مفاهيم فلسفية تناسب الأطفال

روبرت فيشر

Fisher,R 1995,Teaching children to think ,Basil Blackwell Ltd, Oxford.

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة : عبير حماد

تدقيق : أمل اسماعيل

أنتج البروفسور “ماثيو ليبمان” برنامجا وموادا وأدوات شاملةً نشرها معهد تطوير الفلسفة للأطفال ((IAPC في كلية مونتكلير تهدف للمساعدة في تطوير الحوار الفلسفي في الفصل الدراسي وتحسينه، إذ تتمحور كل حصةٍ حول تساؤلٍ في مسألة أو أكثر ناتجٍ عن قراءة نص محدد. يقارن منهج المعهد المواد المنشورة التالية (راجع جدول 6.1).

عادةً ما تبدأ حصة الفلسفة للأطفال بقراءة أو بإعادة قراءة جزء من القصة، ويجب أن تكون الحصة طويلة كفاية لتسمح للمجموعة بالاختيار من بين موضوعات محتملة – تتراوح عادةً بين نصف صفحة وثلاثِ صفحات. يمكن أن تتبادل المجموعة الأدوار في قراءة النص – أما الأطفال الذين لا يرغبون بالقراءة فببساطة سيقولون “تجاوز” – أو يمكن أن يقرأ المعلم بينما يتابع البقية. سيكتشف المعلم أثناء قراءة النص ما يثير اهتمام الفصل بسؤالهم أسئلة عامة مثل: “ما الذي تجده مثيرًا للاهتمام/ أو غامضًا في النص (إلى آخره)؟” سيختار الأطفال جوانب اهتمامهم من النص، إذا كانت إجاباتهم بطيئة ادعوهم للاطلاع على ما قرؤوه مرة أخرى ليعرفوا إن فاتهم ملاحظة شيءٍ مثيرٍ للفضول. ويمكن كتابة أسئلة الأطفال على السبورة لتسجيل مرئي لاستجابة المجموعة لنصٍ بعينه، أما كتابة اسم كل طفل بجانب مشاركته فستظهر قيمة اقتراح كل فرد وأهميته. وإن واجه الطفل صعوبة في صياغة سؤاله اسأل الآخرين في المجموعة عن المسائل التي يحاول إثارتها وطرحها. شجّع الطفل على صياغة سؤاله باستخدام كلماته بدلًا من الاعتماد على كلمات المعلم أو استخدام اقتباسات مشتقة من النص.

جدول (6.1) اصدرات ماثيو ليبمان من كتب في برنامج الفلسفة للأطفال (IAPC):

العمر (بالسنوات) الصف رواية الأطفال دليل التدريس المنطقة الفلسفية المنطقة التعليمية
7-5 K-2 إليف (Elfe) جمع أفكارنا معًا التفكير والتأمل اكتشاف التجربة
8/7 3-2 كيو وغسّ (Kio and Gus) التجول في العالم فلسفة الطبيعة تعليم بيئي
9/8 4-3 بيكسي (Pixie) البحث عن المعنى فلسفة اللغة اللغات والفنون
11/10 6-5 هاري (Harry) الاستقصاء الفلسفي المعرفة والمنطق مهارات التفكير
13/12 8-7 ليزا (Lisa) الاستقصاء الأخلاقي فلسفة القيمة التعليم الأخلاقي
15/14 10-9 سوكي (Suki) الكتابة: كيف ولِم؟ فلسفة الفن الكتابة والأدب
16+ 12-11 مارك (Mark) الاستقصاء الاجتماعي الفلسفة الاجتماعية الدراسات الاجتماعية

اختر من القائمة موضوعًا يتفق عليه الجميع لصياغة أساسيات الحوار. يهدف المعلم لأن يكون رئيس الحوار المحايد، ميسرًا ومديرًا للعملية، ولكن مطلوب من المعلم “وإن كان في سلوك مناسب باستمرار أن “يغذي” الحوار بعقلانية”. وعلى المعلم في إطار من الحيادية أن:

  • يشجع الأطفال على الاستفادة من أفكار بعضهم بعضًا.
  • يجعل الأطفال يرون المعاني الضمنية لما يقولونه.
  • يجعل الأطفال مدركين لافتراضاتهم الذاتية.
  • يشجع الأطفال على إيجاد أسباب تبرر اعتقاداتهم وتفسرها.

يمكن استقاء نصوص للحوار من أي مصدر. فيما يلي اختار معلمٌ نصًا من الفصل الخامس لرواية (أليس في بلاد العجائب) ليحاكي الحوار الفلسفي في صفٍ أعمار طلابه بين التسع والعشر سنوات. وأُعطي كل طفل نسخة من المقطع التالي (بسطور مُرقمة):

قالت الملكة: “أتمنى لو باستطاعتي أن أكون سعيدة! إلا أنني لا أقدر على تذكر القاعدة. لابد أنك سعيدةٌ جدًا، تعيشين في هذه الغابة، وتكونين سعيدةً متى ما أردتِ!”

“إلَّا أن الوحدة شديدة هنا!” قالت أليس بصوتها الكئيب، وبتفكيرها بوحدتها انهمرت دمعتان كبيرتان على خدها.

بكت الملكة المسكينة وقالت: “لا تستمري بهذا!” اعتصرت كفّيها بيأس. “قدّري كم أنتِ فتاة عظيمة. فكري بالطريق الطويلة التي قطعتها لتصلي إلى ما أنتِ عليه اليوم. فكري بالوقت. فكري بأي شيء، فقط لا تبكِ!”

لم تستطع أليس ألا تضحك على هذا، حتى في غمرة بكائها ودموعها. سألتْ: “أيمكنكِ أن تمتنعي عن البكاء بالتفكير بالأشياء؟”

“هذه هي الطريقة” أجابت الملكة برد حاسم: “لا أحد يقدر على فعل شيئين معًا كما تعلمين. لنفكر بعمرك كبداية: كم عمرك؟”

“أنا أبلغُ السابعة والنصف من عمري بالضبط”.

أبدت الملكة ملاحظة: “لستِ بحاجة لقول بالضبط، سأصدقك دونها. حسنًا الآن سأمنحكِ شيئًا لتصدقيه: عمري مائة عامٍ وواحد، وخمسة شهور ويوم”.

“لا أصدق ذلك!” قالت أليس.

“ألا تصدقين؟” ردت الملك بنبرة متوسلة. “حاولي مرة أخرى: تنفسي نفسًا عميق وأغمضي عينيكِ”.

ضحكت أليس وقالت: “لا جدوى من المحاولة، لا يقدر المرء على تصديق المستحيلات”.

أجابت الملكة: “أراهن أنكِ لم تمارسي ذلك كثيرًا، حين كنتُ في عمرك كنت أمارس هذا لمدة نصف ساعة يوميًا. والسبب أني آمنت أحيانًا بالعديد من الأشياء كالمستحيلات السبعة قبل الفطور…”

طُلب من الأطفال أن يختاروا شيئًا أثار اهتمامهم في النص أو حيّرهم، وبعد التردد المبدئي لوهلة اقترح أحد الأطفال العبارة “لا أحد يقدر على فعل شيئين معًا”. سأل المعلم: “هل بإمكانك أن تفكر بسؤالٍ حول ذلك؟” أجاب الطالب: “هل بإمكانكِ فعل شيئين معًا؟”، وكُتب السؤال واسم الطالب على السبورة. ظهرت عدة اقتراحات أخرى وحُوّل كل منها إلى سؤال، وتتضمن:

  • هل من الممكن أن يبلغ عمرك المائة؟
  • هل يمكنك أن تصدق أشياء مستحيلة؟
  • ما الذي تعنيه عبارة “تعصر كفّيها”؟
  • كيف لك أن تكون سعيدًا متى ما أردت؟
  • لِم يبكي الناس؟

طُلب من الأطفال أن يختاروا أحد الأسئلة ليستفتحوا به الحوار، إنْ دعت الضرورة كان بإمكانهم أن يصوتوا على هذا إلا أن إجماعًا عامًا كان على محاولة البدء بالسؤال الذي اُقترح في البداية ومن ثم المتابعة وفقًا للترتيب الموجود. وأثناء الحوار الذي جرى لاحقًا كان المعلم مستعدًا ومجهزًا بكل الأسئلة الرئيسة متى ما دعت الضرورة لها لإطالة الحوار من قبيل: “هل من الممكن أن تعيش لتبلغ المائتين من عمرك؟” “هل عندك سبب لذلك؟” “ما الذي تعنيه كلمة من الممكن؟” وأطال المعلم الحوار حول “عصرت كفّيها” محوّلًا إياه إلى تواصلٍ غير شفهي: “لِم نقول أحيانًا أشياء دون استعمال اللغة؟” وأدى سؤال “هل باستطاعتك أن تكون سعيدًا متى ما شئت”؟” إلى “هل تختار أن تكون سعيدًا، غاضبًا، حزينًا؟” “هل هذه أشياء لا تختار فعلها ولا تتحكم بها؟” وبعد التحاور حول طبيعة البكاء: “هل يمكنك أن تقرر ألا تبكي؟” “هل يمكن أن تبكي حينما تكون فرحًا؟” “هل البكاء خطأ للأولاد؟” اتّقد حماس الأطفال لاختيار المعلم موضوعًا، ومستعدًا لهذه الاحتمالية اختار ” أراهن أنكِ لم تمارسي ذلك كثيرًا” ليصيغ منها السؤال: “ما هي الأشياء التي يمكن تطويرها بالممارسة؟” وسأل أثناء الحوار التالي: “هل يمكن تحسين الأشياء بالممارسة؟” وبنهاية الحصة كان حكم الأطفال بـ”أجل” لا لَبس فيه.

تتضمن بعض المسائل المثيرة للاهتمام دومًا المواضيع التالية:

العدل:

سُمِعَ طفلٌ يبدي ملاحظة في الملعب يقول فيها: “الغش مسموح في هذه اللعبة”. إن مفهوم العدل غير محصور أو مقيد بالألعاب، فمنذ اللحظة التي يبدأ فيها الأطفال باللعب مع الإخوة والأخوات أو الأصدقاء يدرك ما هو “العدل” و”الظلم”. هل من العدل أن على بول أن يظل مستيقظًا لوقت متأخر أكثر من سو لأنه أكبر؟ هل يجب أن تنال آمي أكثر لأنها أكبر؟ كيف نقرر ما هو عادل؟

كان لبياجيه الريادة في دراسة تفكير الأطفال الأخلاقي بإخبار الأطفال قصة تتضمن صراعًا أخلاقيًا وبسؤاله لهم عما يجب على الشخصيات فعله ولِم، وفيما يلي أمثلة على هذه القصص:

  1. كان الفتى الصغير جون في غرفته حين نودي لتناول طعام العشاء. اتجه إلى غرفة تناول الطعام، ولكن خلف الباب وُجد كرسي عليه صينية تحمل خمسة عشر كوبًا. لم يكن جون يعلم بوجود الكرسي خلف الباب، لذا فتح الباب وارتطم الباب بالصينية، وكُسرت الأكواب الخمسة عشر جميعها.
  2. كان هناك فتى يُدعى هنري، ومرة حين كانت والدته خارج المنزل حاول أن يحظى ببعض المربى من الخزانة، فتسلق إلى الأعلى على الكرسي ومد ذراعه. لكن المربى كان في بقعة مرتفعة جدًا وبعيدة وما قَدِر على بلوغها. وبينما كان يحاول الوصول إليه اصطدم بكوب. وقع الكوب وانكسر.

وبعد كل زوج من هذه القصص نسأل سؤالين:

  • هل الولدان مذنبان بالدرجة نفسها؟
  • أيهما الولد الأشقى ولِم؟

ولا حاجة للقول بأن كل سؤال من هذه الأسئلة هو مناسبة لحوار مفصلٍ أكثر أو أقل وفقًا لردة فعل الطفل.

ثم طور كولبرغ الرابط بين التفكير والأخلاقيات أكثر، إذ اقترح وجود ست مراحل من الحكم الأخلاقي. وكما حدث في تجربة بياجيه حُكي للأطفال قصصٌ تتضمن معضلات أخلاقية وطُلب منهم التعليق بخصوص ما يجب أن يحدث. فيما يلي القصة الأشهر التي تدور حول مشكلة:

كانت في أوروبا امرأة تحتضر بسبب نوعٍ من أنواع السرطان، وكان هناك دواء واحد اعتقد الأطباء بأنه يمكن أن ينقذها. وكان الدواء نوعٌ من أنواع مادة الراديوم اكتشفه صيدلاني في نفس البلدة مؤخرًا، وكان العقار مكلفٌ في صنعه لكن الصيدلاني وضع تكلفته مئة مرة أغلى مما يكلفه العقار. فكان يدفع عشرين دولارًا لمادة الراديوم ويبيع جرعة صغيرة من الدواء بألفي دولار. قصد هاينز، زوج المرأة المريضة، كل من يعرف ليقترض المال، لكنه ما استطاع أن يجمع سوى حوالي ألف دولار – أي نصف المبلغ المطلوب. وأخبر الصيدلاني أن زوجته تحتضر وطلب منه أن يبيعه الدواء بسعر أرخص أو يسمح له بالدفع لاحقًا، لكن الصيدلاني قال: “لا، اكتشفتُ الدواء وأريد أن أجني مالًا منه”. ولذا أُحبط هاينز وفكر بالسطو على الصيدلية وسرقة العقار لزوجته.

هل يجب عليه أن يفعل ذلك؟ ما الذي يجب عليه فعله؟

إن للاعتقاد بارتباط الأخلاقيات والتفكير ببعضهما بعضا جذوره المغروسة في الفلسفة الغربية، وكذلك هو الرابط بين العدل والعدالة. سار جون رولز في كتابه (نظرية في العدالة) على خطى بياجيه وكولبرغ في اعتقادهما بوجود ثلاثة مراحل للتطور الأخلاقي نمر بها كلنا:

  1. أخلاقيات السلطة.
  2. أخلاقيات الجماعة.
  3. أخلاقيات المبادئ.

ووفقًا لرولز فإن المرحلة الوحيدة الصائبة هي الثالثة، إذ يفترض أن الأطفال غير قادرون على هذه المرحلة ولذا لا يجب عدّهم مسؤولين عما يفعلون.

هناك مشاكل خطيرة مرتبطة بنظرية “المراحل” هذه بتجاهلهم فيها للعملية التعليمية. فهم يتجاهلون الفارق بين القواعد الأخلاقية والأفعال الأخلاقية – فامتلاك قاعدة أخلاقية لا يعني بالضرورة أن مالكها سيعمل وفقًا لها في حالات محددة. تميل القواعد إلى أن تسمو بـ”العدالة” على أنها المبدأ الأخلاقي الأساسي، بينما للمبادئ الأخرى كالاهتمام بالآخرين مثلًا الأهمية نفسها. ويميل الأطفال للتعبير بعقلانية تختلف كل مرة باختلاف القاعدة، فمثلًا أخلاقيًا: (يجب عليك ألا تقتل)، لياقةً: (عليك أن ترتدي ملابسك حين الذهاب إلى المدرسة)، ومن القواعد العملية: (عليك أن تفرش أسنانك يوميًا مثلا). إن تحوّلك لأداة أخلاقية هو عملية تطوير لمعاييرك الشخصية للتفريق بين الأحسن والأسوأ والتعبير عن ذلك الحكم عمليًا. ما الذي ستفعله في وضع معين؟ كان القديس أوغسطين هو من قال إن تعاسة الإنسان وانعدام شعوره بالأمان نابعٌ من قلة المعايير التي يفرق بها بين الجيد والسيء، والصادق من المزيف، والجميل من القبيح. واقترح: “لا وجود لطريقة أفضل لرؤية الحقيقة من طريقة السؤال والجواب”.

تُثار الأسئلة عن العدالة في الحياة الحقيقية وفي كتب القصص كذلك، ويمكن الإشارة إليها منذ عمر مبكر، فمثلًا في قصة الدببة الثلاثة كان صحن الدب الصغير هو الأصغر لأنه كان أصغر دب، هل كان ذلك عادلًا؟

  • هل احتياج الدب الصغير بقدر احتياج الدببة الأخرى؟ لِم؟
  • هل باستطاعته أن يأكل بقدر ما تأكل الدببة الأكبر؟ لِم؟
  • هل استحق ما تستحقه الدببة الأكبر؟ لِم؟
  • هل تعتقد أنه من العدل امتلاك الدب الصغير للصحن الأصغر؟ لِم؟
  • ما المشاكل التي رأيتها قبلًا تشابه تلك التي في القصة؟

الحرية:

يتعلم الأطفال منذ عمر مبكر أن حريتهم محددة بقواعد ومحظورات، وسرعان ما سيكتشفون أن بعض هذه القواعد لا يبدو أنها تُفرض على البالغين كقول الصدق دومًا، ولعل هناك بضعة حالات هم فيها أكثر حرية من البالغين. ما الذي يعنيه أن تكون حرًا؟ ما مدى إحساس أطفالك بالحرية؟ ما الذي سيحدث لو كان الأطفال أحرارًا بالكلية ليتصرفوا كما يشاؤون؟ اسأل الأطفال كيف ستكون المدرسة دون المعلمين. كيف سيضبطون أنفسهم وينظمون يومهم؟ هل سيحتاجون لسن أية قوانين؟

أينما اتجه الأطفال سيرون دليلًا على القواعد التي تشكل حيواتنا الاجتماعية، وتظهر بعض هذه القواعد في اللوحات الإرشادية والتنبيهات: ممنوع التدخين، اسلك هذا الطريق، الزم اليسار، توقف، لا تمشِ على العشب، اخرج، لا تطعم الحيوانات، خاص، ابقَ بعيدًا، ممنوع الدخول. أما القواعد الأخرى غير المكتوبة فتخلق النظام والتوافق: طقوس وجبة الطعام، تحية الناس، الانتظار في الطابور. قواعد اللعب، قواعد عيش حياة طيبة، قواعد السلامة، قواعد القانون.

ساعِد على تسهيل الحوار حول الملاءَمة الاجتماعية بطرح أسئلة مثل:

  • ما هي القاعدة؟ توضيحٌ للفكرة.
  • هل سبق ووضعت قواعد؟ بحثٌ عن أمثلة.
  • لِمَ تسنّها؟ تحليلٌ للأهداف الضمنية.
  • هل هناك قواعد جيدة وأخرى سيئة؟ تصنيفٌ، وسن معايير. ما الفرق بين القواعد الجيدة والقواعد السيئة؟ اطلب من الأطفال طرح أمثلة على كلٍّ منها وقارنها.
  • هل يصح أحيانًا تجاهل القواعد؟ ملاحظةُ الأسباب.
  • لِم يخرق البعض القواعد أحيانًا؟ تطوير أفكارٍ حول الأنانية.
  • هل يخرق الأطفال القواعد أحيانًا؟ لِمَ؟ ما هي عواقب ذلك؟
  • ما هي أنواع القواعد الموجودة؟ مقارنة الأفكار والتفريق بينها. ما الغرض منها؟ ما إيجابياتها وما سلبياتها؟

كانت مجموعة من الأطفال بعمر التاسعة تتحاور حول ما إذا كان خرق القواعد صحيحًا في أي حال، وقرر الأطفال أن بعض القواعد مثل (لا تمشِ على العشب) ربما خُرقتْ، أما القوانين الأخرى كقواعد اللعب فلا يجب خرقها. ونقلت المعلمة الحوار إلى مرحلة أخرى متقدمة بسؤالها عن القواعد التي لا يجب خرقها:

“هل تحتاج لقاعدة تخبرك أن عليك ألا تخرق القوانين؟” “أجل” “أيهّما يُسن أولًا: القواعد أو قاعدة “يجب عليك ألا تخرق القواعد”؟”، “عليك أن تعرف القواعد وإلا فلن تعرف ما القاعدة التي يمنعُ عليك خرقها”.” “لكن هل نحتاج قاعدةً تعلمنا بأن علينا ألا نخرق قاعدة عدم خرق القواعد؟” “أجل”، “ما الذي تحتاجه إذاً؟”، “نحتاج قاعدة تقول يجب ألا نخرق القاعدة التي تنادي بمنع خرق قاعدة “لا يجب أن تخرق قاعدة “يجب ألا تخرق قاعدة بأن علينا ألا نخرق قاعدة عدم خرق القواعد.”، “وهل سينتهي هذا أبدا؟”، “لا… سيستمر هذا للأبد”. 

الصداقة:

من هم أصدقائي الحقيقيون؟ بمن يجب عليّ أن أثق؟ من هم أولئك الذين لا يعدّون أصدقائي؟ هذه بعض الأسئلة المهمة التي تواجه الأطفال بينما يحاولون تشكيل العلاقات الاجتماعية وفهمها. وبغض النظر عن كون هذه الحقيقة وغيرها من المفاهيم مهمة جدًا لصحة الطفل العاطفية فلربما لن توجد أية فرصة في المنهج المدرسي المزدحم ليُساعد الأطفال على التفكير في هذه الأمور بأنفسهم.

فيما يلي أسئلة يمكن أن تحفز حوارًا حول موضوع الصداقة:

  • هل يمكن أن يتحدث الأشخاص مع بعضهم بعضا كثيرًا ولا يكونون مع ذلك أصدقاء؟
  • هل يمكن ألا يتحدث الأشخاص مع بعضهم بعضًا إلا قليلًا ويظلوا أصدقاءً؟
  • هل هناك بعض الأشخاص الذين يتشاجرون دومًا مع أصدقائهم؟
  • هل هناك بعض الأشخاص الذين لا يتشاجرون مع أصدقائهم أبدًا؟
  • هل هناك بعض الأشخاص الذين ليس لهم أصدقاءً؟
  • هل هناك أشخاص لهم أصدقاء لكنهم بالكاد يملكون أي شيء آخر؟
  • هل تثق بصديقك أكثر من أي شيء آخر؟
  • هل هناك أشخاص تثق بهم أكثر من أصدقائك؟
  • هل من الممكن أن تخاف من صديقك؟
  • ما الفرق بين الأصدقاء والعائلة؟
  • هل هناك حيوانات يمكن أن تصبح صديقتك وحيوانات لا يمكن أبدًا أن تصبح صديقتك؟

فيما يلي جزءُ من حوار مع أطفال بعمر الثامنة والتاسعة في مدينة بريزيان في أستراليا أوردته آن مارغريت شارب:

  • سألتُ: هل سبق وكان لك صديق لم يعجبك طيلة الوقت؟
  • أجاب الفصل بصوت واحد “أجل”. قالت كارين: “عندي صديق أتشاجر معه كثيرًا. نتشاجر ونتشاجر ثم نتصالح”.
  • سألتُ: “ما الذي يجعله صديقكِ المقرب؟”.
  • أجابت جودي: “إنها وليس إنه”.
  • “أوه، ما الذي يجعلها صديقتك المقربة؟”
  • أجابت جودي: “إنها تشبهني كثيرًا”.
  • قالت كارول: “أوه، صديقتي المقربة لا تشبهني أبدًا. لذلك أحبها”.
  • سألتُ: “لِم؟”.
  • “لأنها كما أود أن أكون. لا تشبهني. وأشعر بشعور طيب حين أكون برفقتها”.

انتهى الحوار بكتابة الفصل لثمانية معايير للصداقة على السبورة بالإضافة إلى مثال مضاد لكل معيار. وانتقل الأطفال نحو توضيح المفاهيم المهمة بطريقة منظمة (نقدية) وتخيلية (مبدعة).

الحقيقة:

يُعلم الأطفال منذ سنة مبكرة أن يكونوا صادقين، لكنهم سرعان ما يدركون أن الآخرين وتحديدًا البالغين لا يتبعون نفس الوصية. وفي حياتهم اليومية عادة ما يواجهون معضلة “هل يقولون الحقيقة أم لا”. ولربما أخبروا بما يجب عليهم فعله لكنهم لم يفكروا بأنفسهم “لِم” و “لأي سبب” عليهم أن يقولوا الحقيقة. على سبيل المثال:

  • ما الجيد في قول الحقيقة؟
  • لِم يعد الكذب خطأً؟
  • هل الكذب خطأ دومًا؟
  • ما هي الكذبة البيضاء؟
  • هل سبق لك أن كذبت؟ هل باستطاعتك أن تتذكر السبب؟
  • هل كذب أحدهم عليك؟ كيف شعرت حينها؟

عادة ما تكون الطريقة الأمثل لبدء حوار هي بالتفكير بقصة وتأملها. فيما يلي مقتطفٌ من قصة مغامرات توم سوير للكاتب مارك توين وحوار مع أطفال في عمر السابعة والثامنة أثارته القصة:

(مُزِّق كتاب المعلم. عرف توم أن صديقته بيكي ثاتشر هي المسؤولة. يصر المعلم على معرفة الجاني وضربه أو ضربها ضربًا مبرحًا).

” من مزق هذا الكتاب؟”

عمّ الصمت المكان، باستطاعة المرء أن يسمع رنّة الدبوس حين يُلقى. استمر الصمت، وفتش المعلم الوجوه وجهًا وجهًا لإيجاد علامات الذنب. “بنجامين رودجيرز هل مزقت الكتاب؟”

إنكار. صمت مرة أخرى.

“جوزيف هاربر هل مزقته؟”

نكران آخر. تزايدت جدة ارتباك توم أكثر فأكثر تحت تأثير التعذيب البطيء لهذا التفتيش. مسح المعلم وجوه الطلاب، فكر لبرهة، ثم اتجه ناحية البنات:

“آمي لاورينس؟”

إيماءة بالرأس.

“غرايس ميلر؟”

العلامة نفسها.

“سوزان هاربر أفعلتِ هذا؟”

نفي آخر.

كانت الفتاة التالية هي بيكي ثاتشر. كان توم ينتفض من رأسه وحتى قدميه من التوتر، والإحساس باليأس من الوضع.

“ريبيكا ثاتشر”، حدق توم بوجهها، كان شاحبًا من الرعب: “هل مزقتِ – لا انظري إلى وجهي- (ارتفعت يداها استعطافًا) هل مزقتِ الكتاب؟”

لمعت فكرة كالبرق في رأس توم. قفز واقفًا على قدميه وصرخ: “أنا فعلتها!”

المعلمة: هل كان توم على صواب حين كذب؟ ما الذي تعتقدونه؟

الطفل الأول: ربما… أظن أنه كذلك إن كان يحبها بهذا القدر.

الطفل الثاني: إن لم يكن يحبها فما كان عليه… أو ما كان ليفعل.

الطفل الأول: لستُ متأكدة إن كان ما فعله صحيحٌ أم خطأ. ما كنتُ لأفعلها إلا لزوجتي.

الطفل الثاني: لا يعد كذبًا خطأ إن كان بدافع اللطف والحنان..

المعلمة: هل كونك لطيف يعني أن الفعلة صائبة؟

الطفل الثاني: حينما يكون الفعل عن وفاء.

الطفل الأول: هذا ما عنيته.

الطفل الثالث: أنت تفعل لأجل أصدقائك وعائلتك ما لن تفعله للآخرين.

المعلمة: أنت تعني لأنهم يعنون لك عليك أن تتصرف بطريقة مختلفة معهم؟

الطفل الثالث: أجل… نوعًا ما. سيفعلون لأجلك نفس الشيء.

المعلمة: هل تعتقدون أن بيكي ثاتشر ستفعل الشيء نفسه لأجل توم؟

طفل: ستفعل إن كانت تحبه.

الطفل الثاني: أراهن أنها لن تفعل… لربما لم تكن تحبه.

الطفل الأول: إنه نوعٌ من الاختبار.

المعرفة:

كيف تعرف أن أمرًا ما صحيحٌ؟

زرع صف حضانة لتوه بذور الخس حين سأل إيدي: “… كيف نعرف أنه خس حقًا؟” أجابت المعلمة: “مكتوب في الملصق بأنه خس” سأل إيدي: “ماذا لو أنها طماطم في الحقيقة؟”

استخدم غاريث ماثيوز هذه  الفقرة كافتتاحية لحوارٍ مع صف تتراوح أعمارهم بين ثماني سنوات وإحدى عشرة سنة. أُحضِرَ مغلّفا بذور أحدهما يحوي بذور الخس والآخر يحوي بذور الجزر، ومرر المغلفانِ الموضوعين في ظرفين بلاستيكيين شفافين بين الأطفال. ما هو الشرط الوافي لقول: “أعرف أن هذه بذور خس” ؟ ليكشف الحوار الذي تبع هذا السؤال الفرق بين التأكد (المعرفة الحقيقية) والاعتقاد القوي (أكثر أو أقل معرفة). وعكَس حوار الأطفال الجدال القديم منذ عقود في حقل الفلسفة حول ما يُسمى بنظرية المعرفة (الأبستمولوجيا) الذي يجادل في الشروط والضرورات الكافية للمعرفة. هل هناك معرفة حقيقية برغم وجود احتمالية الخطأ؟

إحدى الجوانب المشكلة الأخرى الفاتنة للأطفال هي عالم الأحلام. وقد فتن الفيلسوف الصيني القديم جوانغ زي الذي حلم مرةً أنه كان فراشة وتساءل لعله كان فراشة تحلم بأنها إنسان. وبعد قرون لاحقة وصف القديس أوغسطين حلمًا حين كان يحاول إقناع رجلٍ ما أن الإنسان ما هو إلا نسيج مُلفّقٌ من حلم. وفي رواية لويس كارول “أليس في بلاد العجائب” يقترح التوأمان أن أليس لا تبكي دموعًا حقيقية لأنها في حلم.

أثار تيم البالغ من العمر ست سنوات سؤالا: “بابا كيف نتأكد من أن كل شيء حولنا ليس حلمًا؟” احتار والد تيم مؤقتًا، وأجاب بجوابٍ مثالي ذي نهاية مفتوحة: سأل تيم كيف يعتقد بأن جواب والده سيكون؟ وبعد صمت قصير أجاب تيم: “حسنًا لا أعتقد أن كل شيءٍ حلم؛ لأن الناس في الحلم لا يسألون بعضهم بعضًا إن كان هذا حلمًا”. ردٌ نابعٌ عن تفكير فلسفي عند طفل صغير كان الفلاسفة القدماء سيفخرون به.

يحب الأطفال أيضًا أن يتحاوروا في القضايا الهامشية: هل فرانكشتين إنسان آلي أو بشري؟ إن هطلت قطرة مطر واحدة فهل هذا يعني أنها تمطر؟ هل الكلب الذي يملك أنفًا رطبًا هو كلبٌ رطب؟ هناك اختلافات في الدرجة التي يمكن أن يثيرها حوارٌ ما (فمثلًا: تختلف أطوالنا جميعًا) واختلافات في النوع (لربما كان وزن الأشخاص الذين هم بنفس الطول مختلف ومتنوع). هل هو الحساء نفسه إن بيع في علب مختلفة؟ إن إحدى قيم التساؤل الفلسفي من هذا النوع هو أنه يتحدى التفكير المتحجر، وتصلب التصنيفات العقلية، والبقاء عالقًا في أخدود الأفكار الضيق نفسه.

هل أنت نفس الشخص الذي كنته حين وُلدت؟ لو فقدتَ إحدى ذراعيك أتظل نفس الشخص؟ إذا استطعت أن تغير جزءًا من جسمك كم باستطاعتك أن تغيّر منه وتظل أنت نفسك؟

في قصة ساحر أوز غُيرت كل أجزاء “تين” الرجل الخشبي ولم يكن للفزاعة دماغ، إن بدّلتَ أنت وصديقك أدمغتكما من سيكونُ أنت؟ يمكن تقديم الأطفال لمسائل تتعمق في عقل الإنسان والهوية الإنسانية وعرضها عليهم، فهم مستقبِلون للأفكار الجديدة، لمواضيع جديدة للتحدث عنها، لأحاجٍ جديّة، ولا تنقصهم القدرة على التحاور حول المسائل الجوهرية، وحدها الفرص هي ما ينقصهم.

الحكم:

هناك مجموعة متنوعة من المسائل الأخلاقية التي يمكن أن يمارس فيها الأطفال مهارة الحكم. هل يحق لك أن تأخذ ما ليس لك؟ هل تتفق مع مبدأ “من يجده أولًا يحتفظ به”؟ هل يصح في أي حال أن تقتل إنسانًا آخر؟ هل يمكن أن تحب الحيوانات وتأكلها في الوقت نفسه؟

يتمسك الأطفال – كالبالغين – عادةً بآراء أخلاقية لأسبابٍ غير مدروسة، ويتضمن الحوار كشف المرء لآرائه ووجهات نظره للآخرين ليتفحصوها ويحكموا عليها. وأحيانًا يتضمن ذلك التمسك بآراء مختلفة عن آراء المجموعة – كما حدث في هذا الحوار بين الكاتب باتريك كوستيللو (ب ك) وبعض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثامنة والحادية عشرة:

ب ك: ما رأيكم بذلك السؤال عن إطلاق النار على طيور التدرج؟ هل ذلك شيئًا علينا جميعًا فعله؟ أتعتقدون ذلك؟

راسل: لا.

ب ك: من يقول أجل؟

(لم يرفع أيّ أحدٍ يده)

ب ك: من يعتقد أنه شيءٌ علينا ألا نفعله؟

(رفع خمسة عشر طفلا أيديهم. ريتشارد لم يرفع يده)

ب ك: هل يعني هذا يا ريتشارد أنك تعتقد أن إطلاق النار على طيور التدرج أمرٌ حسن؟

ريتشارد: … إذا كنت تحب الدجاج فلربما تطلق النار على إحداها ومن ثم يعجبك الأمر فتستمر.

ب ك: إذن، أنت تعتقد أنه أمر لا بأس بفعله؟

ريتشارد: نعم ولا.

ب ك: لِم لا إذن؟

ريتشارد: لأن ذلك ليس موسمها، أنت تطلق النار عليها … غير مسموح لك فعل هذا.

ب ك: إذن، هل يعني أن الأمر يصبح سيئًا إن لم يكن موسمها؟

ريتشارد: أجل؛ لأنك لربما ذهبت، والمزارعون…

ب ك: ما بهم المزارعون؟

رتشارد: يطلقون النار عليها أحيانًا.

(تعليق: يعادل ريتشارد بين ما هو صحيح/ خطأ أخلاقيًا بما هو قانوني/ غير قانوني)

ب ك: ما هو رأيك بإطلاق النار على طيور التدرج يا ميلاني؟

ميلاني: أعتقد أن أي شخص يطلق الناس على طيور التدرج هو قاسٍ.

ب ك: لِمَ هو قاسٍ؟

ميلاني: لأنه ماذا سيكون رأي ريتشارد أو أي شخص آخر يصيد طيور التدرج لو أن طير التدرج أو غيره أطلق النار عليه؟

لا تجادل ميلاني هنا برأيها من نقطة مشروعية الأفعال وقانونيتها ولكن من منظور كوني للأخلاق، أي القاعدة الذهبية التي تنص على أن علينا أن نعامل الآخرين كما نحب أن يعاملونا. وهي في حقيقة الأمر توسع نطاق القاعدة من البشر إلى غير البشر من الحيوانات لتبرر حجتها برفضها لإطلاق النار على طيور التدرج. ومسألة حقوق الحيوان عادة ما تتسبب بانخراط الأطفال في حوارات متّقدة.

يعيش الأطفال في العالم الحقيقي بما فيه من عمل، وتواصل، وإعلام، وحركة وتنقل، واحتياجات اقتصادية وسياسية، وهم يهتمون به اهتمامًا إيجابيًا وضاجًا بالحياة؛ لأنه عالمهم أيضًا. وبقدر ما يتفاعلون مع القصص ويستمتعون بلعبة “التظاهر” فإنهم ليسوا سجناء أرض الخيال، فهم مهتمون بما يقدر أحدث جهاز حاسوب على فعله، عما تتمحور حوله أخبار اليوم وما معنى أن يكون للمرء الحق في شيءٍ ما. ويمكن أن يمنح الإعلام والتغطية اليومية للسياسة والأحداث الحالية محفزات مستمرة للتحدث والتحاور، إذ يكتسب الأطفال كمًا هائلًا من المعلومات من التلفاز ومن الصحف كذلك، والصور والمفردات التي يمكن أن توظف كنماذج للوصف، والتحاور والتحليل. لعل الطفل غيرُ قادر على إجابة السؤال “ما هي السياسة؟” لكنه قادرٌ على التحاور حول المعلومات والأفكار المرتبطة بالنشاط السياسي: ما معنى أن تكون حرًا، وتصوّت، ويكون لك حقوق، وتنشئ أحزابًا، وتعامل الناس بعدل، ويكون لك سياسات مختلفة. المعرفة بالسياسة فعلُ بناءٍ للمفاهيم يعتمد على دور المتعلم الفعال والنشط، ففهم الأطفال ينمو تدريجيًا وهم يحتاجون مساعدة ومساندة لتطوير أفكارهم عوض الاستناد على المفاهيم الضبابية غير الواضحة.

أظهر بحث أوليف ستيفنز حول تفكير الأطفال بالسياسة أن الطفل البالغ من العمر سبعة سنوات لا يواجه أي مشكلة في الانضمام لحوار سياسي، وأنه قادرٌ على إظهار وعي عميق بالمسائل المعقدة جدًا. يميل الأطفال في هذه المرحلة لأن يكونوا متمحورين حول ذواتهم في اهتماماتهم وأنانيّين. حين طُرح سؤال “ما الذي يمكن أن يفعله رئيس الوزراء السيء؟” أجابت إحدى الفتيات قائلة: “اختلاق الأشياء حتى لا يخدعه أيّ أحد” أما الأطفال في سنة الثامنة فهم أقل تمحورًا حول الذات، فحين طرح ذات السؤال أجابت فينس: “يعلق لوحات مكتوب فيها: أبقِ بريطانيا فوضوية!”. أما عمر التسع والعشر سنوات فهم أكثر قدرة على خوض حوار ثابت ومدعوم، وعلى خلق بُنى اجتماعية. وحين تكون التفسيرات غير منطقية فهذا يعني عادة نقصًا في المعلومات الحقيقية. يصبح الأطفال في سن الحادية عشرة أقوى في المناظرة، مسترسلين بأريحية في تفاصيل ما يثير اهتمامهم، برغم حاجتهم للمساعدة في المحافظة على ثبات حبل أفكارهم وتسلسله.

اكتسب البالغون معظم لغتهم السياسية في سن التاسعة، وكذلك وعيًا بمشاكل العالم كالمجاعة، والأمراض والفقر، وحقوق التجارة، والمنافسات العالمية. ويبدأ بعض الأطفال بالتمتع بالتزام شديد بالمثاليات الاجتماعية. كما يبدأ أيضًا تصادمهم بالمفاهيم المعقدة العسيرة. كما أبدى طفل في عمر الحادية عشرة ملاحظة: “سأجعل العالم أكثر تحضرًا فيما يخص الحقوق”. وأحد نقاط التحاور الممتعة لمن هم في عمر الحادية عشر هو سؤال ما إذا كان يفترض بالأطفال أن يصوتوا أو هل يجب أن يكون تصويتًا عائليًا، وفيما يلي بعض الإجابات:

جايمي: علينا أن نصوت – أعني نحن الأطفال. لا يُسمح لنا بالتصويت حتى نبلغ الثامنة عشر، تقول الحكومة هذا. لكني أعتقد أنه يجب أن تتاح لنا مساحة أكبر لقول رأينا بشأن السوق المشتركة وغيرها. لربما اقترحنا اقتراحات خطأ ولكننا على الأقل حاولنا أن نكون أكثر نضجا على طريقتنا.

جانيت: علينا حقًا أن نتعلم عن الحكومة في مادة ممتازة عن العالم. كل ما يحدث والثقافة والحياة الاجتماعية، وكل ما يشبه ذلك، جميعه.

يتمتع الأطفال برغبة جارفة عارمة للتعلم عن “جميع الأمور” وليتناسبوا مع عناصر تجربتهم من حقائق، وصور وآراء معًا، وبفعلهم هذا سيكونون قادرين على بدء البحث والسعي الذي نخوضه جميعًا.

وما ينطبق على السياسة ينطبق على الدين، فللأطفال حاجة ملحة للسؤال والاندهاش من أشد الأشياء غرابة. وتبدأ الفلسفة بالحيرة وما هو مُلغز كالسؤال الذي طرحه طفل في السابعة من عمره: “ما الذي كان يفعله الإله قبل أن يخلق العالم؟” سبق وقال فيتغنشتاين: يشبه المفكّرُ الرسام الذي يهدف لتمثيل وعرض كل العلاقات الباطنية والداخلية بين الأشياء كثيرًا”، ويحاول الأطفال طيلة الوقت خلق هذه الروابط والعلاقات. اقتبس بياجيه سؤال ابنته الصغيرة: “بابا هل هناك حقًا إله؟” أجاب الأب بأنه غير متأكد، فأجابت الابنة: “لا بُدّ أنه موجود؛ لأن له اسمًا”. لأن له اسم تعني أنه لا بُدّ موجود؟ إن الحياة شيءٌ لا نفهمه بالكلية، ومعظم ما نخبر الأطفال به أو نحاول شرحه لهم هو محل تساؤل ويتحدى العقل. تُكتسب مهارة التفكير من التفاعل الاجتماعي في الجدال؛ إذ يتعلم الأطفال في النهاية كيف يستخدمون الحجة بمعزل عن الآخرين رغم أنها تكتسب في البداية من التفاعل مع الآخرين. والتعبير عن الاختلاف في الآراء بأريحية وانفتاح هو علامة على النمو، وهي تفيد التحاور والمناظرة في توضيح الأفكار بالتحدث. كما قال مارك توين مرةً: “ليس تشابهنا ما يجعل الأحصنة تتسابق، بل اختلاف آرائنا”.

كانت مجموعة من الأطفال بعمر العاشرة تتحاور حول دور الفتيان والفتيات في القصص، وأكد أحد الفتيان أن الفتيان أفضل من الفتيات.

سألت المعلمة: “أتعني في الفصل الدراسي كما في الملعب؟”

ردّ الفتى: “بالطبع، الفتيان أفضل في ممارسة الرياضة بجميع أنواعها من الفتيات”.

سألت المعلمة: “بجميع أنواعها؟”

ردّت فتاةٌ مجادِلةً :”لا، هناك رياضات الفتياتُ فيها أفضل من الفتيان”.

ردّ فتى آخر: “لا، حتى في رياضات البنات هناك فتيان أفضل من الفتيات”.

اعترضت فتاة أخرى: “لكن هناك فتيات أفضل من معظم الفتيان حتى في رياضات الفتيان”.

بعد الجمل الاستهلالية الكاسحة اعترف الأطفال بالتدريج أن عليهم أن يتحدثوا بحذر أكثر وبموضوعية. هناك حاجة لتقديم دليل ووزنه، وحاجة لمشاركة الأفكار وتجربتها ودراستها. حين قال سقراط بأن الحياة عديمة التجارب لا تُستحق أن تعاش كان يعني وجود مأساويةٍ في السماح لأفكارنا بأن تظلّ في حالة صراع معلق. إن جزءًا من جدوى التعليم هو أن يجعلنا واعين بالمشاكل الحالية وصراعات الأفكار وليرينا طرقًا بديلة للتعامل معها. وبالحوار سيتعلم الأطفال كيف يصبحون أكثر منطقية، ونقدية، وتأملًا، وتفلسفًا. يمكن أن يساعدنا الحوار في التصحيح الذاتي لتفكيرنا ولتعريف هذه الأفكار الضبابية والـمُعيقة بحدة أكثر، إنه يمنحنا وسائل قوية لحل المشاكل. كما قال ليبمان: “إن الطفل الذي اكتسب إتقانًا لمهارات التفكير ليس مجرد طفل نضج، بل هو طفل تزايدت قدرته الدقيقة على النضج والنمو”.

المصدر : Teaching Children to think book ,Robert Fisher

حمل مقالة مفاهيم فلسفية تناسب الأطفال