
أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C في قدرات الطلبة غير المعرفية في المرحلة الابتدائية بدولة الإمارات العربية المتحدة
فريق العمل:
رئيس المشروع البحثي: داليا تونسي.
مدير الفريق البحثي: د. عماد الزهراني.
الجزء الإحصائي: د. أحمد الحدادي.
الجانب التدريبي: معهد بصيرة.
بالتعاون مع أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية، وبدعم من بيت الفلسفة – الفجيرة.
ملخص الدراسة
سعت الدراسة إلى الكشف عن تأثير تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية الفلسفة للأطفال P4C)) (Philosophy for Children) في قدرات الطلبة غير المعرفية في المرحلة الابتدائية بدولة الإمارات العربية المتحدة، وذلك عبر 3 أهداف: أولها التعرف إلى الأصول الفلسفية والخلفية التاريخية لمنهجية P4C)) في تعليم مهارات التفكير الفلسفي، وثانيها قياس أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في القدرات غير المعرفية لدى طلبة الصفوف الرابع والخامس والسادس بمدرسة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية، وثالثها التعرف إلى أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في الممارسات التدريسية لدى معلمي ومعلمات طلبة الصفوف الرابع والخامس والسادس بمدرسة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية. ولتحقيق أهداف الدراسة استخدم الباحثون المنهج المزجي (المختلط) الذي يدمج المنهجين: الكمي (شبه التجريبي) والكيفي، باستخدام أداتين بحثيتين: الأولى مقياس القدرات غير المعرفية في جانب الدراسة الكمي بتطبيقه قبليًّا وبعديًّا على عينة مكونة من 224 طالبًا وطالبة شاركوا في 147 جلسة فلسفية فيما بين الاختبارين على مدى فصلين دراسيين، والأداة الثانية هي المقابلة الشخصية المعمقة مع ثمانية من المعلمين والمعلمات في جانب الدراسة الكيفي، وتوصلت نتائج الدراسة إلى تأثير منهجية P4C)) في قدرات الطلبة غير المعرفية على مستوى متغيرات المسؤولية الاجتماعية والتعاطف والتفكير النقدي وذلك في كلا جانبي الدراسة الكمي والكيفي، على حين أظهرت النتائج في جانب الدراسة الكمي “فقط” عدم تأثر متغير النهج التعاوني الواثق للتعلم الذي يتضمن متغيرات مهارات التواصل، والعمل ضمن فريق، والثقة في النفس، والعزيمة والإصرار، والتعاطف والمعرفة في الجزء الأول من المقياس، بينما تأثرت بالإيجاب متغيرات المسؤولية الاجتماعية، والتعاطف، والتفكير المنطقي في الجزء الثاني منه. وتوصلت نتائج الدراسة في جانبها الكيفي إلى تأثر ممارسات المعلمين والمعلمات التدريسية إيجابًا بمنهجية P4C)) بتحولهم إلى نموذج تدريسي حواري، أي أنهم صاروا ميسرين داعمين للتساؤل والحوار في الصف الدراسي، وقد انعكس هذا على طلبتهم في مجموعة من المتغيرات التي لاحظوها، ومنها: الثقة في النفس، ومهارة التحدث، ومهارة الاستماع، والتفكير الناقد، ومهارات الحوار، والتفكير التعاوني، والتسامح، وغيرها، وقد أوصت الدراسة بتبني منهجية P4C)) في الصفوف الدراسية لما لها من أثر إيجابي في قدرات الطلبة غير المعرفية وفي الممارسات التدريسية لدى المعلمين والمعلمات، كما أوصت بإجراء المزيد من الدراسات العربية المشابهة بمنهجيات وأدوات بحثية متنوعة.
كلمات مفتاحية: الفلسفة للأطفال- تعليم الفلسفة- P4C – تعليم مهارات التفكير الفلسفي – منهجية (P4C).
مقدمة
تضع دول العالم المتقدمة التربية والتعليم المحور الرئيس الذي يأتي في مقدمة الأولويات لأي خطط واستراتيجيات مستقبلية، فلا تتحقق الرؤى والتطلعات إلا بنظام تعليمي وتربوي نوعي في أي مجتمع من المجتمعات والكيانات السياسية الطموحة لتحقيق الرفاه وجودة الحياة لدى مواطنيها، وذلك هو ديدن الإمارات العربية المتحدة في جل استراتيجياتها وخططها على المدى البعيد كما في استراتيجية المهارات المتقدمة التي أطلقتها وزارة التربية والتعليم الإماراتية في العام 2018م مستهدفة تنمية رأس المال البشري، وتوجيه الكادر الوطني نحو المهارات المستقبلية لتحقيق مستهدفات مئوية الإمارات 2071م (البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، 2023).
وتركز وزارة التربية والتعليم في الإمارات على مجموعة من القدرات غير المعرفية في استراتيجيتها الواعدة تحت ما يُسَمَّى “المهارات المتقدمة”، مثل: التفكير النقدي والتفكير الإبداعي والتواصل والتعاون والقدرة على التكيف والتعاطف مستهدفة الطلبة في المدارس أو في الجامعات (البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، 2023). وَتُعَدُّ هذه المهارات مما يقع في نطاق المهارات والقدرات التي يسعى تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C)) Philosophy for Children)) إلى تعزيزها بناء على نتائج مجموعة من الدراسات (Alzahrani& Almutairi, 2023; Arda, Burroughs& moore, 2022; Loard, Dirie, Kettlewell and Styles, 2021; Austin, 2020; Siddiqui, N., Gorard, S., & See, B. H., 2019).
يدعو ذلك إلى تبني تعليم مهارات التفكير الفلسفي خصوصًا في نظم التعليم التي لديها خطط ورؤى استراتيجية تتضمن إكساب الطلبة المهارات والقدرات المعرفية وغير المعرفية أو ما يُدعَى بالمهارات الناعمة، وهي دعوة وجهتها منظمة اليونسكو منذ وقت مبكر في دراساتها وتقاريرها، ولعل أشهرها الدراسة الببليوغرافية الموسومة بـ “الفلسفة مدرسة الحرية” التي شملت 126 دولة و369 مستجيبًا (اليونسكو، 2009 أ).
ويأتي هذا البحث ليستكشف أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C)) في قدرات الطلبة غير المعرفية في المرحلة الابتدائية بدولة الإمارات العربية المتحدة وبالتحديد في مدرسة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية، وهي أولى الدراسات التجريبية من هذا النوع على مستوى الدولة من حيث تدريب معلمي ومعلمات المراحل الدراسية المستهدفة على منهجية P4C)) ثم تطبيقه مع طلبتهم فقياس أثر هذه التجربة في المعلمين والمعلمات والطلبة على حد سواء، ومن المأمول أن يقدم هذا البحث للميدان الفلسفي والتربوي العربي ما يدعم إدخال تعليم مهارات التفكير الفلسفي في المدارس الابتدائية وبقية المراحل الدراسية مما يسهم في تحقيق الاستراتيجيات والرؤى الوطنية على مستوى الدولة وعلى مستوى الوطن العربي.
نظام التعليم الإماراتي وتدريس الفلسفة
لمحة عامة عن النظام التعليمي
التعليم الإماراتي هو نظام تعليمي يهدف إلى بناء وإدارة نظام تعليمي ابتكاري لمجتمع معرفي ذي تنافسية عالمية يشمل كافة المراحل العمرية، ويلبي احتياجات سوق العمل المستقبلية، وذلك بضمان جودة مخرجاته وتقديم خدمات متميزة للمتعلمين تحت إشراف وزارة التربية والتعليم الإماراتية (وزارة التربية والتعليم، 2024).
وتتضح بدايات نشأة التعليم الإماراتي في ثلاث مراحل زمنية: أولها (1903-1952م) وقد أُطلِقَ عليها مسميات عديدة، منها: مرحلة ما قبل التعليم النظامي ومرحلة التعليم الديني ومرحلة التعليم الأهلي. تميزت بتكوين الكتاتيب أو تعليم المطاوعة ويمكن في هذه المدة رصد إنشاء أول مدرسة في عام 1905 عُرِفَت بالمدرسة التيمية المحمودية في الشارقة، وفي دبي أُنشِئَت المدرسة الأحمدية عام 1912م. وأما المرحلة الزمنية الثانية (1953-1970م) فتُسَمَّى بمرحلة التعليم النظامي حيث يمكن اعتبار عام 1953م البداية الحقيقية لإنشاء المدارس النظامية في الإمارات مع أول مدرسة بإمارة الشارقة وهي مدرسة القاسمية ليتوالى بعد ذلك افتتاح العديد من المدارس في الإمارات التي تعزِّز القيم الدينية الإسلامية والتقاليد العربية والمواطنة التي توفر للبلاد مواطنين مؤهلين، وهذا أوجد مجتمعًا متماسكًا ومتحدًا، وقد شهدت هذه المدة إنشاء دائرة التربية والتعليم في أبوظبي عام 1962م، وفي عام 1966م أُنشِئَت دائرة التربية والتعليم في دبي، أما المرحلة الثالثة (1971- إلى الآن) فقد أُسِّسَت فيها دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971م، وشهد نفس العام إنشاء وزارة التربية والتعليم لتوحيد السياسات والخطط التعليمية في الدولة، وهي مرحلة حظي التعليم فيها باهتمام القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه وإخوانه المؤسسين الأوائل إيمانًا منهم بأن التعليم هو الركيزة الأساسية لبناء مجتمع متمكن قادر على مسايرة ركب التقدم (البلالي، 2022؛ ووزارة التعليم، 2024).
وحاليًّا تعمل وزارة التعليم الإماراتية على توفير منظومة تعلم ذكية ومنصات رقمية عالية الجودة، بجانب التطوير المستمر في المناهج الدراسية بمعايير تعلم وطنية وسياسة تقويمية قائمة على القياس من أجل التعلم وأعلى درجات الجودة لتحاكي أفضل الممارسات العالمية، فضلًا عن توفير مسارات تعليمية متنوعة تدعم قدرات ومهارات الطلبة، وتسهم في تحقيق استراتيجية الدولة لتشجيع ثقافة الإبداع والابتكار بإكساب الطلبة مهارات القرن الحادي والعشرين، وتحفيزهم على التحلي بالأفكار الجديدة التي تتصل بالواقع وتستشرف المستقبل للمساهمة في إيجاد الحلول الجذرية المستدامة للقضايا الحيوية وتحسين القدرة على التنافسية ودعم الحكومة الذكية سعيًا لمواكبة التطورات العالمية والنهوض بالتعليم والدفع به إلى آفاق واسعة من التميز والريادة والتنافسية (وزارة التعليم، 2024).
تعليم الفلسفة في التعليم العام بالإمارات
يصعب تحديد البداية الفعلية لتعليم الفلسفة في مراحل التعليم العام بدولة الإمارات العربية المتحدة وخصوصًا في المرحلة الثانوية التي يغلب حضور تعليم الفلسفة بها عربيًّا، وسبب هذه الصعوبة هو شح الدراسات والأبحاث المتوفرة حول تعليم الفلسفة في الإمارات إلا من بعض الإشارات المحدودة في القليل من الدراسات، فمثلًا تذكر دراسة اليونسكو الببليوغرافية الموسومة بالفلسفة مدرسة للحرية (المترجمة إلى اللغة العربية في 2009م عن الدراسة الأصلية في عام 2007م) أن تدريس الفلسفة في دولة الإمارات العربية المتحدة يَحضُرُ على مستوى التعليم العالي فقط في تلك المدة (اليونسكو، 2009 أ؛ واليونسكو، 2009 ب). وتشير دراسة لاحقة صادرة عن اليونسكو كذلك في العام 2015م إلى أن الفلسفة في الإمارات لا تُدَرَّسُ في المرحلة الثانوية في المدة التي أُجرِيَت فيها الدراسة وقد أُلغِيَت في أواخر تسعينات القرن المنصرم بقرار من وزارة التربية والتعليم الإماراتية (اليونسكو، 2015).
وتوضح رسالة الماجستير للباحثة الإماراتية خديجة أحمد الشامسي أن تعليم الفلسفة في الإمارات كان حاضرًا في مرحلة الصف الثالث ثانوي في العام 2000م إذ تناولت دراستها ﺗﺤﻠيلًا لمحتوى كتاب الفلسفة المقرر على الصف الثالث الثانوي بدولة الإمارات العربية المتحدة للعام الدراسي 1997-1998م وذلك في ضوء القيم الأخلاقية والجمالية لمجتمع الإمارات وقد كان مقررًا منذ بدايات إنشاء وزارة التربية والتعليم في سبعينات القرن الماضي (الشامسي، 2001)، وأفادت الباحثة -بالتواصل الشخصي معها- أن المنهج أُوقِفَ في عام 2002.
أما عن واقع تدريس الفلسفة اليوم في التعليم الإماراتي العام فإنه لا يحضر في مقرر مستقل تحت مسمى الفلسفة، إلا إنه من اللافت حضور مقرر بمسمى “التربية الأخلاقية” يتكرر في جميع المراحل الدراسية من الصف الأول وحتى الثاني عشر بمعدل حصة واحدة أسبوعيًّا (قرار وزاري رقم 194 لسنة 2023)، ويهدف هذا المقرر بشكل رئيس إلى تطوير الأفراد نحو المواطنة العالمية بتشجيعهم على المشاركة وتنويرهم وتمكينهم، ومن الأهداف التفصيلية للمقرر ترسيخ القيم الأخلاقية المشتركة عالميًّا في نفوس الطلبة مما يمكنهم من التفاعل والتواصل مع فئات ثقافية واجتماعية مختلفة وأفراد ذوي أفكار مختلفة وأفراد ذوي أفكار ووجهات نظر متباينة بقيم تتيح لهم اكتساب خصال التفاهم المتبادل واحترام الاختلاف والتعاطف التي تؤدي إلى إثراء المجتمع في تماسكه وازدهاره بالحوار والتفاعل، بالإضافة إلى اكتساب المعارف والمهارات والسلوكيات اللازمة لممارسة التفكير الأخلاقي والتفكير الناقد واتخاذ القرارات الأخلاقية المستنيرة والتصرف انطلاقًا منها لما فيه مصلحة المجتمع، ومن مجمل القيم التي يستهدف المقرر ترسيخها في الطلبة: التسامح، والتضامن، واحترام التنوع، والمثابرة، والاعتدال، والانضباط، والاستعداد للمساعدة، والتعاون، وغيرها… (التربية الأخلاقية للصف الأول، 2024).
ويمكن اعتبار مقرر التربية الأخلاقية في التعليم الإماراتي واحدًا من الاتجاهات والممارسات في تعليم الفلسفة بتبني مدخل الأخلاق والقيم في تعليم الفلسفة باستهداف قيم متنوعة بالإضافة إلى احتوائه شيئًا من المواقف الأخلاقية الجديرة بالطرح والنقاش إلا أن طريقة عرض المقرر ونقله ديداكتيكيًّا([1]) قد لا تتضح فيه العلاقة بين ما يُطرَحُ من موضوعات وبين مهارات التفكير الفلسفي مما يدعو إلى مزيد من ارتباط المقرر بالقضايا وثيقة الصلة بحياة الطلبة وتنوعهم الثقافي وما يطرحونه من نقاشات في شكل حوارات فلسفية هم من يضع التساؤلات فيها وذلك حول الموضوعات المهمة التي تناولها المقرر، وهذه ملاحظة عامة بعد تصفح مجموعة من كتب التربية الأخلاقية لعينة متنوعة من الصفوف. كما أن المقرر يواجه بعض التحديات تتعلق بالتدريس وطبيعة المحتوى العالي والمتخصص والتطوير المهني للمعلمين (النعيمي، 2019)، مع الإشارة إلى إن الاتجاهات العالمية في تعليم الفلسفة تتنوع من نظام تعليمي لآخر، ومن هذه الاتجاهات -بالإضافة إلى اتجاه الأخلاق والقيم- الفلسفة التطبيقية، والتفكير النقدي، والمفاهيم، والقراءة في المحتوى، والفلسفة العلمية، والفلسفة للأطفال (محمود، 2004)، وهذا الاتجاه الأخير اتجاه تعليم الفلسفة (الفلسفة للأطفال) P4C)) الذي هو محل الدراسة الحالية؛ يمكن أن يتضمن جميع الاتجاهات السابقة ويتلافى ما يمكن رصده في مقرر التربية الأخلاقية في الإمارات من ملاحظات وتحديات بطريقة منهجية وبأثر ممتد إلى القدرات المعرفية وغير المعرفية لدى الطلبة بالإضافة إلى المساهمة في تطوير المعلمين لتدريس المقرر، وهو أثر تثبته مجموعة من الدراسات التجريبية سَتُستَعرَضُ في قسم الدراسات السابقة في هذه الدراسة.
مشكلة الدراسة
البحث العلمي طريقة ضرورية وحاسمة في كشف الظواهر والقضايا الإنسانية المختلفة وفهمها وتحديد مشكلاتها وتقديم المقترحات والحلول المناسبة والأكثر نجاعة لها، ومنها موضوع البحث الحالي في تعليم الفلسفة وتعلمها في الإمارات العربية المتحدة في مرحلة التعليم الابتدائي، وهو من الموضوعات البحثية التي نَدر تناولها على مستوى الدولة فلم يتناولها سوى بحث واحد أُجرِيَ في العام 2001م على مستوى منهج التعليم الثانوي (الشامسي، 2001)، وهذه أُولَى مبررات إجراء الدراسة الحالية خصوصًا أن الإمارات العربية المتحدة تنوي عن طريق مشاريع سابقة إدخال تعليم الفلسفة ضمن مدارس التعليم العام في الآونة الأخيرة.
الأمر الآخر الذي يُعَدُّ الأكثر إلحاحًا وارتباطًا بالنقطة السابقة هو أن تعليم الفلسفة في المدارس العربية يحتاج إلى الكثير من الجهود فهو يواجه معوقات وتحديات كثيرة بشهادة دراسات عديدة أشهرها دراسة اليونسكو (2009 أ) التي أشارت إلى أن بعض البلدان ومنها ما يحيط بدولة الإمارات العربية المتحدة لا تُدَرِّسُ الفلسفة بكيفية واضحة وذلك لغياب الفلسفة في مراحل تعليمية، وحضورها في مراحل تعليمية أخرى، وبينت الدراسة نفسها أن تدريس الفلسفة اليوم يواجه رهانات عديدة للميل العام الذي يتجه نحو الإحجام عن تدريسها دون نقاش، وذلك الوضع يعود إلى عوامل عديدة مجتمعة من أهمها مستوى معلمي الفلسفة عمومًا الذي يحتاج إلى تحسين، ويضاف إلى ذلك الطبيعة المتغيرة الشكل للتعليم الفلسفي في العالم.
وهذا الحالة المتذبذبة في تدريس الفلسفة طالت بلدان عربية مجاورة، حيث توصلت دراسة الزهراني (2020) إلى أن مقرر تعليم مهارات التفكير النقدي والفلسفي في المملكة العربية السعودية يواجه معوقات مجتمعية وبيداغوجية بتأكيد معلمي ومعلمات المقرر، وتوصلت دراسة النشار (2018) إلى أن تدريس الفلسفة في جمهورية مصر يركز على الجوانب النظرية فقط ويقتصر على مقررات تدرِّس المنطق الصوري الذي لا يُكسِبُ الطلبة مهارات التفكير المطلوبة. ووصف مالك (2016) تدريس الفلسفة في لبنان بأنه يمر بمحنة مهدت للنفور من الفلسفة وإخراجها من مجال المعارف المدرسية الضرورية لأسباب لا تتعلق بالفلسفة ذاتها، وإنما لأسباب تتعلق بمناهجها المقررة من تأليف وموضوعات، بالإضافة إلى طرائق التدريس والتقويم وإعداد أساتذتها. ورصد العرقي (2003) في دراسته التاريخية مجموعة من عوائق الدرس الفلسفي في تونس بين العامين 1986 و2000م مردها إلى غموض أهداف الدرس الفلسفي، وهذا أفرز صعوبات عديدة تعترض معلم الفلسفة، وهذه النتائج تؤيدها دراسات وأوراق علمية أشارت إلى القلق ذاته من وضع تدريس الفلسفة في العالم العربي كما جاء في (حمود، 2015؛ وإسماعيل، 2016؛ ومحمود، 2004).
وعند تفحُّص توصيات الدراسات السابقة أعلاه يتضح أنها تدعو إلى تبني تدريب يقوم على الممارسة والتطبيق للمعلمين، وتقديم منهجية تتبنى الفلسفة التطبيقية لتنمية مهارات التفكير الفلسفي والحوار على أسس منهجية سليمة بعيدة عن التلقين والأساليب التقليدية، وقد راعت الدراسة الحالية هذا الأمر بتقديم منهجية الفلسفة للأطفال (P4C (Philosophy for Children: ذات الإرث الطويل تنظيرًا وممارسة لبحث أثرها على مستوى التعليم الإماراتي، لتلبية الاحتياجات التدريبية والتدريسية في تعليم الفلسفة وتلافي المشكلات المرتبطة بهذا الجانب لتتلخص مشكلة الدراسة في السؤال الرئيس التالي:
ما أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C)) في قدرات الطلبة غير المعرفية في المرحلة الابتدائية بدولة الإمارات العربية المتحدة؟
أهداف الدراسة
الهدف الرئيس للدراسة هو قياس أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في قدرات الطلبة غير المعرفية في المرحلة الابتدائية بدولة الإمارات العربية المتحدة بــ:
- التعرف إلى الأصول الفلسفية والخلفية التاريخية لمنهجية (P4C) في تعليم مهارات التفكير الفلسفي.
- قياس أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية (P4C) في القدرات غير المعرفية لدى طلبة الصفوف الرابع والخامس والسادس بمدرسة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية.
- التعرف إلى أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية (P4C) في الممارسات التدريسية لدى معلمي ومعلمات طلبة الصفوف الرابع والخامس والسادس بمدرسة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية.
أسئلة الدراسة
- ما الأصول الفلسفية والخلفية التاريخية لمنهجية P4C)) في تعليم مهارات التفكير الفلسفي؟
- ما أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية (P4C) في القدرات غير المعرفية لدى طلبة الصفوف الرابع والخامس والسادس بمدرسة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية؟
- ما أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية (P4C) في الممارسات التدريسية لدى معلمي ومعلمات طلبة الصفوف الرابع والخامس والسادس بمدرسة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية؟
الدراسات السابقة
تناولت العديد من الدراسات تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C)) بداية من الدراسة الأولى التي قام بها مؤسس هذه المنهجية ماثيو ليبمان (Matthew Lipman) في عام 1973م، لتتوالى بعدها دراسات متعاقبة واحدة تلو الأخرى حتى العام الحالي 2024م وذلك بسبب النتائج الإيجابية التي حققتها الدراسة الأولى لليبمان والدراسات اللاحقة لها على طلبة المدارس في العديد من المراحل الدراسية والدول.
وفيما يلي استعراض موجز لهذه الدراسات من الأقدم إلى الأحدث لأخذ لمحة زمنية ومنهجية على تطور الموضوع، وذلك بتناول الدراسات ذات العلاقة بموضوع الدراسة الحالية بناء على جودة الدراسة والمنهجية التي اتبعتها وتأثيرها في الوسط العلمي، وَسَتُعطَى الأولوية لدراسات المراجعة المنهجية (Systematic Review) التي تتناول في طياتها مجموعة من الدراسات وفق معايير عالية الدقة والضبط، وهذه الطريقة في التعاطي مع الدراسات السابقة ترجع إلى صعوبة تناول جميع الدراسات في هذا المجال مع الحرص ما أمكن على أن تكون هذه الدراسات متنوعة من حيث المنهجية البحثية المتبعة ومجتمع الدراسة ومكان إجرائها.
الفلسفة للأطفال (Lipman, 1973)
أجرى ليبمان Lipman, 1973)) دراسة هدفت إلى إمكانية تعليم الفلسفة للأطفال وتأثير ذلك في قدراتهم العقلية والتفكير الناقد لديهم باستخدام المنهج التجريبي. بلغ عدد أفراد المجموعتين (التجريبية والضابطة) 40 طالبًا وطالبة بمعدل 20 طالبًا لكل مجموعة من الملتحقين بالصف الخامس الابتدائي في مدرسة (Rand School) بولاية نيوجيرسي الأمريكية وذلك في العام الدراسي 1970-1971م، حيث قُدِّمَت لهم جلسات فلسفية بمعدل جلستين في كل أسبوع ومدة كل جلسة ما يقارب 40 دقيقة على مدى تسعة أسابيع، ولمعرفة الأثر استخدمت هذه الدراسة اختبارًا مصممًا لقياس الكفاءة في المنطق والتفكير الناقد (CTMM test of logical reasoning)، وقد توصلت الدراسة إلى أن المجموعة التجريبية حققت تحسنًا ملحوظًا في القدرات العقلية والتفكير الناقد مقارنة بالطلاب الذين لم يتلقوا دروس الفلسفة بحجم أثر قُدِّرَ بدرجة (0,48) مقارنة بالمجموعة الضابطة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسة هي أُولَى دراسات ماثيو ليبمان على المنهج الذي صممه لتعليم الفلسفة للأطفال.
الفلسفة للأطفال واختبار كاليفورنيا للإنجاز: دارسة تحليلية في الضاحية الغرب أوسطية (Banks, 1988)
أجرت بانكز Banks, 1988)) دراسة هدفت إلى الكشف عن تأثير الفلسفة للأطفال في مجالات القراءة والرياضيات واللغة وذلك باستخدام المنهج التجريبي على عينة من الطلاب بلغ عددها 272 طالبًا ينتمون إلى خمس مدارس ابتدائية من الصفوف الثاني والرابع والخامس بمعدل صف واحد من كل مدرسة في مدينة سانت لويس بالولايات المتحدة الأمريكية على مدى ثمانية أشهر، ولقياس الأثر طبَّقت الباحثة اختبار كاليفورنيا للإنجاز California Achievement Test: CAT)) الذي يستهدف قياس المجالات التي يسعى البحث إلى الكشف عن تأثرها بفعل الفلسفة للأطفال P4C)) وتوصلت الدراسة إلى أن المجموعة التجريبية تفوقت على المجوعة الضابطة في جميع المجالات المستهدفة (قراءة ولغة ورياضيات) باستثناء الرياضيات التي تفوق فيها الصف الخامس فقط على المجموعة الضابطة، وهذا الاختلاف قد يعود لبعض التحديات التي واجهت الدراسة بتفسير من الباحثة، ومنها صعوبات تتعلق باتساق الجداول الدراسية للمعلمين المشاركين في الدراسة واختلاف خبراتهم لإقامة الجلسات، واختلاف تجربة كل صف من الصفوف المشاركة نتيجة لاختيارات المعلمين للمثيرات الفلسفية واختلاف القدرات القرائية بين الطلبة.
معلمو الفلسفة للأطفال بصفتهم باحثين متعاونين (Schleifer, Lebuis, Caron, & Daniel, 1995)
قام كل من ستشليفر وليبوز وكارون ودانييل (1995) بدراسة هدفت إلى استكشاف فاعلية نموذج يساعد ميسري الفلسفة للأطفال من المعلمين وذلك بعد التدريب بتقديم مشرفين أكاديميين متخصصين في الفلسفة الدعم الذي يحتاجون إليه بطريقة مستمرة ومرنة وخصوصًا في ثلاثة مجالات: القضايا الفلسفية الناشئة من المادة، والقضايا البيداغوجية، وأخيرًا القضايا المتعلقة بفلسفة التعليم والتربية. وَيُعَدُّ هذا النموذج بحسب الدراسة امتدادًا لمجتمع التساؤل وتفعيله على مستوى المعلمين ومن يقدم الدعم لهم، ولتحقيق هدف الدراسة استخدم الباحثون المنهج الاستقصائي بمتابعة 40 معلمًا من مقاطعة كيبيك منذ عام 1990م دُعُوا للمشاركة في بعض المشاريع البحثية المدعومة من وزارة التعليم في كيبيك، ومما كشفته الدراسة أن هؤلاء المعلمين بالرغم من درايتهم بالفلسفة للأطفال وبالرغم من مشاركتهم في المشاريع البحثية، فإنهم كانوا يُظهِرُون بين حين وآخر حاجتهم إلى مناقشات مستمرة، وفكرة النموذج المقترح تقوم على تعريف المعلمين بالفلسفة للأطفال تدريبًا ونمذجة (لمدة حوالي شهر واحد) تليها ملازمة فردية (حوالي مرة واحدة في الأسبوع)، وفي السنوات اللاحقة طُلِبَ من جميع المعلمين مواصلة الاحتفاظ بسجل مكتوب لملاحظاتهم، وللأسئلة المتعلقة بتجربتهم في الصف، وذلك لإثارة هذه الأسئلة فيما بعد إما في اجتماعات الملازمة الفردية التي عُقِدَت من أربع إلى ثماني مرات في السنة، وإما في الاجتماع الشهري مع الجامعة وعادةً يُقَسَّمُ ذلك إلى مجموعة من مجتمعات التساؤل الفلسفي لتعميق الوعي الفلسفي، وأخيرًا نُظِّمَت جلسة ليوم واحد في الجامعة مرة واحدة على الأقل في السنة (1990-1993) لجميع المعلمين الذين يطبقون الفلسفة للأطفال، وكان الفريق المصاحب يتألف من أساتذة الجامعات وغيرهم من ذوي الخبرة وممن عُيِّنُوا مساعدين في الأبحاث، ويتلخص دورهم في الملازمة الفردية للمعلمين، وترؤس اجتماعات المدرسة التي ضمت مجتمعات التساؤل بالإضافة إلى مناقشة عامة للمخاوف البيداغوجية، والاحتفاظ بسجل مكتوب للملاحظات في البيئة التعليمية، وتنسيق المناقشات التي عقدت في الجامعة المذكورة أعلاه على المستوى الأكبر. ويمكن تلخيص النموذج في أن المعلمين الأربعين المشاركين في هذا النموذج كانوا باحثين متعاونين بطريقتين: الأولى، في تعلمهم صياغة المشكلات والأسئلة التي يجب طرحها في ضوء الظروف المحيطة ببيئتهم وخبراتهم وذلك بطريقة تحقق مصالح مجموعة البحث. والثانية، أن يكون المعلمون مراقبين وواصفين لهذه الملاحظات بما يعكس ظروف المدرسة بطريقة مناسبة مع السماح أيضًا بنظرة أكثر عمومية. ومما توصلت إليه الدراسة بفضل هذا النموذج الجديد: استمرار المعلمين في التشكيك بنوع “المعرفة” التي تنقلها المدرسة، بالإضافة إلى علاقتهم بهذا الهيكل المعرفي، وهذا مما يتيح التفكير المستمر الذي يهتم بأساليب التعليم وغاياته، والتفكير في تدريس الفلسفة بالاستناد إلى التفكير في التجربة الشخصية، للوصول إلى التفكير في إدماج التفكير النقدي والإبداعي في المنهج بأكمله، وفي هذا المستوى الجديد من التفكير أصبحت اهتمامات الباحثين الجامعيين واهتمامات المعلمين واحدة.
تدريس التفكير العقلاني للطلبة: بعض نتائج برنامج تدريس الفلسفة للأطفال (Lipman, 1998)
أجرى ليمبان (1998) دراسة هدفت إلى مناقشة تدريس التفكير العقلاني للطلبة عن طريق الدروس المستفادة من نتائج برنامج تدريس الفلسفة للأطفال بعد مرور أكثر من ربع قرن على تصميم ليبمان (Mathew Lipman) له في عام 1969م بالاعتماد على مجموعة قصص فلسفية يصحب كل منها دليل للمعلم طبقها تدريجيًّا بداية من الصف الرابع حتى وصل إلى الصف الثانوي لتشمل كذلك فيما بعد مرحلة الحضانة وما بعدها، ومن أهم ما خَلَصَت إليه الدراسة هو أنه على المعلمين قيادة الطريق بتشجيع الطلبة على تبني التفكير الموزع (Distributed Thinking)، وأن مجتمعات التساؤل والتعاون في الصف لها القدرة على تعزيز التفكير النقدي والإبداعي مما يؤدي إلى الاستدلال والفهم والحكم الصحيح، أما المحادثة الصفية الاعتيادية عمومًا تحقق مستوى منخفضًا من الاستدلال المنطقي والتساؤل، ويمكن عَدُّ ذلك بوضوح تفكيرًا سطحيًّا، وهذا الحوار من جانب آخر يمكن عَدُّه استقصاء تداوليًّا لأنه يحتوي على جهد محدد في الاستكشاف المعرفي وفي نفس الوقت معه شيء من المنطقية المحددة والمعقدة جدًّا، ومجتمع التساؤل التداولي يُشَكَّلُ وَيُفَعَّلُ داخل الصف وهذه طريقة لتعليم الطلبة وجذبهم إلى المعرفة التشاركية، ولتفعيل هذه الطريقة اُقتُرِحَت الفلسفة لأنها الأمثل لاستخدام هذا الأسلوب، ولإعداد المعلمين لهذه المَهَمَّة فإنه يجب إعدادهم في الدورات التدريبية بالطريقة نفسها وبالأسلوب نفسه.
الفلسفة للأطفال: استعراض منهجي (Trickey& Topping, 2004)
قام تريكي وتوبينج (2004) بدراسة هدفت إلى إجراء مراجعة نقدية للدراسات التي تناولت منهجية الفلسفة للأطفال P4C)) لمعرفة الآثار المعرفية وغير المعرفية في طلبة المدارس التي توصلت إليها نتائج هذه الدراسات، حيث استخدم الباحثان المنهج المسحي الوثائقي لعشر دراسات أُجرِيَت فيما بين عام 1970 وعام 2002م، في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمملكة المتحدة وكان عدد أفراد العينة في هذه الدراسات العشر بين 40 و2346 فردًا من مراحل دراسية مختلفة، وقد توصلت الدراسة إلى وجود تأثير إيجابي لـتعليم الفلسفة للأطفال بمنهجية (P4C) في التحصيل الدراسي عمومًا وفي مستوى القراءة والرياضيات وكذلك التفكير والمنطق، وقد ظهر في مجموعة واسعة من الطلاب بواسطة المقاييس المستخدمة في الدراسات محل التحليل والمراجعة.
البيداغوجيا من الداخل إلى الخارج: تحويل التنظير البيداغوجي بتدريس الفلسفة (Scholl, 2014)
أجرت شول (2015) دراسة هدفت في جزء منها إلى استجواب مجموعة من المعلمين ممن شاركوا في برنامج الفلسفة المعتمِد على طريقة ليبمان (Lipman) في تدريس الفلسفة للأطفال، ومعرفة إذا كان هذا البرامج ذا أثر على المستوى البيداغوجي، وهدفت الدراسة إلى التوصل إلى نماذج يمكن تطويرها للمعلمين وتقديمها لنموهم المهني عن طريق هذا البحث، وذلك بالاعتماد على المنهج الكيفي النوعي باستخدام المقابلات الشخصية مع المفحوصين، وقد شملت العينة مديرًا واحدًا و13 معلمًا في إحدى المدارس الأسترالية ممن تمتد خبرتهم بين 18 شهرًا و20 سنة في التعليم، وأما خبرتهم في تدريس الفلسفة فهي بين ستة أشهر و11 عامًا، وبعد ذلك رُمِّزَت الاستجابات وحُلِّلَت عن طريق برنامج (NVIVO 7)، وأبرزت النتائج إجمالًا اتفاق أغلب المعلمين على أن الفلسفة كان لها دور فاعل في تحولهم البيداغوجي من التعليم البنكي إلى تعلم أكثر تعاونًا وديمقراطية وتفاعلًا وتجاوبًا ويعتمد على التساؤل، وأوضحت النتائج دور الطلبة في هذه التحولات عن طريق جودة التفاعل بينهم وبين المعلمين.
الفلسفة لجميع الأطفال: تعزيز المعرفة (Austin, 2020)
قام أوستن (Austin) (2020) بدراسة استهدفت الكشف عن الطريقة التي يتبعها المعلمون في تدريس مهارات التفكير الناقد بمنهجية الفلسفة للأطفال (P4C)، وتقديم بعض التوجيهات حول ذلك للمعلمين بالإضافة إلى محاولة فهم كيفية مساهمة (P4C) في العدالة الاجتماعية عن طريق تطوير معرفة قوية لدى الطلبة باختلاف تنوعهم، ولتحقيق أهداف الدراسة استخدم الباحث أحد مناهج البحث الكيفية باستخدام النظرية الاجتماعية الثقافية واللغة لتحليل التفاعل والحوارات والتفكير بين المشاركين بطريقة استخدام دراسات الحالة المتعددة، وذلك بالاعتماد على الملاحظة المباشرة ومقابلات مجموعات التركيز شبه المنظمة والمقابلات المفتوحة كأدوات بحثية طُبِّقَت على عينة الدراسة التي تكونت من طلبة المرحلة الابتدائية الذين بلغ عددهم 104 أعمارهم بين 8 سنوات و11 سنة، وشملت العينة أربعة من معلميهم في مجموعة متنوعة من المدارس في نيوزيلاندا، وبتحليل محتوى المقابلات الشخصية والتسجيلات الصوتية ومحتوى الطلبة المكتوب في جلسات (P4C) الفلسفية على مدى ستة أشهر بمعدل ساعة واحدة في الأسبوع توصلت الدراسة إلى أن المعلمين لعبوا دورًا مهمًّا في تشكيل لغة الطلبة وتفكيرهم النقدي عن طريق النمذجة والإبداع وتيسير الحوار وإنشاء ثقافة صفية ديمقراطية وجعل التفكير مرئيًّا. وقام كل من المعلمين والطلبة في الجلسات بتطوير مجموعة من القدرات في أثناء حوارات (P4C)، وهي المرونة والتقبُّل والتذاوت([2]) والإبداع، وتقترح الدراسة التدريس بلغة منضبطة محددة وهذا مما يعزِّز قدرات التفكير النقدي لدى الطلبة ويشكِّل معرفة قوية لديهم، وأشارت نتائج الدراسة إلى أن برنامج (P4C) يمكن أن يقدم للمتعلمين المتنوعين فرص تعزيز تلك المعرفة التي تمكنهم من القدرة على تحسين المساواة في التعليم وتعزيز العدالة الاجتماعية.
عوائد تعليم مهارات التفكير الفلسفي على قدرات وسمات الطلبة غير المعرفية وأنماطها (الزهراني، 2021)
أجرى الزهراني (2021) دراسة هدفت إلى تحليل مجموعة من الدراسات والتقارير التي بيَّنت الآثار الإيجابية لتعليم التفكير الفلسفي في قدرات وسمات الطلبة غير المعرفية وتحديد أنماطها باستخدام المنهج الوصفي الوثائقي بتحليل 15 دراسة وتقريرين لتكون وحدة للدراسة مجتمعًا وعينة، وقد أُجرِيَت وقُدِّمَت جميعها بين عام 1995م وعام 2019م وتناولت آثار تعليم التفكير الفلسفي في قدرات وسمات الطلبة غير المعرفية وذلك في بلدان عديدة حول العالم، مثل: كندا والولايات المتحدة الأمريكية ومصر وإيران وأستراليا… ومما توصلت إليه الدراسة وجود ثلاثة أنماط من القدرات والسمات غير المعرفية تأثرت تأثرًا إيجابيًّا بتعليم التفكير الفلسفي،: أ) المهارات والسمات الشخصية والاجتماعية. ب) مهارات التفكير. ج) السلوك. واُختُتِمَت الدراسة بتوصيات عديدة أهمها تعميم تعليم مهارات التفكير الفلسفي في جميع مراحل التعليم العام وألا يقتصر على المرحلة الثانوية فقط، وإجراء دراسات مسحية تقويمية لتجارب الدول العربية في تعليم الفلسفة بالإضافة إلى توصية بالانتقال في تعليم الفلسفة ومهارات التفكير الفلسفي من المقاربة الهيجيلية التي تهتم بتاريخ الفلسفة ومذاهبها ونصوصها إلى المقاربة الكانطية التي تهتم بتعليم التفلسف ومهارات التفكير الفلسفي ومنه منهجية (P4C).
أثر الفلسفة للأطفال (P4C) وتحدياتها: مراجعة منهجية (Ab Wahab, Zulkifli & Abdul Razak, 2022)
هدفت دراسة عبد الوهاب وزولكيفلي وعبد الرزاق (2022) إلى تحديد آثار برنامج الفلسفة للأطفال (P4C) في الطلاب والوقوف على التحديات التي يواجهها المعلمون والطلبة عند تنفيذه، ولتحقيق أهداف الدراسة استخدم الباحثون المنهج التحليلي الوثائقي باستخدام أداة (PRISMA) التي بدأت بتحليل 291 دراسة محكمة ومنشورة ضمن قاعدة بيانات (Scopus) وقاعدة بيانات (WoS) ثم تصفيتها وفق معايير معينة إلى أن وصلت إلى 15 دراسة أُخْضِعَت لفحص آخر ومعايير أخرى، ليكون مجموع الدراسات تسع دراسات ضمن المراجعة المنهجية النهائية منشورة في النطاق الزمني بين 2016م و2020م. وقد توصلت الدراسة إلى أن لتعليم الفلسفة للأطفال آثارًا إيجابية في الطلبة في خمسة عناصر هي تنمية مهارات التفكير العليا، وتعزيز الديمقراطية، وتهذيب السلوك، وثقافة التفكير والتفكُّر، وأخيرًا البيئة الحوارية والفكرية الآمنة، ويتفرع من هذه العناصر: مهارات التقويم ومهارات اتخاذ القرار والتفكير النقدي والتفكير الإبداعي ومهارة طرح التساؤل والشعور بالثقة في إبداء وجهات النظر بالرغم من اختلافها، والاستماع النشط، واتباع قواعد الحوار، وغيرها… وأما عن التحديات التي تواجه المعلمين والطلاب أثناء تنفيذ جلسات (P4C) المرصودة في المراجعة المنهجية فكانت على مستوى المعلمين: اختيارية برنامج الفلسفة للأطفال وأنه ليس بجزء من المنهج الوطني الرسمي وفي نفس الوقت تدعو دراسات أخرى إلى أن هذا التحدي يمكن التغلب عليه بدمج (P4C) ليكون أسلوبًا في التخطيط للدروس في المواد المختلفة، وأما عن التحدي الثاني الذي يواجه المعلمين هو إدارة الصف من حيث ضيق الوقت وإعطاء الفرصة لكل طالب في المشاركة والعدل بينهم في هذه الناحية، وأخيرًا النقص في الأفكار وتوفر المثيرات الفلسفية لتجاوز سأم الطلبة، وأما عن التحديات التي تواجه الطلبة فتكمن في مشكلات تتعلق بالتعلم والبطء في تنظيم المعلومات وإيصال الفكرة ونقص المعرفة الذي أدى إلى ضعف في إيجاد المفردات المعبِّرة عن الأفكار مما يشعرهم بضعف حججهم وتقديرهم، وختمت الدراسة بتوصيات من أهمها الاقتراح بأن يكون هناك وقت دراسي مخصص لـــ(P4C) للتغلب على التحديات التي يواجهها المعلمون والطلاب. ويجب أن يتلقى المعلمون أيضًا المزيد من التدريب خاصة في دورهم بصفتهم ميسرين وفي أساليب إجراء المناقشة الفلسفية.
الفلسفة للأطفال في المملكة العربية السعودية وأثرها في مهارات القدرات غير المعرفية (Alzahrani&Almutairi, 2023)
أجرى الزهراني والمطيري (2023) دراسة هدفت إلى الكشف عن أثر تعليم الفلسفة للأطفال P4C)) في قدرات الطلاب غير المعرفية باستخدام المنهج شبه التجريبي على عينة من طلاب الصف السادس الابتدائي اُختِيرَت عشوائيًّا من مدرسة بمدينة الرياض في المملكة العربية السعودية وشملت 28 طالبًا قُسِّمُوا إلى مجموعتين: مجموعة تجريبية ومجموعة ضابطة، ولتحقيق أهداف الدراسة قُدِّمَ للمجموعة التجريبية جلسات فلسفية بمنهجية P4C)) على مدى 3 أشهر ثم طُبِّقَ اختبار بعدي مخصص لقياس القدرات غير المعرفية على المجموعتين، وقد توصلت الدراسة إلى نتائج أبرزها أن جلسات تعليم الفلسفة للأطفال P4C)) أثرت إيجابيًّا على المجموعة التجريبية فيما يتعلق بمهارات التواصل، والمؤانسة الاجتماعية، والثقة في النفس، والعزيمة والإصرار، والاستعداد لتجربة الجديد، والسعادة، ومهارة حل المشكلات، ولم تكن النتائج دالَّة إحصائيًّا على تأثر المجموعة التجريبية في مستوى مجال التعاطف، والديمقراطية، وقبول التنوع والاختلاف.
تأثير مبادرة الفلسفة للأطفال (P4C) في المخرجات التعليمية والاجتماعية لدى طلبة المرحلة الابتدائية (Clarkson& Webster, 2024)
قام كلاركسون وويبستر (2024) بدارسة هدفت إلى التحقق من تأثير الفلسفة للأطفال P4C)) في الفهم القرائي والاهتمام بالرياضيات بالإضافة إلى تقدير الذات والسلوك الاجتماعي الإيجابي والرفاه العاطفي باستخدام المنهج شبه التجريبي، وتكونت عينة الدراسة من 280 طالبًا وطالبة (48% إناث) و(52% ذكور) جميعهم يدرسون في الصف السادس الابتدائي وأعمارهم بين 10 سنوات و12 سنة، ومنهم 149 طالبًا وطالبة يشكِّلون المجموعة التجريبية و131 يمثِّلون المجموعة الضابطة اُختِيرُوا من ثماني مدارس تقع جنوب شرق كوينزلاند بأستراليا، ولفحص الأثر طُبِّقَ على أفراد العينة اختبار (TORCH) للفهم القرائي، واستبيان وصف الذات الإصدار الثاني، ومقياس آخر لكشف الاهتمام بالرياضيات وحماس الطلبة لها، وأداة فاحصة للسلوك مكونة من 25 عنصرًا بها مقياس فرعي مخصص للرفاه العاطفي، وذلك بإجراء اختبار قبلي وآخر بعدي لكل من المجموعات التجريبية والمجموعات الضابطة، وقد توصلت الدراسة إلى تأثر المجموعة التجريبية بزيادة في الفهم القرائي مقابل تناقص في الاهتمام بالرياضيات وتقدير الذات واستقرار في بقية المتغيرات في الدراسة لدى المجموعتين (التجريبية والضابطة)، وتقترح الدراسة فائدة منهجية P4C)) للطلبة الذين يعانون من صعوبات في الفهم القرائي، وتشير الدراسة إلى أن الطلبة الذين حصلوا على تقدير ذات منخفض جدًّا في المجموعة التجريبية حققوا درجات أعلى في تقدير الذات بعد انخراطهم في مجتمعات التساؤل، أما الطلبة الذين كان لديهم تقدير ذات عال قبل الجلسات على المقياس انخفض تقديرهم لذواتهم بعد التدخل، وتفسر الدراسة ذلك بأنه قد يكون بسبب أن الطلاب ذوي احترام الذات المنخفض شاركوا في جلسات مجتمعات التساؤل أكثر من الطلاب ذوي احترام الذات العالي، وتوصي الدراسة بالتوجه العملي بدلًا من النهج الأكاديمي النموذجي القياسي في دورات التيسير الفلسفي الجامعي، ومن المقترح أن التدريب المستمر قد يساعد منفذي الجلسات لأول مرة، وأشارت الدراسة إلى أنه لقلة عدد المجموعات وقلة عدد المشاركين، فإن إجراء المزيد من الأبحاث باستخدام مجموعة أكبر من المشاركين يساعد في الحصول على بيانات أكثر لإثبات النتائج.
التعقيب على الدراسات السابقة
تتفق الدراسة الحالية مع الدراسات السابقة في حقل الموضوع المبحوث الذي يتناول تعليم الفلسفة للأطفال بمنهجية P4C))، وتلتقي معها في تناول طلبة المدارس في جانب عينة الدراسة ومجتمعها ما عدا دراستَي (Schleifer, Lebuis, Caron, & Daniel, 1995; Lipman, 1998) اللتين تناولتا المعلمين عينة ومجتمعًا بالإضافة إلى دراسة (محمود، 1990) ودراسة (Kyel, 1976) التي اعتمدت على التقصي النظري لمنهجية P4C))، أما عن المنهج البحثي المستخدم في الدراسة الحالية فإنه يتفق في جانب منه مع دراسة (Lipman, 1973; Bank, 1988; Alzahrani and Almutairi; Clarkson& Webster, 2024) حيث اُستُخدِمَ المنهج التجريبي الذي يعتمد على مجموعتين (مجموعة تجريبية ومجموعة ضابطة) واختبارات قبلية وبعدية إلا أن الدراسة الحالية استخدمت تصميمًا تجريبيًّا مختلفًا باختيار مجموعة واحدة مع إجراء اختبار قبلي ثم بعدي لنفس المجموعة قبل التدخل وبعده، إضافة إلى استخدام المنهج النوعي للكشف عن أهمية تعليم الفلسفة بمنهجية P4C)) وأثره في المهارات غير المعرفية لدى الطلاب عن طريق آراء معلميهم وأثر المنهجية في ممارسات المعلمين التدريسية كذلك. وتتفرد الدراسة الحالية من ناحية النطاق الجغرافي الذي أُجرِيَت فيه وهو دولة الإمارات العربية المتحدة حيث تُعَدُّ الدراسة الأولى من نوعها على مستوى الدولة وبالتحديد في إمارة الفجيرة برعاية بيت الفلسفة ودعمه، وتوضح الدراسات السابقة التطور التاريخي لمجال تعليم الفلسفة للأطفال منذ بداياته وحتى العام الحالي الذي أُجرِيَت فيه الدراسة (2024م)، ومن جوانب الاستفادة من الدراسات السابقة الإفادة من بعضها في تشكيل الإطار النظري وتحديد الإجراءات والخطوات السليمة في اختيار العينة المناسبة والمنهج الأقرب لطبيعة الدراسة وأهدافها.
منهجية (P4C) لتعليم مهارات التفكير الفلسفي: التاريخ والأصول الفلسفية
منهجية P4C)) لتعليم التفكير الفلسفي تنتشر في كثير من دول العالم وتناولتها العديد من الأبحاث لتقويم أثرها وفعاليتها في العملية التعليمية خصوصًا الطلبة والمعلمين، وسيركز البحث فيما يلي من عناصر على عرض الأصول الفلسفية والنظرية للمنهجية وتقديم لمحة تاريخية عنها نشأة وتأسيسًا، ثم المرور على كيفية تطويرها في المملكة المتحدة وأبرز التغيرات التي طرأت عليها، وأخيرًا تقديم نبذة مختصرة عن وجود المنهجية في الوطن العربي ومدى انتشارها.
أولًا: الأصول النظرية والفلسفية لتعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية(P4C) (Philosophy for Children)
يوضح هذا القسم من البحث مجموعة من المنهجيات والفلسفات والنظريات المؤصِّلة والمُفَسِّرَةِ لتدريس الفلسفة وتعليمها بمنهجية (P4C) من حيث التأطير والوصف بالاعتماد على مجموعة من المصادر والمراجع التي تناولت هذا الجانب:
الفلسفة البراغماتية (ديوي) (Pragmatic Philosophy) (Dewey)
العقل عند البراغماتيين مجموعة من الخبرات التي كوَّنها الفرد في أثناء نشاطاته، وليس هو المنوط بوضع الروابط بين الأشياء، لأن هذه الروابط قائمة في الطبيعة بين الأشياء نفسها، فالعقل ليس مصدر الروابط، بل التجربة العملية، فالمعرفة تنطلق من الحواس وتنتهي بالتجربة، ولهذا تُعَدُّ الحواس طريقًا أساسيًّا للتجربة العملية (حسين ونصيرات، 2016، ص377-378).
وعلى صعيد التربية والتعليم يمكن ملاحظة الأصول الفلسفية للبراغماتية تتمظهر في نظام التعليم الأمريكي في كثير من الممارسات التربوية ومن أبرزها تعليم الفلسفة للأطفال(P4C) (Philosophy for Children) الذي ابتكره وبلوره ماثيو ليمبان Matthew Lipman)) ويذكر ليبمان في قصة بداياته مع الفلسفة أنه استهل ذلك بالبحث عن مؤلفات جون ديوي الذي يُعَدُّ من أهم وأبرز رواد الفلسفة البراغماتية وبعد عناء رحلة إلى لوس أنجلوس قطع فيها نحو400 ميل للبحث عن مؤلفات ديوي لم يجد منها إلا بعض الكتابات المحررة فأشعره ذلك بالإحباط إلا أنه انكب على قراءتها ليجد ما أثار فضوله وشكه حول رأي ديوي بأن الفلسفة نظرية أكثر من كونها تطبيقية، وبعد إنهاء ليبمان مناقشة رسالته في الدكتوراه اكتشف أنه قد يكون أساء فهم جون ديوي من هذه الناحية فتطلب منه هذا أن يُرَاسِلَ جون ديوي باقتراح أحد طلبة الدراسات العليا الذي كان على تواصل دائم مع ديوي، ويبدو أن جون ديوي أعجب بورقة أرسلها ليبمان فدعاه للاجتماع إلا أن موت ديوي حال دون هذا اللقاء، وفي 2008م كتب ماثيو ليبمان ورقة مفادها أن مشروعه مدين بالفضل لجون ديوي (Lipman, 2008). وبذلك يمكن القول بأن فلسفة ديوي البراغماتية كانت أحد الأسس التي شكَّلت الإطار المفاهيمي والفلسفي لمشروع ليبمان في تعليم الفلسفة للأطفال.
وعمومًا فإن الغرض العام من التربية البراغماتية هو خلق معايير جديدة مثيرة محفزة للمتعلم والمجتمع، وترى الفلسفة البراغماتية أن التعلم عن طريق الحياة هو أهم طرائق التعلم والأساس في التربية لأن التربية عندهم عملية، والمتعلم في التربية البراغماتية هو محور العملية التربوية والتعليمية، وترى التربية البراغماتية أنه يجب ألا يُفصَلَ المتعلم عن بيئته الطبيعية والاجتماعية، أما المعلم في هذه الفلسفة فلا يُعَدُّ ملقنًا بل مرشدًا وموجهًا، وليست له السلطة العلمية العليا، فالمعلم عضو في جماعة يؤدي وظيفة اجتماعية، وأما المنهج الدراسي فهو أداة التربية التي تعين المتعلم على مواجهة المواقف اليومية وحل ما يعتريها من مشكلات فليس الهدف من المنهج ملء عقول المتعلمين بالحقائق الثابتة المطلقة بل غاية المنهج التنمية العقلية الابتكارية المنتجة، وتؤمن البراغماتية بالتربية الجماعية التي تُكسِبُ العادات السليمة والمهارات النافعة والشعور بالمسؤولية (منصور، 2017).
وهذا بالفعل ما يحدث في الحصة الدراسية لتعليم الفلسفة بطريقة P4C)) حيث يصبح المتعلم هو محور العملية التعليمية بإثارة قضايا تتعلق بحياته الشخصية ومحيطه الذي يعيش فيه، وأما المعلم فإنه يلعب دورًا مغايرًا لدوره التقليدي لكونه ميسِّرًا Facilitator)) في الدرس الفلسفي (تونسي، 2019)، وهذا انعكاس للفلسفة التربوية البراغماتية، وكذلك أشارت دراسة Juuso)) (2007) إلى أن تعليم الفلسفة يعود أساسه النظري والتربوي إلى الفلسفة البراغماتية الأمريكية.
المنهج السقراطي (Socratic Method)
تعليم مهارات التفكير الفلسفي يحدث في إطار ما يُسَمَّى بالحلقة السقراطية بطريقة ماثيو ليبمان حيث يُشَجَّعُ الطلبة على التفاعل والتجاوب مع مثير فلسفي معين مخطط له، وقد يكون قصة مصورة أو صورة أو مقطعًا من فيلم قصير… ثم يُعَلَّمُ الطلبة كيفية طرح السؤال الفلسفي المفتوح لتنتهي هذه العملية باختيار سؤال واحد عن طريق التصويت فيقود الميسر الحوار باستخدام مجموعة من الأساليب المساعدة (تونسي، 2019).
ترجع جذور هذه الطريقة إلى المنهج السقراطي المنسوب إلى الفيلسوف اليوناني سقراط (469-399 ق. م) الذي يؤمن بأن التعليم هو فن طرح الأسئلة (O’Riordan, 2013) ويذكر ماثيو ليبمان (Matthew Lipman) أن الفلسفة بصفتها فنًّا في الحوار قد بدأت مع سقراط نفسه، أما بصفتها موضوعًا للدراسة فبدأت لاحقًا في حوارات أفلاطون (Lipman, Sharp & Oscanyan, 1977).
سقراط كان يعتاد الجلوس في كل صباح في الأسواق حيث يتجمع الناس، وهناك ينخرط معهم في مناقشات عن الحياة والموت، والكون والطبيعة، وكان ينصت إليه الصغير والكبير، والفقير والغني، والشاب والشيخ، وهي أسئلة عَدَّهَا الكثيرون جنونية، إلا أن رسالة سقراط تتلخص بأن يثير في الناس العناية بأنبل ما فيهم باكتساب الحكمة والفضيلة دون أن يعطي الأوامر والنصائح، فقد كانت براعته تتمثل في القدرة على أن يجعل المحاور يصل بنفسه إلى الحقيقة (حسين، 2018).
البنائية الاجتماعية (فيجوتسكي) (Social Constructionism) (Vygotsky)
يُعَدُّ ليف فيجوتسكي (Lev Vygotsky) عالم النفس الروسي من أبرز رواد البنائية الاجتماعية التي زاد الاهتمام بها منذ العقد الأخير من القرن العشرين وبداية الألفية الثالثة الميلادية، وهي نظرية تقوم على أساس أن المعنى صناعة تتم عبر اللغة في التعليم، وأن المعرفة تتكون عن طريق التفاعل الاجتماعي بصور مختلفة، وَيُعَدُّ ظهور البنائية الاجتماعية نتيجة للانتقادات التي وجهها مجموعة من الباحثين إلى البنائية المعرفية لإهمالها بعض الجوانب المؤثرة في عملية التعلم وبناء المعرفة (عثمان وسلام وعبد الرحمن وعلي، 2017)، ويشير فيجوتسكي إلى أن نظرية بياجيه تقوم على مبادئ معقدة للغاية إلا أنها تبقى مثيرة للاهتمام (Vygotsky, 1978). إن بناء المفاهيم والمعارف واكتساب المهارات والقيم وفقًا للبنائية الاجتماعية يتم بالمناقشة الاجتماعية والتفاوض وبين الطلبة، بين المعلم والطلبة، وهذه عملية اجتماعية ثقافية لتوجيه تفكير الطلبة وتكوين المعنى (عثمان وسلام وعبد الرحمن وعلي، 2017).
وتعليم الفلسفة عن طريق مجتمعات التساؤل الفلسفي -التي تضع المعلم في موضع المستمع النشط- تعتمد على منطقة النمو القريبة المعروفة اختصارًا بــ(ZPD)Zone of Proximal Development)) وهي مساحة ذاتية بين الطلبة ومعلميهم في عملية التعلم وتكون أنشط في منهجية مجتمعات التساؤل الفلسفي، وهي طريقة تؤدي بالتعلم إلى أن يكون أكثر تفاعلية واستجابة (Scholl, 2014).
ويبين ريوردان O’Riordan)) (2013) أن البنائية الاجتماعية تُعَدُّ إحدى النظريات المؤسسة لتعليم الفلسفة للأطفال P4C))، وهذا يعود إلى أن ممارسة تعليم الفلسفة للأطفال يركز كثيرًا على أهمية التعاون وبناء المعنى عن طريق الحوار مع الآخرين بصفته وسيلة لاستيعاب واستخدام الأدوات فوق الإدراكية أو ما وراء المعرفية بتفكير متعدد الأبعاد، فهذه المنهجية تنظر إلى الأعضاء داخل الصف الدراسي على أنهم مصدر محتمل لزيادة المعرفة والفهم.
نظرية التفاعل الرمزي (Symbolic Interaction Theory)
تفترض نظرية التفاعل الرمزي أن الطفل عند الولادة لا يكون اجتماعيًّا، لكنه عن طريق التفاعل مع الآخرين تنمو لديه اللغة ويتعلم المعاني ثم تبدأ الذات الاجتماعية في الظهور، وَيُعَدُّ جورج هربرت ميد (G. Herbert Mead) من أبرز رواد هذه النظرية لآرائه وإسهاماته في تحليل التفاعل الرمزي ومناقشته، وهو يرى أن التفاعل الاجتماعي يحدث عن طريق الاتصالات الرمزية واللغة مما يساعد الإنسان على اكتساب الاتجاهات والعواطف فيتكوَّن العقل (المقاطي، 2018). ويؤكد ميد أن التحدث من العقل لا يتم إلا عن طريق رموز مهمة، وأن العقل يتمظهر ويبرز متى ما كان الكائن الفرد قادرًا على نقل المعاني منه إلى الآخر وإلى الذات (Juuso, 2007).
إن الاتصال الرمزي لا يحدث بالتقليد والمحاكاة المجردة، ولكنه يُتَعَلَّمُ في داخل السياق الاجتماعي، وبناء على ذلك فإن المؤثر يُحدِثُ الاستجابة نفسها لدى جميع المشتركين في العملية وهذه ميزة في الإنسان، حيث إنه يُرَمِّزُ ويتفاعل مع غيره ومع نفسه بواسطة تجريدات ومفاهيم عامة وشاملة، ويقوم الناس أثناء عمليات التفاعل الاجتماعي بالاتصال الرمزي وتشكيل موضوعاتهم وأفكارهم (المقاطي، 2018).
ويوضح هربرت ميد Herbert Mead)) أهمية ما يُصطَلَحُ على تسميته بالاتصال أو التواصل بأنه يكمن في حقيقة الشكل السلوكي الذي يقدمه هذا الاتصال للكائن الحي أو للفرد مما قد يجعله موضوعًا لنفسه، وهذا التواصل يتفرد به الإنسان وحده عن سائر الكائنات الحية الأخرى، إنه اتصال شعوري برموز ذات أهمية، وهو اتصال لا يتجه فقط للآخر فهو موجَّه للذات أيضًا، وبما أن هذا النوع من الاتصال جزء من السلوك فإنه على الأقل يقدم الذات للذات نفسها وللآخر أيضًا. إن السمع بلا إنصات والرؤية للشيء بلا إدراك يجعل الفرد يقوم بأشياء لا يعيها فعلًا. إن الاتصال والتواصل بالاستجابة لخطاب الآخر وبالاستجابة للذات يجعل هذا التواصل جزءًا من التصرف والسلوك، إنه استماع ليس لذات الفرد فقط، بل هو استجابة للنفس أيضًا، فالمحادثات والردود من النفس وإليها هي حقيقة تشبه استجابة الآخر لردك، وحين يتكوَّن السلوك في الشخصية تصبح الذوات موضوعات وأهدافًا وغايات (Mead, 2011).
النقاط السابقة تؤيد بوضوح ما مر معنا بصفتنا ممارسين لتعليم التفكير الفلسفي مع الأطفال وذلك عن طريق استجاباتهم للمثيرات الفلسفية المعروضة عليهم، وحوارات بعضهم مع بعض، ففي إحدى مراحل جلسات تعليم التفكير الفلسفي يُطلَبُ من الطلبة التفكير بصمت لمدة دقيقة، وهذا فيه نوع من أنواع تفعيل نظرية التفاعل الرمزي لهربرت ميد بالتخاطب مع الذات ثم يتكرر هذا التواصل بمجموعة من الحوارات يُلَاحَظُ فيها أن الطالب يغير رأيه بين الفينة والأخرى إزاء قضية ما أكثر من مرة، إنه حوار وتواصل ينتقل من مجتمع التساؤل أثناء الجلسات إلى حوار وتواصل مع الذات فيما بعد الجلسات حتى يصل الطالب للمفهوم بنفسه.
هذه النظرة للاتصال والتواصل كانت لها انعكاساتها في تعليم الفلسفة، حيث يشير يوسو (Juuso) (2007) أن ماثيو ليبمان Mathew Lipman)) مؤسس تعليم الفلسفة للأطفال P4C)) كان مهتمًّا بأفكار هربرت ميد وقت دراسته في جامعة كولومبيا واهتم خصوصًا بعلاقة التفكير بالسياق الاجتماعي والثقافي وبالتشكُّل الاجتماعي للتجربة، ويرتكز ليبمان بقوة على الفكر الفلسفي والتربوي لهربرت ميد وقلة من المفكرين الآخرين، فقد ساعدت أفكار هربرت ميد ليبمان في فهم وتنظيم العلاقات بين الطالب والمعلم والمنهج، وهذا ما جعل من هذه النظرية لهربرت ميد إحدى النظريات والفلسفات الاجتماعية التي مثَّلت القاعدة التي انطلق منها ليبمان لمشروعه.
في ختام هذا القسم لا بُدَّ من الإشارة إلى أن هذه النظريات والفلسفات والاتجاهات ليست الوحيدة التي يمكن إرجاع ممارسة الفلسفة للأطفال P4C)) إليها بوصفها أصولًا وأُطُرًا لها إلا أن تحديدها هنا يعود لكونها الأشهر مما تناوله ماثيو ليبمان عند تأسيسه لهذا الأسلوب أو مما تناوله الباحثون والدارسون عن ليبمان.
ثانيًا: لمحة تاريخية عن تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C) (Philosophy for Children))
التأسيس في الولايات المتحدة الأمريكية
يُعَدُّ (P4C) منهجية لتقديم التفكير الفلسفي للطفل، وهو في نفس الوقت وسيلة عملية ميسَّرة وشائقة تهدف إلى تحفيز الأطفال على إطلاق العنان لفضولهم، حيث تذكر ستانلي أنه سيتاح لنا بتدريس الأطفال المهارات الفلسفية أن نزودهم بأدوات التساؤل الفلسفي، حيث بدأت منهجية (P4C) في ستينات القرن العشرين على يد ماثيو ليبمان (Matthew Lipman) وتمحورت رؤيته حول تشجيع الأطفال الصغار على تعلم فن التعليل عن طريق الحوار والمحاججة، وَيُمَارَسُ هذا النهج الآن في العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، وفي السبعينات أنتج ماثيو ليبمان وآن شارب منهجًا أسموه “الفلسفة للأطفال” (P4C) وهو متأثر بالمنهج السقراطي الذي يبدأ بمرحلة الجهل بالشيء ثم تكوين حجة تقوم على التعليل بالاتفاق والاختلاف، حيث شبه سقراط أسلوب الحوار هذا بتوليد الأفكار (ستانلي، 2023).
ما دفع ماثيو ليبمان إلى ذلك هو تعليم الأطفال الفلسفة بطريقة لا تشابه تلك التي يدرِّسونها في الجامعات، وهذا ما جعله يستخدم قصص الأطفال لتعليمهم المنطق في عام 1969م بعد أن تقدم بطلبه إلى الصندوق الوطني للعلوم الإنسانية للحصول على منحة لمشروعه التجريبي، حيث تمت الموافقة عليه وَنُفِّذَ المشروع في العام الدراسي 1970-1971م في إحدى مدارس نيوجيرسي في وقت كان النقاد يتناولون فيه ضعف مستوى القراءة والرياضيات بين طلبة الولايات المتحدة الأمريكية، وقد أظهرت التجربة نتائج إيجابية على مستوى المجموعة مقارنة بالمجموعة الضابطة على مقياس الكفاءة في استخدام المنطق، وتحسنت القدرات القرائية لدى الطلاب (Lipman, 1973).
بعد ذلك توالت مجموعة من الدراسات التجريبية على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية تبحث فاعلية (P4C) في قدرات الطلبة المعرفية وغير المعرفية فأعطى هذا مشروع تدريس الفلسفة للأطفال دفعة للأمام في التوسع والانتشار على مستوى الولايات الأمريكية، ومن هذه الدراسات بالإضافة إلى دراسات ليبمان: دراسة هاس (Haas, 1976) على طلبة الصف الخامس الابتدائي والصف السادس الابتدائي، ودراسة إيفانس (Evans, 1976) على مجموعة مكونة من 25 طفلًا في مدرسة (Hillside) الابتدائية، ودراسة كومَّنجز (Cummings, 1979) على 32 طفلًا من طلبة الصف الخامس الابتدائي، حيث توصلت جميع هذه الدراسات -بالإضافة إلى دراسات أخرى- إلى نتائج إيجابية ذات دلالة إحصائية للمجموعات التجريبية، وهذا يدل على فاعلية وجدوى تدريس الفلسفة للأطفال.
تطوير المنهجية في المملكة المتحدة
تبنَّت المملكة المتحدة برنامج “الفلسفة للأطفال” (P4C) داخل مدارسها في تسعينات القرن العشرين بعد عرض برنامج وثائقي أنتجته قناة (BBC) باسم “السقراطية لأعمار ست سنوات”، ويعرض البرنامج منهجية يمكن تطبيقها على الأطفال والشباب على حد سواء من عمر ثلاث سنوات إلى عمر 18 سنة (House, 2016; UNISCO, 2011). هذا الوثائقي كان يعرض تجربة ماثيو ليبمان من داخل إحدى المدراس الأمريكية، وقد كان له تأثير كبير في المملكة المتحدة فبعد عرضه تقدم حوالي 2000 متابع بطلبات للحصول على المزيد من المعلومات حول برنامج (P4C) (Williams, 2016)، وكان الوثائقي البذرة التي كبرت وتفرعت في مجموعة من مدارس المملكة المتحدة.
وكان لجمعية (SAPERE) البريطانية التي تأسست في العام 1992م مساهمات فاعلة في تعليم الفلسفة على نطاق واسع في المملكة المتحدة وحتى في خارجها حيث كان مقرها في جامعة (Brookes Oxford)، وقد كشفت الجمعية مجموعة من الأبحاث المتواترة حول فوائد جمة لبرنامج P4C)) في متغيرات تربوية عديدة منها زيادة الثقة بالنفس، وزيادة الدافعية للتعلم، وتحسين مهارات التواصل الشفهي ومهارات القراءة والكتابة والحساب، وللجمعية خبرة في هذا المجال تتجاوز العشرين سنة، وهذا ما جعل كثيرًا من الجهات الأكاديمية حول العالم تقدم لها المساندة والدعم البحثي والعلمي، وفي نفس المدة أُنشِئَ مركز للبحث الفلسفي بمدينة (Glasgow) حيث تقوم الدكتورة (McCall Catherine) بأعمالها مع أطفال أسكتلنديين وآبائهم وظلت تقدم دورات لمعلمي الابتدائية، وأنشأت مصدرًا تعليميًّا نُشِرَ على نطاق واسع حتى وصل إلى الإعداديات (المتوسطة)، ومن التطويرات التي حدثت في المنهجية تنوع المثيرات الفلسفية بين مقاطع الفيديو والصور وغيرها بعد اقتصارها على قصص الأطفال فقط (House, 2016; UNISCO, 2011).
المنهجية في الوطن العربي
اقتصرت منهجية (P4C) لتعليم مهارات التفكير الفلسفي للأطفال على المستوى العربي على قلة قليلة من الكتابات البحثية وغير البحثية في مصادر متناثرة هنا وهناك إلى أن احتضنته مدينة جدة في المملكة العربية السعودية بمعهد بصيرة في عام 2011 وكان مشروعًا رياديًّا عُنِيَ بتقديم تعليم وتعلم التفكير الفلسفي بوصفه نشاطًا إثرائيًّا، وذلك عن طريق العديد من ورش العمل التي تستهدف فئات عمرية مختلفة، وفي عام 2018 تحولت بصيرة إلى مؤسسة للاستشارات التربوية والتعليمية لتكون المؤسسة الوحيدة المعتمدة في العالم العربي لاعتماد ميسري التفكير الفلسفي (P4C) بالتعاون مع الشريك الدولي منظمة (DialogueWorks) في المستوى التأسيسي والمستوى المتقدم. وفي عام 2021 عُقِدَ أول مؤتمر مختص بالفلسفة في المملكة العربية السعودية شاركت فيه بصيرة، وقدمت بصيرة برنامجًا متكاملًا لمدة عامين لدعم التعليم والتعلم الحواريين وذلك باعتماد المعلمين بالمدرسة الإماراتية في دولة الإمارات العربية المتحدة بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم. وفي عام 2022 قدمت بصيرة برنامجًا متكاملًا لمدة عام واحد لتطوير المناهج المدرسية الإماراتية بالتعاون مع فريق مختصي تطوير المناهج في وزارة التربية والتعليم بدولة الإمارات العربية المتحدة، وأطلقت برنامج اعتماد المستوى الثالث، وشاركت في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة للعامين 2021 و2022 على التوالي، وفي عام 2022 دُشِّنَ معهد بصيرة للتدريب على تعليم وتعلم التفكير الفلسفي وتطوير مناهج وأدوات التعليم والتعلم الحواريين، وذلك كله بقيادة أ. داليا تونسي وفريق عملها من مؤسسين وأعضاء (معهد بصيرة، 2024).
وبعد أقل من عام على تأسيس أول جمعية للفلسفة في المملكة العربية السعودية انطلق في عام 2021م برنامج الفيلسوف الصغير الذي يتبنى منهجية (P4C) بإشراف د. عماد عباس الزهراني برعاية جمعية الفلسفة وبدعم من وزارة الثقافة السعودية ممثَّلة في هيئة الأدب والنشر والترجمة، فَأُقِيمَت ورش عديدة للأطفال (7 سنوات-18 سنة) في مختلف مناطق المملكة العربية السعودية تحت أيدي مؤهلين حصلوا على تكوينهم في المنهجية من معهد بصيرة، وشمل برنامج الفيلسوف الصغير ندوات في موضوعات متنوعة حول الفلسفة للأطفال أُقِيمَت عن بعد وحضوريًّا، والبرنامج مستمر حتى اليوم (جمعية الفلسفة، 2024).
منهجية الدراسة وأدواتها
منهج الدراسة
استخدم الباحثون في هذه الدراسة المنهج المزجي (المختلط) الذي يدمج بين المنهجين الكمي والنوعي، وذلك بتوظيف التصميم المزجي التتابعي التفسيري بجمع بيانات الدراسة في جانبها الكمي أولًا (نتائج الاختبار القبلي والبعدي) ثم تُبنَى عليها المرحلة النوعية من الدراسة التي ستتناول مقابلات شخصية مع معلمي ومعلمات الطلبة بغرض التوسع في بحث مشكلة الدراسة وتفسير البيانات الكمية تفسيرًا موسعًا بواسطة البيانات النوعية (Creswell, 2018).
مجتمع الدراسة وعينتها
أولًا: عينة الدراسة في جانبها الكمي
استهدفت الدراسة في جانبها الكمي طلبة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية في المرحلة الابتدائية، وذلك للصفوف الدراسية الرابع والخامس والسادس لتكون عينة للدراسة، وعدد أفراد العينة 224 طالبًا وطالبة، 96 من الذكور و128 من الإناث (جدول1). تجدر الإشارة إلى أن عدد العينة في التطبيق القبلي كانت 280 طالبًا وطالبة، وفي التطبيق البعدي كانت 268 طالبًا وطالبة، وعند مطابقة نتائج التطبيق القبلي مع البعدي أصبح العدد 224 طالبًا وطالبة، وذلك لأن بعض الطلاب لم يذكروا أسماءهم في الاستبانة.
ثانيًا: عينة الدراسة في جانبها الكيفي
لأغراض الجانب الكيفي من الدراسة الذي يستهدف إجراء مقابلات شخصية مع المعلمين والمعلمات المطبِّقين لجلسات تعليم الفلسفة للأطفال P4C)) اُختِيرَت عينة قصدية مكونة من أربعة معلمين وأربع معلمات ممن طبَّقوا جلسات تعليم الفلسفة للأطفال في أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية. رُوعِيَ في اختيار العينة التنوع بين الذكور والإناث وكذلك التنوع في التخصص والصفوف الدراسية التي تقدم لها الجلسات، ويوضح هذه الخصائص (جدول2).
أدوات الدراسة
أولًا: مقياس القدرات غير المعرفية
استخدم الباحثون مقياس القدرات غير المعرفية المستخدم في دراسة (Siddiqui, Gorard& See, 2019) وطوَّر هذا المقياس فريق من الباحثين في جامعة Durham University)) بالتعاون مع فريق آخر من الباحثين في Leicester University))، وبعد استئذان الباحثة الرئيسة عبر الإيميل لاستخدام المقياس وصل الرد بالموافقة فبدأ الباحثون بترجمة المقياس إلى اللغة العربية بأسلوب يتناسب مع ثقافة وبيئة الطلاب الاجتماعية وكذلك مع المرحلة العمرية والدراسية التي يستهدفها، وبعد ذلك تم تحكيم المقياس بالتعاون مع قسم علم النفس في كلية التربية بجامعة الملك سعود في الرياض ثم عُدِّلَت جميع الملاحظات.
المقياس في شكله النهائي يتكوَّن من ثلاثة أقسام تقيس قدرات الطلبة غير المعرفية. يقيس القسم الأول المكون من تسع عبارات قدرات الطلبة غير المعرفية المتعلقة بمهارات التواصل الاجتماعي، والمرونة الفكرية، والعمل الجماعي، والثقة في النفس، والعزيمة والإصرار بالإضافة إلى السعادة والرفاه والتعاطف تحت مسمى “النهج التعاوني الواثق للتعلم([3])” (Loard, Dirie, Kettlewell and Styles, 2021)، أما القسم الثاني فقد احتوى على سيناريوهات لمواقف تخيلية ذات ثلاثة بدائل تركز على قياس المسؤولية الاجتماعية([4])، والتعاطف([5]) عند الطلبة، وأما القسم الأخير فقد شمل ثلاثة أسئلة لمواقف افتراضية تقيس التفكير المنطقي بثلاثة بدائل للإجابة ويُقصد بالتفكير المنطقي هنا عملية عقلية تهدف إلى تحليل المعلومات والأفكار بشكل منظم ومنهجي للوصول إلى استنتاجات معقولة وهو يعد أساسًا في العلوم والرياضيات والحياة اليومية بحيث يساعد الأفراد على اتخاذ قرارات سليمة والتفاعل مع العالم بطريقة عقلانية منظمة.
جودة المقياس
جودة المقياس يقصد بها درجة الثقة في النتائج التي يقدمها المقياس، ولأن المقياس المستخدم يُعَدُّ حديثًا، ولم يسبق تطبيقه وتقنينه على عينة عربية إلا في نطاق ضيق جدًّا، فقد حرص الباحثون على إعادة ترجمة المقياس وتحكيمه. وبعد تطبيق الاختبار حُسِبَت درجة ثبات المقياس عمومًا ودرجة ثبات قسميه الأول والثالث. لم يُحسَب الثبات للقسم الثاني بسبب استهداف كل فقرة على حده في التحليل الإحصائي فكل فقرة من فقرات القسم الثاني تعبِّر عن قدرة غير معرفية فريدة أُشِيرَ إليها سابقًا.
أشارت نتائج تحليل الثبات إلى أن المقياس يتمتع بدرجة ثبات مرتفعة (معامل ألفا = 0,77) وهذا يدل على جودة المقياس عمومًا، أما ثبات القسم الأول فكان مرتفعًا أيضًا (معامل ألفا = 0,79). وفيما يتعلق بثبات الفرع الأول من القسم الأول ” النهج التعاوني الواثق للتعلم” فكان مرتفعًا (معامل ألفا = 0,82). أخيرًا، كان ثبات القسم الثالث من المقياس “التفكير المنطقي” متوسطًا (0,53) ويمكن عزو هذا إلى قلة الفقرات (ثلاث فقرات فقط). هذا يسوِّغ استخدام الدرجة المجمعة (درجة كلية) لفرع “النهج التعاوني الواثق للتعلم” وقسم “التفكير المنطقي” في التحليلات الإحصائية.
ثانيًا: المقابلات الشخصية
الأداة الثانية التي استخدمها الباحثون في هذه الدراسة هي المقابلات الشخصية الفردية المعمقة مع المعلمين والمعلمات المطبِّقين لجلسات تعليم الفلسفة للأطفال بمنهجية P4C)) وذلك لأغراض الجانب الكيفي في الدراسة إجابة لسؤال الدراسة الثالث الذي يتعلق بتأثير جلسات P4C)) في ممارسات المعلمين والمعلمات التدريسية وأثره في طلبتهم من وجهة نظرهم بعد الانتهاء من تطبيق الجلسات، وقد تكوَّنت الأداة من قسمين: الأول منها يتعلق ببيانات عامة المستجيبين والمستجيبات وتتضمن الاسم، والصف الدراسي الذي طُبِّقَت فيه الجلسات، وعدد الجلسات المقدمة، والتخصص الدراسي، وسنوات الخبرة.
أما القسم الثاني من الأداة فقد تضمن 11 سؤالًا حول الإيجابيات والتغيرات التي طرأت على الممارسات التدريسية للمعلمين والمعلمات وأيضًا حول الآثار المُلَاحَظَةِ في طلبتهم وأخيرًا التحديات والصعوبات التي واجهوها أثناء التطبيق ومدى الاستمرار في تطبيق الجلسات بعد انتهاء الدراسة.
صدق المقابلات الشخصية
الصدق في المناهج النوعية يحمل دلالات مختلفة عما هو موجود في البحوث الكمية، فليس هو الصدق المصاحب للثبات ولا هو التعميم المرادف للصدق الخارجي، فالصدق هنا صدق نوعي يعني أن الباحث يتحقق من سلامة الأدوات والنتائج بواسطة إجراءات خاصة بالبحوث النوعية (Creswell, 2018)، ومن هذه الإجراءات: المصداقية – قيمة الحقيقة – التطبيقية – الملاءمة – التدقيق – توظيف الشواهد – توظيف المتابعات – التوظيف التصويري – عرض المعلومات المغايرة (العبد الكريم، 2012؛ وCreswell, 2018).
وقد سعى الباحثون إلى اتباع أكثر من إجراء أو استراتيجية، لتكون الأدوات وما يصدر عنها من نتائج أكثر صدقًا وثباتًا (Creswell, 2018)، ومن هذه الإجراءات عرض الأداة على أعضاء الفريق البحثي، وكذلك استئذان الجهات المرجعية للمعلمين والمعلمات لإجراء المقابلات الشخصية، ومن الممكن أن يُنسَبَ هذا الإجراء إلى ما يُسَمَّى بالتدقيق.
ومن الإجراءات التي اتخذها الباحثون معيار المصداقية أو ما يُطَلَقُ عليه “المغايرة”، وذلك عندما أظهر أحد أفراد العينة في المقابلة الشخصية موقفًا مغايرًا من أن بعض الآثار في الطلبة غير ملاحظة في بعض العناصر، وتلك استجابة مرحب بها توخيًّا للأمانة العلمية أولًا وللاقتراب من صدق النتائج وواقعيتها ثانيًا.
ويمكن التقاط مجموعة من الإجراءات ذات العلاقة بصدق وثبات البحوث النوعية ضمن سياقات الدراسة الحالية، كقيمة الحقيقة، والملاءمة بتناسب نتائج الجانب النوعي مع سياقات ودراسات خارجية، وتوظيف الشواهد التي تتضح في تنوع مصادر البيانات، وأخيرًا فإن الباحثين بشر يصعب أن ينفصلوا عن ذاتيتهم إلا باتخاذ مجموعة من الإجراءات التي تضمن موضوعية البحث، وهذا التأكيد هو ما يُسَمَّى بتوضيح الانحياز الذي ورد ضمن الإجراءات المتبعة في صدق وثبات البحوث النوعية (Creswell, 2018).
إجراءات الدراسة والخط الزمني
- التدريب: بدأت الدراسة بعد أخذ الموافقات الرسمية اللازمة من المدرسة المستهدفة (مدرسة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية)، ثم الشروع في تدريب 18 معلمًا ومعلمة للصفوف المستهدفة (الرابع والخامس والسادس)، وبلغ عدد ساعات التدريب 20 ساعة تدريبية مقسمة على أربعة لقاءات بداية من 11/12/2023م إلى 14/12/2023م على يد فريق التدريب من معهد بصيرة، وتلا مرحلة تدريب المعلمين جلسة محاكاة تدريبية ثم التعاون مع 11 معلمًا ومعلمة لتنفيذ الجلسات في الصفوف الدراسية المستهدفة.
- تطبيق الاختبار القبلي: بدأ تطبيق الاختبار القبلي بتاريخ 8/1/2024م بتوزيع الاستبيانات على الطلبة مرفقة بتعليمات مقننة للمطبِّقين ثم جمعها وتسليمها للفريق البحثي لتحليلها. بلغ عدد من أَدَّى الاختبار القبلي 280 طالبًا وطالبة.
- تطبيق الجلسات: بعد إجراء الاختبار القبلي بدأ تنفيذ جلسات P4C)) للعينة المستهدفة. بلغ عدد الجلسات 147 جلسة على مدى فصلين دراسيين للصفوف الرابع والخامس والسادس الابتدائي.
- تطبيق الاختبار البعدي: بدأ تطبيق الاختبار البعدي بتاريخ 23/5/2024م وذلك بعد تطبيق جلسات تعليم الفلسفة للأطفال بأربعة أشهر و15 يومًا بتوزيع الاستبيانات على الطلبة مرفقة بتعليمات مقننة للمطبِّقين ثم جمعها وتسليمها للفريق البحثي لتحليلها، وبلغ عدد من أدى الاختبار البعدي 268 طالبًا وطالبة.
- إجراء المقابلات الشخصية: أُجرِيَت المقابلات الشخصية يوم الثلاثاء بتاريخ 4/6/2024م عن طريق تطبيق الزوم وذلك من الساعة الثانية عشرة ظهرًا إلى الساعة الرابعة مساء بتوقيت الإمارات.
التحليل ونتائج الدراسة
منهجية التحليل الإحصائي
أُجرِيَت مجموعة تحليلات للقياسات المتكررة منها تحليلات التباين والانحدار اللوجستي للقياسات المتكررة (Repated Measure ANOVA; Repeated Measures;) للكشف عن أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في القدرات غير المعرفية للطلاب وخصوصًا: (1) النهج التعاوني الواثق للتعلم والذي يتضمن: مهارات التواصل، والعمل ضمن فريق، والثقة بالنفس، والعزيمة والإصرار، والتعاطف والمعرفة. (2) التفكير المنطقي. وأُجرِيَ التحليل اللوجستي للقياسات المتكررة (Repeated Logistic Regression) للكشف عن أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في: (1) المسؤولية الاجتماعية. (2) التعاطف. أُدرِجَ متغيرا الجنس والصف للكشف عما إذا كان هذا الأثر-إن وُجِدَ- يعتمد على متغيري الجنس والصف، ولأن الهدف هو الكشف عن الأثر الرئيسي للبرنامج التدريبي في التفكير الفلسفي لدى الطلاب، فكل النماذج الإحصائية بدأت بالكشف عن هذا الأثر الرئيسي، فإن كان هذا الأثر دالًّا إحصائيًّا يُضَافُ متغيرا الجنس والصف في النموذج الإحصائي للكشف عن مدى اعتماد هذا الأثر على هذين المتغيرين. أخيرا، اُختُبِرَت الفرضيات الإحصائية على مستوى (0,05) (p < 0.05).
نتائج التحليل الكمي
تتناول نتائج التحليل الكمي القدرات غير المعرفية التي تأثرت بمنهجية P4C))، وهي تنقسم بحسب المقياس إلى أربع قدرات غير معرفية: النهج التعاوني الواثق في التعلم (الجزء الأول من المقياس) والتفكير المنطقي – المسؤولية الاجتماعية -التعاطف (الجزء الثاني من المقياس). وكانت على النحو الآتي:
1. أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في النهج التعاوني الواثق للتعلم (الجزء الأول من المقياس):
أشارت النتائج إلى أنه لا يوجد أثر ذو دلالة إحصائية لتعليم مهارات التفكير الفلسفي في النهج التعاوني الواثق للتعلم. بعبارة أخرى، لا توجد فروقات ذات دلالة إحصائية بين متوسط درجات الطلاب في النهج التعاوني الواثق للتعلم قبل تطبيق البرنامج (المتوسط = 30,21، الانحراف المعياري = 6,97) وبعد تطبيق البرنامج (المتوسط = 30,32، الانحراف المعياري = 7,15) [F (210) =0.05; p=0.82]، بالرغم من الارتفاع الطفيف، ولأنه لا يوجد أثر رئيسي لمنهجية P4C هذه الحالة لم يتم المضي قدمًا في تحليل مدى اختلاف هذا الأثر في متغيري الجنس والصف. (الجدول 3) يوضح متوسطات استجابات الطلاب على فقرات القسم الأول من المقياس قبل تطبيق البرنامج التدريبي وبعد تطبيقه، والفرق بين هذه المتوسطات، ويتضح من الجدول بأن الفروقات طفيفة جدًّا.
2. أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في التفكير المنطقي:
أشارت النتائج إلى أنه يوجد أثر ذو دلالة إحصائية لتعليم مهارات التفكير الفلسفي في التفكير المنطقي لدى الطلاب -درجة التفكير المنطقي بين (0) و (3). بعبارة أخرى، توجد فروقات ذات دلالة إحصائية بين متوسط درجات الطلاب قبل تطبيق البرنامج (المتوسط = 0,83، الانحراف المعياري = 0,85) وبعد تطبيق البرنامج (المتوسط = 1,61، الانحراف المعياري = 1,06) [F (219) =70.90; p< 0.01]. يُلَاحَظُ ارتفاع متوسط درجات الطلاب وهذا يعكس الأثر الإيجابي للبرنامج التدريبي في التفكير المنطقي لدى الطلاب (انظر الشكل1). من جانب آخر كان حجم الأثر (0,57Cohen’s d = )، وَيُعَدُّ متوسطًا. ولوجود أثر رئيسي ذي دلالة إحصائية للبرنامج التدريبي أُجرِيَت تحليلات إضافية لمعرفة مدى اعتماد هذا الأثر على متغيري الجنس والصف.
أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في التفكير المنطقي حسب متغيري الجنس والصف
أشارت النتائج إلى أن أثر البرنامج الفلسفي لا يتغير بتغير الجنس [F (1) = 3.64; p = 0.06]، كما هو ظاهر في الشكل (2)، حيث يتضح أن ميل المستقيم للذكور والإناث متواز إلى حد كبير، وهذا يدل على أن الأثر لا يتغير بتغير الجنس. من جانب آخر، دلَّت النتائج على أن أثر البرنامج الفلسفي يتغير بتغير الصف وهذا التغير دالٌّ إحصائيًّا [F (2) = 12.06 ; p < 0.05]، وهذا ظاهر بوضوح في الشكل (3) حيث يتضح أن ميل مستقيمات الصفوف يتقاطع. ويتضح أن الأثر كان أكبر في طلاب الصف الخامس ثم في طلاب الصف السادس، وضعيفًا نسبيًّا في طلاب الصف الرابع.
3. أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في المسؤولية الاجتماعية:
أشارت النتائج إلى أنه يوجد أثر إيجابي ذو دلالة إحصائية لتعليم مهارات التفكير الفلسفي في المسؤولية الاجتماعية لدى الطلاب [Wald test, W (1) = 90.17 , p < .001]. بعبارة أخرى، احتمالية شعور الطلاب بالمسؤولية الاجتماعية ارتفعبمعدل 12 مرة بعد تطبيق البرنامج. وبالنظر إلى متوسط استجابات الطلاب نجد أن المتوسط كان 0,43 قبل تطبيق البرنامج وأصبح 0,90 بعد تطبيق البرنامج.
أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في المسؤولية الاجتماعية حسب متغيري الجنس والصف
أشارت النتائج إلى أن أثر البرنامج الفلسفي لا يتغير بتغير الجنس [Wald test, W (2) = 2.34 , p = .31]. بعبارة أخرى، الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ارتفع عند الذكور والإناث على حد سواء. متوسط استجابات الطالبات ارتفع من 0,43 إلى 0,88 ومتوسط استجابات الطلاب ارتفع من 0,44 إلى 0,94
من جانب آخر دلَّت النتائج على أن أثر البرنامج الفلسفي يتغير بتغير الصف وهذا التغير دالٌّ إحصائيًّا [Wald test, W (4) = 82 , p < 0.001]. وبالنظر إلى الشكل (4) يتضح أن الأثر كان أكبر في طلاب الصف الخامس وفي طلاب الصف السادس كان الأثر مقاربًا للصف الخامس، وضعيفًا في طلاب الصف الرابع، حيث إن متوسط درجات الصف الرابع كان مرتفعًا من الأساس.
4. أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في التعاطف:
أشارت النتائج إلى أنه يوجد أثر إيجابي ذو دلالة إحصائية لتعليم مهارات التفكير الفلسفي في التعاطف الاجتماعي لدى الطلاب [Wald test, W (1) = 48.43 , p < .001]. بعبارة أخرى، احتمالية شعور الطلاب بالتعاطف ارتفعت خمس مرات بعد تطبيق البرنامج. وبالنظر إلى متوسط استجابات الطلاب نجد أن المتوسط كان 0,17 قبل تطبيق البرنامج وأصبح 0,50 بعد تطبيق البرنامج.
أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي في التعاطف حسب متغيري الجنس والصف
أشارت النتائج إلى أن أثر البرنامج الفلسفي لا يتغير بتغير الجنس [Wald test, W (2) = 5.64 , p = .06]. بعبارة أخرى، الشعور بالمسؤولية الاجتماعية ارتفع عند الذكور والإناث على حد سواء. متوسط استجابات الطالبات ارتفع من 0,11 إلى 0,56 ومتوسط استجابات الطلاب ارتفع من 0,17 إلى 0,42.
من جانب آخر دلَّت النتائج على أن أثر البرنامج الفلسفي يتغير بتغير الصف وهذا التغير دالٌّ إحصائيًّا [Wald test, W (4) = 21.66 , p < 0.001]. وبالنظر إلى الشكل (5) يتضح أن ميل مستقيمات الصفوف يتقاطع. وكان الأثر أكبر في طلاب الصف الخامس ثم طلاب الصف السادس (كان مقاربًا للصف الخامس)، وأقل في طلاب الصف الرابع.
منهجية التحليل الكيفي
استخدم الباحثون المقابلات الشخصية مع ثمانية من معلمي ومعلمات الصفوف المستهدفة بسؤالهم مجموعة من الأسئلة التي تسعى لكشف أثر تعليم الفلسفة للأطفال في الممارسات التدريسية([6])، وذلك بالسؤال عن الإيجابيات التي خرجوا بها من هذه التجربة، والآثار المُلَاحَظَةِ في طلبتهم وكذلك السؤال عن التحديات التي واجهوها، وأخيرًا سؤالهم عن مدى رغبتهم في استمرارية تطبيق هذه المنهجية بعد الانتهاء من التجربة وإمكانية إدخالها ضمن المناهج التي يدرِّسونها، وبعد جمع البيانات والمعلومات عن طريق إجابات أفراد العينة عن أسئلة المقابلات الشخصية فُرِّغَت هذه الإجابات وَصُنِّفَت وَحُلِّلَت طوبولوجيًّا([7]) في ضوء هدف الدراسة.
نتائج التحليل الكيفي
إيجابيات تعليم الفلسفة للأطفال
أجمع أفراد العينة من المعلمين والمعلمات على وجود إيجابيات لتعليم الفلسفة للأطفال في ممارساتهم التدريسية، واتضح ذلك في إجاباتهم التي بيَّنت الأثر في طلبتهم ومن ذلك زيادة الثقة في النفس والثقة في المعلم خصوصًا عند الطلبة المترددين، حيث أصبح لدى الطالب الخجول أو ضعيف التحصيل الفرصة للحديث والتعبير والرغبة في المشاركة بعدما كان قليل المشاركة قبل جلسات تعليم الفلسفة للأطفال، وحدث أن أحد الطلبة من غير الناطقين بالعربية كان يعاني شيئًا من الانعزال ولا يتحدث مع الطلبة الآخرين ولكنه في أثناء الجلسات بدأ يطلب المشاركة وتحسنت حالته كثيرًا، وفي موقف آخر في إحدى الجلسات قال طالب واحد من أصل 24 طالبًا رأيه المخالف للبقية بكل شجاعة، ومن الإيجابيات كذلك تطور مهارة التساؤل لدى الطلبة، فقد بدأ معلمو المناهج والصفوف الدراسية الأخرى الذين لا يقدمون جلسات الفلسفة للطلبة يلاحظونها([8])، حيث لاحظوا كثرة تساؤلات طلبتهم في كثير من موضوعات المنهج، ومن الإيجابيات زيادة قرب الطلبة من معلميهم وردم جزء من الفجوة التي قد تحصل بين المعلم وطلبته لتتحول العلاقة بين المعلم وطلبته إلى علاقة إيجابية، والنقاش انتقل بين الطلاب أنفسهم وليس بينهم وبين المعلم فقط، بالإضافة إلى اتساع مساحة الحرية لدى الطلاب، واستماع بعضهم لبعض أكثر، وانتظام الطلبة في الصف.
ويذكر معلم (1) أنه كان يطلب المداخلة في الجلسات ولا يختاره الطلبة لما يقارب ست مرات أو سبع ويتجاوزونه إلى اختيار طلب آخر للمداخلة، وعزَّزت المنهجية التواصل فيما بينهم، ويذكر أحد المعلمين أنه لاحظ استجابة طلابه الفعالة والسريعة على سؤال المعلم الذي يكون عادة في نهاية الدرس (التقويم التكويني) للتأكد من فهمه بعد أن كانت الاستجابة شبه معدومة، وكذلك جرأة الطلبة في السؤال عما يصعب عليهم فهمه، وهذا مما أضاف له في مادته التي يدرسها، بل كان الطلبة ينتظرون اليوم الذي ستقام فيه الجلسات بتطلع كبير، ويسألون متى سيكون ذلك؟ وإذا مرت مدة طويلة دون جلسات فلسفية يبدأ الطلبة بتذكير معلميهم ومعلماتهم بمرور مدة طويلة لم تُعقَد فيها جلسة فلسفية، وذلك تكرر في أكثر من شعبة حسب ما ذكره أفراد العينة، بل يطلبون تحويل الحصة إلى جلسة فلسفية، ومن الإيجابيات كذلك المبادرة للإجابة عن تساؤل أو حل تمرين ما والتفاعل الإيجابي بعدما كان ذلك كله مقتصرًا على طلبة معينين، وقد عبَّر معلم (1) عن سعادته الكبيرة بالانضباط الصفي الكبير الذي وجده إلى درجة أنه يخرج من الصف لبرهة ويعود فيجد أن النقاش والحوار يسير بكل سلاسة كأنه موجود داخل الصف. ومن الإيجابيات التي لاحظها المعلمون والمعلمات التعاون بين الطلبة على جميع الأصعدة من بحث وقراءة وغيرها بل امتد التعاون حتى خارج حجرة الدراسة وأصبح واضحًا جدًّا ولافتًا، وأشارت المعلمة (4) إلى أن بعض الطالبات كنَّ شبه صامتات وانبهرت بتأثير الجلسات فيهن حيث أصبحن يشاركن ويبدين آراءهن بكل أريحية، وتذكر معلمة (4) أن منهجية P4C)) سمحت لها أن تعيد اكتشاف طالباتها اللاتي كن يملن إلى الانطوائية ثم أُعجِبَت وانبهرت بما يبدينه من آراء وإجابات وطريقة تفكير، ومن الإيجابيات كذلك تطور التفكير النقدي والمنطقي والتحليلي بوضوح وأيضًا احترام الرأي والإنصات الجيد عند الطلبة.
ومن الآثار التي ذكرها أفراد العينة في ممارساتهم التدريسية إعطاء الطلبة المزيد من الاستقلالية في المشاركات وأن للطالب دورًا أكبر في الحصة بدلًا من الدور الأكبر الذي كان يؤديه المعلم، وأيضًا التطور الواضح في مهارات التحدث والتفكير الناقد خصوصًا في مادة الرياضيات عند المعلم (3) الذي وجد تقدمًا في مستويات طلابه الذين كان بعضهم يرفض التجاوب في حل المسائل والآن يفكرون بطرائق مختلفة وذلك مما أشعره بالذهول نحو هذا التغير، فالجميع يرفع يده (24 طالبًا) ويريد المشاركة وقبل ذلك كان طالبان أو ثلاثة هم من يرفعون أياديهم ويشاركون، وذلك مما أسهم في إطلاق التفكير الإبداعي الذي كان مكبوتًا دون تصريح عند بعض الطلبة قبل الجلسات، وبعدها تشجعوا وبادروا ليقدموا للمسألة الواحدة في الرياضيات أكثر من طريقة حل، وبدأ الطلبة يطلبون جلسات أكثر ويسألون ويتحرون الجلسة القادمة، ويذكر نفس المعلم أن التحصيل الدراسي تغير للأفضل في الفصل الدراسي الثالث عنه في الفصلين الدراسي الأول والثاني، وتذكر المعلمة (4) بأن الأثر الذي تركه P4C)) في ممارستها التدريسية تمثَّل في طريقة طرح الأسئلة، والمعلمة (5) ذكرت بأنها أصبحت أكثر هدوءًا مع طلبتها بعدما كانت تتسم بالمزاجية والعصبية، وتقول بأن هذا الأثر امتد إلى تعاملها مع أطفالها في المنزل وأصبح ذلك مُلَاحَظًا حتى من زوجها على حد تعبيرها، ومن الجوانب اللافتة تأثر المعلمين الذين لا يقدمون جلسات للأطفال ويدخلون نفس صفوف المعلمين الثمانية، فقد ذكروا للمعلم (7) أن أسئلة الأطفال بدأت تتطور، وهذا دفعهم إلى تحضير مكثَّف ومركز للحصة الدراسية مختلف عما كانوا يُعِدُّونَهُ سابقًا وأصبحوا يحاولون توقع كل الأسئلة الممكنة التي قد يسألها الطلبة ويجهزونها في التحضير، وذكرت معلمة (8) أن المنهجية كان لها دور في تطوير ممارساتها التدريسية في مادة اللغة الإنجليزية من ناحية صياغة الأسئلة وإدارة النقاش.
وقد أدرج الباحثون سؤالًا مغلقًا في المقابلة الشخصية يتضمن 16 متغيرًا وطُلِبَ من المعلمين والمعلمات الإجابة عن السؤال بنعم أو لا أو غير متأكد إزاء كل متغير يُذكَرُ لهم في المقابلة مع إمكانية التعليق، ويوضح نتائج الإجابة عن هذا السؤال جدول (4).
يوضح جدول (4) أن جميع المتغيرات المدونة فيه قد لاحظ المعلمون والمعلمات تطورها عند طلبتهم ويتضح ذلك من تكرار الاستجابة بـ”نعم” مقابل تكرار الاستجابة بـ”غير متأكد أو متوسط أو لا”، وَيُلَاحَظُ أن ستة متغيرات من أصل 16 متغيرًا لُوحِظَ تغيرها عند الطلبة بإجماع جميع المعلمين والمعلمات باختيار البديل “نعم”، وهي مهارة التحدث، ومهارة الاستماع، والتفكير الناقد، ومهارات الحوار، والتفكير التعاوني، والتسامح، ويوضح الجدول كذلك أن متغير التفكير الإبداعي حصل على ثلاثة تكرارات للبديل “غير متأكد” وتكرار واحد للبديل “متوسط” مقابل أربعة “نعم” وقد يكون ذلك لصعوبة ملاحظة ما يرتبط بالتفكير الإبداعي لدى الطلبة أو أنه يحتاج لوقت أطول ومواقف معينة ليلاحظه بعض المعلمين والمعلمات.
التحديات والصعوبات
ذكر المعلمون والمعلمات مجموعة من التحديات التي واجهوها في أثناء التنفيذ أو الإعداد بداية بتقديم التمرين الافتتاحي وذلك عند تطبيقه أول مرة، وأيضًا صبر الطلبة واستمرارهم في الاستماع للآخر خصوصًا إن كانت فكرته تناقض الفكرة التي لديهم، ومن التحديات أيضًا الخروج من نموذج تعود فيه الطلاب على أن يتحدث المعلم ويصمت البقية إلى نموذج مقابل فيه المعلم يستمع أكثر مما يتحدث، وكذلك تردد الطلبة في المشاركة وذلك في بدايات الجلسات، ومن التحديات أيضًا الوقت من ناحية كفايته مما يؤدي إلى إقامة الجلسة في أكثر من حصة، وعندما تكون نصف الجلسة في أسبوع لاحق يحتاج الطلبة إلى استدعاء وتذكر ما حصل في الجلسة الماضية وهكذا…
وقد ذكر أكثر من معلم ومعلمة أن من التحديات التي واجهوها في البداية تنظيم الطلبة وتحويلهم إلى النموذج الجديد فالطلبة كانوا معتادين على أن ينظروا إلى المعلم بتردد وينتظروا إجابة منه أو إذنًا بالإجابة حينما يُطرَحُ سؤال. ومن التحديات كذلك كثافة موضوعات المنهج وطولها التي قد تمنعهم من إقامة جلسة فلسفية كاملة، وهناك من واجه تحديًا مع المثير من ناحية اختياره ليكون ممكنًا للفهم، وتذكر معلمة (4) أن من التحديات وجود بعض المشتتات وذلك حينما يكون بعد الحصة فسحة/استراحة، وأيضًا تهيئة البيئة الصفية بالإضافة إلى ضغط المنهج وحجمه الكبير وهو التحدي الذي اتفق عليه أكثر أفراد العينة، وتقديم الجلسات لأكثر من شعبة فيه تشتت جهد أكبر، وإن كانت الجلسات مع شعبة واحدة لكان أفضل، وأيضًا كثرة الامتحانات بين شهري وفصلي وتقويمي، ويذكر معلم (7) أن الأسئلة الفلسفية المفتوحة التي كانت تُصَاغُ وتقدم في جلسات (P4C) المقدمة في حصص مستقلة انتقلت إلى المنهج الدراسي الذي يدرِّسه وهو التربية الإسلامية حيث كانت أسئلة “لماذا؟” كثيرة؛ مثل: لماذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نختار الجليس الصالح؟ فكان يخشى أن تنسحب هذا الأسئلة إلى الثوابت الدينية، وربما كان ذلك بسبب أن الجلسات تكون وسط اليوم الدراسي بين الحصص، وكثرة هذه الأسئلة أصبحت متعبة للمعلمين من ناحية التعامل معها وكيفية ضبطها حتى لا تستهلك وقت الحصة.
والتغلب على هذه التحديات يكون بإعطاء فرصة ووقت للطلاب حيث إن بعض التحديات عُولِجَت من تلقاء نفسها وكانت فقط تحتاج إلى الانتظار وأيضًا التكرار بالإضافة إلى إيجاد علاقة قوية بين المعلم والطالب، وعن تحدي الوقت اقترح بعض المعلمين زيادة حصة في اليوم الدراسي تكون خاصة فقط للجلسات، ويوجد مقترح بأن تكون الجلسات في حصص متتالية، ومما اُقْتُرِح كذلك أن تكون منهجية P4C)) في منهج مستقل متدرج بحسب المراحل الدراسية.
التطبيق ضمن المنهج والاستمرارية
يرتبط السؤالان الأخيران في المقابلة الشخصية بمدى إمكانية تطبيق المعلم أو المعلمة لهذه المنهجية ضمن مناهجهم التي يدرِّسونها، وكذلك سؤال عن إمكانية واحتمالية استمراريتهم في تطبيق جلسات P4C)) حتى بعد انتهاء الدراسة التجريبية.
وقد كانت الإجابات متفاوتة فيما يتعلق بسؤال إمكانية التطبيق في المنهج الدراسي حيث أشار البعض إلى وجود صعوبة في تطبيقها ضمن الموضوعات العلمية الطبيعية مثل الفيزياء والرياضيات وكذلك الدين، لوجود ثوابت لا يمكن مناقشتها بتفكير فسلفي، إلا أن معلم (3) ذكر أنه يمكن في الرياضيات تطبيق ذلك في بعض الموضوعات مثل اكتشاف الأخطاء وسيكون الحوار الفلسفي في هذا السياق منتجًا ويخدم الموضوع بطريقة ممتعة مما ينمِّي مهارات التفكير العليا وتوظيفها في الرياضيات، أما في مادة اللغة العربية فقد ذكر معلم (2) بأن ذلك ممكن بل “ممتاز جدًّا”، لأن مدى الموضوعات يسمح بذلك ولكن ليس بخطة كاملة تطبَّق فيها الخطوات العشر إلا في مجال القصص فإنه يمكن تطبيق الخطوات العشر، وتوافقه معلمة (6) الرأي، فكلما كان المنهج يحوي القصص كان تطبيق المنهجية أنسب وذلك يختلف من مرحلة إلى أخرى، وكذلك معلم (3) الذي وجد فيها حوارًا مثريًا ومثمرًا، وفي مادة التربية الإسلامية ذكرت معلمة (4) أنه ممكن جدًّا تطبيقه في المنهج وموضوعاته فالإسلام يشجع إعمال العقل عدا المعتقدات ولا بُدَّ من توضيح الخطوط العريضة التي لا ينبغي تجاوزها للطالبات، وعلقت معلمة (8) بأنه يمكن تطبيق المنهجية ضمن موضوعات المنهج الدراسي الذي تدرِّسه وهو اللغة الإنجليزية.
أما حول الاستمرارية في تطبيق المنهجية حتى بعد انتهاء الدراسة، فقد أجمع المعلمون والمعلمات الثمانية على أنهم سيستمرون في تطبيقها لأسباب مختلفة وذلك للإيجابيات التي وجدها بعض المعلمين في أنفسهم وفي طلابهم، وفي أسرهم كذلك -كما ذكرت إحدى المعلمات. ويذكر معلم (7) بأن منهجية P4C)) تولِّد الأفكار وتثبِّت المعلومة وتجعل الطالب يبحث وهي منهجية تعزِّز التفكير للذات، ولذلك سيستمر في تطبيقها للثمرات المتوقعة للطلبة حتى بعد انتهاء التجربة البحثية وأكد بأنه سيستخدمها متى وجد الفرصة مواتية في المنهج، وذلك مما دفعه لتطبيق المنهجية مع طلبة الصف (11) -مع أنهم خارج عينة الدراسة- ولاحظ بأنها عزَّزت مهاراتهم البحثية، وتذكر كذلك معلمة (6) بأنها جربت تطبيق المنهجية في الصف السابع الذي كان خارج حدود الصفوف المستهدفة ووجدت من الطلبة تفاعلًا كبيرًا، ومن الأسباب التي ذكرها المعلمون والمعلمات في استمرارية تطبيق المنهجية: تقوية العلاقة بين المعلم والطالب عن طريق محبة الطلبة لجلسات (P4C) إضافة إلى أنه طريقة يمكن بها معالجة الخجل أو ضعف التحدث عند بعض الطلبة حيث عبَّر عنها المعلم (1) بأنها شيء “رائع”، ومن اللافت أن بعض المعلمين بدؤوا يطبقون هذه المنهجية مع صفوف ومراحل دراسية غير المحددة لغرض الدراسة وربما في ذلك دلالة على استمرارية المعلمين في تطبيقها بالإضافة إلى حصول تغيير في طريقة وأسلوب المعلمين بعدما وجدوا ما يساعدهم ويساعد طلبتهم على التعلم.
مناقشة النتائج
هدفت الدراسة إلى تحقيق ثلاثة أهداف: الأول هو تقديم تعريف مفصل عن الأصول النظرية والفلسفية والخلفية التاريخية لمنهجية P4C)) لتعليم مهارات التفكير الفلسفي حيث استعرضت الدراسة بالتفصيل أربعة أصول نظرية وفلسفية لمنهجية (P4C) هي الفلسفة البراغماتية لـ(جون ديوي) Pragmatic Philosophy) (Dewey))، والمنهج السقراطي Socratic Method))، والبنائية الاجتماعية لـ(فيجوتسكي) (Social Constructionism) (Vygotsky)، ونظرية التفاعل الرمزي Symbolic Interaction Theory))، وقد أوضح هذا القسم بأن تلك الأصول النظرية والفلسفية لمنهجية P4C)) ليست الوحيدة وإنما هي الأقرب والأكثر اتصاًلا بها، وبعد ذلك قُدِّمَت لمحة تاريخية عن المنهجية: نشأتها في الولايات المتحدة الأمريكية على يد مؤسسها ماثيو ليبمان(Mtthew Lipman) ثم التطورات التي مرت بها منهجية (P4C) في المملكة المتحدة، وأخيرًا مستوى حضور المنهجية في الوطن العربي تنظيرًا وممارسة.
وأما الهدف الثاني الذي يتعلق بجانب الدراسة الكمي للكشف عن أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C)) في القدرات غير المعرفية لدى طلاب المرحلة الابتدائية في الصفوف الرابع والخامس والسادس، فقد صمم الباحثون دراسة شبه تجريبية شملت اختبارين (قبلي وبعدي) يتوسطهما استخدام المعلمين والمعلمات لمنهجية P4C)) في جلسات شبه أسبوعية ضمن اليوم الدراسي في أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية، ودرس الباحثون بعد ذلك أثر المنهجية في أربع قدرات غير معرفية: 1) النهج التعاوني الواثق للتعلم (ويتضمن مهارات التواصل، والعمل ضمن فريق، والثقة في النفس، والعزيمة والإصرار، والتعاطف والمعرفة). 2) التفكير المنطقي. 3) المسؤولية الاجتماعية. 4) التعاطف. وكشفوا عما إذا كان هذا الأثر -إن وجد- يتغير بمتغيري الجنس والصف.
وأشارت نتائج الدراسة إلى أن أثر استخدام منهجية P4C)) في متغيرات القدرات غير المعرفية لدى الطلبة اتضح بأنه إيجابي في بعض المتغيرات على حين لم يتضح أثره في متغيرات أخرى، فمتغير النهج التعاوني الواثق للتعلم لم يكن للمنهجية تأثير دالٌّ إحصائيًّا فيه حيث لم يظهر ارتفاع في درجات الطلاب على المقياس بعد تطبيق المنهجية وهذه النتيجة اتسقت مع نتائج دراسة (Loard, Dirie, Kettlewell and Styles, 2021) التي لم تكشف نتائجها فروق ذات دلالة إحصائية على مستوى هذا المتغير على حين تختلف هذه النتيجة مع دراسة (الزهراني، 2021؛ والزهراني، 2023) التي بينت أثر منهجية P4C)) في الطلبة في جانب مهارات التواصل، والثقة في النفس والإصرار، والمهارات والسمات الشخصية عمومًا، وهذا الاختلاف قد يعود إلى اختلاف حجم مجتمع وعينة الدراسة في كلا الدراستين واختلاف المقياس في دراسة (الزهراني، 2021) التي تناولت طلبة الصف السادس في المملكة العربية السعودية، مع الإشارة إلى أن الدراسة الحالية بيَّنت فروقًا على مستوى متغيرات مهارات التواصل والإصرار والتعاطف التي لُوحِظَ فيها ارتفاع طفيف في درجات الطلاب إلا أنها فروق لم تكن دالَّة إحصائيًّا. ومما يفسر اختلاف نتائج الدراسة الحالية عن الدراسات السابقة هو أن مفهوم النهج التعاوني الواثق للتعلم يشمل مفاهيم فرعية عديدة مثل العمل الجماعي والثقة بالنفس والإصرار، وقد يكون مرد عدم وجود الأثر إلى ضعف حساسية المقياس المستخدم للكشف عن التغيرات الحاصلة لدى الطلاب فهذا المفهوم الكبير المعقد يشمل مفاهيم عديدة تُعَدُّ سمات إنسانية سلوكية معقدة وتحتاج إلى فقرات عديدة لقياسها، فعلى سبيل المثال مفاهيم الإصرار ومهارات التواصل تتطلب فقرات عديدة لقياسها قياسًا صحيحًا، وهي ممثَّلة بفقرة واحدة فقط في المقياس لكل متغير، خصوصًا إذا وجدنا أن المعلمين لاحظوا تطورًا لدى الطلاب يتعلق بثقتهم في أنفسهم وتعاونهم مع زملائهم، وهذا ما أُشِيرَ إليه في قسم نتائج الدراسة الكيفية، لذلك يوصي الباحثون بأن تُبنَى مقاييس أكثر شمولية تقيس القدرات غير المعرفية لدى الطلاب بطريقة أكثر تمثيلًا لها خصوصًا في المتغيرات التي تحتاج إلى تفريعات أكثر.
من جانب آخر، نجد أن هذه المنهجية أثرت تأثيرًا إيجابيًّا في التفكير المنطقي لدى الطلاب وهي نتيجة تتسق مع دراسة (Lipman, 1973; Trickey& Topping, 2004)، وكان لها أثر إيجابي آخر في متغير المسؤولية الاجتماعية والتعاطف وهي نتيجة تتفق كذلك مع دراسة (الزهراني، 2021) في جانب المسؤولية الاجتماعية إلا أنها تختلف مع دراسة (الزهراني، 2023) في جانب متغير التعاطف وقد يُفَسَّرُ ذلك بقلة العينة التي بلغت 15 طالبًا في المجموعة التجريبية ومثلهم في المجموعة الضابطة، وهو تأثير لم يتأثر بمتغير الجنس فقد اتضح أثره في الذكور والإناث بنفس الدرجة، ولكنه تأثر بمتغير الصف حيث إن أثره كان أكثر في الصفين الخامس والسادس مقارنة بالصف الرابع، وقد يُعزَى هذا إلى عامل العمر لدى هؤلاء الطلاب ومدى قدرتهم على تطوير مهاراتهم غير المعرفية.
أما نتائج الدراسة في جانبها الكيفي التي تتعلق بالهدف الثالث حول تأثير منهجية P4C)) في ممارسات المعلمين والمعلمات التدريسية، فقد بيَّنت النتائج تغيرًا إيجابيًّا ملحوظًا على مستوى الممارسات التدريسية وهي نتيجة تتسق مع دراسة (Schleifer, Lebuis, Caron, & Daniel, 1995; Scholl, 2014) وهذا التطور على مستوى الممارسات التدريسية شمل جوانب عديدة أهمها التحول من نموذج تدريسي كان فيه المعلم متحدثًا والطلبة منصتين إلى نموذج تدريسي حواري متفاعل بين الطلبة ومعلميهم مما أثر إيجابًا في ثقة الطلبة في أنفسهم خصوصًا الطلبة الخجولين وقليلي التفاعل بإبداء آرائهم وتعليقاتهم وطرح تساؤلاتهم دون تردد بشكل ملفت، وهذه النتيجة تختلف مع الجانب الكمي من الدراسة لتفسيرات سَتُذكَرُ لاحقًا في هذا القسم، وامتد أثر هذا التحول في النموذج التدريسي إلى تنمية مهارات الحوار والتحدث والتعاون بين الطلبة، ومن آثار منهجية P4C)) في الممارسات التدريسية كذلك الضبط الإيجابي للصف الدراسي، وترك مساحة أكبر لتعبير الطلبة عن آرائهم، والتحضير المكثَّف للحصة الدراسية بسبب زيادة تساؤلات الطلبة، والتركيز على الطلبة في الدرس بدلًا من الدور الأكبر الذي كان يقع على عاتق المعلم، وكانت المنهجية في الجلسات طريقة لاكتشاف أفضل ما لدى الطلبة من إمكانيات ومهارات على مستوى التفكير النقدي والإبداعي، ويمكن التدليل كذلك على تأثر ممارسات المعلمين والمعلمات التدريسية بمنهجية P4C)) باتفاقهم بالإجماع على الاستمرار بتطبيق المنهجية حتى بعد انتهاء التجربة البحثية بل إن بعض المعلمين والمعلمات بدؤوا بتطبيقها في صفوف لم تشملها عينة الدراسة.
وبيَّنت نتائج الجانب الكيفي من الدراسة ملاحظة المعلمين والمعلمات مجموعة من المتغيرات التي أثرت فيها منهجية P4C)) في طلبتهم، وهي الثقة في النفس، والتحصيل، ومهارة القراءة، ومهارة التحدث والاستماع، والتفكير الناقد، ومهارات الحوار، وتقبل الرأي والاختلاف، والتفكير الإبداعي، والمرونة في تغيير الموقف، والتفكير التعاوني، وتوضيح الأفكار، والإنجاز، والتفكير المنطقي، والتسامح، والتفكير الرعائي، وذلك بعد تطبيق الجلسات وفي أثنائها، أما المتغيرات التي اتفق المعلمون والمعلمات على ملاحظتها في طلبتهم بالإجماع: الثقة في النفس، ومهارة التحدث، ومهارة الاستماع، والتفكير الناقد، ومهارات الحوار، والتفكير التعاوني، والتسامح، وذلك مما يتفق مع دراسة (Austin, 2020) في جانب التفكير النقدي ودراسة (الزهراني، 2023) في جانب الثقة بالنفس، وأما عن أقل المتغيرات تأثرًا بفعل المنهجية في الطلاب بحسب ملاحظات المعلمين والمعلمات، فقد كان على مستوى متغير التفكير الإبداعي وذلك يعود بحسب تعبير بعض المعلمين والمعلمات إلى صعوبة ملاحظة هذا المتغير في مدة قصيرة مع أن أربعة من ثمانية معلمين ومعلمات لاحظوا تطورها في طلبتهم.
وبينت نتائج الدراسة في جانبها الكيفي مجموعة من التحديات التي واجهها المعلمون والمعلمات في أثناء تطبيق الجلسات أو الإعداد لها، ومن أبرزها التحول إلى النموذج التدريسي الجديد الذي احتاج إلى مدة للتعود عليه وتبنيه في الصف الدراسي، بالإضافة إلى عامل الوقت غير الكافي لتنفيذ الجلسة في حصة واحدة، وأخيرًا ضغط المنهج الدراسي بجانب المهام الموكلة إلى المعلمين والمعلمات من أداء اختبارات فصلية وغيرها، وهذه النتيجة تتفق مع دراسة (Ab Wahab, Zulkifli & Abdul Razak, 2022) التي أشارت إلى تحديات مشابهة كضيق الوقت الذي لا يسمح بإعطاء فرصة المشاركة لجميع الطلبة، وكون المنهجية ليست بجزء من المنهج الدراسي. وللتغلب على هذه التحديات ذكر المعلمون والمعلمات زيادة حصة في اليوم المدرسي تكون خاصة للجلسات أو أن تكون الجلسات في حصص متتالية، ومما اُقْتُرِحَ كذلك أن تكون منهجية P4C)) في منهج مستقل متدرج بحسب المراحل الدراسية.
مقارنة نتائج الدراسة الكمية والكيفية
بمقارنة نتائج الدراسة الكمية بنتائجها الكيفية في تأثير منهجية P4C)) في قدرات الطلبة غير المعرفية يُلَاحَظُ بأنها اتفقت في الجوانب التي تتعلق بالتفكير المنطقي والتعاطف فقط، واختلفت في الجوانب التي تتعلق بمهارات التواصل والعمل ضمن فريق والثقة في النفس والتعاطف، وأوضحت نتائج الدراسة الكيفية أثر المنهجية الإيجابي في الطلبة في تلك الجوانب على حين لم يكن لها أثر دالٌّ إحصائيًّا في الطلبة في جانب الدراسة الكمي، ويفسر الباحثون ذلك بتعقيد السلوك الإنساني وتأثره بالمتغيرات المختلفة وبالمقاييس المستخدمة، لهذا حرص الباحثون على استخدام أداتين في هذه الدراسة لقياس تأثر القدرات غير المعرفية لدى الطلبة بمنهجية (P4C): الأداة الأولى اعتمدت على اختبارين (قبلي وبعدي) بينهما مدة وفيهما عبارات الهدف منها قياس تأثر قدرات الطلبة غير المعرفية بمنهجية P4C)) قبل التدخل وبعده، والأداة الثانية هي المقابلات الشخصية التي تعتمد على ملاحظات معلمي ومعلمات الطلبة المباشرة في طلبتهم والتغيرات التي رصدوها فيهم في الموقف الدراسي الفعلي. ويفسر الباحثون هذا الاختلاف بطبيعة التصميم شبه التجريبي الذي اعتمد على المجموعة التجريبية دون توفر مجموعة ضابطة إضافة إلى تعقيد المتغيرات محل القياس التي قد لا تكفي عبارة واحدة لقياسها، وهذا جعل المعلمين والمعلمات يلاحظون تغيرات في قدرات طلبتهم غير المعرفية بفعل منهجية P4C)) على حين لم يظهرها المقياس في جانب الدراسة الكمي، ولهذا يوصي الباحثون بتصميم مقياس أكثر تفصيلًا لقياس القدرة غير المعرفية وتغيير التصميم شبه التجريبي بإضافة مجموعة ضابطة مع توسيع عينة الدراسة عند إجراء أبحاث شبيهة لاحقة، أو الاعتماد على المناهج الكيفية النوعية في مثل هذا النوع من الدراسات فهي تُعَدُّ الأكثر ملاءمة لدراسة السلوك الإنساني في ظروفه الطبيعية خصوصًا في ظل الانتقادات الموجهة للبحوث الكمية وأساليب جمع البيانات فيها منذ ثمانينات القرن العشرين (السلطان، 2008).
خلاصة الدراسة
يُعَدُّ تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C)) طريقة فاعلة لإحداث تغيرات إيجابية على مستوى القدرات المعرفية وغير المعرفية على مستوى طلبة المدراس وممارسات المعلمين والمعلمات التدريسية، وهذا ما أثبتته دراسات عديدة متواترة على مدى خمسين سنة، ولقلة الدراسات العربية وخصوصًا الخليجية في هذا المجال جاءت الدراسة الحالية ساعية إلى قياس أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية (P4C) في قدرات الطلبة غير المعرفية في مدرسة أكاديمية الفجيرة العلمية الإسلامية بدولة الإمارات العربية المتحدة على مستوى الصفوف الرابع والخامس والسادس باستخدام منهج بحثي مزجي يستعمل أداة كمية وأخرى كيفية لرصد الأثر في الطلبة ومعلميهم.
توصلت نتائج الدراسة في جانبها الكمي إلى وجود أثر دالٍّ إحصائيًّا لجلسات تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C)) في قدرات الطلبة غير المعرفية تمثلت في المسؤولية الاجتماعية والتعاطف والتفكير المنطقي، على حين لم يكن هناك أثر دالٌّ إحصائيًّا في جانب النهج الواثق في التعلم الذي يتضمن مهارات التواصل، والعمل ضمن فريق، والثقة بالنفس، والعزيمة والإصرار، والتعاطف والمعرفة. وتوصلت الدراسة في جانبها الكيفي إلى وجود أثر لاحظه المعلمون والمعلمات في طلبتهم بفعل منهجية P4C)) تمثَّل في مهارة التحدث، ومهارة الاستماع، والتفكير الناقد، ومهارات الحوار، والتفكير التعاوني، والتسامح، والثقة في النفس، والتساؤل، وهذا مما أبهر المعلمين الذين تحسنت ممارساتهم التدريسية كذلك، وذكروا بأنهم سيستمرون في تطبيق هذه المنهجية لما لها من أثر إيجابي في أنفسهم وفي طلبتهم.
وفي ختام الدراسة يدعو الباحثون إلى تبني منهجية P4C)) في الصفوف المستهدفة لما لها من أثر في رفع مستوى تفكير الطلاب المنطقي والناقد ورفع إحساسهم بالمسؤولية والتعاطف وزيادة الثقة بالنفس والتعاون وتنمية مهارات الحوار والتحدث والاستماع والتسامح بالإضافة إلى امتداد أثر المنهجية إلى ممارسات المعلمين والمعلمات التدريسية مما ساهم في تحول المعلمين والمعلمات إلى نموذج تدريسي يركز على التيسير والحوار وإعطاء الطلبة فرصة أكبر للتساؤل وللتعبير عن آرائهم ولأن يكونوا فاعلين في عملية التعلم، وذلك مما سيسهم في تطور المعلمين المهني حيث دعا كولغان وما كسويل(Colgan& Maxwell, 2019) إلى إعادة إدماج التفكير الفلسفي في إعداد المعلم وتطويره لما لهذه الخطوة من أهمية تنعكس على العملية التعليمية والنظام التعليمي بالمجمل في وقت انحدرت فيه فلسفة التعليم عالميَّا -كما يشير المؤلفون. وينوه الباحثون بأن القدرات غير المعرفية التي لم تتأثر بفعل منهجية P4C)) في جانب الدراسة الكمي والتي تتعلق بالنهج الواثق في التعلم تحتاج إلى إجراء المزيد من الدراسات في الدول العربية بمناهج وأدوات بحثية متنوعة للتأكد من فاعلية تأثير جلسات الفلسفة للأطفال فيها حيث إن المقياس المستخدم يطبَّق للمرة الأولى على عينة مكونة من 224 طالبًا وطالبة من ثلاثة صفوف دراسية مختلفة.
المراجع العربية
إسماعيل، سماح محمد إبراهيم (2016). استخدام نموذج استقلالية المتعلم في تدريس الفلسفة لتنمية أبعاد التنظيم الذاتي وقيم التعايش مع الآخر لدى طلاب المرحلة الثانوية. دراسات في المناهج وطرق التدريس، (11)، 79-138.
البلالي، هدى عبد الرحمن عمر (2022). نظام التعليم في المملكة العربية السعودية والإمارات: دراسة مقارنة. مجلة القراءة والمعرفة، ع 253، 429-461. مسترجع من: http://search.mandumah.com/Record/1346319
تونسي، داليا (2019). كتيب إرشادات المعلم: المستوى التأسيسي لتعليم التفكير الفلسفي P4C)). جدة: مؤسسة بصيرة الأفكار للاستشارات التعليمية والتربوية.
التربية الأخلاقية (2024). الفصل الدراسي الأول (ط7). وزارة التربية والتعليم. الإمارات.
البوابة الرسمية لحكومة دولة الإمارات العربية المتحدة (2023). استراتيجية المهارات المتقدمة. استُرجع في ديسمبر/11/2023، من: https://u.ae/ar-ae/about-the-uae/strategies-initiatives-and-awards/strategies-plans-and-visions/human-resources-development-and-education/advanced-skills-strategy
جمعية الفلسفة (2024). الفيلسوف الصغير. استُرجع في فبراير/9/2024، من:
https://saudiphilosophy.com/little-philosoph/?lang=ar
حسين، أحمد ضياء الدين؛ ونصيرات، رائدة خالد حمد (2016). نظرية المعرفة عند الغزالي ومقارنتها بالفلسفات التربوية. مجلة جامعة القدس المفتوحة للأبحاث والدراسات، (39)، 361-396.
حسين، علي (2018). دعونا نتفلسف: كيف استطاع 25 مفكرًا تغيير حياتنا. الدمام: أثر.
حمود، جمال (2015). تدريس الفلسفة في الوطن العربي بين مطالب التغيير ومصاعب الواقع. المستقبل العربي، 37(432)، 44-52.
الزهراني، عماد عباس (2020). تعليم الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية في المملكة العربية السعودية: دراسة استشرافية (رسالة دكتوراه غير منشورة). جامعة الملك سعود، الرياض، المملكة العربية السعودية.
الزهراني، عماد عباس عبد الله (2021). عوائد تعليم مهارات التفكير الفلسفي على قدرات وسمات الطلبة غير المعرفية وأنماطها: مراجعة وثائقية تحليلية. المجلة السعودية للدراسات الفلسفية، مارس (1)، 17-35.
ستانلي، سارة (2023). لماذا نفكر؟ اللعب الفلسفي من سن الثالثة حتى سن الحادية عشرة (ترجمة: نورة آل طالب). دار بصيرة للنشر والتوزيع.
السلطان، فهد بن سلطان (2008)، المنهج الإثنوغرافي: رؤية تجديدية لواقع البحث التربوي. مجلة رابطة التربية الحديثة. 2(4)، 95-144.
ﺍﻟﺸﺎﻣﺴﻲ، ﺧﺪﻳﺠﺔ ﺃﺣﻤﺪ ﺍﻟﺰﻳﺮﺓ (2001). ﺗﺤﻠﻴﻞ ﻣﺤﺘﻮﻯ ﻛﺘﺎﺏ ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﺔ ﺍﻟﻤﻘﺮﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ﺍﻟﺜﺎﻧﻮﻱ ﺑﺪﻭﻟﺔ ﺍﻹﻣﺎﺭﺍﺕ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﺤﺪﺓ ﻓﻲ ﺿﻮﺀ ﺍﻟﻘﻴﻢ ﺍﻷﺧﻼﻗﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻤﺎﻟﻴﺔ ﻟﻤﺠﺘﻤﻊ ﺍﻹﻣﺎﺭﺍﺕ (ﺭﺳﺎﻟﺔ ﻣﺎﺟﺴﺘﻴﺮ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺸﻮﺭﺓ). ﺟﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ، ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ. جمهورية مصر العربية. استُرجع في فبراير/11/2024، من: http://search.mandumah.com/Record/874880
العبد الكريم، راشد حسين (2012). البحث النوعي في التربية. الرياض. إدارة النشر العلمي بجامعة الملك سعود.
عثمان، عيد عبد الغني الديب؛ وعلي، محمد العزب حسن؛ وعبد الرحمن، محمد أحمد؛ وسلام، باسم صبري محمد (2017). النظرية البنائية الاجتماعية: نماذجها واستراتيجيات تطبيقها. مجلة العلوم التربوية جامعة جنوب الوادي، (31)، 167-190.
العرقي، هادية (2003). في بعض عوائق تدريس الفلسفة: عناصر تجربة بيداغوجية 1986-2000. المجلة التونسية للدراسات الفلسفية، (32، 33)، 123-137.
قرار وزاري رقم 194 لسنة 2023، بشأن الخطة الدراسية بمدارس التعليم الحكومي والخاص المطبِّق لمنهاج الوزارة للعام الدراسي 2023-2024، استُرجع في فبراير/23/2024، من: https://www.moe.gov.ae/En/Legislation/Documents/القرار%20الوزاري%20رقم%20-194-%20بشـأن%20الخطة%20الدراسية%202023-2024.pdf
مالك، بيار (2016). الفلسفة وتعليمها. بيروت: دار النهضة العربية.
محمود، سعاد محمد فتحي (2004). اتجاهات حديثة في تطوير مناهج الفلسفة وتدريس الفلسفة للأطفال. إيتراك للنشر والتوزيع.
محمود، سعاد محمد فتحي (1990). تدريس الفلسفة للأطفال في المدرسة الأمريكية. دراسات تربوية، 50 (24)، 191-241.
معهد بصيرة (2024). من نحن. استُرجع في فبراير/9/2024، من: https://baseera.com.sa/عن-معهد-بصيرة/
المقاطي، طعيس مشلش (2018). أساليب التنشئة الاجتماعية. الرياض: مكتبة العبيكان.
منصور، عصام محمد (2017). الفكر التربوي المعاصر والبرجماتية. عمَّان: دار الخليج.
النشار، مصطفى (2018). الفلسفة التطبيقية وتطوير الدرس الفلسفي العربي. مصر الجديدة: روابط للنشر.
النعيمي، محمد خليفة (2019). ما هي المؤشرات الأولى لتدريس التربية الأخلاقية كأول تجربة عربية؟. هارفارد بزنس ريفيو. استُرجع في سبتمبر 4، 2024، من:https://hbrarabic.com/التربية-الأخلاقية/
وزارة التربية والتعليم (2024). عن الوزارة/ استراتيجية الوزارة. استُرجع في فبراير 10، 2024، من:https://www.moe.gov.ae/Ar/AboutTheMinistry/Pages/VisionMission.aspx
اليونسكو (2009أ). الفلسفة مدرسة الحرية (ترجمة: فؤاد الصفا، وعبد الرحمن زرويل). باريس: شعبة العلوم الاجتماعية والإنسانية.
اليونسكو (2009ب). تدريس الفلسفة في العالم العربي (ترجمة: عابدي يمينية). باريس: قسم الأمن الإنساني والديموقراطية والفلسفة قطاع العلوم الاجتماعية والإنسانية.
اليونسكو (2015). حال تدريس الفلسفة في العالم العربي (مجموعة من المؤلفين). المركز الدولي لعلوم الإنسان.
John W. ,Creswell (2018). تصميم البحوث (ترجمة: د عبد المحسن عايض القحطاني). الكويت: دار المسيلة للنشر والتوزيع.
المراجع الأجنبية
Ab Wahab, M. K., Zulkifli, H., & Abdul Razak, K. (2022). Impact of Philosophy for Children and Its Challenges: A Systematic Review. Children (Basel, Switzerland), 9(11), 1671. https://doi.org/10.3390/children9111671
Alzahrani, Emad abbas, & Almutairi, Abdullah. (2023). Philosophy for children in Saudi Arabia and its impact on non-cognitive skills. Childhood & Philosophy, 19, 01–24. https://doi.org/10.12957/childphilo.2023.75190.
Arda Tuncdemir, T.B., Burroughs, M.D. & Moore, G. Effects of philosophical ethics in early childhood on preschool children’s social–emotional competence and theory of mind. ICEP 16, 5 (2022). https://doi.org/10.1186/s40723-022-00098-w.
Austin, Amy Marie (2020). Philosophy for All Children: enhancing knowledge. (Unpublished Doctoral’s Thesis). Victoria University of Wellington, Wellington, New Zealand.
Banks, J. (2014). Philosophy for Children and the California Achievement Test: An Analytic Study in a Midwestern Suburb. Analytic Teaching, 9(2), 7-20.
Clarkson, P., & Webster, M. (2024). The Effect of the P4C Initiative on Primary School Students’ Learning and Social Outcomes. EduBase : Journal Of Basic Education, 5(1), 1-12. doi:10.47453/edubase. v5i1.2020
Colgan, A., & Maxwell, B. (2019). The Importance of Philosophy in Teacher Education: Mapping the Decline and its Consequences.New York: Routledge
Cummings, N. P. (1979). Improving the logical skills of fifth graders. Thinking: The Journal of Philosophy for Children, 1(3/4), 90-92.
Donnelly, Philomena (2005). Young children’s philosophical thinking and ancient proto-philosophy: a study (Unpublished doctoral’s thesis). Dublin City University, Dublin, Ireland.
Evans, C. (1976). Philosophy With Children: Some Experiences and Some Reflections. Metaphilosophy, 7(1), 53–69.
House, Bob (2016). Closing the Achievement Gap with P4C. Creative Teaching and Learning, 6(2), 8-14.
Haas, H. J. (1976). The value of” philosophy for children” within the Piagetian framework. Metaphilosophy, 7(1), 70-75.
JUUSO, Hannu. 2007. Child, Philosophy and Education: discussing the intellectual sources of Philosophy for Children (Unpublished Doctoral Thesis). Oulu, Oulu University Press.
Kyle, J. A. (1976). Philosophy for children. (Unpublished master’s thesis). McGill University.
Loard, Pippa., Dirie., Kettlewell, Kelly. and Styles, Ben (2021). Evaluation of philosophy for children: an effectiveness trial. The Education Endowment Foundation. United Kingdom.
Lipman, M. (2008). Philosophy for Children’s debt to Dewey. In Pragmatism, education, and children (pp. 141-151). Brill Rodopi.
Lipman, M. (1973). Philosophy for children. Montclair: Montclair State College. Retrieved February 29, 2024, from: https://files.eric.ed.gov/fulltext/ED103296.pdf
Lipman, M., Sharp, A.N& Oscanyan, F.S (1977). Philosophy in the Classroom. Montclair State Coll: The Institute for The Advancement Of Philosophy For Children. Retrieved February 29, 2024, from: http://search.ebscohost.com.sdl.idm.oclc.org/login.aspx?direct=true&db=eric&AN=ED137214&site=eds-live
Lipman, M. (1998). Teaching students to think reasonably: Some findings of the philosophy for children program. The Clearing House: A Journal of Educational Strategies, Issues and Ideas, 71(5), 277-280.
Mead, Herbert. G (2011). The Self, The I and Me. In Jodi O’Brien (ED.), The Production of Reality: Essays and Readings on Social Interaction (5th Ed). (pp. 121-125). Los Angeles: SAGE.
O’Riordan, N. (2013). Swimming against the tide: the implementation of philosophy for children in the primary classroom (Doctoral dissertation). University of Hull, Hull, UK.
UNESCO (2011). Teaching philosophy in Europe and North America. Paris: Social and Human Sciences Sector.
Vygotsky, L. (1978). Interaction between learning and development. Readings on the development of children, 23(3), 34-41.
Scholl, R. (2014). ” Inside-out Pedagogy”: Theorising Pedagogical Transformation through Teaching Philosophy. Australian Journal of Teacher Education, 39(6), 88-106.
Schleifer, M., Lebuis, P., Caron, A., & Daniel, M. F. (1995). Philosophy for children teachers as collaborative researchers. Analytic Teaching, 16(1).
Siddiqui, N., Gorard, S., & See, B. H. (2019). Can programmers like Philosophy for Children help schools to look beyond academic attainment? Educational Review, 71(2), 146-165.
Trickey, S., & Topping*, K. J. (2004). ‘Philosophy for children’: a systematic review. Research papers in Education, 19(3), 365-380.
Williams, S. (2016). A brief history of P4C, especially in the UK. Retrieved February 29, 2024, from: https://P4C.com/wp-content/uploads/2016/07/History-of-P4C.pdf
لتحميل البحث العلمي/دراسة أثر تعليم مهارات التفكير الفلسفي بمنهجية P4C في قدرات الطلبة غير المعرفية في المرحلة الابتدائية بدولة الإمارات العربية المتحدة