حلقات مشاركة القصص باعتبارها تساؤلاً نقدياً – الجزء الأول

ناتالي فليتشر، مون غريغوري، بيتر شيا، آريل سايكس

Natalie M. Fletcher, Maughn Gregory, Peter Shea, Ariel Sykes

Fletcher, N , Gregory, M, Shea, p & Sykes,A 2021, ‘the story circle as a practice of democratic’, critical inquiry Childhood & Philosophy, vol. 17

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة: شيماء الزنبقي

تدقيق: أمل اسماعيل

عندما كتب ماثيو ليبمان Matthew Lipman روايته الفلسفية الأولى للأطفال في أواخر 1960م سلك طريق التساؤل المجتمعي الذي يرجع على أقل تقدير إلى سقراط الذي كانت حواراته في سوق أثينا مفتوحة لكل من مر به. وكان السؤال المرتبط بمدى اتساع نطاق الحوارات حول المسائل التي لا تُطبق على الفور – مثل العدالة والمعرفة والقيم الإنسانية بين المشاركين من غير أهل النخبة – مسألة ملحة في أثينا – التي اعترفت بمواطنين جدد في هذا الجزء من العالم ودعتهم إلى تشكيل السياسة بطرق لم يسبق لها مثيل في ذلك الوقت. والمسألة على نفس القدر من الإلحاح بالنسبة للديمقراطيات المعاصرة، حيث تسمح الهيئات الحكومية لمجموعة جديدة من الناس بالمساعدة في تشكيل المؤسسات التي يعيشون في كنفها. إنها مسألة مفتوحة في كل عصر عما إذا كانت الحوارات الأساسية يمكن أن تصبح مفتوحة ومشتركة بما يفي بجعل الديمقراطية عملية (صالحة).

بقيام ليبمان (2003) بفتح حواراته هذه للأطفال، وتأسيس برنامج الفلسفة للأطفال الذي طوره مع مساعدته آن مارغريت شارب Ann Margaret Sharp وزميلهما غاريث ماثيوز Gareth Matthews (1980،1984)، فإن مادته تعد امتدادا لإرث جون ديوي John Dewey في عدة جوانب: لا مراء في كون التوسع الجوهري للحوار الأساسي ممكن.

يعد المؤلفون الأربعة لهذه المقالة ممارسين ومعلمين لفلسفة الأطفال في بيئات تعليمية مختلفة بدءًا من الحضانة وصولاً إلى برامج الدكتوراة الجامعية وبرامج تعليم الكبار والتعليم الديني. وبينما نجرب ونبتكر في سياقات جديدة فإننا نرى أنفسنا مستمرين في التساؤل بشأن ما قد يصبح عليه التوسع في الحوار المتعلق بالقضايا الإنسانية الأساسية. ندرك بأنه تم ابقاء العديد من الناس خارج هذه الحوارات حتى في أكثر البيئات شمولًا؛ بسبب التحيز والعلاقات المختلفة مع اللغة والتحيزات في اختيار المواضيع وتقييد الأجندات التعليمية الليبرالية كذلك. وفي الوقت ذاته ندرك أن العديد من التجارب التي أجريت في مجال الإدماج كانت موازية للدافع الديمقراطي عن الفلسفة للأطفال.

نوضح في هذه المقالة استراتيجية شاملة تسمى حلقة مشاركة القصة والتي طُوِرَت لأول مرة باعتبارها وسيلة تعليمية شعبية في الدنمارك ثم حُوِلَت إلى أداة تغيير اجتماعي بين المواطنين الأمريكيين الفقراء وغير المتمكنين في أبالاشيا Appalachia، ثم استُخدمت لاحقًا في مجتمع فلسفي للتعلم الفعال ثم اقترنت مؤخرًا بأسلوب حوار ليبمان وشارب في مجتمع التساؤل الفلسفي (CPI: Community of Philosophical Inquiry).

لطالما كان تحفيز التفكير الناقد هدفًا مهمًا في الفلسفة للأطفال (ليبمان 1985،1992،1993،1997). يعرّف ريتشارد إينيس Richard Ennis التفكير النقدي على أنه “تفكير متزن ورصين يتمحور حول اختيار ما نؤمن به أو نود فعله” (2015:32) وقد حدد ريتشارد الاستراتيجيات التي تدعم هذا الهدف والتي يتوجب على المعلمين تطبيقها. ويمكن تعليم بعضها مباشرة؛ إذ يمكن حث الطلاب على إعطاء أسباب للوصول إلى مصادر موثوقة.

لكن ماذا عن الاستراتيجيات الأخرى التي تعتبر سلوكاً كالتواضع والفضول أكثر مما يمكن اعتبارها تحركات أو إجراءات محددة: كن مطلعاً، خذ في حسبانك الموقف برمته، كن يقظاً للبدائل، كن متفتحاً. أشار ليبمان عند تعريفه للتفكير الناقد في هذا الاتجاه – فقال أنه: “تفكير مبني على المهارة والمسؤولية بما يمكّن من إطلاق حكم جيد كونه (1) معتمد على معايير محددة (2) يدعم التصحيح الذاتي و(3) حساس للسياق”. (1988: 39). ويطرح ليبمان جدلاً قائماً على أن التصحيح الذاتي يأتي نتيجة لاستيعاب التصحيح المتبادل بين الآخرين الذي يحدث في مجتمع التساؤل.

وبالسير على خطاه، سلطت باربرا ثاير Barbara Thayer-Bacon الضوء على الجذور البراغماتية لعمل ليبمان ودعت إلى نموذج ديوي للتفكير النقدي الذي: يسلط الضوء على المعاملات بين الأفراد وغيرهم … بوصفه للمعاملات الاجتماعية من منظور مجتمع ديمقراطي، ديوي أيضًا يزيل النظرة التي تشير إلى فردانية الأصحاء والأقوياء والذكور كمفكرين متأملين. إن صورة ديوي للمجتمع الديمقراطي توحي بالمسيرات السياسية والنزهات المجتمعية والمزارعين ومحترفي الحياكة (أي التعاون والتكاتف ومساعدة بعضهم بعضا)” (2000:145)

مع ذلك غالبًا ما يظن الناس أنهم واعون ومنتبهون ومتيقظون ومتحفظون، ولا يتجاوبون دائمًا تجاوبًا بناءً عندما يُقال لهم إنهم يعانون من قصور في هذه الجوانب – وإن كان ذلك من خلال تعليقات أقرانهم داخل مجتمع التساؤل. عوضًا عن ذلك، عندما تُسرد القصص بين المشاركين في حلقة، فإن ذلك يُشعرهم باكتمالهم الخاص بطريقة طبيعية لا تهدد بالخطر. وفي ذات الحلقة أجد أن فكرتي عن المنزل أو الصداقة أو الشجاعة هي فكرة واحدة بين العديد من الأفكار، وبذلك أدركت أن هذه الحقائق من خلال التجارب البعيدة كل البعد عن تلك التي حظيت بها قادتني لإعادة النظر في أحكامي الأولى عن المشتركين الأخرين؛ إنهم غالبًا ما يكونون أكثر عمقًا وتعقيدًا مما تخيلت.

كنت جزءًا من حلقات مشاركة القصص دوريًّا؛ لذا بدأت أتوقع أن تتوسع أفكاري الأولية متأثراً بما أسمع. وأن أُنمي انفتاحًا طبيعيًا على الأفكار الجديدة وقدرة على الاستمتاع بوجهات النظر البديلة. وهذه الحركة تجاه حساسية السياق والتصحيح الذاتي هي إحدى المساهمات الرئيسية التي تجعل من حلقات مشاركة القصص حافزًا للتفكير النقدي.

إن تعريف ريتشارد إنيس للتفكير النقدي يركز على القرارات بشأن المعتقدات والتصرفات – التي هي مهمة بالطبع – لكن هناك قرارات نتخذها على نفس القدر من الأهمية مثل: القرارات حول أي نوع من الأشخاص نريد أن نكون، أي أسلوب من التصرفات سنتبع وما هي المواقف التي سنحاول تجسيدها. وقد يتبين لنا هذا في مفهوم ليبمان الأوسع نطاقاً للتفكير النقدي مثل تيسير الحكم السليم. فالطفل الذي يقول: “أريد أن أكون مثل عمي” أو: “أنا لا أريد أن أصبح مثل أخي”، يصدر حكمًا جوهريًا للغاية، وينبغي أن تكون في نطاق “التفكير الحاذق والمسؤول” – وإن لم يكن من السهل أن يوجّه هذا التفكير في بيئة الفصل الدراسي – فلعل أفضل ما يمكن أن يفعله المعلمون لتعزيز التفكير الناقد حول مثل هذه القرارات يتلخص في إنشاء مجتمع شفاف – مجتمع يستطيع الناس فيه أن يروا ماهية الناس من حولهم. وفي هذا الصدد، حتى الحوار الفلسفي الجماعي لا يمنح الطلاب إلا نافذة صغيرة على حياة بعضهم بعضًا. توسع حلقات مشاركة القصص نطاق ما يمكن أن يُبدوه تجاه بعضهم بعضًا وحيواتهم وكفاحهم، مما يعطي التفكير النقدي إطارًا جديدً وأساسيًا للمنطق البشري.

فالفلسفة للأطفال تنطوي على خطر دعوة الأطفال إلى دائرة الديمقراطية والفلسفة: الحجة النقدية، والتحليل المفاهيمي والحوار بين الاشخاص حول القضايا الأساسية. وبذلك، فهي توفر بابًا مناسبًا للأطفال في مساحة للبالغين بشكل يمكن التعرف عليه. ومع ذلك، لا يُقبِلُ جميع الأطفال (أو الناس) على هذا النشاط بحماسة متماثلة؛ بينما سرد القصص أمرٌ عاديٌّ لدى العديد من الناس. نحن نحاول أن نتعلم كيف يمكن لهذا النشاط – في سياق منظم ومنضبط – أن يسهم في الانعكاس النقدي على التجربة وتكوين مجتمعٍ قادر على التعاون ومشاركة الأفكار على المدى الطويل. ونجد أن هناك أسبابًا مقنعة لاستخدام سرد القصص كممارسة فلسفية، فلا غرو أن سرد القصص استخدِمَ منذ فترة طويلة في حركات العدالة الاجتماعية لتكريم التجارب الحياتية للجماعات المهمشة ومنحها صوتًا، ومع ذلك فإن الاعتبارات التي نقدمها أولية؛ إننا لا ندَّعي أن حلقات مشاركة القصص هي الحل لكل مشكلة، بل إننا مهتمون بدراسة العلاقات بين مختلف الاستراتيجيات الشاملة من أجل التعرف على الأمور التي ستكون جيدة لها وكيف يمكن للمعلم دمجها كجزء من مجموعة استجابة مرنة استراتيجياً.

حلقات القصّ باعتبارها تساؤلا نقديا (مون غريوغيMaughn Gregory ) 

اعتبر والاس Wallace أن أهم مواصفات لحلقة القصّ هي ما أيضا المواصفات التي كوّنت مجتمع التساؤل الفلسفي لليبمان وشارب، ومجتمع ثاير- بيكون المترابط، وغير ذلك من ممارسات التفكير النقدي الديموقراطية الشاملة:

  • يشعر الناس بالأمان عندما يعبرون عن أحاسيسهم وعما يؤمنون به.
  • الإصغاء الفعّال فِعل سهل وفطري.
  • تسود روح المساواة والثقة والاحترام المتبادلين؛ بافتراض أن لكل شخص تجارب وأفكار قيّمة يمكن أن يساهم بها.
  • غالبًا ما يتفاجأ الناس بما يقولون وبما يسمعون.
  • هناك دلالة على أن المشاركين يبنون معًا – هنا والآن – فضاءً آمنًا وإنسانيًا (والاس، 2004:13).

إن أطول برنامج يديره والاس ذي مجال ديمقراطي ويشتمل على حلقات مشاركة القصص هو دورة الفلسفة السكنية التي استمرت لثلاثة أسابيع ويطلق عليه “الحياة الجديرة بالعيش: أسئلة عن الذات والمهنة والمجتمع” المعروفة باسم “معسكر الفلسفة” الذي طوره عام 1998 مع لين إنغلوند Lynn Englund (2005) ونانس لونغلي Nance Longley وبيتر شيا Peter Shea. تجمع الدورة بين أعضاء هيئة التدريس والموظفين وطلاب البكالوريوس وطلاب الدراسات العليا من جامعة مينيسوتا وعدد من الزملاء الزائرين في مجتمع التعلم الفعال الآتي وصفه بمزيد من التفاصيل أدناه. تقام الدورة في مزرعة شالوم هِل وهو منتجع على بعد 160 ميلًا من المدينتين التوأم (مينيابوليس وسانت بول) في جنوب غرب مينيسوتا، والنشاط الرئيس في هذه الدورة هو حلقات مشاركة القصص التي تقام معظم فترات الصباح بعد وجبة الإفطار، وبعدها يعود أفراد المجتمع للتخطيط لبقية وقتهم معًا بما في ذلك مهامهم المشتركة من طبخٍ وتنظيف.

تعرفت على حلقات مشاركة القصص في مؤتمر عام 2008 لرابطة أمريكا الجنوبية لمجتمع التساؤل حيث قدّم شيا ورقة بحثية )2008( يصفها هي ومجتمع التساؤل الفلسفي كأخوة في عائلة الحوار الديمقراطي. وفي عام 2011 حضرت أسبوعًا من معسكر الفلسفة حيث جربت قوة حلقات مشاركة القصص لي شخصيا، وفي 2013 قضيت أسبوعًا في هايلاندر حيث عشت ولأول مرة في حياتي ضمن مجتمع المساواة المطلقة. ولعدة سنوات كنت أتولى قيادة حلقات مشاركة القصص في معهد النهوض بالفلسفة للأطفال السنوي في ندوة صيفية في ميندهام بنيوجيرسي ودعوت المشاركين هناك – بمن فيهم شريكتي في الكتابة ناتالي Natalie واريل Ariel – كي يتأملوا مزاياها كأسلوب للحوار الفلسفي. كما أنني أُدرِّس عن هايلاندر Highlander وعن ممارسة حلقات مشاركة القصص في دورات فلسفة التعليم التي أُقدمها في جامعة ولاية مونتكلير – باعتبارها جزءًا من دراستنا لعلم العدالة الاجتماعية. يهدف هذا العلم إلى توعية الطلاب والمعلمين بالأبعاد السياسية لتجاربنا في المدارس ولإعدادنا النضال في وجه أنواع الظلم العديدة التي نكتشفها أثناء نضالنا. بدأت إحدى حلقات مشاركة القصص بهذا المحفز “استرجع ذكرياتك واحكِ قصة عن الوقت الذي استفدت أو عانيت فيه من نوع من الامتياز غير العادل”. تعكس تعليقات الطلاب التالية كلاً من الديناميكيات والقيمة التعليمية لهذه التجربة.

“كان الهدف من حلقات مشاركة القصص سردَ التجارب التي تنطوي على العِرق والطبقة والجنس. ومع ذلك، وجدنا القصص التي تنطوي على الظلم على أساس العمر والأسرة والجنسية والوضع القانوني للوثائق، والصراع الخارجي مقابل الصراع الداخلي والمحسوبية … كان الطلاب يديرون المناقشة إلى حد كبير. “

“تعلّمت أيضًا أن بعض المشكلات التي قد واجهها بعضهم واجهتها أنا أيضًا ولم أكن وحدي”

“أشعر بأن ما تحدثنا عنه في الصف أكثر من مجرد درس عابر بل أصبح درسًا من دروس الحياة”

“أعتقد أن هذه الممارسة الحوارية ستكون مفيدة في الحديث عن السياسة … لأن الحوارات السياسية عادة ما تتحول من حوار إلى نقاش ثم إلى جدال. ومع ذلك، إذا استخدم الناس هذا النوع من النسق، فسيضطرون إلى الاستماع إلى أفكار الآخرين دون مقاطعة وسيحظى الجميع بفرصة عادلة للتعبير عن آرائهم.  وهذا من شأنه أن يجعل الناس أكثر تفهمًا للسبب الذي جعل الناس يفكرون على نحوٍ مختلف”.

المراجع: 

Lipman, M. (2003) Thinking in Education, 2nd edition. Cambridge, MA: Cambridge University Press.

Matthews, G.B. (1980). Philosophy and the Young Child. Cambridge, MA: Harvard University

Press.

Matthews, G.B. (1984). Dialogues with Children. Cambridge, MA: Harvard University Press.

Lipman, M. (1985) Philosophy for Children and Critical Thinking. National Forum 65(1): 18-23.

Lipman, M. (1988) Critical Thinking: What Can it Be? Educational Leadership 16(1): 38-43.

Lipman, M. (1992) Unreasonable People and Inappropriate Judgment. Inquiry: Critical Thinking Across the Disciplines 10(3): 18-22.

Lipman, M. (1993) Philosophy for Children and Critical Thinking. In Lipman, M. (Ed.) Thinking, Children and Education, pp. 682-84. Dubuque, Iowa: Kendall / Hunt Publishing Company.

Lipman, M. Thinking in Community. Inquiry: Critical Thinking across the Disciplines 16(4): 6-21.

Thayer-Bacon, Barbara J (2000) Transforming Critical Thinking: Thinking Constructively. New York: Teachers College Press.

Wallace, J. (2004) Notes on Learning Circles. In “Learning Circles: A Train-the-Trainers Approach,” pp. 10-23, retrieved 13 June 2017 from http://bonnernetwork.pbworks.com/f/BonCurFacilLearnCircles.pdf.

Englund, L. (2005) A Living Education: An Approach for the 21st Century. PhD thesis, University of Minnesota, Minneapolis [Online]. www.tc.umn.edu/~engl8813/Living_education.pdf, accessed 25 March 2016.

Shea, P. (2008) Philosophy for Children and Learning Circles: How Do We Help People to Want to Be Better? Retrieved 11 July 2017 from http://gambitsanddrafts.blogspot.com/2015/02/philosophy-for-children-and- residential.html.

حمل مقالة حلقات مشاركة القصص باعتبارها تساؤلاً نقدياً – الجزء الأول