًا كما استخدمت مجموعات التركيز مع الطلبة في 16 مدرسة ثانوية، وقد توصلت الدراسة إلى أن الفلسفة لها طبيعة معقدة كنظام يتسم بالتفكير المجرد إلا أن المشاركين في الدراسة أوضحوا أن الفلسفة تجعل العقل منفتحًا ويوفر فرص تعليم تغيب في بقية المقررات، ووجدت الدراسة أن معلمي الفلسفة يعتمدون على الكتاب المدرسي بشكل أساسي بجانب الوسائط في تدريسهم للمنهج، كما كشفت الدراسة أن خلفية المعلم الفلسفية قد تؤثر على التدريس وطريقته خصوصًا مع ما تتمتع به المناهج من مرونة كبيرة، وأخيرًا فإن الدراسة أوضحت أن الإعداد الضعيف لمعلمي الفلسفة في أونتاريو -باعترافٍ منهم- يمكن أن يكون عائقًا أمام تقديم المنهج بفعالية وكفاءة.

الفلسفة لجميع الأطفال: تعزيز المعرفة (Austin, 2020)

قام أوستن Austin (2020) بدراسة استهدفت الكشف عن الطريقة التي يتبعها المعلمون في تدريس مهارات التفكير الناقد من خلال أسلوب الفلسفة للأطفال P4C ومحاولة فهم كيفية مساهمة P4C في العدالة الاجتماعية، ولتحقيق أهداف الدراسة استخدم الباحث المنهجي الكيفي باستخدام النظرية الاجتماعية الثقافية واللغة لتحليل التفاعل والحوارات والتفكير بين المشاركين بطريقة دراسات الحالة المتعددة، وذلك بالاعتماد على الملاحظة المباشرة ومقابلات مجموعات التركيز شبه المنظمة والمقابلات المفتوحة كأدواتٍ طُبِّقت على عينة الدراسة المكونة من 104 طالبًا في المرحلة الابتدائية في عمر 8-11 سنة كما شملت العينة أربعة من معلميهم في مدارس نيوزيلاندا، وبتحليل محتوى المقابلات الشخصية والتسجيلات الصوتية ومحتوى الطلبة المكتوب خلال جلسات P4C الفلسفية على مدى ستة أشهر -بمعدل ساعة واحدة في الأسبوع- توصلت الدراسة إلى أن المعلمين لعبوا دورًا مهمًا في تشكيل لغة الطلبة وتفكيرهم النقدي من خلال النمذجة، والإبداع، وتيسير الحوار، وإنشاء ثقافة صفية ديمقراطية، وجعل التفكير مرئيًا، كما قام كل من المعلمين والطلبة خلال الجلسات بتطوير مجموعة من القدرات خلال حوارات P4C هي: المرونة، والتقبُّل، والتذاوت، والإبداع، وتقترح الدراسة التدريس بلغة منضبطة محددة وهذا مما يعزز قدرات التفكير النقدي لدى الطلبة ويشكّل معرفة قوية لديهم.

عوائد تعليم مهارات التفكير الفلسفي على قدرات وسِمات الطلبة غير المعرفية وأنماطها (الزهراني، 2021)

قام الزهراني (2021) بدراسة هدفت إلى تحليل 15 دراسة وتقريرَين كوحدةٍ للدراسة مجتمعًا وعينةً؛ جميعها أُجْريَت وقُدِّمت بين العامين 1995م و2019م، والتي تناولت آثار تعليم التفكير الفلسفي على قدرات وسمات الطلبة غير المعرفية وأنماطها، وذلك باستخدام المنهج الوصفي الوثائقي؛ وتوصَّلَت النتائج إلى وجود ثلاثة أنماط من القدرات والسِّمات غير المعرفية تأثرت إيجابيًّا بفعل تعليم التفكير الفلسفي هي: المهارات والسمات الشخصية والاجتماعية مثل (تقدير الذات- التواصل- الثقة- التعايش..)، ومهارات التفكير (الإبداعي- النقدي- المنطقي- التأملي- الاستدلالي)، والسلوك مثل (الحد من اللفظ السلبي- انخفاض الذهان النفسي- الحد من الخلاف). واختُتِمَت الدراسة بعدة توصيات، أهمّها: تعميم تعليم مهارات التفكير الفلسفي في جميع مراحل التعليم العام وألا يقتصر على المرحلة الثانوية فقط، وإجراء دراسات مسْحيّة تقييميّة لتجارب الدول العربية في تعليم الفلسفة.

التعليقعلىالدراساتالسابقة

  • تتفق الدراسة الحالية مع الدراسات السابقة في تناولها متغير تدريس الفلسفة أو تعليمها، ومن أوجه الاتفاق كذلك تناول المرحلة الثانوية مرحلةً دراسية تتحرك في حدودها جميع الدراسات السابقة عدا دراستي (Austin, 2020; Siddiqui, N., Gorard, S., & See, B. H., 2019) فقد تناولت تعليم الفلسفة في المرحلة الابتدائية. ومن أوجه الاختلاف بين الدراسة الحالية والدراسات السابقة المنهجية البحثية، حيث اعتمدت الدراسة الحالية على المنهج الوصفي المسحي، في حين أن بعض الدراسات السابقة تنوعت في مناهجها سواءً أكان المنهج مسحيًّا أو وثائقيًّا أو تحليلًا لمحتوى، وبشكل عام فقد شكلت الدراسات السابقة قاعدة علمية ونظرية لدى الباحثَين انطلق منها لتحقيق أهداف هذه الدراسة، كما أن الدراسات السابقة شكَّلت عونًا علميًّا في بناء أدوات الدراسة الحالية بجانب الدراسة الاستطلاعية التي أجراها الباحثان.

منهجية الدراسة وإجراءاتها

منهج الدراسة

استخدم الباحثان في هذه الدراسة المنهج الوصفي المسحي الكمي الذي يعتمد على دراسة مجتمع ما أو عينة منه، وسبب اختيار هذا المنهج يعود إلى قلة كلفته المادية والسرعة في جلب الاستجابات وبالتالي كان هو الأنسب للإجابة على سؤالَي الدراسة المتعلقة بالمعوقات الثقافية والبيداغوجية التي تواجه تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية.

مجتمع الدراسة 

شَمِل مجتمع الدراسة المعلمين والمعلمات الذين قاموا بتدريس مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية، وعددهم 200 معلم ومعلمة، موزعين على 200 مدرسة ثانوية بنظام المقررات في 16 إدارة تعلمية (وزارة التعليم-عام، ٢٠١٨) يبين خصائصهم جدول1. حيث أُرسلت لهم 200 استبانة إلكترونية استجاب لها 88 معلمًا و42 معلمة بعائدٍ بلغ 130 استبانة تمثل نسبة 65% من مجموع أفراد العينة بعد عمل الإجراءات والمكاتبات الرسمية.

       جدول1

      خصائص العينة من معلمي ومعلمات مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي في المملكة العربية السعودية

الجنس التكرار النسبةالمئوية
ذكر 88 67.7
أنثى 42 32.3
المجموع 130 100.0
المستوى التعليمي التكرار النسبةالمئوية
بكالوريوس 110 84.6
ماجستير 13 10.0
دكتوراه 7 5.4
المجموع 130 100.0
الخبرة التكرار النسبةالمئوية
أقل من خمس سنوات 4 3.1
من خمس إلى أقل من 10 سنوات 20 15.4
من 10 إلىأقلمن 15 سنة 32 24.6
من 15 سنةفأكثر 74 56.9
المجموع 130 100.0
دورات في تعليم الفلسفة غير المقدمة من الوزارة التكرار النسبة المئوية
نعم 102 78,5
لا 28 21,5

يلاحظ من جدول1 أن غالبية أفراد العينة تصل خبرتهم في التعليم إلى أكثر من 15 سنة بنسبة 56.9%، وعن الالتحاق بالدورات في مجال الفلسفة وتعليمها -باستثناء دورة وزارة التعليم التي نظمتها لغرض تدريس المقرر- لم يلتحق 78.5% من أفراد العينة بأي دورة في تعليم الفلسفة، و21.5% منهم سبق وأن التحقوا في دورات تهتم بالفلسفة وتعليمها.

وعن تخصصات أفراد العينة فقد تنوعت بين 37 تخصصًا بناءً على إجابات أفراد العينة شكل 1“، ويفسر ارتفاع نسبة تخصص علم الاجتماع وعلم النفس اعتماد وزارة التعليم على هذين التخصصين اعتقادًا من أنهما الأقرب لتخصص الفلسفة في ظل غيابه في مجال إعداد المعلمين، وما يفسر تشتت بقية النسب إلى مجموعة تخصصات مختلفة هو كتابة بعض أفراد العينة اسم المقرر الذي يدرسه مكان التخصص، أو أنهم كتبوا تخصصاتهم التي تحصلوا عليها بعد إكمال دراساتهم العليا.

pastedGraphic.png

                     شكل 1. توزيع أفراد العينة على التخصصات التي ينتمون لها

أدوات الدراسة

استخدم الباحثان استبانة مكونة من محورين موجهة إلى معلمي ومعلمات مقرر الفلسفة في المملكة العربية السعودية يمثل كل محور منهما سؤالَي الدراسة الأول والثاني حيث حمل المحور الأول من الاستبانة عنوان معوقات تعليم الفلسفة الثقافية في المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية، وحمل المحور الثاني عنوان المعوقات البيداغوجية لتعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية وذلك لغرض جمع استجابات معلمي ومعلمات الفلسفة في المدارس الثانوية السعودية، بالاعتماد على مدرج تكراري خماسي بعبارات (غير موافق بشدة، غير موافق، غير متأكد، موافق، موافق بشدة).

صدقالأدوات

  1. صدق المحكمين للاستبانة : قام الباحثان بعرض الاستبانة في صورتها المبدئية على مجموعة من المحكمين بلغ عددهم 26 من أعضاء وعضوات هيئة التدريس من ذوي التخصصات التربوية والتخصصات ذات العلاقة بمجال الدراسة والمشتغلين بمجال الفلسفة وتعليمها، وذلك للحكم على ملاءمة الاستبانة عمومًا وصلاحيتها للتطبيق.
  2. الاتساقالداخليللاستبانة: تم حساب صدق الاتساق الداخلي للاستبانة عن طريق حساب معاملات ارتباط بيرسون بين درجة كل بند من بنود الاستبانة والدرجة الكلية عليها حيث تراوحت معاملات الارتباط بين (0.222 – 0.569) والدرجة الكلية ما بين (0.392  إلى 0.618) وهي معاملات ارتباط جيدة ودالة إحصائياً عند مستوى دلالة 0.01 ومستوى الدلالة 0.05 كما تراوحت معاملات ارتباط فقرات المحور الثاني بالبعد الذي تنتمي إليه ما بين (0.175 إلى 0.622) وبالدرجة الكلية ما بين (0.193 – 0.647)  وهي معاملات ارتباط جيدة، ودالة إحصائياً عند مستوى دلالة 0.05 ومستوى الدلالة 0.01 كما هو مبين في جدول2.

جدول2

معاملات الارتباط بين الدرجة الكلية على كل محور من محاور الاستبانة والدرجة الكلية على الاستبانة

الفقرة معامل الارتباط بين الفقرات ودرجة المحور الكلية التي تنتمي إليه معامل الارتباط والدرجة الكلية الفقرة معامل الارتباط بين الفقرات ودرجة المحور الكلية التي تنتمي إليه معامل الارتباط والدرجة الكلية
1 .382**0 .455**0 26 .386**0 .436**0
2 .347**0 .477**0 27 .530**0 .542**0
3 .222*0 .527**0 28 .344**0 .482**0
4 .314**0 .564**0 29 .505**0 .535**0
5 .230*0 .464**0 30 .175*0 .193*0
6 .243*0 .553**0 31 .334**0 .349**0
7 .487**0 .586**0 32 .491**0 .425**0
8 .422**0 .528**0 33 .622**0 .553**0
9 .349**0 .517**0 34 .264**0 .433**0
10 .357**0 .497**0 35 .273**0 .365**0
11 .464**0 .450**0 36 .319**0 .413**0
12 .569**0 .448**0 37 .371**0 .438**0
13 .225*0 .581**0 38 .480**0 .464**0
14 .432**0 .557**0 39 .332**0 .411**0
15 .342**0 .392**0 40 .572**0 .540**0
16 .276**0 .550**0 41 .547**0 .618**0
17 .533**0 .618**0 42 .559**0 .647**0
18 .453**0 .615**0 43 .558**0 .575**0
19 .443**0 .490**0 44 .552**0 .627**0
20 .432**0 .424**0 45 .477**0 .519**0
21 .433**0 .568**0 46 .550**0 .572**0
22 .467**0 .523**0 47 .391**0 .568**0
23 .432**0 .469**0 48 .541**0 .501**0
24 .453**0 .583**0 49 .398**0 .594**0
25 .521**0 .539**0 50 .543**0 .436**0

ثبات الأداة

تم حساب الثبات عن طريق إيجاد معامل ثبات ألفا- كرونباخ للاستبانة، ويوضح جدول3 أن معاملات الثبات للمقياس بالنسبة للمحور الأول بلغت 0.88 وللمحور الثاني 0.85 ومعامل الثبات الكلي بلغت قيمته 0.91 وهي جميعها قيم تشير إلى تمتع الاستبانة بالثبات، وبالتالي يعد ذلك مؤشرًا لصلاحية الأداة للتطبيق:

جدول3

معاملات ثبات ألفاكرونباخ كل محور من محاور الاستبانة

المحور عدد الفقرات معامل الثبات ألفا كرونباخ
1.المعوقات الثقافية التي تحول دون تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية 25 0.88
2.المعوقات *البيداغوجية (ما يتعلق بالتدريس ويؤثر فيه) التي تحول دون تعليم الفلسفة 25 0.85
المقياس ككل 50 0.91

نتائج البحث ومناقشتها

إجابة سؤال الدراسة الأول:

ماالمعوقاتالثقافيةالتيتواجهتعليمالفلسفةلطلبةالمرحلةالثانويةفيالمملكةالعربيةالسعوديةمنوجهةنظرمعلميمقررمهاراتالتفكيرالناقدوالفلسفي؟

لقياس الاستجابة على الاستبانة المتعلقة بالسؤالين الأول والثاني؛ تم إعطاء وزن للبدائل على النحو التالي: غير موافق بشدة=1، غير موافق=2، غير متأكد= 3، موافق=4، موافق بشدة=5 ليتم تصنيف الاستجابات إلى خمسة مستويات على مدى متساوي الفترات من خلال طرح القيمة الأعلى من القيمة الأدنى ومن ثم قسمته على عدد بدائل الأداة (ع=5) وفق المعادلة التالية وذلك لتحديد طول الفترة:

(ع -1) ÷ع= (5-1)÷5= 0.80

بعد تحديد طول الفترة يمكن الوصول إلى جدول4 الذي يحدد مدى الاستجابة على الاستبانة

جدول4

مدى الاستجابة وفقًا للمقياس الخماسي المستخدم في الاستبانة

الاستجابة المدى
غير موافق بشدة 1 – 1.80
غير موافق 1.81 – 2.60
غير متأكد (محايد) 2.61 – 3.40
موافق 3.41 – 4.20
موافق بشدة 4.21 – 5.00

وبعد حساب التكرارات والنسب المئوية واستخراج المتوسطات الحسابية والانحرافات المعيارية لإجابات أفراد العينة على المحور الأول من محاور الاستبانة المتعلق بالمعوقات الثقافية جدول5؛ أظهرت النتائج أن غالبية عبارات هذا المحور مثّلت معوقات ثقافية تحول دون تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية تتفاوت قوتها بحسب استجابات أفراد العينة، حيث بلغ المتوسط الحسابي العام 3.95 وبانحراف معياري قدره 0.93 ، وتراوحت متوسطات عبارات المحور التي تمثل المعوقات الثقافية من (3.21 إلى 4.44) كما تراوحت الانحرافات المعيارية من (0.68 إلى 1.32)، وهذه النتيجة بالنسبة لمدى الاستجابة وفقًا للمقياس الخماسي في جدول4 توضح أن المتوسط يتجه نحو البديل “موافق”، وبناءً على متوسطات العبارات فإنها تراوحت بين “موافقبشدة” و “غيرمتأكد” ولم يكن بين متوسط العبارات الحسابي اتجاهٌ نحو “غيرموافقبشدة” و “غيرموافق” بناءً على محك المدى.

جدول 5 المعوقات الثقافية التي تحول دون تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربيةالسعودية.
العبارة غير موافق بشدة غير موافق محايد موافق موافق بشدة المتوسط الحسابي الانحراف المعياري الترتيب
غموض مفهوم الفلسفة عند كثير من أفراد المجتمع ت 1 4 5 47 73 4.44 0.78 1
% 0.8 3.1 3.8 36.2 56.2
ممانعة بعض الأسر لتعليم أبنائها الفلسفة ت 4 17 36 49 24 3.55 1.03 19
% 3.1 13.1 27.7 37.7 18.5
بعض الفتاوى الدينية التي تقف ضد الفلسفة وتعليمها ت 7 13 43 43 24 3.49 1.07 21
% 5.4 10 33.1 33.1 18.5
استخدام مصطلح الفلسفة في سياقات غير ملائمة مثل: “لا تتفلسف” ت 3 5 10 44 68 4.3 0.94 6
% 2.3 3.8 7.7 33.8 52.3
الاعتقاد بأن تعليم الفلسفة مناسب فقط في مرحلة التعليم العالي ت 9 29 13 44 35 3.52 1.29 20
% 6.9 22.3 10 33.8 26.9
اعتبار الفلسفة مُهدّدةً للعادات والتقاليد الاجتماعية ت 14 35 15 42 24 3.21 1.32 25
% 10.8 26.9 11.5 32.3 18.5
جعل الدين والعلم والفلسفة في حالة صدام لا وئام ت 11 28 14 47 30 3.44 1.29 22
% 8.5 21.5 10.8 36.2 23.1
انتشار التصور بأن الفلسفة انتهت مع تصدُّر المنهج العلمي ت 5 31 36 42 16 3.25 1.07 24
% 3.8 23.8 27.7 32.3 12.3
شيوع الظن بأن تعليم الفلسفة في ثانويات المملكة العربية السعودية سيتم بطريقة تأريخية ت 4 15 50 45 16 3.42 0.95 23
% 3.1 11.5 38.5 34.6 12.3
10.ضعف الإنتاج العلمي الفلسفي السعودي ت 1 5 22 59 43 4.06 0.85 13
% 0.8 3.8 16.9 45.4 33.1
11.الافتقار إلى وجود فلاسفة سعوديين ت 3 13 17 62 35 3.87 1 16
% 2.3 10 13.1 47.7 26.9
12.تأثير التجارب السلبية السابقة في دراسة مقررات فلسفية جامعية ت 0 9 38 61 22 3.74 0.82 18
% 0 6.9 29.2 46.9 16.9
13.ضعف المبادرات الثقافية والمجتمعية لتصحيح المفاهيم المغلوطة المرتبطة بالفلسفة ت 9 38 61 22 9 4.3 0.68 7
% 6.9 29.2 46.9 16.9 6.9
14.قلة الندوات والمحاضرات التي تُقدِّم الفلسفة بشكل إيجابي ت 0 2 10 65 53 4.35 0.76 4
% 0 1.5 7.7 50 40.8
15.تأثُّر المجتمع بالتعليم التقليدي القائم على التلقين والحفظ ت 1 3 8 56 62 4.17 1.04 11
% 0.8 2.3 6.2 43.1 47.7
16.الخلط بين مفهومي التفكير الناقد والتفكير الفلسفي ت 3 11 10 43 63 4.38 0.75 3
% 2.3 8.5 7.7 33.1 48.5
17.غياب التوعية بالأثر الإيجابي الذي يمكن أن يحدثه تعليم التفكير الفلسفي في المجتمع السعودي ت 0 5 6 54 65 4.32 0.73 5
% 0 3.8 4.6 41.5 50
18.تعقيد الخطاب الفلسفي الذي تقدمه النماذج الثقافية السعودية ت 0 2 14 54 60 4.02 0.84 14
% 0 1.5 10.8 41.5 46.2
19.ضعف الشعور المجتمعي بالحاجة إلى الفلسفة ت 0 5 29 55 41 4.22 0.87 9
% 0 3.8 22.3 42.3 31.5
20.بعض التجارب غير الناجحة لبعض الدول العربية في تعليم الفلسفة ت 1 5 16 50 58 3.77 0.75 17
% 0.8 3.8 12.3 38.5 44.6
21.غياب الفلسفة مفهوماً وممارسة لدى الأجيال السابقة ت 0 0 55 50 25 4.2 0.87 10
% 0 0 42.3 38.5 19.2
22.الاعتقاد أن الفلسفة لا تُقدَّم إلا للنخب الفكرية الثقافية ت 1 5 17 51 56 4.02 0.98 15
% 0.8 3.8 13.1 39.2 43.1
23.ضعف مهارات الحوار لدى معظم أفراد المجتمع ت 3 10 13 60 44 4.25 0.82 8
% 2.3 7.7 10 46.2 33.8
24.الارتباط الذهني أن الفلسفة عمل عقلي لا يرتبط بالممارسة ت 1 6 7 61 55 4.1 0.91 12
% 0.8 4.6 5.4 46.9 42.3
25.قصور وسائل الإعلام المحلية المختلفة في الاهتمام بالفلسفة ت 2 7 15 58 48 4.44 0.77 2
% 1.5 5.4 11.5 44.6 37
إجمالي المتوسطات 2.54 9.23 19.3 39.11 32.49 3.95 0.93

ت: التكرار         %: النسبة

يُظهر جدول5 في خانة الترتيب أقوى العبارات التي تمثل المعوقات الثقافية التي تحول دون تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر معلمي مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي وفيما يلي عرض لأعلى ثلاث عبارات مرتبة ترتيبًا تنازليًّا:

  1. غموض مفهوم الفلسفة عند كثير من أفراد المجتمع بمتوسط حسابي وصل إلى 4.44 وبانحراف معياري قدره 0.78 يعكس موافقة أفراد العينة بشدة على هذا المعوق، وذلك مما أشارت إليه دراسة (خزار وابن ميسي، 2015) حيث توصلت في نتائجها إلى أن 69.57% من تلاميذ الجزائر الثانوية يعزفون عن دراسة الفلسفة لأسباب أهمها غموض ما يدرسونه في الفلسفة، إلا أن الغموض في الدراسة الحالية هو غموض على مستوى المجتمع ما يعني أن الأثر المهدد لتعليم الفلسفة في المملكة العربية السعودية لطلبة المرحلة الثانوية سيكون أكبر على مستويات عدة.
  2. قصور وسائل الإعلام المحلية المختلفة في الاهتمام بالفلسفة بمتوسط حسابي وصل إلى 4.44 وبانحراف معياري قدره 0.77 يعكس الموافقة بشدة على هذا المعوق، وبالرغم من عدم تطرق الدراسات السابقة لهذه النتيجة إلا أن الباحثين يجدان أنها نتيجة ملموسة على أرض الواقع؛ فالأنشطة الفلسفية السعودية يغيب حضورها على مستوى الإعلام المحلي بشتى أنواعه مع استثناء الإعلام الجديد، فالتجربة البريطانية على سبيل المثال في تعليم الفلسفة كانت بذرتها فلمًا وثائقيًّا عرضتْه قناة BBC على شاشتها الأمر الذي لقي أصداءً واسعة انتهت بانتشار تعليم الفلسفة في المملكة المتحدة (Williams, 2016).
  3. الخلط بين مفهومي التفكير الناقد والتفكير الفلسفي بمتوسط حسابي يقدر بــ 4.38 يعكس الموافقة بشدة من أفراد العينة على هذا المعوق، ويبرز هذا الخلط في تسمية مقرر المرحلة الثانوية للفلسفة في المملكة العربية السعودية بمهاراتالتفكيرالناقدوالفلسفي بينما غالبية الدراسات التي تناولت تعليم الفلسفة والتفكير الفلسفي يأتي التفكير الناقد فيها كجزءٍ من التفكير الفلسفي، وأحيانًا يأتي التفكير الفلسفي كأسلوب ينمي مهارات التفكير الناقد ومهارات تفكير أخرى (Austin, 2020; Worley& Worley, 2019; Rahdar, Pourghaz& Marziyeh, 2018).

:إجابة سؤال الدراسة الثاني

ما المعوقات البيداغوجية التي تحول دون تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية من وجهة نظر معلمي مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي؟

أظهرت النتائج أن المتوسط الحسابي العام لمحور المعوقات البيداغوجية الذي يمثله هذا السؤال بلغ 3.98 وبانحراف معياري قدره 1.02 وتراوحت استجابات أفراد العينة من المعلمين والمعلمات على عبارات المحور بين (3.15 – 4.48) كما تراوحت الانحرافات المعيارية من (0.73 إلى 1.38) جدول6، وهذه النتيجة بالنسبة لمدى الاستجابة وفقًا للمقياس الخماسي في جدول4 توضح أن المتوسط يتجه نحو البديل “موافق”.

جدول6. محور2: المعوقات البيداغوجية التي تحول دون تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكةالعربيةالسعودية
العبارة غير موافق بشدة غير موافق غير متأكد موافق موافق بشدة المتوسط الحسابي الانحراف المعياري الترتيب
ضعف كفاية البرنامج التدريبي الإعدادي المقدّم لتعليم مهارات التفكير النقدي والفلسفي ت 1 4 23 39 63 4.22 0.9 7
% 0.8 3.1 17.7 30 48.5
غياب الإعداد المهني المتخصص في تعليم الفلسفة قبل الخدمة في مهنة التعليم للمعلمين والمعلمات ت 3 9 40 78 3 4.48 0.73 1
% 2.3 6.9 30.8 60 2.3
ضعف دافعية المعلم/ــة لتعليم الفلسفة ت 3 16 31 39 41 3.76 1.1 19
% 2.3 12.3 23.8 30 31.5
غياب الإشراف التربوي المتخصص ت 2 11 14 36 67 4.19 1.04 9
% 1.5 8.5 10.8 27.7 51.5
الاقتصار على حاملي تخصص علم الاجتماع وعلم النفس في تعليم المقرر ت 13 16 16 36 49 3.71 1.35 21
% 10 12.3 12.3 27.7 37.7
ضعف وعي معلمي ومعلمات المقرر بالخلفية النظرية والفلسفية لتعليم الفلسفة ت 2 6 28 56 38 3.94 0.91 13
% 1.5 4.6 21.5 43.1 29.2
قلة المراجع العربية الداعمة لاستراتيجيات تعليم المقرر ت 1 9 28 57 35 3.89 0.91 17
% 0.8 6.9 21.5 43.8 26.9
غياب الدراسات الإجرائية الوطنية، السابقة لتطبيق المقرر ت 1 5 24 51 49 4.09 0.88 11
% 0.8 3.8 18.5 39.2 37.7
محتويات المقرر لا تتناسب مع المرحلة العمرية لطلبة المرحلة الثانوية ت 12 38 25 28 27 3.15 1.30 25
% 9.2 29.2 19.2 21.5 20.8
مدة الحصة الزمنية غير كافية لتعليم مهارات التفكير النقدي والفلسفي ت 12 24 26 22 46 3.51 1.38 24
% 9.2 18.5 20 16.9 35.4
قلة عدد الحصص الأسبوعية الخاصة بالمقرر ت 11 22 28 24 45 3.54 1.34 23
% 8.5 16.9 21.5 18.5 34.6
كثرة أعداد الطلبة داخل الفصل الدراسي الواحد ت 6 8 21 27 68 4.1 1.16 10
% 4.6 6.2 16.2 20.8 52.3
اعتياد الطلبة على الطرق التقليدية في التعليم منذ المراحل الدراسية المبكرة ت 1 14 11 34 70 4.22 1.04 8
% 0.8 10.8 8.5 26.2 53.8
ضعف دافعية الطلبة لتعلم مهارات التفكير الناقد والفلسفي ت 3 22 15 35 55 3.9 1.19 15
% 2.3 16.9 11.5 26.9 42.3
الحاجة إلى معارف ومهارات مسبقة لتحضير دروس المقرر قد لا تتوفر لدى بعض المعلمين والمعلمات ت 1 0 13 51 65 4.38 0.73 3
% 0.8 0 10 39.2 50
قلة فُرص ربط الجانب النظري بالتطبيقي في الدرس الفلسفي مع الطلبة ت 1 8 22 50 49 4.06 0.93 12
% 0.8 6.2 16.9 38.5 37.7
تدريس الفلسفة بطريقة تقليدية تلقينية تركز على التاريخ وتهمل الواقع ت 2 14 21 51 42 3.9 1.03 16
% 1.5 10.8 16.2 39.2 32.3
ندرة الخبرات الميدانية الوطنية في مجال تعليم الفلسفة ت 2 2 11 49 66 4.35 0.82 4
% 1.5 1.5 8.5 37.7 50.8
غياب الدعم الفني والمهني المقدم للمعلمين والمعلمات عند الحاجة ت 0 3 11 43 73 4.43 0.75 2
% 0 2.3 8.5 33.1 56.2
ضعف تفاعل أُسَر الطلبة مع ما يطرحه المقرر من قضايا ت 0 2 23 37 68 4.32 0.82 5
% 0 1.5 17.7 28.5 52.3
صعوبة إجراء تقييم مستوى تقدم الطلبة في المقرر ت 1 13 20 57 39 3.92 0.96 14
% 0.8 10 15.4 43.8 30
الأهداف العامة للمقرر غير واضحة ت 6 21 29 38 36 3.59 1.19 22
% 4.6 16.2 22.3 29.2 27.7
الفصل بين تعليم تاريخ الفلسفة وتعليم التفكير الفلسفي في المقرر ت 1 10 33 51 35 3.84 0.94 18
% 0.8 7.7 25.4 39.2 26.9
اعتراض الطلبة على المقرر باعتباره عبئا إضافيا عليهم ت 6 21 24 30 49 3.73 1.25 20
% 4.6 16.2 18.5 23.1 37.7
ضعف ملاءمة البيئة الفصلية لإجراء أنشطة مهارات التفكير الناقد والفلسفي ت 1 7 13 44 65 4.27 0.90 6
% 0.8 5.4 10 33.8 50
إجمالي المتوسطات 2.32 11.1 18.32 33.82 34.46 3.98 1.02

ت: التكرار         %: النسبة

من جدول6 أعلى ثلاث عبارات التي تمثل المعوقات البيداغوجية التي تحول دون تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية بموافقة أفراد العينة جاءت كما يلي مرتبة ترتيبًا تنازليًّا

  1. غياب الإعداد المهني المتخصص في تعليم الفلسفة قبل الخدمة في مهنة التعليم للمعلمين والمعلمات بمتوسط حسابي بلغ 4.48 ودرجة هذه القيمة تعبر عن موافقة أفراد العينة بشدة على هذا المعوق وهي نتيجة تتفق مع الواقع الحالي الذي يغيب فيه الإعداد المهني في تعليم الفلسفة قبل الخدمة في المملكة العربية السعودية والاكتفاء بدورة وحيدة قصيرة لمعلمي ومعلمات مقرر مهارات التفكير الناقد والفلسفي، كما أن هذه النتيجة تتفق مع كل من دراسة (Bialystok, Norris & Norris, 2015; Lipman, 1998) التي توصلت إلى أن الإعداد المهني غير المناسب أو ضعفه هو أحد عوائق تقديم المنهج بكفاءة وفاعلية.
  2. غياب الدعم الفني والمهني المقدم للمعلمين والمعلمات عند الحاجة بمتوسط حسابي وصل إلى 4.43 ودرجة هذا المتوسط تعبر عن موافقة أفراد العينة بشدة على هذا المعوق، وهذه النتيجة تتواءم مع وجهة نظر أفراد العينة حول ضعف كفاية البرنامج التدريبي القصير الذي قُدم لهم في تعليم مقرر الفلسفة في العبارة الأولى من عبارات هذا المحور حيث وجد 78.5% منهم ضعف كفاية البرنامج ما يعني حاجتهم إلى الدعم الفني والمهني المستمر في الميدان، كما أن هذه النتيجة تتفق مع ما أشارت إليه دراسة أوريودان O’Riordan (2013) بأن أحد أهم التحديات التي قد تواجه تطبيقات تعليم الفلسفة هو مدى إمكانية توافر الدعم المهني المناسب أثناء محاولة تطبيق المعلمين ممارسات P4C في الفصول الدراسية عند الحاجة.
  3. الحاجة إلى معارف ومهارات مسبقة لتحضير دروس المقرر قد لا تتوفر لدى بعض المعلمين والمعلمات بمتوسط حسابي بلغ 4.38 ودرجة هذا المتوسط تعبر عن موافقة أفراد العينة بشدة على هذا المعوق، وهي نتيجة ترتبط مع النتيجتين السابقتين من حيث إنها حاصل غيابين هما؛ غياب الإعداد المهني المتخصص قبل الخدمة، وغياب الدعم المهني والفني في الميدان.

الخاتمة

أظهرت النتائج وجود معوقات عديدة في كلا الجانبين الثقافي والبيداغوجي تواجه تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية باتفاق أفراد عينة الدراسة حيث بلغ عدد المعوقات الثقافية 23 معوقًا أقواها غموض مفهوم الفلسفة عند كثير من أفراد المجتمع، يليه قصور وسائل الإعلام المحلية المختلفة في الاهتمام بالفلسفة، ثم الخلط بين مفهومي التفكير الناقد والتفكير الفلسفي، وقد بلغت المعوقات البيداغوجية 24 معوقًا، أقواها؛ غياب الإعداد المهني المتخصص في تعليم الفلسفة قبل الخدمة في مهنة التعليم للمعلمين والمعلمات، يلي ذلك غياب الدعم الفني والمهني المقدم للمعلمين والمعلمات عند الحاجة، ثم الحاجة إلى معارف ومهارات مسبقة لتحضير دروس المقرر قد لا تتوفر لدى بعض المعلمين والمعلمات.

هذه النتائج هي مما يشكل تحديًا يواجه تعليم الفلسفة في المملكة العربية السعودية مما يدعو إلى إجراءات فاعلة وسريعة لمواجهة الأقوى منها ليحقق الدرس الفلسفي أهدافه التي وُضع من أجلها، لذا يوصي الباحثان بتقديم دورات تدريبية ذات مستويات في مهارات التفكير الفلسفي للمعلمين والمعلمات بالشراكة مع مؤسسات خاصة متخصصة في هذا المجال في ظل غياب الفلسفة أكاديميًّا، وحث وسائل الإعلام المحلية المختلفة بتقديم المحتوى الإيجابي نحو الفلسفة، ودعوة حلقات الفلسفة المنتشرة في المملكة العربية السعودية بتقديم محاضرات وندوات دورية تُبسط مفهوم الفلسفة للمجتمع، والسرعة في افتتاح أقسام فلسفية في الجامعات السعودية دعمًا للحركة الفلسفية بشكل عام ودعمًا لحركة تعليم الفلسفة في المملكة العربية السعودية، كما يوصي الباحثان في ختام هذا البحث إجراء دراسات مسحية وتجريبية حول واقع تعليم الفلسفة في البلدان العربية وتحديد مشكلاتها وسبل مواجهتها بإجراءات علمية وعملية.

حمّل معوقات تعليم الفلسفة لمرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية