لنذهب في زيارة

تعلم إصدار الأحكام في مجتمع التساؤل في الصف الدراسي

آن مارغريت شارب

صدرت في شهر ديسمبر من سنة 2006 عن معهد تحسين الفلسفة للأطفال

Public Domains

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة: عبير الحمّاد

تدقيق: أمل إسماعيل

المقدمة:

إن الاعتقاد بإمكانية المرء التفكير بما هو خير لأولئك المختلفين عنه دون إدراكٍ لما يرونه خيرًا لهم ويؤمنون به لهو خطأٌ فادح، وحكمٌ ضعيف جدًا. وقد علّمنا التاريخ المعاصر هذا الدرس بالطريقة الصعبة؛ فكم خسرنا أرواحًا كثيرة في حروب اندلعت بلا طائل!

بالنقاش وحده، يمكننا التعرف على ما يعتقد الآخرون بنفعه لهم؛ إذ على المرء أن يقضي وقتًا يتحدث فيه مع الآخرين وينصت لهم بيقظة وانتباه ليفهم كيفية رؤيتهم للأشياء، وما الذي يعدونه قيمًا، ولم يفكرون بهذه الطريقة؟

في حال غاب عنك معرفة كيف سيروي الآخرون قصتهم تجاه موقفٍ معين، وكيف يرونك أنت بمنظورك، وحصيلتك الثقافية، سيستحيل فهم ما هو نافع وخيّر للفرد الآخر، ناهيك عن الشعوب برمتها.

هل كُتب علينا أن نعيد الخطأ نفسه مرارًا وتكرارً؟ أو كما غنى بيت سيغر في إحدى أغنياته: “متى سنتعلم يومًا؟”، وما الذي يتطلبه الأمر لنتعلم كيف نطلقُ حكمًا أفضل حين يتعلق الأمر بالآخرين؟

يخبرنا بيرس(1) بأن السمة المميزة للتفكير النقدي الناجح هي الاستعداد والقدرة على تصحيح الذات. ولكن لتصحيح ذواتنا نحتاج لأكثر من إعادة التفكير بالمنشآت الاقتصادية، والسياسية، والعسكرية والاجتماعية؛ علينا أن نعيد التفكير بالتعليم عالميًا وإعادة بنائه، محوّلين الصفوف الدراسية التقليدية إلى مجتمعات تساؤل.

 “إن التعليم هو النقطة التي نقرر عندها إذا ما كنا نحب العالم كفاية لنتولى مسؤوليته، وفي نفس الوقت نحميه من الدمار الذي سيكون محتومًا – بغض النظر عن التجديد، وكل جديدٍ شابٍ قادم. كما أن التعليم أيضًا هو حين نقرر إذا ما كنّا نحب أطفالنا حبًّا كافيًا لئلا نطردهم من عالمنا ونتركهم لإرادتهم، ولا لننزع من أيديهم فرصة فهم ما هو جديد، فهم ما لم نره نحن، ولكن لنجهزهم مسبقًا لمهمة تجديد عالم مألوف. “

إذا سأل أحدهم لِم علينا فعل هذا؟ فلربما تلقى إجابات وافرة لا تعد ولا تحصى: لمساعدة الأطفال على التفكير الإبداعي، والنقدي والمهتم، ولمساعدة الأطفال على إتقان مهارات التفكير المشترك، والنقاش والتساؤل، ولمساعدة الأطفال على أن يصبحوا واعين بالبعد المنطقي، والجمالي، والأخلاقي للحياة اليومية، ولمنح الأطفال مساحة عامة يقدرون فيها على تعليم مشاعرهم وتثقيفها، ولمنح الأطفال ممارسة حية لجانبٍ حياتي هو بطبيعته تعددي، ومتنوع ثقافيًا، وديموقراطي، وليصبحوا واعين بالبعد الفلسفي للتجربة الإنسانية.

تُشكل كل هذه الإجابات جزءًا من هدفٍ أكبر ألا وهو: مساعدة الأطفال على إصدار أحكام أفضل حين يتعلق ذلك بالأشخاص الآخرين، وبالديانات الأخرى، وبالثقافات الأخرى، وبالدول والشعوب الأخرى.

لكن ما الذي يعنيه إصدار حكم أفضل؟ كيف يتقن المرء ذلك؟ هل هناك نقاط محددة علينا تطبيقها قبل بلوغ الحكم الأفضل؟ هل بإمكاني فعل ذلك بنفسي أو هل أحتاج الآخرين؟ ما هو دور النقاش في هذه العملية؟ ما مدى أهمية مشاركتي الآخرين منظورهم؟ الآخرون: من جنس آخر، ولغة أخرى، وثقافة أخرى، وعقيدة أخرى. ما مدى أهمية تعلمي الانتباه لتفاصيل حيوات الآخرين الدقيقة لأفهم نظرتهم للعالم؟ هل من المهم أن أفهم ما يعتقدون أنه جيدٌ، قيّمٌ، مرغوب؟ هل يهم أن أفهم ما يغضبهم، ويوترهم، ويحزنهم أو يجرحهم؟ وحتى لو كنتُ أرغب بفهم ذلك كله فكيف السبيل إلى ذلك؟ زد على ذلك: كيف لي أنا باعتباري معلمًا أن أساعد أطفالي على بلوغ ذلك بفاعلية ونجاح؟

إن إصدار الأحكام الجيدة كأيّ فنٍّ آخر لا يمكن تعليمه مباشرة. (Smith,p.68)

أيًّا يكن فإن معلمًا مؤهلًا في مجتمع تساؤل في صف دراسي يمكن له أن يُوجد الظروف المناسبة ليمارس الأطفال المهارات المتضمنة في إصدار الأحكام الجيدة. والذهاب في زيارة هو ما يفعله الأطفال في مجتمع كهذا حين يتشاركون آراءهم ووجهات نظرهم، ويحاولون بناء بضعة جسور بين أشكال فهمهم المختلفة لوضع ما. أنت تتعلم وضع نفسك مكان الآخر ورؤية العالم بعينيك ولكن بمنظوره. (Young-Bruehl in Gordon, p227)

إنها مهمة بطيئة ومتزعزعة: فأحيانًا عليك أن تبني على أفكار الآخرين، وأحيانًا عليك إيجاد البدائل، وطرح أمثلة مضادة، واستطلاع الفرضيات، وصياغة مجازات جديدة والسؤال الدائم عن الأسباب وتمحيص الأسباب الـمُعطاة نقديًا. وأحيانًا ينجح الربط بين وجهات النظر المختلفة وأحيانًا لا. لكن هذا التساؤل النقاشي – بكل ما فيه من إبعاد، وربط، واستدلال، وحوار، وحكاية القصص – جوهري في تعلم كيفية إصدار الحكم الجيد. ودون هذا كله لن يقدر الأطفال على حكاية قصة الحوار والنقاش المشترك الذي غير تفكيرهم ومشاعرهم، ووسع إدراكهم حتى وجودا أنفسهم يصدرون أحكامًا حاذقة ومهتمة بالآخر أكثر، أكثر إلمامًا وحكمة، أي بعبارة أخرى: أحكامًا أفضل.

التراجع، التخيل والذهاب في زيارة

اعتقدت حنة آرنت أن بإمكاننا إيجاد جوابٍ جزئي عن كيفية إصدار الحكم الجيد في كتاب كانط نقد ملكة الحكم. وبالرغم من أن كانط يقيد نفسه بالحكم الجمالي إلا أنها ترى إمكانية استخدام ما قاله لفهم أي حكم. وفي كتابه هذا يخبرنا كانط عن أهمية التراجع للخلف للتفكر والتبصر – بينما وفي نفس الوقت علينا وضع وجهات نظر الآخرين في اعتبارنا. واعتقد أن الناتج النهائي – أي الحكم – هو ما سيصدر عن “أي” شخص في نفس الحالة..

لكن بالنسبة لحنّة حين يجد الشخص نفسه مضطرًا لإصدار حكم فحينها لا يكون أبدًا مجرد “أي شخص”؛ فالشخص الذي يحكم هو نفسه بتفرد في سياق محدد، وزمن محدد، ومكان محدد. وبالنسبة لحنة شابَ فهم كانط نقصٌ ما؛ فلإصدار حكم جيد برأيها على المرء أن يقوم بعملٍ فعّال، وهي تُسمي هذا النشاط الذهاب في زيارة. والذهاب في زيارة يعني الدخول المتعمد والمقصود لعوالم الآخرين المختلفين أصحاب وجهات النظر المختلفة، والإنصات اليَقِظ لقصصهم، ومحاولة معرفة وجهة نظرهم التي سيتبنونها، وكيف أنهم لربما رأوك ورأوا وجهة نظرك غريبة.

وهناك المزيد: بفعل هذا على المرء أن يبتكر؛ أن يحكي قصة الزيارة لنفسه بكل ما فيها من تعقيدات قبل أن يتوصل لأي حكم. وكلما اتسع مدى وجهات النظر زادت إمكانية كون الحكم شاملًا ومُطّلعًا.

كلما استعرضتُ وجهات نظر الآخرين في عقلي بينما أتأمل مسألة معينة، وكلما كانت مقدرتي على تخيل مشاعري وكيفية تفكيري لو كنتُ في ذلك الموقف، قويت قدرتي على التفكير الاستعراضي وكان حكمي النهائي أكثر انضباطًا. (BPF,241)

اعتقدت آرنت أن ابتكار أماكن عامة حيث يقدر المرء فيها على تداول المشاكل الشائعة بفعالية لتتعمق وجهات النظر، يمكننا من إصدار أحكام أكثر إلمامًا. وبالنسبة لها كان هذا التداول والتفاوض هو أفضل فرصة نملكها لخلق عالم إنساني. ولا أحد قادرٌ على فعل ذلك وحده، إنه يحتاج نقاشًا، وتعاطفًا، ومهارةً في رواية القصص.

“إذا هزتك رياح التفكير مانعة إياك من النوم وجعلتك يقظًا بالكامل وحيًا، فحينها سترى أنك لا تملك في قبضتك أي شيءٍ سوى الحيرة والارتباك، وأفضل ما يمكننا فعله بخصوصه هو مشاركته. (LM,p175)

إن الحكم المستنير الجيد ممكنٌ وفقًا لآرنت ضمن حدود مجتمع ما فقط؛ إذ في المجتمع يكون ذلك النقاش والتداول. ولا يعني الحكم الجيد بلوغ مفهوم عالمي شامل، ولكن بلوغ فهم لوجهات النظر المختلفة بالنقاش، والمباعدة، والزيارة، وحكاية القصص المشتركة، وقص الواحد على نفسه قصة الزيارة، والمنظور متعدد الأبعاد الذي دخله، بينما يظل في ذات الوقت الشخص عينه ويقبل مسؤوليات الحكم النهائي.

يتضمن الحكم الجيد بالنسبة لكانط الاستخلاص من الحالة المعروضة ليفكر الواحد “كأي” شخص. وعلى النقيض فإن آرنت تعرض الحكم الجيد كشعور وتفكير يجتمعان معًا من وجهات نظر متعددة، فالحكم بالنسبة لها ليس مسألة استخلاص، بل هو تعلم كيفية تركيز اهتمام المرء على تفاصيل الحالة الدقيقة التي تمثل “العقلية المتفتحة المتوسعة”. وكما ذكرت في كتابها (محاضرات حول فلسفة كانط السياسية) فإن التفكير التخيلي “مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتفاصيل، وبالشروط الدقيقة لوجهات النظر التي على المرء الخوض فيها ليبلغ حكمه الذاتي”. ((LKPP44

وإذا كان الحكم الجيد برأي كانط شمولي لأنه عام، فإن شموليته بالنسبة لآرنت معتمدة على النقاش المشترك، والإنصات، والاهتمام، والتخيل، وخصوصية التفاصيل وتعدديتها إذا ما تشارك الجميع وجهات النظر المختلفة في مساحة آمنة وعامة. حين ننخرط في زيارة نأخذ باعتبارنا آراءً متباعدة متباينة في عملية تحسين عقل المرء، وفي النهاية يقبع الحكم في العلاقة بوجهة النظر المتعددة التي وضعها المرء نصب عينيه. إنها عملية نقاشية دومًا. يصدر الحكم النهائي لا بتخيل ما سيقوله “أيّ” فردٍ آخر، ولكن بتدريب خيال “المرء” على الانخراط في الزيارة ((LKPP,43، على فتح أبواب عقله ليرى كيف سيبدو العالم من وجهة نظر الآخرين، ليروي قصة رحلته هذه بشمولية بقدر ما يستطيع.

أدركت آرنت – منذ شبابها – أنك إن رغبت بفهم ما يفكر به الشخص فعليك أن تفهم طريقة تفكيره. كما أنك لو أردت أن تفهم إذا ما ظلت تلك الفكرة قريبةً من واقع العالم فعليك فهم سلوك الشخص حين يتحدث ويتحاور مع الآخرين: “مهتم بالعالم المشترك الذي يظل لا إنسانيًّا بكل ما للكلمة من معنى ما لم يتحدث باستمرار عن البشر” (من كتاب أيخمان في القدس، صفحة 93).

يجدر بالمرء الأخذ بعين الاعتبار أن خلف كل منظور مختلف تقبع وجهة نظر يجب فهمها من الداخل. ولا يكفي أن يكون متفرجًا؛ إذ عليه أن يتعمق في وجهة النظر ويفهمها من منظور الآخرين، وهي مهمة صعبة لكنها ممكنة للجميع – خصوصًا الأطفال الذين لم تتأثر عندهم ملكة التخيل بعد أو تتبلد. ثم يتبع هذا التعليم والتوجيه لإصدار حكمٍ أفضل، الذي يتضمن مساعدة الأطفال على الانخراط في زيارة تخيلية. هذه “الزيارة” هي التخيل الذي لا يجعل فقط “إعادة عيش الحقبة التاريخية عيشًا غير مباشر”، ولكنها أيضًا تمنح الفتيات والفتيان في المرحلة التعليمية من حياتهم بلوغ فهمٍ ووجهات نظر متعددة بغض النظر عن أهميتها: وجهات نظر زملاء فصل محددين ذوي خلفيات محددة، واختلافات محددة وعالم نادر من وجهات النظر الذاتية. هذه الزيارة هي وثبة هائلة في بلوغ الفهم المطلوب؛ لأنها تمنح الطفل فقط فرصة زيارة أماكن أجنبية، بل وتلقي أفكارٍ أجنبية أيضًا. (Colm Toibin,p.51)

تمثل القدرة على الزيارة الاختلافات بين الأطفال الذين يفكرون فقط من وجهة نظر واحدة، والأطفال الذين تعلموا العملية المهمة من خطوتين: أولها: تعلمهم التفكير بوجهات نظر الآخرين بالتناقش والتحاور المشترك، وثانيها: تدريبهم لأنفسهم أيضًا على إخبار ذواتهم بقصة ذلك الحوار المشترك، والنقاش الذي جعل وجهات النظر المختلفة متاحة وفي المتناول للمرء في مساحة عامة.

يهدف التعبير المجازي (الذهاب في زيارة) لتضمين الجهد العقلي التخيلي الذي ينخرط الأطفال فيه بفاعلية حيث يلتقي الأطفال ببعضهم بعضًا ليتناقشوا المسألة المهمة، ومن ثم يدمجون النقاش تباعًا في عملية قص ورواية يحكونها لأنفسهم قبل بلوغهم الحكم النهائي. هذه العملية التخيلية في الزيارة وحكاية القصص هي مزيج من التفكير النقدي والإبداعي والمهتم. ويتضمن الوصل بين وجهات النظر المختلفة، وفهم مشاعر أصحاب وجهات النظر تلك والعالم الذي انحدرت منه، الاهتمام بأصحاب وجهات النظر هذه ونموهم، بينما يظل الواحد ذاته ويستخدم ملكته النقدية لبلوغ حكمٍ في نفس الوقت… وجميع هذه الخطوات والمراحل جوهرية ومهمة لإصدار حكمٍ أفضل.

بالنسبة لآرنت التراجع فعلٌ تخيليٌّ شجاع؛ وذلك لوضع الأمور في نصابها قبل الحكم. ويتضمن محاولة فاعلة لإلغاء تحيزاتنا وأحكامنا المسبقة لنفهم. كما يتضمن أيضًا الشجاعة لمحاولة ردم هاوية العزلة والبعد؛ ليقدر المرء على إدراك وفهم الأشياء التي تبدو في مستهل الأمر غريبة جدًا. وإزالة بعض الأشياء وإرجاعها إلى الخلفية وتقديم غيرها إلى الواجهة، وإغفال هذا التفصيل وإضافة ذاك – تخيل كيف يبدو العالم للآخرين كما يبدو للذات مشابهًا شبهًا كبيرًا لما أسماه نيلسون غودمان(2) ابتكار العالم – إنه فعل إعادة بناءٍ واعٍ ننخرط فيه لأننا نريد فهم الكل.

يمكن للمعرفة المجردة أن تخلق حواجز زائفة، والاقتراب الشديد يمكن أن يشوه ويحرف، لكن الذهاب في زيارة والتفكّر ومن ثم رواية قصة الزيارة للذات يمكن أن يضمن إطلاق أحكامٍ معقولة أفضل. (‘Understanding and Politics’, Partisan Review 20 (July-August,1953 pp.377-92)

بقدر ما يسمح لنا إطلاق الحكم العيش في عالم مشترك مع الآخرين ومشاركتهم إياه، فإن فرص تبني فن إطلاق الأحكام حيوي وأساسي لتعليم الأطفال العيش في عالم عالمي حيث يكون فهم الآخرين عنصرًا أساسيًا.

الذهاب في زيارة ورواية القصة

إحدى الطرق المحدودة لتبني المقدرة على توظيف الخيال في الزيارة هي قراءة الأدب الجيد؛ أي الأدب الذي يمنح الأطفال فرصةً للولوج في جانبين من وجهة نظر المؤلف: المنظور نفسه وكذلك الظروف التي قدمت هذا المنظور تحديدًا على غيره. وهو لا يمنح فقط منفذًا لأساليب التفكير المختلفة ولكنه يحاول أيضًا فهم السبب وراء هذه الطرق. إن الروايات الجيدة أعمال تساعدنا على فهم اختلاف الآخرين – لا فكرًا وحسب بل وإحساسًا أيضًا – فهمِ السبب القابع وراء أفعالهم وما يعدونه جديرًا بالاهتمام. إنها تمنحنا منفذًا لكيفية إدراك الآخرين للعالم وإحساسهم به.

تأمل هذا الاقتباس من آخر أعمال دوريس ليسنج بعنوان (Time Bites: Views and Reviews):

“فيما يلي ما تقوله سيدة تبلغ من العمر 87، في المجتمعات الغريبة حيث يعتقد معظم الناس بأن الشباب هو المرحلة الذهبية والتقدم بالسن مأساة:

يشبه الأمر تفسخ ضمادة أو حجاب من الحياة، ذلك تسكين له، وكما ستود ميراندا أن تقول: يا له من عالم جديد شجاع! أنت لا تتذكر شعورك على هذا النحو؛ لأنك حين تكون أصغر سنًا تمنعك العادة أو إلحاح الحاجة من أن تحس بهذا. أنت أسير اللحظات ومهزوز حين تجتاحك لا احتمالية حيواتنا كحمى. كل شيء مميز، الناس، الحياة، الأحداث، تعرض نفسها عليك ببداهة بعض اللاعبين الوحشيين ودراما مترفة تبدو كما لو أننا جزء منها. مُنحت عينين حديثتين.”

 (Quoted in Leondard, p42)

تهز ليسنج بعدم إيمانها بما يُسمى “مرحلة الشباب الذهبية” أعماق فكرة إعادة عيش مراهقتها بل حتى عشرينياتها. ورغم أنها تعترف بأن حجمها تضاءل أربع إنشات إلا أن “التقدم بالسن” بالنسبة لها لطيف بما يحمله. فكّر كم من الأشخاص في المجتمع الغربي الحديث سيرى وجهة النظر هذه “غريبة” جدًا.

أما الطريقة الأخرى الأكثر شمولية وفاعلية وتشاركية هي تحويل الصفوف الدراسية التقليدية إلى مجتمعات تساؤل؛ ليُمنح الأطفال الظروف الضرورية لتبني ملكة التخيل الضرورية للزيارة ورواية القصة. يمكن أن يُبدأ هذا مبكرًا في حياة الأطفال مع شروعهم في تعلم اللغة، فمع اللغة يظهر الاهتمام برواية القصص والقدرة عليها.

كما أن هذه المجتمعات ستُنشئ أيضًا مهارات لروايات القصص: مهارات الانصات، ومشاركة وجهات النظر، والتعاطف والشعور بالآخرين ذوي الخلفيات والثقافات المختلفة، بالتوازي مع تعلم التفكير الجيد بأسلوب نقدي وإبداعي. وسرعان ما سيعي هؤلاء الأطفال البعد الأخلاقي، والمنطقي، والجمالي، والاجتماعي، والسياسي لتجاربهم ويبدؤون بتأملها والتعليق على الإجراءات الديموقراطية التي يتبعونها في الصف باستخدام أمثلة للعدل والخير كأمثلة توجيهية.

إن مجتمع التساؤل مكان آمن حيث يستطيع الأطفال “تجربة” الأفكار ويشاركون أقرانهم اكتشاف مضامين، وافتراضات وعواقب هذه الأفكار.. إنه عالم في ذاته توجد فيه وجهات نظر مختلفة، وقيم مختلفة، وعوالم مختلفة يمكن استكشافها بينما في نفس الوقت إذكاء وعي كلّ طفل بتعقيدات وجهات نظر العالم الفريد. إنه مكان للاهتمام والتخيل حيث باستطاعة الواحد أن يحس بحرية لرواية قصته الذاتية، وللإنصات لقصص الآخر، ولتعلم كيفية الاهتمام بالآخرين المختلفين وممارسة الاكتراث بإجراءات مجتمع التساؤل المشترك المتسم بالاحترام، والإنساني، والمساهم بالنمو.

لكن صفًا مشتركًا كهذا يمنح الأطفال الظروف لشيء آخر؛ فمن وجهة نظر حنة آرنت يمنح الصف مكانًا عامًا حيث يمكن للأطفال تدريب خيالاتهم ليذهبوا في زيارة، ممارسين فن الزيارة باهتمام شاسع ومتعاطف وحساس، بينما وفي ذات الوقت يتفردون بمهارات رواية القصص الجيدة التي هي خطوة أساسية وجوهرية في تعلم كيفية إصدار حكم أفضل.

يربط ألسدير ماكنتاير في كتابه بعد الفضيلة رواية القصص بطرق موضعة الذات في المجتمع خلال عملية الفهم النقدي. وعلى خطوات آرنت يذكر هو أيضًا رواية القصص كأداة تعليمية في بلوغ فهم الذات، فيما هي عليه. وبالنسبة له فإن وحدة أن تصبح ذاتك “يقبع في وحدة السرد الذي يربط الميلاد بالحياة بالموت، بكون السرد منذ البداية إلى الوسط إلى النهاية”. (Macintyre,p.191)  تمنح رواية القصص الفرد إحساسًا بالذات بتحفيزه لمحاولة بلوغ فهم الاعتقادات التي يعتنقها عن التبادلية، والواجب، والمسؤولية، والهوية. في صف التساؤل التشاركي لا تحدد القصص التي يرويها الأطفال لذواتهم عن النقاشات التي انخرطوا فيها والثقافات التي وجدوا أنفسهم فيها، ولا يُشجع الطفل على إسقاط الفرادة والاختلاف الذي تعرضه الثقافة.

لا تهدف محاولة رؤية قضية ما من وجهات نظر متعددة للانفصال. حين ينخرط الواحد في الزيارة فإنه يتجرأ ويغامر بدخول عالم غريب بحسٍّ مرهفٍ وعناية، محاولًا فهم العالم من داخله ومن ثمَّ هادفًا لشقّ طريقه في تعددية وجهات النظر التي نال الوصول إليها من القصة. وعلى القصة أن تكون مفهومةً لا للواحد فقط بل وللمستمع حتى، الذي يُحث على استخراج المعنى منها لنفسه.

بقدر ما تُستخدم مواد المنهج الدراسي لتبني النقاش الفلسفي في الصف الدراسي أمثلةً من رواية القصص والدور التي تؤديه في النقاش المشترك، وكذلك أمثلة على أطفال يجتمعون ليخاطروا بمشاركة آرائهم، بقدر ما يدخل الأطفال بعوالمهم الصغيرة الشخصية ويدخلون العوالم الأخرى لا كآخر ولكن بذواتهم ببصيرةٍ وفهمٍ يتوسعان بمرور كل دقيقة.

تنتقل رواية القصص للأطفال كالشعر من الخاص إلى العام محاولةً التقاط فرادة التجربة. ويعتمد فن القصة على دقة الطفل في إيصال تفاصيل التجربة بأسلوبٍ يجعل المستمع يشعر بكونه في خضمّ التجربة بنفسه. ومتى ما كنتَ هناك كما لو أنك ولجت عالم الآخر – كما يحدث حين يلعب الطفل لعبة الحيوانات ويحاكيها ليصورها تصويرًا حسنًا، لكن حين يصور الطفل الحيوان فإنه يكون الآخر بذاته دومًا. هناك من هم مثل توماس ناغل في كتابه سيء الشمعة (ما هو شعورك بأن تكون وطواطًا؟) الذين يعتقدون باستحالة هذا الفعل. لربما نسي ما يعنيه أن تكون طفلًا يلعب ويجرب عالم الكلاب والأحصنة والحيتان من الداخل ولو لثانية.

ليس هذا النوع من رواية القصص شهادة برأي آرنت؛ إذ إنه يتجاوز كونه مجرد رواية لنظرة المتحدث للعالم، ولكنه – كما أشار والتر بنجامين – محاولة لإشراك القارئ في الزيارة، والمقارنة، واستخراج المعنى من القصة للذات. إنها السؤال المستمر: “كيف سترى العالم لو فعلت ذلك من منظوري؟”، إن “الزائر” مدعوٌّ إلى الثقافة للنقاش والحوار مع عدة وجهات نظر يقابلها، ويقارنها دومًا ببعضها البعض وبوجهات نظره، ويحاول في نفس الوقت أن يفهم القصة بأكملها.

ميّزت ليزا جاين ديسش في كتابها المنشور عام 1994 الذهاب في زيارة بفارقين مهمّين: أشارت إلى أن الزيارة لا يُقصد بها التجوّل، ولم تقترح استيعاب وجهة نظر الآخر وامتصاصها تماما، فبفعلك لأحدهما يعني أن تمحو التعدد والاختلاف الأساسي الذي يشكل الحكم الجيد. فالسائح – بغض النظر عن اتجاهه – طيفٌ منفصل، ودومًا ما يتمحور الوضع حول “أنا” و”هم”. وعادةً سيبلغ التخوم حين يسافر ليتأكد قبل مغادرته لوطنه أنه سينال كل الراحة الموجودة في منزله على هذه الأرض الغريبة، وبحرمانه من هذه الراحة يمكن أن يصبح قلقًا جدًا وعسيرًا.

أوضحت آرنت أيضًا أن الذهاب في زيارة ليس أيضًا استيعابًا تامًا وأنها “أن تجعل نفسك في وطنك قسرًا – رغم أنك في مكان ليس وطنك – وذلك باتباع عاداته” ((Disch,p.159 ويتضمن هذا الشكل من الاستيعاب نسيان الذات – المكان الذي جاء منه المرء – وبذل أقصى جهده ليصبح أحد مواطني الثقافة الغريبة. ليخبر الأطفال ذواتهم بقصةِ حدثٍ ما من وجهة نظر غير مألوفة عليهم أن يتعلموا كيفية موضعة ذواتهم في ذلك الحدث كذواتهم لا كالآخر، كما لو أن شخصهم هو الراوي. وهكذا لن ينعزل الطفل بالكليّة عن تعددية وجهات النظر ولن ينخرط فيها بالكلية.

“إن عملية الزيارة هذه لا تتبنى دون تبصّر الآراء الفعلية لأولئك القابعين على الناحية الأخرى، ولا تنظر للعالم من منظور مختلف، إنها ليست سؤال تعاطف – أي أنني حاولت أن أكون الآخر أو أحس به- .. ولكنها تعني أن أفكّر بهويتي حينما لا أكون أنا”. ((BPF,241

إن الذهاب في زيارة هو سفرٌ إلى بقعة جديدة، مخلفًا وراءك ما هو مألوفٌ معروف، لكن مقاومًا إغواء جعل ذاتك تشعر كما لو أنها في الوطن تمامًا في عالم غريب. يمحو السائح وذلك الذي يحاول “الانخراط التام” التعددية؛ فالسائح يحاول أن يحافظ على ذاته بالتشجيع على المباعدة ليتسع فهمه للعالم والآخر. هنا وبهذا المعنى تصبح رواية القصص مكونًا جوهريًا في حياته التعليمية.

كُتب الكثير عن قوة السرد في تعليم الأطفال الوعي بوجهات نظر الآخرين أكثر من وجهات نظر أنفسهم، لكن كُتب النزر اليسير فقط عن قوة القصص كموادٍ للمنهج الدراسي؛ لتحفيز الأطفال على التفكير النقدي والأخلاقي، ولكن ليخبروا أنفسهم هذه القصص عن مشاركتهم في النقاشات التشاركية المنعقدة التي هم جزء لا يتجزأ منها.

ما يجعل رواية قصة غير جيدة

هل سبق وألفيت نفسك في وضع سألك فيه أحدهم سؤالًا يتطلب إجابة بنعم أو لا أو بتعريف وأنت تعلم استحالة إجابتك على سؤاله بهذا الشكل، ولذا تجد نفسك مجيبًا: “فلأخبرك قصة”. وبرواية القصة تتمنى أن تسلّط بعض الضوء على السؤال إلا أن ما يهم هو انتباه السائل له. حاولت أن تجيب على السؤال ضمنيًا؛ لأنك تعلم أنك ستكون بسيطًا، مضللًا (أو ربما أسوأ: غير صادق) إن أنت أجبت بوضوح. تكشف رواية القصص “المعنى دون ارتكاب خطأ تعريفه”(MDT,105)

وعلى خُطا والتر بنجامين فرقت آرنت بين إعطاء المعلومة التي تهدف للشرح وحتى أحيانًا للتعريف، وبين رواية القصة. اعتقد بنجامين بأن المعلومة “تنفذ بالشرح … إنها نصف فن رواية القصص لإبقاء القصة متحررة من الشرح بما أن الشخص يعيد صياغته” (Benjamin,p.89) إذ يترك الراوي الجيد الأمر لمستمعه ليحدد المعنى وبالتالي يزود القصة بتوسع، باكتمال المعنى الذي تفتقده المعلومة. عادة يتم هذا بالتفصيل، والتوضيح، والتحليل المقرب للأجزاء المتعددة التي تشكل الكُل.

تدخل هذه المهارات نفسها في صناعة فن إصدار الحكم الجيد؛ فقبل أن يصدر المرء حكمًا عليه أن يذهب في زيارة ليجمع المواد الخام للقصة الجيدة. كما يتضمن تراجعًا إلى مساحة حيث صُفّت تخيليًا عددٌ من وجهات النظر المختلفة التي تؤثر في حالة معينة، لذا فإن إصدار الأحكام – حسب رأي آرنت – دائمًا ما يكون مختصًا بمكان وزمان. هذا يعني بأن على الأطفال أن يتعلموا كيفية موضعة أنفسهم كرواي قصص ينوي مشاركة كل وجهات النظر المختلفة للشخصيات، بينما وفي ذات الوقت يحاول ربط بعضها بشكلٍ من أشكال الفهم الذي يجب أن يكون الآن مكشوفًا لنفسه. إنه جهد شاق، لكنه جهد سيتفوق فيه الأطفال إن هم مُنحوا الفرصة للمشاركة في مجتمع التساؤل في الصف الدراسي؛ لأن الأطفال أقل انخراطًا في المجتمع، وأكثر تخيلًا من معظم البالغين؛ ولأن عقولنا – كما تقول دوريس ليسنج: “مخلوقة لرواية القصص” – فهم لا يعانون من الصعوبة التي يعانيها الأكبر سنًا في دخول العوالم الأخرى وصياغة قصصٍ عن هذه التجربة.

حين يستمع الأطفال في الصف الدراسي لبعضهم بعضًا ويحاولون ردم المسافة التي سيشعرون بها بادئ الأمر، سيشعرون بغرابة وجهات نظر زملائهم عن وجهات نظرهم الشخصية. وبمرور الوقت سيقدرون على تنمية قدرتهم على النظر إلى وجهات النظر غير المألوفة هذه كما لو أنها وجهات نظرهم، كما أنهم سيدربون أنفسهم على معاملة المنظور الغريب هذا كما لو أنه منظورهم. “إذا فكرت كمولي كيف سأحس هذه اللحظة؟”، “ما الفرق في كيفية إجابتي على هذا السؤال أو التفاعل مع الآخرين؟” إن رواية القصص بهذه الطريقة توسع خيال الأطفال إلى أقصى حدوده، وتجبرهم على النضج متجاوزين ذواتهم كما لو أنهم يقولون دومًا: “لا يبدو الأمر هكذا من حيث أتيت”. إن استخدام هذه العدسة المدققة لاستعراض الآخر سيبدو دومًا غريبًا ومقلقًا. بينما ومن ناحية أخرى يبادل الانصهار الكلي العدسة بالتصرف كالآخر متعرفًا على الثقافة الجديدة بالكلية؛ لتفادي التشتت أو الهرب من هوية الواحد والمكان الذي ينحدر منه.

إن الذهاب في زيارة مهمة شائكة: إذ عليك أحيانًا أن تتقن فن التفكير بأفكارك الذاتية، لكن حين تكون في مكان الآخر سامحًا لنفسك بتجربة الارتباك والقلق الضرورييّن لفهم كيف يبدو العالم لشخص آخر وكيف يبدو أنت له. بينما يحاول الفلاسفة التقليديّون تجاوز زمنهم ومكانهم الحاليين لكبح وجهة نظر “أي” شخص آخر، أو كما أراد سبينوزا أن يقول:( sub species de (eternitas الذهاب في زيارة مختلفة. فهي تتضمن القدرة على تخيل كيف لربما شعر الآخر وفكر إذا كان شخصية في كل القصص المروية في مجتمع التساؤل في الصف الدراسي.

هناك روابط مهمة متضمنة للذهاب في زيارة: رواية القصص والفهم النقدي الجيد لأنفسنا مرتبطان ببعضهما بعضا. عقّبت آرنت في مقالها عن إسحق دنسن (3) أن راوي القصة الجيدة مناسب بفرادة للإبعاد والربط الضروريين للتفكير النقدي الجيد؛ لأن صنعته تتطلب ممارسته للوقوف الفوري في بقعة معينة من العالم – هي بمعنى آخر بجانبهم. ولذا فبالنسبة لآرنت ليست رواية القصص عمومية شمولية ولكنها متعددة التفاصيل المحسوبة لإمكانية الفهم النقدي.

إن رأي آرنت حول الفهم النقدي أصلي جدًا. تجادل سيلا بن حبيب (4) فتقول: “وفقًا لتصور كانط عن الحكم التأملي المقيد بخطأ كانط الذاتي – كما تراه آرنت – المرتبط بحقل الجماليات فقط، تكتشف آرنت طريقة لتحقيق الصدق الذاتي وبلوغه في حقل عام. ((Situating the self, p.132

رغم أن العديد الفلاسفة المعاصرين ناقشوا بتضمن التفكير النقدي لتبني التخيل، والتركيز على وجهة النظر التقليدية -باسم الصرامة والمناقشة الجيدة- على التجريد والإبعاد. هذه الصرامة يمكن إرضاؤها فقط إلى حد إزالة الفرد من اهتماماته الشخصية المحددة، ويمكّن هذا المحو الذاتي للاهتماماتِ الشخصَ من التفكير بما هو جيد للكل – لأي شخص – وهنا تحديدًا أين ارتكبوا الخطأ الفادح.

كما سبق ورأينا تعتقد آرنت بأن جهد الفكر النقدي يهدف لإصدار أحكام أفضل تتضمن الذهاب في زيارة ورواية القصة، على أن تكون بأسلوب يحفز القارئ للتفكير نقديًا بالتخيل والتفكير لذاته. أشارت ديسش إلى أن الذهاب في زيارة وفقًا لآرنت خطوة مزدوجة: الأولى: يحاول الطفل إبعاد نفسه عما هو مألوف ويعرض نفسه لوجهات النظر والآراء المختلفة – غير المألوفة وربما حتى صادمة – والغرض هو محاولة بلوغ المساواة بين الذات والآخر بجعل الذات “آخر” بالنسبة للذات. أما الخطوة الثانية: حين يذهب المرء في زيارة لوجهات النظر المختلفة فإنه يتبنى مساواة جزئية لما هو محل الاهتمام بتعداد القصص التي يتخيل فيها نفسه ممثلًا، مهتمًا دومًا بالربط بين القصص المختلفة في حكاية واحد معقدة وغنية لا تفقد فيها الأجزاء منفصلةً فرادتها. وتكون النتيجة النهائية فنًا، فنًا جيدًا حين يتسم بالوحدة، والتوازن، والتعقيد، والقامة الغنية والتعبير عن تعددية وجهات النظر غير المتغيرة. ((Disch, p.160 يتعين علينا تعريض الأطفال لعالم الآخرين لنقوي تخيلهم لعلاقاتٍ جديدة، وقيمٍ جديدة وحلول، وإمكانيات جديدة للمستقبل. ((Levinson, p.21

تدعي آرنت بأن القصص تفسيرات متنوعة للعالم المشترك، غير معروفة بذاتها ولكنها مع ذلك شرط لوجودنا. وهذا الرأي مختلفٌ جدًا عما يقوله بعض ما بعد الحداثيين الذين يعتقدون بأن وجهات النظر المختلفة للأشخاص من ثقافات مختلفة غير قابلة للقياس أصلًا. ليس هناك أي سبب بدهي لافتراض أن مجتمع التساؤل في الصف الدراسي سينتج إجماعًا حول مسألة فلسفية كطبيعة العدالة مثلًا أو الحرية. لكن هناك أيضًا سببًا بدهيًّا لافتراض أن الاختلافات تجعل ذلك غير ممكنٍ للأطفال أو للبالغين ليفهموا بعضهم بعضًا. ومن يدري؟ النقاش، والذهاب في زيارة، والاهتمام بالآخر، ورواية القصص لربما منحتنا إمكانية حل بعض المشكلات العالمية (تلك التي تؤثر علينا مباشرة) بالتخيل المشترك لاحتمالياتٍ وإمكانياتٍ يمكننا جميعًا أن نوافق عليها.

لنأمل ذلك!

المراجع:

Arendt, Hannah

BPF. Between Past and Future. Enlarged Ed. New York: Penguin, 1977.

HC. The Human Condition. Chicago: University of Chicago Press, 1958.

JP. The Jew as Pariah: Jewish Identity and Politics in the Modern Age, Ed. Ron H. Feldman. New York: Random House, 1978.

LKPP. Lectures on Kant’s Political Philosophy. Ed. Ronald Beiner. Chicago: University of Chicago press, 1982.

LM. The Life of the Mind. Ed. Mary McCarthy. New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1978.

MDT. Men in Dark Times. New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1968.

OT. The Origins of Totalitarianism. Vol. New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1979.

OV. On Violence. New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1969.

RV. Rahel Varnhagen: The Life of a Jewish Woman. Trans. Richard Winston and Cara Winston. New York: Harcourt Brace Jovanovich, 1974.

EJ. Eichman in Jerusalem: A Report on the Banality of Evil. New York: Viking, 1968.

مصادر أخرى:

Benhabib Seyla. The Reluctant Modernism of Hannah Arendt. London, Sate, 1996.

 Situating the self. (New York, Rouledge,1992)._________

_________”The Generalized and the Concrete Other” in Feminism as Critique, edited by Benhabib and Drucilla Cornell. Minneapolis: Un of Minnesota Press, 1987.

Benjamin, Walter. Illuminations. Edited by Hannah Arendt. Trans Harry Zhon New York:Shocken Books, 1969.

Disch, Lisa Jane. Hannah Arendt and the Limits of Philosophy. Ithaca: Cornell University press. 1994.

Kant. Critique of  Judgment. Trans. J.H. Bernard. New York: Hafiner Press, 1951.

Levinson, Natasha, “The Paradox of Natality: Touching in the Midst of Belatedness,” in Gordon Mordechai (ed) Hanna Arendt and Education: Renewing Our Common World. Col: Westview Press, 2001.

Lenoard, John, “The Adventures of Doris Lessing” in New York Review of Books, Volume LIII, #1919, November 30, 2006.

Maclntyre, Alasdair. After Virtue. Notre Dame: University of Notre Dame Press,1981.

Smith, Stacey. “Education for Judgment: An Arendtian Oxymoron?” in Gordon Mordechai (ed) Hannah Arendt and Education: Renewing Our Common World. Co, Westview Press, 2001.

Toibin, Colm, “A Thousand Prayers” in New York Review of Books, Volume LIII, #19, November 30, 2006, p.51.

Villa, Dana (ed) The Cambridge Companion to Arendt. New York: Cambridge University Press, 2000.

Young -Bruehl, Elizabeth. Hannah Arendt: For Love of the World. (second edition) New Haven: Yale University Press, 2004.

___________ Why Arendt Matters. New Haven: Yale University Press, 2006.

____________ (ed) Global Cultures: A Transnational Short Fiction Reader, Conn: Wesleyan University Press, 1994.

هوامش المترجمة:

(1): تشارلز ساندرز بيرس: فيلسوف وسيميائي أمريكي.

(2): فيلسوف أمريكي.

(3): روائية دانماركية.

(4): فيلسوفة تركية أمريكية.

حمل مقالة لنذهب في زيارة