المِنطَقة مع اللامنطقيين

سوزان ت. غاردنر، أنستازيا أندرسون، وين هنري Susan T. Gardner, Anastasia Anderson, Wayne Henry

تُرجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف

Gardner ST, Anderson, A & Henry, W 2019, ‘Reasoning (or not) with the unreasonable’,  Analytic Teaching and Philosophical Praxis, Vol. 39,  no. 2, pp. 1-10.

المترجمة : شيماء الزنبقي

المدققة: أمل اسماعيل

مقدمة

تقتضي الديمقراطية المزدهرة أن يعثر المواطنون – رغم اختلاف قيمهم ووجهات نظرهم – على نقطة تلاقٍ حتى يتمكنوا معًا من رسم مسار نحو مستقبل مزدهر للجميع. في مقالته “الفلسفة، والديمقراطية والتعليم: إحياء ديوي” نقل فيليب كام عن ديوي قوله: إن كُلًّا من التفكير بشكل عام والديمقراطية بشكل خاص تعنيان أنه يجب علينا أن نفكر سويًّا حضوريًّا، وأن تتسم علاقاتنا بمبدأ الأخذ والعطاء.

يُعلِّمُ مبدأ الأخذ والعطاء هذا أن نكون منفتحين لوجهات نظر مختلفة عن منظورنا الشخصي، وهو مبدأ تربوي جوهري في “مجتمع التساؤل الفلسفي”، ويعتبر ركيزة أساسية في “الفلسفة للأطفال”. إن الانفتاح على المواقف المتعارضة أمر لا يختلف عن الافتراض المسبق الأساسي في العلم – وهو الأمر الذي أكّده بيرس Peirce ،والذي كثيرًا ما يشير إليه كلٌّ من ليبمان وشاربLipman and Sharp ، الشريكان المؤسسان للفلسفة للأطفال. كما كتبت جاردنر Gardner في كتابها حول التفكير الناقد – خطط للحرية – أن التفكير الجيد يتطلب أن يكون المرء منفتحًا على ما يعارضه.

وتبدو هذه المواقف جديرةً بالثناء ويسهل الوصول إليها – إلى حدٍّ ما – في بيئة صفّية يساعد فيها الميسر على ضمان تلقّي وجهات النظر المختلفة للغايةِ بالتّرحيبَ. ولكن في الحياة الحقيقية، قد يكون الانخراط في عملية الأخذ والعطاء لتقديم حوار منطقي في الحديث العادي أحيانًا – بل وفي كثير من الأحيان – أمرًا بعيد المنال. فقضايا كالهجرة وتغير المناخ والجنس، وحقوق السكان الأصليين، والضرائب، والسياسة التجارية، وصولاً إلى سلوك الشخصيات السياسية، كلها قضايا قد يحمل العديد من الأشخاص آراءً مستعصيةً بشأنها، ويبدو أنها تتطلب من أنصارها أن يقفوا بحزم وذلك يجعل الخطاب الجدليّ حولها كثيرًا ما يضيّق الخِناق على الناس.

في مثل هذه المواقف، قد يواجه الأفراد الذين يؤمنون بأهمية الانخراط في الحوار المنطقي (الذين نشير إليهم فنيًّا: “المنطقيون”) – سواء من أجل سلامتهم الشخصية أو سلامة المجتمع – ضررًا حتميًّا عند مواجهة أفراد لا يرحبون بموقفٍ غير موقفهم (الذين نشير إليهم فنيًّا: “اللا منطقيون”)، فهل يلزمهم أن يصبحوا أكثر إصرارًا على موقفهم؟ هل يلزمهم أن ينصتوا مضمرين الاستسخاف؟ هل يلزمهم أن يتجاوزوا ثم يعودون أدراجهم؟

فيما يلي، نقترح عدّة بدائل: أولاً: نزعم بأنه من المهم ألّا “نبتلع الطّعم”: في حين أن الموقف الذي يدافع عنه الآخر قد يكون مثيرًا للحنق ويعبّر عن الغضب أكثر مما يعبّر عن نقيضه، ويخلّ توازن قوى الطرف الآخر، وفي كل الأحوال يقضي على أيّ فرصةٍ سانحةٍ لتقبّل الآخر. ثانيًا: نقترح أن التحليل الداخلي (الذي سيُوضّحُ قريبًا) لموقف الطرف الآخر (على عكس المطالبة بتسويغ خارجي) قد يكون مفيدًا. ثالثًا: نقترح استخدام “الشّخصنة الوراثية/ الشّخصنة الجندرية” (أي استخدام الشخص أو جنسه أو صفةً من صفاته لنقضِ حُجّته) عوضًا عن محاولة التركيز على محاسن ما قد يكون موقفًا “غير جدير بذلك”، أو بدلًا من تجنب مناقشةِ مسألة عدم الجدارة في الموقف برمته، قد يحاول المرء تحليل الكيفيّة التي وصل بها الشخص إلى التشبث بهذه القوة بما يظهر أنه موقف لا منطقي. أخيرًا، نحثّ المرء – وإنْ اُقفلت الأبواب في طريقه – على التشبّث بإنسانية الآخر، باعتبارها أساس سلوكه الذي قد يكون نوعا من شأنه أن يفيد كأساس التواصل في الحوار مستقبلًا.

من الواضح – فيما يتعلق بالاقتراحات المذكورة أعلاه – أن السياق أمرٌ بالغ الأهمية. في الدعوة إلى بدائل التواصل عندما يبدو أن مبدأ الأخذ والعطاء للحوار المنطقي مستحيل، فإننا نفترض سياق التبادلات التواصليّة المتنوّعة المشتركة من النوع الذي يتحدّث عنه ديوي Dewy في كتابه “العامّة ومشاكلهم.” نحن لا ندافع عن هذه البدائل كبدائل مطلقة؛ نحن بالتأكيد لا ندافع عنها في حالات الشّر المستطير أو غير ذلك.

وعلى نحو أكثر تحديدًا – فيما يلي – نبدأ بمناقشة “القيمة الافتراضية” للحوار المنطقي، متبوعةً بتحليل الأسباب التي تدفع أولئك الذين يتمسكون بشدة بهذه المثالية. سيساعد هذا في تسليط الضوء على سبب ارتباك أولئك الذين يقدّرون الحوار المنطقي عند مواجهة أولئك الذين لا يستطيعون المشاركة أو لا يرغبون في ذلك. ثم نذكر بإيجازٍ شديدٍ لماذا لا يقدّر كُثرٌ الحوار المنطقي باعتباره مثاليًّا. وسيعقبُ ذلك مناقشة لاستراتيجيات الاتصال البديلة والمواقف التي قد تكون بمثابة دليل لمن لديهم “عقول متفتّحة” (Sharp 40) عند مواجهة الأبواب المغلقة. على عكس العدوانية المتزايدة، أو تهذيب سلوك الاشمئزاز، أو ببساطة الاستسلام تمامًا، يمكن أن تساعد هذه الاستراتيجيات في الحفاظ على الإيمان بالنفس – حتى في مواجهة التحدي – ومع ذلك يحاول المرء أن يظلّ صادقًا مع مُثُل المرء (وإن كان ذلك جزئيًّا)، بينما في الوقت نفسه، من المحتمل أن يرسي الأساس لحوارٍ أكثر إنتاجية في المستقبل.

وبالنسبة لأولئك في مجال الفلسفة للأطفال – الذين يدعون ضمنًا أو صراحةً إلى فكرة الحوار المثالي (الصّريح) القائم على الأخذ والعطاء – فإن التفكير في استراتيجيات بديلة، عندما لا يكون الحوار المنطقي في حدود مقدرة المرء، أمرُ ضروريٌّ ومُلِّح.

كيف يبدو المرء “منطقيًّا”؟

في أطروحته بعنوان “الحرية”، زعم جون ستيوارت مِل Jhon Stewart Mill أن أسمى أولوية لأيّ مجتمع لابدّ أن تكون حماية حرية التعبير؛ لا لأن حرية التعبير في حد ذاتها ذات قيمةٌ عليا، ولكن لأنه من دون القدرة على سماع وجهات النظر المتعارضة، فلا يتبقى للمرء أيّ سبيلٍ يستطيع به أن يختبر مدى كفاية موقفه. كما زعم هابرماس Habermas في كتابه “نظرية الفعل التواصلي” أن الانخراط في حوارٍ مع أولئك الذين يفكرون تفكيرًا مختلفًا شرطٌ مسبقٌ للتّمكن من تقييم ما إذا كانت وجهة نظر المرء أكثر ملاءمة من وجهة نظرٍ أخرى، عوضًا عن النّظر إلى العقل باعتباره نشاطًا انفراديًّا. فكون المرء منطقيًّا يتطلب أن يكون منفتحًا على وجهات نظر متعارضة. ولكن هذا لا يعني ببساطة أن المرء مهذبٌ بالقدر الكافي لكي يستمع إلى الآخر. لكن بالأحرى يتطلب بدلاً من ذلك أن يكون المرء راغبًا وقادرًا على تقييم الموقف المعارض بجديّة في حد ذاته، فضلاً عن تقييم الوضع المعارض له، على نحو لا يتعارض مع المواقف الأخرى. وكونك منطقيًا إذن فإن الأمر يتطلب أيضًا أن يكون لدى المرء على الأقل بعض الإلمام بمعايير المنطق. تصف غاردنر Gardner (2014) في مقالتها “ترويج لعبة المنطق” “Reason Game” التفكير المنطقي أو ما نُشير إليه على أنّه منطقي بالطريقة التالية:

في أفضل حالاته – أو ربما حتى بمعناه الحقيقي الوحيد – يكون المنطق على النحو الذي يجب فيه على جميع المشاركين أن يكونوا مستعدين لاتباع الأسباب إلى حيث ما تؤدي (Gardner، 2009)، حيث يفترضون أن هناك معايير تحكم ما يجب أن يؤمن به كلّ شخص (Darwall، 50-56)، أن “كيفية استخدام المتحدثين والمستمعين لحريتهم في التواصل لاتخاذ مواقف بنعم أو لا، ليست مسألة ترجع لتقديرهم الشخصي (Habermas، FHN 10) … في أفضل حالاتها، أو ربما فقط بالمعنى الحقيقي، يجب على المشاركين الذين يفكرون معًا أن يفترضوا أن النتيجة التي توصلوا إليها – أو على الأقل يجب أن يتوصلوا إليها – ليست “متروكةً لهم”، ولأن الأمر “ليس متروكًا لهم”، “يجب عليهم جميعًا الدخول في لعبة المنطق مستعدين منذ البداية لتغيير رأيهم عند مواجهة حجَج منافِسَة أقوى (129).

من المهم التأكيد في هذا المنعطف – ربما تأكيدًا قاطعًا – على أن كون المرء عقلانيًا لا يعني بالتالي أهمية أي موقف معين يتم اتخاذه؛ إنها بالأحرى، دلالة على القدرة والاستعداد للانخراط في عملية معينة، أي تلك التي يكون فيها المرء منفتحًا على جميع وجهات النظر المنطقية، ويكون لدى المرء القدرة والاستعداد لتقييم قوّة أيِّ سببٍ مُقَدّم، وأن يكون المرء في النهاية مستعدًا لاحتضان ما يتبيّن أنه أقوى منافس للحقيقة.

 

الدافع وراء كون المرء منطقيًّا

من جهة، يمكننا أن نصف ما يمكن وصفه بكونهِ مثاليًّا للحوار المنطقي، لكن ذلك مختلف كليةً عن قدرتنا لخوض حوار منطقي مثالي، (حتى مع أنفسنا) وذلك من  الأسباب التي تجعلنا نتطلّع إلى مثل هذه المثالية. وكما تشير جاردنر

ويمكن القول إن هذا خطأ قاتلٌ للعديد من دورات التفكير الناقد، حيث يجري استثمار القليل من الجهد في تحقيق دافع الطلاب ليكونوا منطقيين بالفعل. وبالتالي، قد يتفوق الطلاب في آليات المنطق الاستدلالي والاستقرائي، ومخططات فين  Venn، وجداول الحقيقة – وما إلى ذلك – ورغم ذلك لا يستخدمون هذه المهارات إلا لدعم وجهة نظرهم المتحيّزة، بدلاً من تعهدهم اكتشاف أفضل منافسٍ للحقيقة.

ردًّا على هذه المشكلة، دعت جاردنر Gardner في كتابها عن التفكير النقدي “خطط للحرية” (2009)، الطلاب في البداية إلى الانخراط في تحليل نقطة “تحري أفضل منافس للحقيقة”، وهذه النقطة هي تعريف الاستقلالية الفكرية. فتجادل قائلةً بأن تحيزاتنا ليست ذاتية بل هي منحدرة من البيئات المادية والاجتماعية التي نعيش فيها، ويترتب على ذلك  أننا كي نصبح نحن، فنحتاج إلى التخلص من التحيز باستخدام العقل لتقييم مزايا مواقفنا ضد أقوى معارضة ممكنة، وبذلك نقترب أكثر من عرض مواقفنا بدرجةٍ معيّنةٍ من الحِياد على الأقل. على وجه التحديد، تقول:

إن القيم التي تلتزم بها عندما تقرّر كيفية التصرف على المدى القصير والمتوسط ​​والطويل ستحدّد نوع الإنسان الذي تصبح عليه، ونوع الحياة التي تعيشها، ونوع المجتمع الذي تساعد في خلقه. وعليه، يمكنك أن تصف نفسك بأنك متحكم بقدرك، كما لو أنك كتبته بالدرجة التي تفكر فيها بجديّة وحياديّة في القيم التي توجّه أفعالك على المدى القصير والمتوسط ​​والطويل.(36).

 

الدافع وراء كون المرء لا منطقيًّا

نعلم جميعًا أن العالم مليءٌ بالأشخاص الذين يعجز المرء عن مَنطَقة أفعالهم. كجارتان سيكنجستاد Kjartan Sekkingstad، النرويجي، الذي اختطف مع ثلاثة آخرين من قبل متشددين إسلاميين من منتجع في الفلبين في عام 2016، والذي شهد فيما بعد قطع رأس اثنين من رفاقه الأسرى. لكننا لسنا بحاجة إلى الاستشهاد بالأحداث المتطرفة لدعم هذه النقطة. تدعم عمتك سالي، وهي مسيحية أصولية، هذه النقطة مثل والدك الذي يعرف تمامًا كيف يجب أو لا يجب أن تُعاش الحياة.

هناك العديد من الأسباب التي تجعل شخصًا ما ضيّق الأفق أمام التفكير في موقفٍ يعارض موقفه الشخصيّ الذي يؤمن به حاليًا. من بينها: 1. حماية الهوية (بما في ذلك الولاء الأيديولوجي والانتماء القَبَليّ). 2. الهشاشة العاطفية (يظهر في التبادل اللّفظي العنيف مثلاً) 3. النرجسية (لا أتصور أن أيّ شخص لديه وجهة نظر مختلفة يستحق أن يؤخذ على محمل الجد) 4. المبدأ المتطرف (الاختلاف معي غير أخلاقيّ) 5. الاستثمار في المصالح المالية (على سبيل المثال: نظرية الانسياب ((e.g., the trickle-down theory) 6. الحالة الشخصية (الفيسبوك!) 7. مذهب المتعة (تتبّع الحقيقة يتطلّب الكثير من العمل) 8. النسبيّة (لا توجد طريقة للحكم على موقفٍ على أنه أفضلُ من موقفٍ آخر) 9. سوء فهم للمنطق الذي يدور حوله كلّ شيء (الأشخاص الأذكياء لا يغيّرون رأيهم) 10. رفض تقدير المنطق (مثل الاعتقاد بأن بالوحي الإلهي لا يدعم التفكير منطقياً!).

ونظرًا لهذه الأسباب المتعددة التي تجعل المرء متشبّثًا بوجهة نظره، فإن هؤلاء الذين يقدّرون قيمة مبدأ الأخذ والعطاء المنفتحين بالحوار المنطقي لابُدّ ألا يندهشوا عندما يواجهون شخصًا ضيّق الأفق. والواقع أنه ليس مستبعدًا أن يكون ضيقو الأفق هم القاعدة لا الاستثناء. ولكن لا ينبغي لهذا أن يعمل على تثبيط عزيمة أولئك الذين تبنّوا الحوار المنطقي باعتباره فكرةً مثالية. بل يتعيّن عليهم بدلًا من ذلك التنبّه للحاجة إلى وضع استراتيجيات بديلة في المتناول عندما لا يكون الحوار المنطقي في المتناول. وهناك بدائل أخرى تتلخص ببساطةٍ في غرس المرء لموقفه بالقوة، أو النّظر إلى الآخر باعتباره أحمقَ، أو التخلّي عنه تماما. وفيما يلي بعض الاقتراحات:

استراتيجيات التواصل عندما يكون الحوار المنطقي غير ممكن

تجنّب ابتلاع الطعم

في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2016، حثّت ميشيل أوباما الناس بقولها: “حينما يتصاغرون، فإننا نسمو” اعترافًا بحقيقة أن “كونك لا منطقيّا” يمكن أن يكون “ملفتًا للانتباه”. من منّا لا يحاول الرّد على الإهانة بالإهانة عندما يتعرض للشخصنة أو الهجوم القائم على التحيّز الجندري تعرّضًا واضحًا وغير مبرر؟ في الواقع فإن المناورات اللّامنطقية مثل الوجبات السريعة؛ يمكن أن تكون إدمانًا إيجابيًا، حيث غالبًا ما تصطاد خصمك على حين غِرّة ويبدو غالبًا فوزًا مضمونًا في تبادل تنافسي. لذا من الضروري أن نتذكّر أن كون المرء لا منطقيًّا مثله في ذلك مثل الوجبات السريعة يضّر بصحة المرء؛ بمعنى أنّه يُعرّض استقلالية الفرد وكرامته واحترامه لذاته للخطر. وبالمثل – كما نقوم بتحصين أطفالنا ضد إغراء الوجبات السريعة بالتأكيد مرارًا وتكرارًا على فوائد اتباع نظام غذائي صحي – يجب علينا مرارًا وتكرارًا التأكيد على مزايا الحفاظ على ركيزة كوننا منطقيين – على الأقل بقدر ما يسمح به أي موقف معين – حتى لو كان الموقف من النوع الذي يبدو فيه نموذج الحوار المنطقي كأنه بعيد المنال.

وبالمِثل، تزعم ويندي بيهاري Wendy Behary في كتابها “نزع سلاح النرجسي” “Disarming the Narcissist ” أنه على الرغم أننا سنميل بشدة إلى فقدان رباطة جأشنا عندما ننخرط في تبادل حوارٍ مع شخص نرجسي، فإنها تطلب منا أن نضع في الحسبان الفرق بين “اتخاذ موقف لنفسك -استخدام صوت حقيقي وحازم ضد الإساءة والسيطرة والقمع – وبين الدفاع عن نفسك بالازدراء والنقد وادّعاء الصلاح” (72). في الحالة الأولى، تظلّ إمكانية الربح ممكنةً للجميع، وفي الحالة الأخيرة تكون الخسارة أمرًا لا مفرّ منه.

وتذكّرنا – فيما يبدو جزءًا من استراتيجية محافظة المرء على هدوئه – بوجوب “توجيه وعيك نحو وجه الشخص الآخر ويده وجسده، مذكِّرًا نفسك بأنه مجرد عضو آخر في الجنس البشري الرائع وغير الكامل” (Behary 111) ولا تسمح لنفسك بأن يعميكَ وهجُ غرورِه البالغ 14 قيراطًا.

التحليل الداخلي مقابل التحليل الخارجي

في مقالته “فن الخلاف المدني المندثر” (National Post، 30 Sep 2017،A 16) يجادل بريت ستيفنز Bret Stephens أنه على الرغم من ضرورة الخلاف لتأكيد حريتنا، وإنعاش تقدّمنا​​، وجعل ديمقراطياتنا حقيقة، ومن تحسّن خبرتنا في العقود الأخيرة أكثر من أي وقت مضى إلا أننا “بقدر ما نعيد الفعل، نزيدُهُ سوءًا”. الخلاف المحمود – حسب ستيفنس Stephens – هو الخلاف الذي يشحذ تفكيرنا؛ ذلك الخلاف الذي حدثَ على مدى قرون بين مفكرين مثل أفلاطون وهوبز ونيتشه وفيتجنشتاين Plato, Hobbes, Nietzsche and Wittgenstein. ما يميز هذا النوع من الخلاف المحمود هو أنه “لا يستند أبدًا إلى سوء فهم، بل على العكس من ذلك، تنشأ الخلافات من الفهم الكامل؛ أو من استيعاب أفكار خصمك الفكري تمامًا حيث يمكنك فرزها فرزًا صحيحًا؛ بعبارة أخرى لكي تختلف جيدًا، يجب أن تفهم جيدًا أولاً. عليك أن تقرأ بعمق وتستمع مليًّا وتراقب عن كثب”.

وهذا يدل على أن النهج المثمر عندما يواجه عقلًا مغلقًا في وجه وجهات النظر البديلة لابدّ أن يكون التشكيك في النهج الآخر تشكيكًا كاملاً حيث يبتعد المرء عن التبادل التواصلي بفهمٍ أعمق لموقف الآخر، وبدلاً من القلق بشأن ما إذا كان المرء قد سُمع صوته أم لا. وفي هذه العملية قد يجد المرء مجالات للتداخل يمكن أن تكون بمثابة استهلال للحوار الفعليّ. وقد ينتهز المرءُ هذه الفرصة أيضًا ليلتمس التناقضات المحتملة حين تظهر. في حين أن مثل هذا النهج قد يعزز التفكير على كلا الجانبين، فيتعيّن على المرء أن يتذكر أن الآخر قد لا يكلّف نفسه عناء التفكير في التناقض المحتمل في موقفه. ومع ذلك قد يكون مثل هذا الاستكشاف مثمرًا حيث إنه سيكشف عمّا إذا كان يمكن اعتبار موقف الآخر – من أيّ منظور – مسوَّغاً.

الأسباب وليس العلل: إعادة النظر في المغالطة الجينية

على الرغم من أن الاستشهاد بالحوار بين الفلاسفة قد يكون نموذجًا مفيدًا في تخيل شكل “الخلاف المحمود” كما فعل ستيفنز Stephens أعلاه، يتعين علينا أن نضع في اعتبارنا أن مثل هذا التأطير الدّقيق لموقف المرء، بالإضافة إلى توقّع بعض التحفظات والمقاومة، ليس نموذجًا للتفاعل العادي. عندما يشعر المرء بأنه يتعرض للهجوم، فإن القدرة على استيضاح الحالة برمتها، بل والقدرة على معرفة الحالة بكاملها أو الجزء الذي يعنيه غالبًا ما تتضاءل. لذا فإن استراتيجية التحليل الداخلي كما هو مذكور أعلاه – أي التحليل المستمر وإعادة التحقيق في الحالة المذكورة لفهمٍ أفضل – قد لا تؤدي إلى فهم أفضل لمجرد أن مناصري الموقف غير قادرين على التعبير عنه تعبيرًا كاملًا أو رفض الرد على أسئلةٍ حول اتساقها.

إن كان الأمر كذلك، وكان فهم موقف الطرف الآخر يثير المتاعب، ولا يثيرها أيضا – بمعنى إذا كانت دراسة الأسباب التي تدعم أو لا تدعم موقف الآخر تبدو غير مجدية – فإن التركيز على الأسباب قد يكون مجديا. ربما يكون السؤال الذي يجب التركيز عليه هو: ما الذي دفع هذا الشخص إلى التمسك بهذا الموقف بصرامة؟

وقد يبدو الاقتراح بأن يدرس المرء الأسباب لا المنطق مؤدّيًا إلى موقف الآخر غير المقبول. فالاستراتيجية مصنفة في كتب التفكير الناقد باعتبارها مغالطة غير رسمية (سواء كانت تتعلق بخلفية شخصية أو تحيّز جنسي أو مغالطة جينية)، وبالتالي لابدّ للمفكرين البارعين من تجنّبها. ومن المؤكد أن كل من وقع ضحية لمثل هذه الاستراتيجية يدرك تمام الإدراك مدى الغضب الذي قد تولده هذه الاستراتيجية. وأي رجل يلّمح لامرأة بأنها تتشكى فقط لأن الوقت يصادف “دورتها الشهرية” يمكن أن ينتهي إلى غضبٍ ضارٍ قد يتولّد من هكذا ردود.

ومع ذلك فإننا نقترح أن مثل هذه الاستراتيجية – إذا كان الهدف منها حقًا فهمًا أعمق لا تقويمًا لموقف الآخر – يمكن أن تسمى “استقصاءً جينيًا” لا “مغالطة جينية”. وفي مثل هذا الاستقصاء، ستكون محاولتنا خلق مراتب من الأسئلة التي تسمح لنا بالتدرج في عرض القيم الأساسية للآخر. بما أن المعتقدات تعبّر عن القيم، فإن اكتساب الفهم لكيفية كون معتقداتك نتاجًا لقيمك هو دليل إيجابي على أنني أراك بكونك عقلانيًّا؛ وكل هذا هو النقيض تمامًا للسماح لنفسي برفض وجهة نظرك باعتبارها نتاجًا غير عقلاني لأسباب شتّى.

ومن بين الطرق الأخرى لصياغة هذه النقطة القول بأن المشاركة في الاستقصاء الجيني هي محاولة للتّعرف على مدى ملاءمة موقفك في قضيةٍ بعينها مع قصة حياتك كما تراها (MacIntyre). أو هناك طريقة أخرى، كأن أقول إنني أحاول رؤيتك باعتبارك شخصًا، بدلًا من مجرد رأس ناطق.

إن الاقتراح المتعلق بأنني أحاول أن أراك شخصًا في المواقف التي يكون فيها وضعك مبهمًا تمامًا، يضفي لمسةً مثيرةً للاهتمام عما كان يوصف في البداية بـ”تحييد الانحياز”؛ أي أنه يجب على الشخص المنطقي أن يكون منفتحًا على مواقف بديلة حتى يكون متيقظًا لاحتمال أن يكون موقفه متحيزًا. وعلى النقيض من ذلك، تشير الاستراتيجية الحالية إلى أن “وعي الشخص” يساعدنا على تحييد التحيز من نوع مختلف: أو على وجه التحديد النظرة المتحيزة حول “حياة الإنسان”. وهذا يعني أنني قد أرى – من خلال فهمي لرواية الآخر – أن لها ميزة حتى لو لم تكن طريقة حياةٍ سأختارها لنفسي. إذا كان هذا هو الحال فقد أتمكن من مضاعفة جهدي لإيجاد طرقٍ يمكن من خلالها استيعاب اختلافاتنا التي لا تدوس – في هذه العملية – على أيٍّ من قيمنا الجوهرية.

وإذا كان لهذا الموقف أي ميزة على الإطلاق، فهي إشارته إلى أن التّنوع يتطلّب منا على المدى البعيد أن نتكلم لغتين: “لغة المنطق” بهدف الالتقاء الحقيقي مع الآخر (Buber) و”لغة الفهم” التي نتعلم منها كيف نقدّر بعضنا، ولكن مع مراعاة بعض التباعد.

وإذا كان لهذا الموقف أي ميزة على الإطلاق، فمن المثير للاهتمام أن له تداعيات فيما يتعلق بالتساؤل المجتمعي (كما هو موضّح في أدب الفلسفة للأطفال). إذا تبيّن أن “تصور الشخص” يشكل استراتيجية أساسية عند مواجهة مأزق المنطق – وإذا لم تكن المآزق المنطقية غير شائعة – فمن الواضح أن طرح أسئلة مثل “كيف تعتقد أنك توصلت إلى هذا الرأي” أو “هل تعرف السبب وراء اعتقادك بهذا الرأي بقوة” أو “هل تشبثت دائمًا بهذا الرأي” أو “هل من الممكن أنك متشبث بهذا الرأي لأن …”، كلها تعتبر جسّ نبض أوليّ لتعزيز القوة في محيطه، بدلاً من أن يُنظر إليها على أنها إضافات شخصية شاذة فيما يفترض أن يكون حوارًا منطقيًّا بحتًا.

تمسّك بإيمانك بالآخر

في مقال نُشر في 30 أغسطس 2017 في صحيفة “National Post” بعنوان “لماذا ما يزال بإمكان الأشخاص العقلاء”المنطقيين” دعم ترامب”، يتحرى كلايف كروك Clive Crook عن تداعيات حقيقة مفادها أن مؤيدي ترامب يبدون غير متأثرين تقريبًا بأي شيء يفعله أو يقوله، بغض النظر عن مدى الفظاعة الظاهرة. وقد أوضح نظريتين رئيسيتين: “الأولى: هي أن أقلية كبيرة من الأمريكيين – 40٪ يزيدون أو ينقصون عن ذلك- هم حمقى عنصريون”. الأخرى: هي “أن الغالبية العظمى من هذه الأقلية الكبيرة هم مواطنون صالحون يتمتعون بآراء واضحة وشرعية ويستاؤون من تصنيفهم بالحمقى العنصريين لدرجة أنهم سيدعمون ترامب على أية حال” (A8). هو لا يكتفي بالقول إنه يعتقد أن النظرية الأولى سخيفة وأن النظرية الثانية صحيحة في الأساس، ولكن أولئك الذين يؤمنون بالنظرية الأولى هم – في جوهرهم – يرفضون الديمقراطية؛ فهم في جوهرهم يعتقدون بوضوح بعدم إمكانية تغيير أذهان هؤلاء الناس، وعليه فلماذا نأخذ مفهوم التحدث والاستماع إليهم بعين الاعتبار؟ وفي خضم الاحتجاج ضد النزعة إلى وصم آراء مؤيدي ترامب “بالتعصب الأعمى” و”الحمق”، يسأل كروك مجازيًا: لماذا لا يمكن منح هذه الأقلية الكبيرة من الشعب الأمريكي شيئًا آخر غير الأسف أو الازدراء. أنهى كروك مقالته بالحجة التالية: “الديمقراطيات الناجحة هي التي تفسح المجال للخلاف. يمكنك أن تختلف مع شخص ما بأقوى العبارات الممكنة، معتقدًا أن خصومك مخطئون خطأً قويًا أو حتى خطيرًا. لكن هذا لا يلزمك بتجاهلهم أو ازدرائهم أو الأسف عليهم. إن رفض الانخراط – باستثناء السخرية والتعالي- يأتي بنتائج عكسية. ويضيف أن الدليل على هذه النقطة الأخيرة هو العناد البائس لدعم ترامب. بعبارة أخرى، يرى كروك Crook حاجتنا إلى التمسك بإيماننا أنه مع الوقت والجهد، قد نكافأ بسخاء على المدى الطويل بفهم ما قد نعتبره موقفًا غير منطقي. تكمن الصعوبة في إيجاد طرق مناسبة للمشاركة عندما يكون الحوار المنطقي غير ممكن.

ما علاقة اللا منطق بالفلسفة للأطفال؟

هدفنا في فلسفة الأطفال – على الأقل كما نفترض – هو إشراك الشباب في مجتمعات التساؤل الفلسفي كي يطوّروا عادة الانخراط في حوار منطقي خارج نطاق مجتمع التساؤل الفلسفي. ومع ذلك هناك خطر يتمثل في المبالغة. بمعنى؛ إذا أعطينا الانطباع (على الرغم من أن ذلك قد لا يكون هدفنا) بأن التواصل بين الأشخاص ليس ذا قيمةٍ تذكر ما لم يكن جميع المشاركين منفتحين ومنطقيين على حد سواء – وإن وُجِدَ البعض ذلك – في كثير من الحالات خارج نطاق مجتمع التساؤل الفلسفي، يواجهون عقولًا منغلقة، فقد يضيع إيمانهم بالحوار المنطقي تمامًا. ومن ثَمّ فإن ذكريات مجتمع التساؤل الفلسفي ترتبط مع افتراض أن هذه التجربة كانت ممتعة، ولكن في النهاية هي تجربة أكاديمية غير عملية، وبالتالي يمكن العودة إلى عادة الملاكمة اللفظية. ولهذا السبب فإننا نقترح أنه يتعين علينا جميعًا – في مرحلة ما – التعليق على أن ما نقوم به في مجتمع التساؤل الفلسفي هو مثالٌ يجب أن نتطلع إليه جميعًا، ولكن مع ذلك يجب علينا جميعًا أن نكون مستعدين لأوقاتٍ يعرقلنا فيها أولئك الذين لا يستطيعون البقاء منفتحين على المواقف المعارضة. ويتعين علينا الإضافة بأنه لا ينبغي بأي حال من الأحوال التقليل من المثالية الشخصية لكونك منطقيًا، لأن دافعها يرتكز على تقدير الاستقلالية وليس النجاح (انظر أعلاه). بالإضافة إلى ذلك سيكون من المفيد ملاحظة أنه في تلك الحالات التي يفشل فيها الحوار ثنائي الاتجاه، هناك طرق أخرى يمكننا من خلالها التواصل مع الآخرين؛ أي الطريق أحادي الاتجاه لمحاولة فهم موقف الآخر تمامًا ولماذا يتشبث به الآخر بقوة. رغم جنون فكرة كون الآخر منغلقًا نحو ;كياننا وما نؤمن به، إلا أننا قد نجد في هذا الفهم الجديد ثراءً، وأن موقفنا قد يصبح أكثر دقة نتيجة لذلك. قد يفتح هذا المنظور الجديد بدوره احتمالات الحوار في المستقبل. بعبارة أخرى إذا كنّا مستعدين للسير في اتجاه واحد نحو الآخر، فإن الآخر بدوره قد يكون متحمسًا أكثر للرد بالمثل.

بشكل عام، ما نقدمه هو مجرد أداة أخرى لمجموعة أدوات الفلسفة للأطفال: على الرغم من أن هدف الفلسفة للأطفال الجوهري هو التثقيف عن الحوار المنفتح الذي نتعلم فيه احترام وجهات نظر بعضنا باعتبارها منابع محتملة للبصيرة (Sharp 51)، من المهم أيضًا تقديم استراتيجيات يمكن من خلالها الحفاظ على الحوار خارج الصف الدراسي بشكل مفيد حتى عند مواجهة عقول مغلقة.

الخاتمة

على الرغم من أن الانخراط في حوار منطقي هو الحل الأمثل، واعتماد استراتيجيات تواصل بديلة عند مواجهة تحيزات ضيقي الأفق هو ثاني أفضل خيار، إلا أننا في حاجة إلى أن نضع في اعتبارنا عدم إمكانية الاتصال بموقف الطرف الآخر أو الشخص الآخر أحيانا. برزت هذه النقطة بروزًا جليًّا بتصوير إريك لارسون Erik Larson، في كتابه “في غابة الوحوش” “Garden of Beasts”، للسذاجة الأمريكية في ثقتها المستمرة بالفعالية المحتملة للحوار المنطقي مع النازيين Nazis في السنوات الست التي سبقت بداية الحرب العالمية الثانية.

تحذّر ويندي باهاري Wendy Bahary، في كتابها “نزع سلاح النرجسيين” “Disarming the Narcissist”، من اليأس الذي قد ينجم عن محاولة المرء خوض حوار مع نرجسي. تكتب: “مثل رئيس نادي المناظرات أو القاضي الذي يحمل المطرقة في يده، إذا دعاك النرجسي إلى محادثة سرعان ما تصبح إما مونولوجا مطوّلا أو محادثة جدلية أو تنافسية للغاية. بغض النظر عن ردك – سواء تجاهلته، أو رددت عليه، أو حاججته، أو حتى لو استسلمت – فلن يتأثر بشيء”(Behary 97).

من ناحية أخرى، تقترح باهاري Behary أنه يمكننا إبعاد اليأس إذا حافظنا على التمييز بين التعاطف والشفقة تمييزًا واضحا في أذهاننا. التعاطف هو القدرة على فهم تجربة شخص آخر…. ولا يعني ذلك أنك توافق على مشاعر وسلوك الشخص الآخر أو تتغاضى عنه أو تدعمه (Behary 137). هناك طريقة أخرى لتوضيح ذلك وهي القول بأن الدعوة إلى “تصور الشخص” عندما يكون “تصور الموقف” غير ممكن، وهي لا تدعو بالضرورة إلى “حب جارِك”.

في نهاية المطاف، الهدف من وجود الشخص المنطقي هو إيجاد طرق لحماية وتعزيز منطقيته والذات المنطقية للآخرين، في مواجهة ما يبدو أحيانًا وكأنه عالم غير منطقي. نقترح هنا أن الفهم الأعمق للآخر، سواء كان موقف الآخر أو الآخر كشخص، سيساعد على القيام بذلك. وبقدر ما يكون الأشخاص المنطقيين قادرين على الحفاظ على هذا التركيز في خضم الصراع، فإنهم قد يكونون نماذج يُحتذى بها وبالتالي يفيدون المصلحة العامة.

 

المراجع:

 

Behary Wendy T. Disarming the Narcissist. Oakland, CA: Harbinger, 2013.

Buber, Martin. I and Thou. 2nd Ed. New York: Charles Scribner’s Sons, 1958.

Cam, Philip. “Philosophy, Democracy & Education: Reconstructing Dewey.” In-Suk Cha (ed.), Teaching Philosophy for Democracy. Seoul: Seoul University Press, 2000. 158-181.

Crook, Clive. “Why reasonable people can still support Trump,” The National Post. August 30, 2017.

Darwall, Stephan. The Second-Person Standpoint: Morality, Respect, and Accountability. Cambridge, Mass.:Harvard University Press, 2006. Print.

Dewey, John. The Public and Its Problems. New York: Holt, 1927.

Gardner, Susan T. Thinking Your Way to Freedom. Philadelphia: Temple University Press. 2009.

Gardner, Susan T. “Selling the Reason Game.” Teaching Ethics. Fall, 2014.

Habermas, J. The Theory of Communicative Action (TCA). Vol. 1: Reason and the Rationalization of Society.

Trans. Thomas McCarthy. Boston: Beacon Press, 1992. (German text 1981.)

Haidt, Jonathn, The Righteous Mind: Why Good People are Divided by Politics and Religion. NewYork: Pantheon Books, 2012.

Kant, Immanuel. Groundwork of the Metaphysic of Morals. Trans. H.J. Paton. New York: Harper and Row, 1964.

Lilla, Mark. The once and Future Liberal: After Identity Politics. New York: Harper Collins, 2017.

Lipman, Matthew. Thinking in Education. Cambridge: Cambridge University Press, 1991.

MacIntyre, Alasdair. After Virtue. Notre Dame, Indiana: Notre Dame Press, 1984.

Mill, John Stewart. On Liberty. On Liberty. Essay on Bentham. Ed. Mary Warnock. New American Library, 1962.

Sharp, Ann Margaret. “What is a Community of Inquiry.” In Community of Inquiry with Ann Margaret, Sharp: Childhood, Philosophy, and Education. Edited by Maughn Rollins Gregory and Megan Jane Laverty. New York: Routledge, 2018. 38-48.

Sharp, Ann Margaret. “Self Transformation in the Community of Inquiry.” In Community of Inquiry with Ann Margaret Sharp: Childhood, Philosophy, and Education. Edited by Maughn Rollins Gregory and Megan Jane Laverty. New York: Routledge, 2018. 49-59.

Stephens, Bret “The dying art of civil disagreement,” The National Post, Sept. 30, 2017, A16.

Will, Georg F. “Yale takes lead in race for silliest thought police,” The National Post, Friday, Sept. 8,2017, A10.

 

Address Correspondences to:

Dr. Susan T. Gardner

Professor of Philosophy, Capilano University

2055 Purcell Way,

North Vancouver, BC,

Canada, V7J 3H5.

sgardner@capilanou.ca

 

حمّل مقالة (المنطقة مع اللامنطقيين)