إدخال الفلسفة للأطفال في قاعات الدرس الجامعية
آشبي بوتنور
المترجمة: سجى الحسيني
المدققة: ريم عائش
ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف
“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”
Butnor, A , Bringing P4C Into the Undergraduate Classroom, Thinking: The Journal of Philosophy for Children, Vol. 17, No. 1&2, pp.65-68
كل ما أعرفه عن التدريس تعلمته من الفلسفة للأطفال.
لست متأكدة من صحة ما سأقوله تمامًا، ولكن الفلسفة للأطفال كانت أساسية لأسلوبي التربوي ومراجعاتي وصقلي؛ حيث برزت علىمسرح الجامعة بعد بضع سنوات قضيتها في تعلم أصول التعليم من العشرات من طلاب المدارس الابتدائية. لقد كان التدريسوممارسته وتحسينه أمرًا محوريًا في تجربتي الجامعية في جامعة هاواي. بدايتي في فلسفة التدريس والتعليم التي طبقتها خلال تجاربيفي الصفوف خلال السنوات الخمس الماضية بدأت مع ندوة “الفلسفة مع الأطفال” للدكتور توماس جاكسون. من الخطأ الافتراض بأنمنهجية الفلسفة للأطفال تنطبق فقط على تعليم أطفال المدارس الابتدائية، بل إن فلسفة التدريس التي نطورها وننفذها هي قابلة للتطبيقفي أي صف دراسي. هذا المقال هو محاولة لنقل الفكرة المركزية للفلسفة للأطفال تعزيز مجتمعات تساؤل متفكرة، ثم تبيان للكيفية التي أدخلت بها تدريباتي وخبراتي ومنهجية الفلسفة للأطفال إلى قاعات الدرس الجامعية.
فلسفتنا في التعليم والتعلم
ما نسعى إليه بالفلسفة في مشروع المدارس هو بناء “مجتمعات تساؤل متفكرة” داخل كل صف دراسي، سواءً أكانت بالمرحلةالابتدائية أو غيرها. فنبدأ بتعزيز نمو مجتمع التساؤل من خلال بناء أماكن آمنة فكريًا للمشاركة المدروسة والاستقصاء. ففي مكانٍ آمنفكريًا يكون احترام الأشخاص والأفكار أمرًا بالغ الأهمية، سيخلق ذلك مساحة لتنوع وجهات النظر. استجواب الآخرين وأنفسنا هو أمرٌأساسي، والاستماع الفعّال له قيمة عالية مثل التحدث تمامًا؛ ولهذا يصبح التعلم تجربة تمكين حقيقية وممتعة. كجزء من هذه البيئةالتعليمية الموجهة نحو المجتمع، فإن مجتمع التساؤل ككل يضع المبادئ التوجيهية التي يجب أن يتقدم بها الحوار والمعايير التيستستخدم في تقييم تساؤلات أفراد المجتمع بدلاً من “المعلم”. وهذا هو المقصود جزئيًا بالمجتمع المتفكر، أي أن التفكر الانعكاسي لايشير فقط إلى القدرة على التّفكر في الموضوع المطروح، ولكن أيضًا في التّفكر وفي المراجعة العملية التي يتم من خلالها تحقيقالتعليم، أو ربما فشله، وفقًا لمعايير المجموعة الخاصة.
أخيرًا يشارك المجتمع بشكل تعاوني في التساؤل، وهو المكان الذي لربما يكون فيه المكون الفلسفي لعملنا أكثر وضوحًا. بالإضافة إلى”معلومات” موضوع معين (وبالنسبة إلى المناهج الجامعية، مواد القراءة المكلفين بقراءتها)، يطور أعضاء المجتمع المهارات اللازمةلنقل التساؤل إلى مستوى أعمق وأكثر دقة من الناحية الفكرية. ومع تقوية المجتمع، هناك توقع بإعطاء أسباب لدعم الآراء، وسيتمالبحث عن أدلة لدعم الادعاءات، وأن تمييز الغموض وما يترتب عليه من توضيح للمعنى ضروري، وأن الافتراضات والتداعياتستتم متابعتها، وسيتم تصور الأمثلة المضادة لاختبار حقيقة الادعاءات المقدمة. إن ممارسة أدوات التفكير هذه، إلى جانب مسؤوليةالفرد عن تفكيره ومشاركته في التساؤل، يحوّل الطلاب -الذين اعتاد الكثير منهم على دور المستمع السلبي- إلى باحثين مشاركيننشطين، ومفكرين عميقين، ومتعلمين مدى الحياة.
قبل التدريس في جامعة هاواي في مانوا، عملت كأستاذة للفلسفة في مشروع المدارس لمدة عامين ونصف. خلال ذلك الوقت، انخرطتفي حوارات فلسفية بشكل أسبوعي مع أكثر من عشرين صفاً في مدارس هاواي العامة، بدءًا من روضة الأطفال وحتى الصفالخامس. في حين أن تكوين مكان آمن فكريًا وممارسة مهارات التفكير الأعلى رتبة لهما أهمية قصوى في التحضير للتساؤل الفلسفي،إذ أن “ممارسة” الفلسفة مع الأطفال تتقدم إلى ما هو أبعد من هذه المتطلبات الأولية. فبالرغم من أن هؤلاء الطلاب الصغار لايتعاملون بشكل مباشر مع النظريات الفلسفية التقليدية، إلا أن موضوعاتهم المختارة كانت مثرية وذات رؤية بعيدة وأظهرت لنا عمق بصائرهم. لا يعد أمرًا غير مألوف أن يتساءل الطلاب عن طبيعة الواقع، والمكان والزمان، ودور الدين، وتعريف السعادة والحياةالجيدة، وهيكلية المجتمع والحكومة، وقيمة العلم والتكنولوجيا، وغيرها من الأسئلة الأخلاقية التي يواجهونها في حياتهم. ولأني عضوًافي هذه المجتمعات الديناميكية، أفادتني كثيرًا في تحسين مهارة الصبر والاستماع الايجابي، وفي التعرف على أفكار الطلاب (مهماكانت ناقصة) ومتابعتها، وفي التكيف مع اهتمامات المجتمع ومهاراته، وفي تصميم مناهج إبداعية لمواضيع مختلفة، وفي المشاركة، والشعور بالرضا عن العمل الجاد فكريًا، والاستعداد لعنصر المفاجأة. مع هذه التجربة من التعلم الحقيقي وفلسفة التدريس هذه، دخلتلأول مرة إلى قاعة دراسية في جامعة هاواي في كانون الثاني (يناير) 2001 – ولم أتوقع من أداء طلاب الكلية أن يكون أقل مما تلقيتهمن فلاسفة المدرسة الابتدائية.
التحديات الخاصة لبيئة الجامعة
الوصف أعلاه لمجتمعات التساؤل التّفكرية هو بالطبع مثالي، لكنه سهل. لكل مجتمع تحديات ووعود فريدة ستشكل كيفية تحديدنجاحاته وتحقيقها، ويجب أن يتواءم المعلم أو الميسر بسرعة مع خصائص مجتمعه من أجل البدء في إرساء الأساس لتكوين هذاالنجاح. وبالرغم من أنني لا أرغب في وضع إطار نمطي لجميع طلاب المرحلة الابتدائية والجامعية، إلا أنني أريد الإشارة إلى بعضالاختلافات التي لاحظتها في العمل مع المجموعتين. فعلى سبيل المثال، وجدت أن الطلاب الأصغر سنًا أكثر انفتاحًا على التغييروالتجريب في حالات التعلم، مما يفسح المجال لمشاركة أكثر إبداعًا وخيالًا في التفكير، وغالبًا ما يكونوا في حريةٍ وراحة للغاية فياستكشاف أفكار جديدة مع بعضهم البعض. في اعتقادي أن هذه الحرية هي نتيجة مباشرة للأمان الفكري والعاطفي الذي أوجده مدرسالصف والذي يعززه باستمرار ميسر الفلسفة. وعندما لا يطوّر هذا الأمان أو يُمارس، فسيكون له تأثيرٌ كبير وملحوظ على جميعأعضاء مجتمع الصف الدراسي.
من ناحية أخرى، غالبًا ما يكون طلاب الجامعات نتاجًا لنوع من البيئة المليئة بالمعلومات والمنظمة بشكل كبير، والتي تتميز بها معظمالمدارس الثانوية في الولايات المتحدة. وبحلول الوقت الذي يدخلون فيه الكلية، يكونون معتادين على هذا النمط من التدريس والتعلم،وقد أتقنوه إلى حدٍ ما واعتمدوا عليه للاستمرار. لقد اعتاد طلاب الكلية على أن يكون الموجّه هو “المعلم،” يمرر المعلومات التي ستعاد كرةً أخرى في الاختبارات والاختبارات القصيرة. إن إمكانية المشاركة في القاعة الدراسية والحوار أمر يثير قلقًا هائلًا في كثير منالأحيان؛ خاصةً لأولئك الذين كانوا يعتبرون الطلاب الأوائل في المدرسة الثانوية.
هناك عامل آخر يمكن أن يعيق التعلم الحقيقي الذي لاحظته هنا في جامعة هاواي – والتي تعد إلى حد كبير “كلية داخليه” للطلابالجامعيين القادمين من مدن متعددة- وهو “عامل الهدوء”. قد يكون العديد من الطلاب في أي قاعة دراسية قد ذهبوا إلى المدرسةالثانوية معًا أو لديهم نوع من الارتباط بطلاب آخرين. في حين أن هذا قد ينتج عنه مجتمع فوري من المتعلمين المشاركين، إلا أنه قديؤدي أيضًا إلى استمرار وضع يكون فيه ضغط الأقران للتوافق حاضرًا، عندئذٍ قد لا تكون الكلية أبدًا المكان التي يخرج فيها الطالبمن منطقة راحته ويستكشف ويتحدى أفكاره وآرائه وأهدافه. بدلاً من ذلك، في أسوأ الحالات، تكون هي مجرد امتداد للمدرسة الثانويةمع كل الزخارف والروابط والتوقعات التي تتماشى معها. لا أريد الادعاء بأن هذه الحالة تمثل حاجزًا نهائيًا أمام أهداف الفلسفةللأطفال، ولكنها قد تكون سمة لكل مجتمع يجب أن يحضره الميسرين من أجل ابتكار وسائل إبداعية تخترق الجدران التي نبنيها حولأنفسنا. وبمجرد أن يبدأ الطلاب في الانفتاح على بعضهم البعض وعلى الموضوع المحدد للمنهج الدراسي، ينتج عنه انبثاق الطاقةالإنتاجية والحماس. بالإضافة إلى التكوين الفريد وتوقعات أعضاء المجتمع، سيكون لكل قاعة درس قيودًا خاصة من شأنها أن تحد ممايمكن القيام به. على سبيل المثال، الوقت، والموضوع، وحجم قاعة الدرس وما إلى ذلك. إحدى شعاراتنا في الفلسفة في مشروعالمدارس هو، “لسنا على عجلة في الوصول إلى أي مكان … لكن هذا لا يعني بالضرورة أننا لن نذهب إلى مكانٍ ما.” ومع ذلك، فيالقاعة الدراسية الجامعية، غالبًا ما نكون على عجلة في الوصول إلى مكان ما، أو على الأقل توجد لدينا توقعات بتغطية مواد معينة.يختلف هذا عن تجربتنا في الصف الدراسي الابتدائي حيث غالبًا ما يتابع ميسرو الفلسفة للأطفال التساؤلات التي يختارها الطلابطالما وجدت مصلحة المجتمع. ويعد تحقيق التوازن بين القيود، التي يفرضها محتوى المنهج الجامعي المطلوب ووقت التساؤلالمفتوح الموجه من الطلاب، مهارة يصعب إتقانها. واعتمادًا على موضوع المنهج الجامعي، وجدت أننا نصبح أكثر إنتاجية حينتختلط المحاضرات بشكل إبداعي، وحين يبدأ الطلاب الحوارات المجتمعية والتساؤلات، وحين تقديم العروض الجماعية، وتيسيرالحوار.
أساليب الفلسفة للأطفال في قاعات الدرس الجامعية
على مدار العامين ونصف العام الماضيين، قمت بتدريس ست مقررات تمهيدية في جامعة هاواي – بدءًا من دراسات المرأة ومقدمةللفلسفة والأخلاق والمنطق – وساهمت في إعداد برنامج منهج واحد. باستثناء مقررات المنطق، حاولت إدخال طرق التدريس وأساليب الفلسفة للأطفال في كلٍ منها بدرجات متفاوتة من النجاح وبمستويات عديدة من التحديات. أسرد إليكم هنا بعض الأساليب التي استخدمتها أثناء تدريسي (والتي لم يتسنَ لي إتقانها بعد).
- بناء المجتمع
أؤمن أن بناء مجتمع قوي هو أحد أهم العناصر في الصف الدراسي الناجح؛ إذ يعتبر المجتمع بمثابة حجر الأساس الذي يقوم عليهالتعلم والتساؤل الجاد. ومن نواحٍ عديدة، يمكن أن يحدث التساؤل من تلقاء نفسه إذا كان المجتمع راسخًا، وينبغي أن يكون هو الهدف الأول والأهم للمعلم أو الميسر حتى وإن بات تحقيقه صعبًا وغير ممكن بالضرورة. وبالرغم من صعوبة تعريفه، إلا أنه من الأفضللنا أن نفهم وندرك بأن وجود الأمان يعني وجود بيئة من المساواة والحرية داخل المجتمع، ولا تكون الصفوف والقاعات الدراسية آمنةإلا بوجود مرونة ورغبة متبادلة لمشاركة الأفكار واستكشافها معًا. من السهل التعرف على الصفوف والقاعات الدراسية الآمنة علىعكس الصفوف غير الآمنة؛ إذ يكون التوتر والتردد والإحراج والارتباك ظاهرًا فيها. ومع استمرار الديناميكيات الغير الآمنة مع مرور الوقت، يصبح بناء المجتمع أكثر صعوبة، وبالتالي يفضي إلى صعوبة الانغماس في الحوار المتشارك.
تتشابه طرق تكوين مجتمع آمن في القاعة الدراسية الجامعية إلى حد كبير مع تلك التي نستخدمها أثناء برنامج الفلسفة للأطفال فيالصف الدراسي الابتدائي. وتكون الخطوة الأولى في تعرف أفراد المجتمع على بعضهم البعض، وفي حين أنه لا يبدو هذا الأمر مهمًا جدًا، إلا أنه يسمح لكل طالب أن يرى ذاته كعنصر هام في المجتمع يحمل مسؤوليات تجاه نفسه أو تجاه المجموعة، وأيضًا، يمكن أنيبدأ المجتمع في التعرف على الخصائص الفريدة لكل عضو وسيبدأ في رؤية كيف يساهم كل منظور بشيء خاص في التساؤلالمستمر. تبدأ هذه العملية بإعادة هيكلة بسيطة لإعداد الصف الدراسي الابتدائي أو قاعة الدرس الجامعي بحيث يواجه جميع الأعضاءبعضهم البعض في دائرة بما فيهم المعلم، يكون تحقيق ذلك ممكنًا عبر تحريك الكراسي أو إعادة ترتيب طاولات الندوة. ويعزز هذا الترتيب النشاط كمسعى مشترك بين المعلم والطلاب، ولا تنحصر غايته على رؤية الآخرين لبعضهم البعض فقط.
أفضل بدء كل درس من خلال إدراج الكرة في التعلم، إذ تسمح للأعضاء بالاستماع إلى بعضهم البعض والبدء في معرفة بعضهمالبعض، ولأن الكرة تحدد من يتحدث في الصف الدراسي، فبالتالي تتحول ديناميكيات الصف من نشاط متمركز على المعلم إلى نشاطمجتمعي. وباستخدام الكرة يمكننا بسهولة تتبع حركتها، وبالتالي متابعة جريان الحديث في الصف. إذا بدت الكرة وكأنها تعود دائمًا إلىالمعلم أو الأعضاء الجريئين الآخرين، فيمكن تنظيم التساؤلات بشكل مختلف لفتح الحوار لمزيد من الطلاب. في حين أن إدراج الكرة هي وسيلة فعالة لإشراك الطلاب في الحوار، إلا أنها قد تشكل عقبة في بعض القاعات الدراسية في الجامعة.
على سبيل المثال، قد يعتبر البعض إدراج الكرة في القاعة الدراسية فكرة سخيفة جدًا أو “طفولية”، فمن المؤكد أن إدراجها في الحوارليس ضروريًا في الجامعة حيث يكون جميع الطلاب ناضجين ومتحمسين للمشاركة في حوارات على مستوى البالغين. لقد واجهتمقاومة في إدراج الكرة في القاعة الدراسية الجامعية، لكنني رأيت أيضًا مدى مساعدة الطلاب على تولي مسؤولية مجتمعات التعلمالخاصة بهم. يسمح لأعضاء المجتمع بإدارة الطلاب الجريئين الذين غالبًا ما يسيطرون على الحوارات في القاعة الدراسية، بالإضافةإلى منح الطلاب الأكثر هدوءًا المنبر ليتحدثوا. في الواقع، قد تعكس مقاومة إدراج الكرة مقاومة تعلم المجتمع نفسه، وأفضل طريقةللميسر لاختراق هذه المقاومة هي بإتيان طريقة تمكن المرء في التخلي عن حذره والاسترخاء بينما ينمو فيه حب التعلم.
- تحمل مسؤولية الحوار
كما وصفت أعلاه، فإن جزءًا مما يعنيه أن يكون لديك مجتمع قوي هو في الشعور بالمسؤولية تجاه ما يجري بداخله. في الفلسفةللأطفال تنتقل هذه المسؤولية من المعلم باعتباره السلطة الوحيدة والتأديبية إلى المجتمع بأكمله؛ كوحدة تقييم ذاتية وتصحيحية. ويعني هذا أن المجتمع مسؤول عن مقدار الأمان المستدام أثناء الحوار بالإضافة إلى جودة ذلك الحوار – مما يعني مدى جودة المجموعة في«أن يكتشفوا ويروا أعمق مما هو ظاهر» لموضوع أو سؤال معين. قد لا يرغب الطلاب دائمًا في هذا النوع من المسؤولية، حتىكمجموعة. وقد لا يرغبون في التعامل مع مشاكل عدم مشاركة الطلاب في الحوارات في الصف، أو الطلاب الجريئين، أو العدوانيين،أو المتزمتين برأيهم، أو جودة الحوار. ومع ذلك، تلك هي بالضبط أنواع المشكلات التي يجب على المجتمع حلها معًا إذا أردنا للصفأن يكون مجتمعًا متسائلاً ومتفكراً.
واجهت كل هذه المشاكل الثلاثة في قاعة دراسيٍة واحدة، وفي وقتٍ واحد. وحاولت حث الطلاب بلطف على التحكم في تعليمهم وفيالقاعة الدراسية وتوجيهها بالطريقة التي يعتقدون أنها ضرورية ويجب استخدامها. ومع ذلك لم يكن لهذا الحث اللطيف أي جدوىواستمر الطلاب في الشعور بالإحباط بشكل متزايد. عندما تظهر هذه الأعطال في مجتمع التساؤل في الظهور، أجد أنه من الأفضلالابتعاد عن روتين قاعة الدرس التقليدي والتركيز بشكل خاص على المشكلات في ذاتها. جعل هذا ممكنًا يكون عن طريق إتاحة منبرٍيمكن للطلاب من خلاله تقييم كيفية سير الحوار والمشاركة في تشكيل اتجاهه، وطرح الأفكار حول الأساليب الإبداعية لإعادة قاعة الدرس الجامعي إلى المسار الصحيح. لقد وجدت أن الطلاب يستجيبون حقًا عندما يظهر المعلم اهتمامًا حقيقيًا بسماع ما سيقولونه. بعدجلسات التقييم هذه، يمكن أن تبدأ القاعات الدراسية في كثير من الأحيان من جديد بتكوين مجموعة جديدة من الأساليب والقواعد للحواروالتي يمكن أن تساعد في إعادة تركيز المجتمع على أهدافهم المشتركة.
- مراجعات نقدية: التقييمات الذاتية والجماعية
بمجرد بناء مجتمع آمن، تلعب التقييمات الدور التالي الأكبر في ضمان نجاح الصف (مهما كان شكله). ويمكن أن تكون تقييماتالمجموعة عبارة عن أنشطة مجتمعية، أو يمكن لها أن تتخذ شكل التقييمات الفردية المكتوبة لكل من المشاركة الصفية والشخصية. ما قبل وبعد العمل الجماعي، مثلًا، أحب أن يقيّم الطلاب -داخل وخارج المجموعات على حد سواء- أداء التعلم والمشاركة الفرديةوالجماعية. أعتقد أن الانتظام هو أهم جانب في التقييمات، ففي العديد من صفوف الفلسفة للأطفال في المرحلة الابتدائية، أصبح الشعور بالأمان في مجتمع التساؤل وعمق الحوار والمرح المصاحب له ومستوى اهتمام الطلاب بالحوار، هو الطريقة المثلى لتقيم جودة التساؤل الفلسفي. ربما لا يكون هذا النموذج ضروريًا في القاعات الدراسية الجامعية، ولكن تخصيص الوقت للتفكر حول عملية التعلمالتعاوني سيكون مفيداً بالتأكيد، رغم صعوبته في بعض الأحيان، للوصول إلى أنواع الأهداف التي تصورتها المجموعة. من حيثتقييمات الطلاب (أي الدرجات)، لا أقوم فقط بتقييم المشاركة في قاعة الدرس والتقييمات الذاتية والجماعية والواجبات الجماعية، ولكنأيضًا أقييم كتاباتهم حيث يمكنني تتبع عمق وتطور تساؤلاتهم الفردية في المجال.
- عمل المجتمع: العمل الجماعي
من المقاييس الجيدة لتحديد كيفية عمل صفك كمجتمع تساؤل متفكر هو تعيين مشاريع جماعية تدور حول التدريس في القاعة الدراسيةوتسهيل الحوار المجتمعي. في الظاهر قد تبدو كمهمة ضخمة للطلاب، إلا أنني أحب الاحتفاظ بها كنشاط وتمرين ختامي نتوّج بهالبرنامج. حيث يكون الطلاب على دراية بالحوارات المجتمعية وقد شاركوا في محاولات ناجحة وفاشلة داخل قاعة الدرس وتفكروافيها، ففي برنامج منهج مقدمة لعلم الأخلاق مثلًا، طلبت من الطلاب اختيار ثلاث قضايا أخلاقية معاصرة أرادوا استكشافها. بعداختيارنا للموضوعات، انقسم الطلاب إلى ثلاث مجموعات بناءً على اهتمامهم بالقضايا المختارة، ثم أصبحت كل مجموعة مسؤولةعن ثلاثة أيام دراسية تغطي خلالها موضوعاتها. كانوا مسؤولين عن تخصيص مواد للقراءة وإجراء البحوث الخارجية وتنظيم الجدول الدراسي وعرض القضية، وتيسير يوم كامل من الحوار على الأقل. لقد استمتعت تمامًا وأنا أشاهد هؤلاء الطلاب وهم يتعلمون منبعضهم البعض ويتلاعبون بنقاط القوة لدى بعضهم البعض، وحين ينخرطون في العصف الذهني لإيجاد طرق تثير اهتمام زملائهم بموضوعاتهم أو حينما يقومون بتيسير الحوار. وكان أكثر ما أسعدني هي المتعة التي أظهروها تجاه إنجازاتهم الخاصة، لا سيما فيقدرتهم على تحمل مسؤولية التفكير حقًا في كيفية جعله مشروعًا جماعيًا حقيقيًا.
الصفوف الدراسية الابتدائية نظير القاعات الدراسية الجامعية
هذا التصوير لتجربتي كأستاذة جامعية حاصلة على تعليم الفلسفة للأطفال لا يهدف إلى رسم صورة ثنائية التفرع للتعليم – حيث يكونالصف الدراسي الابتدائي بيئة آمنة ومحبّة للمرح وحرة وإبداعية لاستكشاف الأفكار العميق، بينما القاعة الدراسية الجامعية هو مكانللمجتمعات التي يمزقها الصراع وغير قادرة على المشاركة فكريًا مع بعضها البعض. في الواقع، يمكن أن تكون كلتا البيئتين سخيفة أوجادة، عميقة أو عادية، محبطة أو مبهجة. ربما تكون إحدى الميزات التي يتمتع بها ميسرو ومدرسو الفلسفة للأطفال في القاعة الدراسية الجامعية والتي يفتقر إليها أحيانًا الصف الدراسي الابتدائي هي رؤية النتائج المباشرة والدائمة. من خلال عملي في مشروعالفلسفة في المدارس، شهدت بدايات تحول في تفكير الشباب وتنمية وعي فلسفي معين من خلال عملية الحوار المجتمعي. ومع ذلك، فيهذا العمل هناك دائمًا إدراك بأننا نزرع بذرة فقط، بذرة يجب رعايتها من خلال مسار تعليم الفرد بمساعدة الآباء والمعلمين، ونستكملبالإيمان بأن البذرة المزروعة (كالحب واحترام الفكر) يمكن أن تعيش بطريقة ما من خلال بيئة تعليمية واجتماعية قد تعمل باستمرارضدها. في المقابل، من خلال العمل مع طلاب الجامعات، أرى تغييرات فورية وقوية في الطريقة التي يرون بها العالم ويفكرون فيه.
من خلال الحوار الذي شهدته مع الطلبة في قاعة الدرس، بل وفي كتاباتهم، يكون تأثير كل من المحتوى والمهارات المكتسبة واضحًاومصقولًا باستمرار. بالطبع، لا أستطيع الجزم بأن حصةً دراسية واحدة ستحولهم جميعًا إلى مفكرين بصيرين أو أفراد مسؤوليناجتماعيًا، لكنني متأكدة أن بوجود أدوات التفكير الجديدة ومهارات التعلم التعاوني سوف يخرجون كأشخاص مختلفين وسيكونونأفضل حالًا بطريقة ما نتيجة لذلك. هذا لا يعني أننا يجب أن ننتظر إلى أن يحين وقت التعليم العالي لتوفير مثل هذه الأدوات. إلى أن نحول جميع أطفالنا إلى فلاسفة ومراقبين اجتماعيين ومصلحين متحمسين، نحن محظوظون بالفرصة التي تمكننا من التعليم والتعلموتغيير حياة بعضنا البعض بشكل إيجابي، وفي أي وقت.
حمل مقالة إدخال الفلسفة للأطفال في قاعات الدرس الجامعية