ديناميكية الحوار الفلسفي; نصائح للمعلمين في الصف
روبرت فيشر
Fisher,R 1995,Teaching children to think ,Basil Blackwell Ltd, Oxford.
ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر
“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”
ترجمة : عبير حماد
تدقيق : أمل اسماعيل
كانت مجموعة من الأطفال بعمر التاسعة تتحاور فيما هو حقيقي وما هو غير حقيقي. هل الزمن حقيقي؟ ماذا عن الأحلام؟ كان الحوار نشطًا، ينتقّل بسرعة من طفل إلى آخر. قالت تينا: “حين تكون نائمًا فأنت خارج الزمن، غير مدركٍ لأي شيء إطلاقًا، لذا فلا شيء حقيقيّ بالنسبة لك ولا حتى نفسك”. تضيف جيليان: “نعم، لا يكون الشيء حقيقيًّا إلا عندما تراه أو تفكر فيه”. لكن جينا فكرت بطريقة أخرى: “إذ دخل أحدهم غرفتك ورآك وأنت نائم فأنت حقيقي لذلك الشخص، لذا لا بدّ أنك ما زلت حقيقيًا”. ثم قال مارك: “بالإضافة إلى أنك حين تكون نائمًا فإن عقلك يعمل دومًا حتى حين لا تدرك ذلك، بل وإنك تحلم أيضًا”. وحين أبدى أحدهم ملاحظة حول كون الأحلام غير حقيقية ردّ مارك قائلًا: “حتى لو كانت الأحلام غير حقيقية فإن حقيقة أنك تحلم حقيقية وموجودة”.
كان الحوار حول ما هو حقيقيّ يسير أيضًا في صفٍّ لطلاب في سن العاشرة بسرعة كتلك، تنسقه المعلمة متى ما دعت الضرورة.
المعلمة: ماذا عن الانعكاس في المرآة، هل هو حقيقي؟
أندرو: فقط حين تنظر في المرآة.
روبرت: أجل، لا يكون الشيء حقيقيًّا إلا حين تعلم أنه موجود.
لوسي: لكن الانعكاس يظل موجودًا حتى لو لم أكن أنظر إليه.
روبيرت: ليس إن كانت الغرفة مظلمة بالكلية أو كانت غرفةً بلون واحد فقط كاللون الأصفر.
لوسي: نعم، ما زلتُ قادرة على تخيل الانعكاس حتى لو لم أكن أنظر إلى المرآة، لذا لابد أنه حقيقي. الانعكاس شيءٌ لا يبدو حقيقيًا لكنه حقيقي.
باستمرار الحوار كانت الأفكار تثب وترتد من المرايا إلى الزهور الصناعية، فالصور، مستمرًا دون بلوغ خاتمة قطعية ولكنه يتضمن ويشمل كل من يود المشاركة في البحث المشترك عن الفهم.
انخرط طلاب صف بعمر السابعة في حوارٍ حول ما إذا كان سوبرمان حقيقي أم لا. ولمدة نصف ساعة انساب الحوار: لا يمكن أن يكون سوبرمان حقيقي لأنه لا وجود لشخص حقيقي يرى عبر الأشياء كما يفعل سوبرمان. ونتج عن وجهات النظر المختلفة حجج حديثة ومباشرة: سوبرمان حقيقي في عقول الناس وعقول الناس حقيقية. كيف تكون الأشياء حقيقية؟ كيف لك أن تعرف إن كانت الأمور غير حقيقية؟ في أيٍ من التصنيفين سيكون سوبرمان؟ أخيرًا قرر الأطفال: “سوبرمان موجودٌ في مكان ما بين التصنيفين”. عادةً يصعب على الأطفال في البداية فهم أن الإجابة الصحيحة أو الخطأ لن تُعطى لهم ولكن عليهم أن يقرروها بأنفسهم. ومتى ما انخرطوا في الحوار وانغمسوا فيه يمكن لهذا المفهوم أن يكون محرِّرًا؛ إذ إنهم أحرار بالتفكير بأنفسهم.
لا يجري الحوار الفعال دون أي شوائب بالطبع، فهناك مشاكل عملية لمواجهتها. فعادة ما يواجه الأطفال صعوبة في تبادل الأدوار أثناء التحاور. ولا يسهل دومًا إقناعهم بالسير وفقًا لمسار الحوار أو الحجة، أو أن ينصتوا لأفكار الآخرين متى ما عبّروا عن أفكارهم. يعتمد نجاح الحوار على مهارة المعلم في تيسير الحوار. كيف نتبنى حوارًا فعالًا؟
مقترحات لحوار فعال
جهز أولًا مكانًا فيزيائيًا مناسبًا، يمكن للحوار أن يزدهر في أماكن عديدة. إذا جرى الحوار في فصل دراسي أثناء يوم مدرسي فسنواجه مفارقة مدمجة Built-in Paradox. ولا يكون الحوار ذا قيمة إلا حين توجد الرغبة بالمشاركة في نفسِ كل مشاركٍ فيه. لكن نشاطات الفصل عادةً ما يحدد تفاصليها المعلم مُسبقًا ويخطط لها، وسينخرط الأطفال فيها سواء رغبوا بذلك أم لا. أما لو تركت المشاركة اختيارية فإن عددًا من الأطفال ممن يجهلون معنى الحوار أو ربما يعرفونه سيميلون لاختيار عدم الانخراط فيه. ولذا على المعلم أن يحاول جعل الحصة ممتعة ومثمرة قدر الاستطاعة ومدركًا للعوامل التي لربما تثري نجاح الحوار أو فشله.
وتكمن أهمية البيئة الفيزيائية في عدة نواحٍ، فأقل متطلبات الحوار هو وجوب سماع كل شخصٍ لصوت الآخر بلا حاجة للصراخ أو الاستنزاف والإجهاد. ففي مرات عديدة يجد المعلم نفسه في مواجهة أمور عديدة: كأن يواجه العقبات، والحوادث، وإزعاج الآلات، وصوت موسيقى تقتحم المكان بصخبها وأصوات ضجيج صادرة من أماكن مجاورة. وحتى مع إغلاق الباب فإن أصوات التحدث وتحريك الطاولات تنقل من غرفة إلى غرفة مقلقةً انتباه الجميع ومشتتة إياهم. استعد لتجري حوارك في وقتٍ أهدأ.
إن أفضل مكانٍ لإجراء حوار هو ذلك المجلس الخالي من أي ضغط أو توتر، إذ يمكن أن يتسبب الضجيج بالتوتر وكذلك المقاطعة. فطرقةٌ على الباب، أو رنّة جرس، أو حتى دخول غريبٍ إلى الغرفة كلها أمور يمكن أن تفسد استرسال الحوار. وإذا حدث أيٌّ من هذا في لحظة حاسمة أو ممتعة جدًا سينقطع حبل أفكار المشاركين وستفسد الاستمرارية. ولعل أحد الطرق لتفادي حدوث كل ذلك تعليقُ تنبيهٍ على الباب من قبيل: “نُجري حوارًا، لا تقاطعنا فضلًا”، مع التأكد من كون الآخرين يفهمون معنى ذلك التنبيه ويحترمونه.
أما المسبب الآخر للإزعاج غير المتعمد فلربما كان نشاطات بقية الأطفال في الفصل ممن لم ينخرط في الحوار، والسلبيات في هذه الحالة واضحة: إذا كان الأطفال الآخرون يلعبون أو تصدر عنهم ضجة فإن أولئك المنخرطين في الحوار سيتشتتون، وإذا كان الأطفال الآخرون منشغلين بما يفعلون بصمتٍ فإنهم سيتشتّتون بسبب الحديث الجماعي. وإذا كان الفصل يُعد مجتمع تساؤلٍ فذلك حجة قوية لإشراك جميع الأطفال في الحوار إما كنشاطٍ فصليّ أو في مجموعات.
إن إحدى الطرق لتجنب الإزعاج داخل الفصل هو اصطحاب المجموعة إلى الخارج إذا ما كان الطقس مناسبًا. في اليونان القديمة ابتكروا “حدائق الفلاسفة” لغرضٍ مثل هذا فقط. وستفي أي مساحة مفتوحة بالغرض: إحدى زوايا ساحة اللعب، بقعة هادئة في حديقة عامة، حديقة المدرسة أو السطح. فإذا وجدت البيئة المناسبة، كيف يجب حشد المجموعة وترتيبها يا ترى؟
كل الآراء ووجهات النظر في أي حوار فلسفي محل تقدير واهتمام بالقدر نفسه بما في ذلك المعلم أو القائد، ويجب أن تنعكس هذه المساواة في المجلس أو في ترتيب مقاعد المجموعة. ولربما كان ترتيب الكراسي على شكل دائرة أفضل خيار، لكن لشكل الدائرة المحدد بصرامة عيبٌ واحد: أنها تخلّف مساحة كبيرة فارغة في المنتصف (تُشجع ربما على أداء استعراضي:(bring on the clowns. تُضفي الدائرة الرسمية جوًا رسميًا على الحوار لكنها ربما تبدو أكثر تنظيمًا – كل واحدٍ في مكانه المقرر له مُسبقًا – وتردع سيل الأفكار الحر. يختلف كل فصل بشخصياته وردّات فعلها على كل حالة ووضع، والوضع المثالي هو تحقيق هدفٍ مرغوب في محيط مريح، وليس هناك طريقة لترتيب الجلسة ستناسب كل الظروف.
يمكن أن يجري الحوار المثمر في بيئة تُرتَّبُ فيها المقاعد ترتيبًا رسميًا كجلوس الأطفال في صفوفٍ تتجه إلى الأمام، أو بترتيبٍ غير رسمي أريَحي كالجلوس مجموعةً على الأرض. ويفترض بالمعلم أن يقرر أفضل ترتيب جلسةٍ لفصله وأن يكون مستعدًا لتجربة طرق متعددة. وأيًا كانت الطريقة المتبعة فيجب أن تسهل الحوار وتجعله مثمرًا فعالًا بين الأطفال بعضهم بعضا، وبينهم وبين المعلم كذلك.
هناك عدة قواعد في المكان الفيزيائي يجب الموافقة عليها قبل البدء بالحوار.
لِمَ القواعد مهمة للحوار؟ يمكن أن يُطرح هذا السؤال على الأطفال. فإن كان الأطفال يتمتعون بالحرية ليتحدثوا فلِم نسنّ قواعد تقيّد تلك الحرية؟ والقاعدة الذهبية طبعًا هي أن حرية المرء يجب ألا تتعارض مع حرية الآخرين. فللأفراد ضمن مجتمع ديموقراطي حقوق مساوية، والطفل الذي يتحدث طيلة الوقت ينكر حق الآخرين بأن يُسمعوا. ويجب أن يُسمح لكل طفلٍ بفرصة مماثلة لآخر ليتحدث ويعرض رأيه وإن كنّا نرغب بأن يسمعنا الآخر فعلينا أن نسمعه نحنُ كذلك.
لا جدوى من التعبير عن رأيك وطرحه إن لم يكن أحدهم ينصت إليك. وقلة منّا لهم القدرة على الاستماع لأكثر من شخص في آنٍ واحد، ومن هنا نستقي قاعدة أساسية أخرى: أن يتحدث شخصٌ واحد كل حين. ولا يعني الاستماع فقط سماع الكلمات بل وحتى الانتباه والإنصات إلى معنى ما قيل. وهذه ليست خصلة طبيعية في الأطفال، إذ إن المدرسة هي المكان النموذجي الأنسب ليتعلم الأطفال الإنصات لا للمعلم فحسب بل وحتى للأطفال الآخرين. يجب أن تُمارس مهارة الاستماع، فالحوار المثالي الذي ينصت فيه الجميع لمن يتحدث ثم يُسمح – بإجماع مشترك – لكلّ واحدٍ بالرد – وهو ما يندر حدوثه في عالم البالغين ناهيك عن عالم الأطفال. وينجح هذا حين تُتّبع عدة قواعد أساسية للحوار. فأيّ القواعد هي الأفضل ومن يجب أن يسنها؟
لمنع المشاكل والتأكد من منح الجميع فرصا متساوية عادة ما يختار المعلم (أو القائد) من يجب أن يتحدث، وعادة ما يتبع هذا النمط:
- يسأل المعلم سؤالًا.
- ترتفع عدة أيدٍ.
- يختار المعلم طالبًا ليجيب.
- تظل الأيدي مرفوعة بينما يتحدث الطالب استعدادًا للإجابة عن السؤال الأصلي.
لكن النتيجة هنا لربما كانت أن الأطفال الذين يبقون أيديهم مرفوعة لن ينصتوا للطفل الذي يتحدث، وحتى لو كانوا يتابعون ما يُقال فإن اهتمامهم وتركيزهم الأساسي منصب على الفكرة الموجودة في عقولهم. وما سيحدث حينها ربما كان سلسلة من الإجابات المفككة بفرصة ضئيلة لوجود حوارٍ حقيقي. ولذا فالتحذير العام “على الجميع أن ينصتوا” ليس فعالًا كقاعدة محددة، وكذلك “لا ترفعوا أيديكم بينما يتحدث أحدهم”.
إن الانصات جهدٌ صعب إذ يتطلب انضباطًا ذاتيًا والأطفال بطبعهم ضجرون نافذو الصبر، فهم يريدون أن يُسمعوا ويكرهون انتظار دورهم ليتحدثوا. وضِّح لهم بأن ليس عليهم أن ينتظروا ليكونوا في محل السامع، وأن الإنصات جزءٌ مهمٌ في الحوار وأنهم إن أنصتوا وسمعوا الآخر سيُسمَعون. أما قواعد لعبة الحوار الأخرى فيمكن أن تتضمن شرط أن يكون لجميع من يرغب بالمساهمة دوره، وهذه الملاحظة يجب أن ترتبط بالسؤال محل النقاش، وكذلك عدم مقاطعة أيّ متحدث. لربما كان من الضروري أيضًا الاتفاق على قاعدة حول الانضباط العام: فما الذي ستفعله إن استمر طفلٌ بإفساد الحوار متبعًا سلوكًا تخريبيًّا؟ وهذا ظلمٌ للآخرين طبعًا. لعل أحد الحلول لهذه المشكلة هي أن تطلب من الطفل أن يجلس خارج المجموعة لينصت، أو اتباع حلٍ آخر لفترة قصيرة، ثم تمنحه فرصة إعادة الانضمام للمجموعة بعد فترة من “خروجه” – إن رغب بذلك.
مهما كانت القواعد المعتمدة فإن فرصة انصياع الطلاب لها ستكون أكبر بكثير إن هم ساهموا بأنفسهم بسَنّها. لعل من الأفضل أن تبدأ بقولك بعدم وجود أية قواعد، ثم – حين تدعو الحاجة لها – تخصص وقتًا لمناقشتها. أما الفكرة الأخرى فهي تحويل القواعد التي يطبقها الأطفال في مجموعات صغيرة إلى مجموعة الحوار الأكبر.
توصلت المعلمة في صف طلابه أعمارهم تتراوح بين 7 و8 سنوات إلى جعل الأطفال يساهمون في حوار يشترك به الفصل بأكمله لم تكن مشكلة لكن الصعوبة تكمن في جعلهم مستمعين مُنصتين. إذ سيجدون صعوبة في الإنصات لبعضهم بعضًا، وفهم معنى ما يُقال، وملاحظة المعاني الضمنية، والفصل بين ما يوافقون عليه وما يرفضونه، وأخيرًا التعليق بملاحظات نقدية بنّاءة بطريقة سيجدها المتلقي سهلة التقدير والأخذ بعين الاعتبار. وعليه، قررت المعلمة مع الطلاب سن “قاعدة سلوكية” ليستخدموها حين يتحاورون حول القصص التي كتبوها، وتضمنت القواعد التي تمخضت عن ذلك ما يلي:
- أنصت وتابع القصة.
- فكر بشيئين جيدين لتقولهما.
- اسأل عما هو غير واضح لك.
- اقترح شيئًا تعتقد أنه سيجعل القصة أفضل.
سعت المعلمة بعد سنها لقواعد لـ”الإنصات النقدي” لاستخدامها في مجموعات الكتابة لتطبيقها على الحوارات بالعموم، وطلبت من الطلاب أن يقترحوا معايير الحوار الجيد. قرر الأطفال كتابتها بالترتيب كما يعتقدون أنه يحدث خلال الحوار، وكانت قائمتهم النهائية كالتالي:
- اشرحوا بإتقان.
- انصتوا للآخرين.
- تحدثوا بالدور.
- انتظروا حتى ينتهي الآخر.
- قولوا أشياءً تساعد الآخرين.
- التزموا بالموضوع.
- شاركوا أفكارًا مع بقية المجموعة.
- اقترحوا أفكارًا وشاركوها.
- حاذروا في كلامكم كيلا تجرحوا الآخرين ولا تغضبوهم.
- اسألوا الآخرين أسئلة لتتضح كل التفاصيل.
- صنفوا الأفكار وجربوها.
- اختاروا فكرة واحدة معًا.
- حاولا ألا تكونوا متسلطين في المجموعة.
بعدما حدد الأطفال أهدافهم التي يودون تحقيقها أثناء التحاور انتقلوا إلى التفكير بأفضل طريقة لتحقيق هذه الأهداف عمليًا. كيف لهم أن يحسنوا التحاور حول الأشياء؟
حاول الأطفال في أزاوج التفكير ببعض الإرشادات التي ستساعد الآخرين. كُتبت كل فكرة على بطاقة ووضعت جميع الإرشادات المرتبطة بموضوع واحد في حقيبة. ثم أصبحت هذه الإرشادات محور الحوارات القادمة، وقد اقترحوا عددًا من الاستراتيجيات المفيدة، منها على سبيل المثال:
لتشرح شرحًا وافيًا:
- انتظر حتى ينصت الجميع.
- وضح ما تقول.
- اطلب النصيحة من صديق.
- دوّن ملاحظاتك لتتذكر.
- رتّب أفكارك ونظمها.
- تحدث حديثًا واضحًا ليسمعك الآخرون.
- اختر كلماتك بعناية حتى يفهمك الآخرون.
لتنصتَ للآخرين:
- اطلب من أحدهم أن يحادثك.
- حاول أن تفهم ما قاله.
- تذكر ما قاله.
- انظر إلى الشخص الذي يتحدث.
- تأكد من أن الجميع هادئون.
إن عملية تطوير مهارات التحاور عند الأطفال بطيئة ومتدرجة، وتحديد المهارات اللازمة خطوة أولية مهمة للمعلم والطالب على حد سواء. وإذا كانت عملية البحث عن القواعد والاستراتيجيات عملية مشتركة فإن الأفراد المشتركين فيها سيكونون أقرب لإدراك احتياجاتهم واحتياجات الآخرين، وربما امتد هذا الوعي والإدراك للنشاطات خارج الصف. فمثلًا بعد قضاء وقت اللعب مباشرة سُمع أحد الأطفال من الفصل السابق يلاحظ قائلًا: “أعرف لِم لَمْ نستمتع باللعب معًا؛ لم أنصِتْ لما رغب به الآخرون”.
يجب أن يتعلم الأطفال كيف ينصتون لبعضهم بعضًا، وكذلك من المهم أن يصبح المعلمون مستمعين متفهمين ودودين؛ إذ يعزز دور المعلم والتلميذ التقليدييّن فكرة أن المعلم هو من يتحدث والتلميذ هو من ينصت بالضرورة. لذا يجب على المعلم المفكر أن ينتبه وينصت لما يقوله الطفل، وهذا يعني الاستجابة والرد على ما يقوله الأطفال عوضًا عما يعتقد المعلم أنهم يعنونه. وسينتج عن تحقيق ذلك عدة فوائد منها: أفكارٌ أوضح لما يفكر به الأطفال فعلًا – إذا ما كانوا يفكرون. ستكون في موضع أحسن لطرح الأسئلة اللاحقة أو لتجيب بإجابات مرتبطةٍ بما قيل، ستبرهن على قيمة ما حاول الطفل إيصاله بقوله. وستكون كذلك نموذجًا ومثالًا لما تود أن يكونه الطفل: مستمعًا فعالًا. لكن كيف نحسن قدرتنا على الاستماع؟
فيما يلي قائمة ((SOLVER التي تمنحك بضعة طرق لتتأكد من “سلوكك الحضوري” وبضعة خطوات ابتدائية للتقييم الذاتي:
- ترتيب المقاعد: يعيق ترتيب المقاعد التواصل الفعال، فمثلًا: هل أجلس خلف المكتب، أو هل أبتعد عن الأطفال، أو هل أجلس في زاوية غريبة؟ يجب أن يكون هدفي هو مواجهة الأطفال مباشرةً دون وجود أي حواجز بيننا.
- الانفتاح: هل أخلق “حواجز جسدية” مثلًا بطيي لذراعيّ، وأقاطع ساقايّ أو أشد جسدي، أو هل جلستي المنفتحة المستريحة والـمُرحبة؟
- الاستماع: هل أنا أتعلم بينما أستمع؟ هل أقدم إلى الأمام قليلًا، أركز على ما قيل وأظهر أنني مهتم ومنصت؟ أو هل أخلق حواجز بجعل انتباهي متجولًا، بكوني غير مستجيب أو أظهر تململي؟
- الإشارات الشفهية: هل أشجع الطفل وأدعم حديثه بتلفظي بإشارات شفهية أقولها تعني أني أريده أن يزيد بقوله كهمهمةِ الموافقة، وكلمات تعبر عن الاهتمام: (حقًا؟)، و”كلمات حاثّة” مثل: “ثم ما الذي حدث؟”.
- التواصل البصري: هل أتواصل بصريًا مع الأطفال الذين يتحدثون معي أو حين أحادثهم؟ هل يشجع تواصلي البصري الأطفال على “الإفضاء” في الحوار أو هل أنظر متجاوزًا إياهم أو عبرهم؟
- الاستجابة: هل أستجيب حين يحادثني طفل؟ ما الرسالة التي أوصلها بفعلي؟ هل أنا شخص مرتاح ولطيف سيحادثه الأطفال بانفتاح أو هل أبدو بعيدًا، وجامدًا، أو ممتنعًا؟
أشار كارل روجريز إلى أن خصلة الحضور مهمة وحيوية في الاستماع المهتم والمتعاطف. هل أنا حاضر حضورًا كاملًا، أو هل كان عقلي يتنقل يمنةً ويسرة؟ هل أنا منخرطٌ في العملية، أو هل أستعجل بلا انتباهٍ السؤال التالي؟ تستغرق الحوارات التي تتضمن ترتيب الواحد لأفكاره والتواصل والاستجابة وقتًا. كم من الوقت أقضي وأنا أستمع للأطفال، وكم أتحدث؟ هل أسيطر على الحديث، أو هل أسمح لهم بوقتٍ ليكتشفوا كل ما يثير اهتمامهم؟
لعل سلوكي الحضوري كان نموذجيًّا، لكن هل يمكن مشاركته بالتساوي؟ هل ينال كل الأطفال مما أشاركه من وقتي بالتساوي أو هل أسمح لبعض الأطفال أن يهيمنوا؟ هل أنصت فقط لما أريد سماعه أو هل أظهر اهتمامًا فعالًا في استجابات متعددة؟ هل أبحث عن “الجواب الصحيح” أو عن دليلٍ على التفكير الجيد؟ ما هي الملاحظات التي أظهرها والتي تثبت أنني أستمع حقًا وبالتالي تشجع على استمرار الحديث؟
فيما يلي إرشادات محددة في قيادة الحوار ستساعدك على منح ملاحظات إيجابية تُساهم في استمرار حديث الأطفال:
- اسأل عن رأي الأطفال الآخرين.
- شجع الآراء المختلفة.
- استعد للسماح للمجموعة بمتابعة الحوار دون تدخلك.
المصدر : Teaching Children to think book ,Robert Fisher