تعليم التفكير الفلسفي للأطفال”P4C“تقاليد لتطوير لغة المنطق عند الأطفال

The Practice of Philosophy for Children

Steve Williams

ستيف ويليامز

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة: سارة البادي.

تدقيق: أمل إسماعيل.

يفضل اعتبار تعليم التفكير الفلسفي P4C على أنها تدريب عوضا عن كونها مادة. تتميز الـP4C، كبقية التدريبات، بأنظمة مستقلة ومعايير خاصة لقياس الأداء الممتاز – للمعلمين والطلبة. “فلسفة” الـ P4Cتشير إلى نشاط التفلسف – دراسة الأسباب والافتراضات، والتأمل في المفاهيم، واستكشاف المعنى والقيمة، والنظر في الأسئلة التي تساعد في الحكم على ما يجب التفكير فيه وكيفية التصرف.

التفلسف: أين الفلسفة في الـP4C؟

ينشأ دائماً تفلسفٌ طبيعيٌّ وتلقائي عندما يستخدم الناس كلمات مثل: هو/هي، وحقيقي، وينبغي، وعادل، وعلم، وجمال، وغاية – الكلمات التي تشير إلى أن المتحدثين يصدورن أحكامًا حول الوجود، والأخلاق، والمعرفة، والجمال، ونهاية الحياة.

هناك أيضًا آثارٌ للفكر الفلسفيّ في محتوى “المنطق السليم” للمجتمعات: في الأقوال المأثورة، والقناعات العرفيّة، والمجازات المألوفة، والآراء السياسية الشائعة.  (Gramsci, 1982, p. 323; Jaspers, 1960, pp. 11–12)

لا مفر من هذا النوع من الفلسفة التلقائيّة. مع ذلك، فالأمثال القديمة مثلا غالبًا ما تكون منتاقضة وغير مترابطة وتفتقر إلى الوعي النقدي. لذلك فإن الفلسفة مطلوبة من أجل “تسليط الضوء على التناقضات والنماذج والمعايير التي يفسّر الناس بها ويحكمون ويجدون المعنى من الحياة. (Berlin, 1978, p.11)

الفلسفة المتعمدة المدروسة هي جزء من محاولات الإنسان المهمة والإبداعية لفهم الواقع والتأثير عليه.  P4Cهي تدريبٌ فلسفيٌّ متعمدٌ مدروسٌ يحتوي على الخصائص التالية:

  • الحوار والتفكر: P4C  يعطي الفرصة للمشاركين ليكونوا في حوارٍ مع بعضهم للتّشكيك في الفرضيات ودراستها، والبحث عن حججٍ ووجهات نظرٍ بديلة، وأخذ القرار في كيفية مواجهة تلك البدائل.
  • المفاهيم: يولي المشاركون اهتمامًا استثنائيًّا للطريقة التي توجِّهُ بها المفاهيم أحكامنا وأفعالَنا. يحاول المشاركون عن طريق الحوار منطَقَة تلك المفاهيم من أجل إصدار أحكامٍ أفضل.
  • التخُّيل: يتعجّب المشاركون ويفترضون؛ ويتخيّلون العواقب والروابط والسيناريوهات الممكنة و”التجارب الفكرية”، ويخلقون تشابهاتٍ تناسب التجربة لجعلها أكثر جديّة، ومن ثم يقارنون ويقيّمون هذه التّشابهات، لجعلهم يتخيّلون كيف تتغير المجتمعات بتغيير تفكير الأفراد وسلوكهم، للأفضل أو الأسوأ.
  • الاستفهام والتعاون: التّفلسف يعني التساؤل عن الآخرين وتقبّل تساؤل الآخرين عنك. يتطلّب مجتمعٌ مثل المدرسة التعاونَ للمحافظة على روح التساؤل للوصول إلى الحكمة. بالنسبة للفيلسوف كارل جاسبرز فإن هذا التعاون يتضمّن “مسابقة وديّة” (1960, p. 13) وبالمثل، يتبنّى مثال مجتمع االتساؤل).
  • يهتم الـ P4Cبمصفوفةٍ من الموضوعات الدائمة. في الـ P4Cيسأل الأفراد أسئلة لا يمكن الإجابة عنها بالطرق التجريبيّة: ما طبيعة الشخص الذي يجب أن أكونه؟ ما هي واجباتي تجاه الناس في البلدان الأخرى؟ ما هو “مجتمعي”؟ هل لبعض القيم أهمية أكبر من غيرها من القيم؟ كيف يمكنني معرفة الحجّة الجيدة من السيئة والحقيقة من الباطل؟ وردًّا على أسئلةٍ كهذه، من المفيد التعامل مع الأسئلة والأجوبة المهمة ذات العلاقة مع الماضي. سيهتم ميسّروا الـP4C بفاعلية ببعض الموضوعات الدائمة والحجَج الفلسفية، وفي الأبعاد الفلسفيّة لتخصّصاتهم.

الفلسفة التلقائيّة موجودة في جميع مجالات الحياة لأنها راسخةٌ في اللغة و”المنطق السّليم” للحضارات والثقافات، لكن لن تستطيع مساعدة الطلبة لاستيعاب المعرفة والمعلومات والنصائح التي يواجهونها يوميًّا. لهذا السبب فإن الفلسفة التلقائية لن تمكنهم من فهم تجاربهم وترتيبها بطريقة فعالة. وهو ما جعل الفلسفة المتعمّدة للشباب عمليّةً مهمّة لمساعدتهم على الاعتماد على الذات والتفكير الهادف. وتعد الـ P4Cسبيلاً يمضي إلى الأمام تحقيقًا لهذه الغاية.

لغة المنطق

الخطوة الأولى التي يأخذها الطلبة تجاه الفلسفة المتعّمّدة هي إكسابهم المزيد من السيطرة على طريقة تفكيرهم عن طريق تمرّسهم في استخدام لغة المنطق.

هناك بعض الكلمات والجمل والمفاهيم التي تبني حوار وكتابةً وتفكيرًا في أيّ مترابطات، وتكمن أهميتها في إصدارالأحكام وترتيبها والدفاع عنها أثناء مخاطبة الآخرين. فيما يلي مجموعة مختارة من أهم هذه التعبيرات – مرتبةً تحت أربعة عناوين متعلقة بالعمل الذي يقومون به. تظهر بعض التعبيرات بالضرورة تحت أكثر من عنوان:

   الدرجة: الكل/ بعض/ لا شيء، دائِمًا/ أحيانًا/ أبدًا، أكثر/ أقل أهمية، أفضل/ أسوأ، مستحيل/ ممكن/ محتمل/ مؤكّد، درجة.

   النوع: الجودة، السّمة، المعيار، الكل/ بعض/ لا شيء، هي/ ليست، إذا… ثم، المجموعة، الفئة، هي/ ، جزء/ كامل، مثال، بديل، إضافة، نوع.

   العلاقة: السبب، التأثير، النتيجة، إذا… بعد ذلك، نفس/ مشابه/ مختلف، معاكس، جزء/ كامل، مهم، كبير، أفضل/ أسوأ، قبل/ بعد/ في نفس الوقت، معيّن/ ممكن/ محتمل/ مستحيل، يعني/ نهاية/ هدف، اتصال، علاقة.

   الخطاب: سؤال، جواب، بيان، اقتراح، فرضيّة، رأي، سبب، حجّة، أسباب، مبدأ، حدّ أقصى، افتراض/ افتراض مسبق، دليل، استنتاج، إذا… إذن، ما لم.

اقترح الأخصائي التعليمي والفيلسوف والناقد الإنجليزي آي إيه ريتشاردز أن مثل هذه الكلمات تعتبر مهمّة لغويًّا لأنها تساعد الأفراد على التفكير في الأشياء الأخرى. في اقتباسةٍ مدهشةٍ يقول: “معاني هذه الكلمات الرئيسية – وطريقة عملها مع أو ضد بعضها – هي مبادئ المنطق”. (Richards, 1955, p. 10)

فلنربط أفكار ريتشاردز مع بعض التصورات السائدة في “مهارات التفكير”.

غالبية التعبيرات في “لغة المنطق” مهمّة بالنسبة للعمليات التي تؤكّد عليها مبادرات مهارات التفكير: الفرز، والتّصنيف، والتّحليل، والاعتراف بالعلاقات بين الجزء/ الكل، والمقارنة والتّناقض، والافتراض، واستخلاص النتائج، وتبرير

الاستنتاجات، والتّمييز بين الحقيقة من الرّأي، وربط الأسباب بالنتائج، وتوليد الآراء، وما إلى ذلك (see Schwartz and Parks, 1994).

جميع هذه العمليات تتطلّب الاستخدام المثقّف للغة المنطق. إن المقارنة – في الواقع – هي الاستخدام المثقّف لمصطلحاتٍ مثل: (متشابه ومختلف) لغرض ما؛ التعليل هو الاستخدام المثّقف لمصطلحات مثل: (سببٍ ونتيجة لـ).

إذا فكّر الطلاب بأنفسهم فيجبُ تطوير لغة المنطق تطويرًا متعمدًا ومنتظمًا كلامًا وكتابةً.

يؤخذ في عين الاعتبار ما قد يفعله الشّخص في حالة الاختلاف مع زميل.

   جون: أعتقد بوجوب منع أبحاث الخلايا الجذعية؛ لأننا لا يجب ألّا نعبثَ في الحياة البشرية. إنه مبدأ. يجب ألّا نتصرف كأننا إله.

   ياسمين: أختلف معك في الرأي؛ أبحاث الخلايا الجذعية تخلق للأشخاص المصابين بأمراضٍ خطيرةٍ فرصةً لحياة أفضل. ربما لا ينبغي القيام بها لمجرّد أننا نستطيع، أو لاستخداماتٍ تجميليّة، بل حصرًا لعلاج الأمراض الخطيرة.

من أجل المضيّ قدُمًا في هذه الحجّة، سيتعيّن على جون وياسمين أن يدركا مشاركة المبادئ والنتائج في الأمر.

سيحتاجان إلى مشاركة خلفياتهما وربطها بأسبابهما. من الممكن أن تعرض ياسمين معلوماتٍ أكثر عن علاجاتٍ مختلفة، في حين سينظر جون فيما إذا كان يجب تعديل مبدئِهِ أو لا إلى “يجب ألا نعبث بالحياة البشرية إلا إذا..” قد يتّفقان – على الأقل – أن كليهما يقدّران الحياة البشرية. قد تقول ياسمين: الناس يفسدون الحياة البشرية طوال الوقت، مثل إجراء الناس للعمليات. فلم تختلف أبحاث الخلايا الجذعية من حيث المبدأ عن تلك الأشياء؟

الكلمات المذكورة سابقاً (مبادئ، نتائج، فقط، أفضل، إلّا إذا، أوافق، لا أوافق، أسباب) لها استخدامان: مساعدة جون وياسمين على تقديم الحجَج ومساعدتهما على التفكير في هذه الحجج معًا. هذه الكلمات تعتبر أدواتٍ مثلها مثل خطوات الموافقة والمقارنة. مع ذلك، فكلمة “أداة” تعتبر تشبيهًا محدودًا؛ فنحن لا نستخدم – مثل النجار – كلّ أداةٍ على حِدَة.

لدينا جميع الأدوات في أذهاننا طوال الوقت، وعلى استعداد لاستخدامها مع بعضها – في أيّ مزيجٍ مطلوبٍ في سياقٍ معيّنٍ للتفكير أو الحوار أو الكتابة في أيّ موضوع. هذه الكلمات تعتبر أكثر من مجرد أدوات؛ تعتبر جزءًا منّا. يصبح الطلاب عقلانيّين عندما يكونون قادرين على استخدام لغة المنطق للسّيطرة على أفكارهم، وعندما يفهمون حجم ثراء تلك اللغة، وعندما يميلون إلى التعقّل مع الآخرين. وإذا أصبح الطلاب أكثر عقلانية، فسوف تنتقل هذه العقلانية إلى الصفوف المدرسية في جميع المواد – على استعدادٍ وقدرةٍ للتعلّم تعلمًا أفضل وبفهمٍ أكبر.

تقاليد لتطوير المنطق

فيما يلي بعض الأفكار لمساعدة الطلاب على ملائمة لغة المنطق أثناء الحوارات في الفصل الدراسي:

  1. أظهِر للطلاب كيف يمكنهم التساؤل منهجيًّا في أيّ مشكلة باستخدام سلسلة متتالية من الأسئلة التي تتضمن تعبيرات أساسية من لغة المنطق. بّيّن لهم كيف يباشرون في وضع مجموعة الأسئلة سويّةً؛ استعجلهم بسؤالهم “ما هي الأسئلة التي لديك في هذه المرحلة؟” أو “ما الأسئلة الثلاثة التالية التي تود طرحها حول هذا الموضوع؟” الفت انتباههم إلى فائدة التعبيرات في صياغة الأسئلة مثل “ما هي البدائل؟”، “ما وجه التشابه والاختلاف بينهم؟” “ماذا سيحصل إذا تم اختيار أحد هذه البدائل؟”
  2. أدرِج جلساتٍ قصيرة في الدروس تشدّ فيها انتباه الطلاب إلى المعاني المختلفة للكلمات المنطقية. على سبيل المثال، يمكن أن تكون الأشياء متشابهةً بطريقة مختلفة:
  • هتلر وستالين متشابهان؛ كلاهما طغاة.
  • الاستنساخ يعني إعادة صنع كائنٍ ما ليكون مشابهًا لنفسه مع تطابق التّركيب الجيني.
  • النعجة المستنسخة والأصل ليست نفس الكائن. كيف من الممكن أن يكون هناك اثنان منهما؟
  • هذه القصائد متشابهة؛ كلّ منها تعبر عن مشاعر حب عظيمة.
  1. ساعد الطلاب على استخدام الرسوم البيانيّة والقوائم المكتوبة عندما تكون هناك حاجةٌ إلى جمع الأسباب وتحليلها، أوالأمثلة أو أوجه التّشابه أو الدّواعي. تعمل المخطّطات والقوائم على تركيز الاهتمام المشترك. ومع ذلك، لا تعتقد بأن فوائد استخدام “المخططات الرسوميّة” سوف تتسرّب عبر المناهج الدراسية دون أيِّ جهدٍ إضافيّ. الحوار المنتظم في الفصل أمرٌ ضروريّ.
  2. أكّد على لغةِ المنطق في جميع الحوارات التي تُجريها مع الطّلاب. استخدم اللغة بنفسك عن طريق التّغطية على مساهمات الطلاب؛ لذلك إذا قال أحدهم: “لديّ فكرةٌ أخرى”، اسأل عمّا إذا كانوا يعتقدون أنها فكرةٌ مختلفةٌ عن تلك التي أثيرت سابقًا، وإذا كان الأمر كذلك، فما هي طرق الاختلاف. إذا قال أحدهم: “X يحدث بسبب Y”، فيمكنك أن تقول: “إذن هذه نتيجة، ما هي بعض العواقب المحتملة الأخرى؟” و”ما هي العواقب التي تعتقد أنها الأكثر أهمية؟” بهذه الطريقة سيبدأ الطلاب باستخدام لغة المنطق للتفكير في تفكيرهم.
  3. تحدّث إلى الطّلاب حول كتاباتهم من حيث لغة المنطق. أين يقارنون الأشياء؟ أين يستكشفون العواقب أوالتّصنيفات؟ كيف يفعلون كلّ هذه الأشياء؟ شارك كتاباتِك معهم لتريهم أنّك تفعل المثل.
  4. استخدم “مدوّنات الأسئلة والأفكار” للطلاب لتسجيل أفكارهم وتطويرها. من الممكن استخدام هذه الكتب في تقديم مطالبات مثل: “اكتب أربعة أمثلة على الأقل من…؟” أو “ما هي بعض المعايير لـ..” دع الطلاب يكتبون بحرية حول ما يلي من قوائمهم أو الأسئلة الإضافية التي لديهم.
  5. من وقتٍ لآخر، ركّز على واحدٍ من التّعبيرات الثريّة وأنشئ نشاطًا لمساعدة الطلاب ليصبحوا أكثر درايةً بالدّورالذي يلعبه هذا التعبير في المنطق.

مفاهيم فلسفية:

ليخطوا الطلاب خطوة أخرى نحو التفلسف المتعمّد يجب عليهم أن يدركوا أنواع المفاهيم التي غالبًا ما تكون موجودةً في الأسئلة والمناقشات الفلسفية.

توحّد المفاهيم عدّة أشياء مختلفة في الفئة الواحدة. يقال إن أعضاء هذه الفئة يتشاركون في بعض الخصائص التي يمكن تعريفها أو وصفها. وبالتالي، فإن “المربّع” و”النحلة” مفهومان، وعلى الرغم من أن حالات كلّ منهما قد تختلف بطرقٍ معيّنة، إلا أنه ينبغي تمييزها عن الأشكال مثل ثُماني الأضلاع والحشرات مقترنات الأجنحة مثل اليعسوب. في مجال العلوم الطبيعية، هناك مجال للتنافس المفاهيمي والتغيير تحت ضغط الاكتشافات الجديدة. مثال على ذلك تغيير بلوتو من “كوكب” إلى “كوكب قزم”.

ومع ذلك – ففي مجالات التحقيق الفلسفية – غالبًا ما تكون المنافسة المفاهيمية متواصلة. على سبيل المثال، “المعاملة على قدم المساواة” و”الحصول على ما تستحقه” هما تعريفان معارضان للعدالة، لكن ربما يكون من الممكن التعامل على قدم المساواة والحصول على ما تستحقه ممكنًا أيضًا. ثم مرة أخرى، هناك تداخلات بين مفاهيم العدالة والإنصاف والمساواة والثّواب والحرية. العلاقات بينهما ليست قاطعة ولكن مفتوحة للحجّة. جزءٌ مهمٌّ من ممارسة الفلسفة هو التفكير تفكيرًا منهجيًّا في المفاهيم المتنافسة في ضوء تطبيقاتها في الحياة وآثارها على العمل.

اقترح الفيلسوف الإنجليزي آر جي كولينقوود (5002، الصفحات 62-35) اختلافًا آخر بين المفاهيم الفلسفية والمفاهيم الناشئة عن العلوم الدقيقة والتجريبيّة. وادعى أن لدى جميع الناس بعض الوعي – من خلال المحادثة العادية التي تبدأ منذ الطفولة – بالمفاهيم الفلسفية مثل “الإنصاف” و”الجمال” و”المعرفة”. في الفلسفة، لا يوجد “الصفرالمطلق” للمعرفة. بدلاً من ذلك، نتوصّل إلى فهم المفاهيم الفلسفية بشكلٍ أفضل ونطبقها تطبيقًا أكثر حكمة بعملية تفكيرٍ منهجيّةٍ عن الطرق التي تعمل بها هذه المفاهيم مع وضد بعضها في مجال البحث.

في كتاب شاملٍ ومؤثّرٍ كتب عن P4C، اقترح لورانس سبليتر وآن شارب (1995, p. 130) أن المفاهيم الفلسفية: شائعة، ومحورية، وقابلة للنقّض. يمكننا استخدام تلك العناوين ذات الصلة لتلخيص النقاش حول المفاهيم حتى الآن ولكن يجري تطبيق تعاريف مختلفة قليلًا للمصطلحات عن المؤلفين الأصليّين.

شائعة. مفاهيم مثل “الإنصاف”، و”الصحراء”، و”الجمال”، و”المعرفة”، و”الحقيقة”، و”الوقت”، و”التاريخ”، و”الأدلة” كلها مفاهيم شائعة يدركها معظم الناس على الأقل أو يدركون المفاهيم ذات الصلة بها. لذلك، فإن فلسفة هذه المفاهيم تتضمن التعرف عليها بطريقة أوضح وأكثر اكتمالًا، وفهم كيفية تطبيقها في التجارب الحياتية.

محورية. المفاهيم الفلسفية أساسية للحالة الإنسانية، أو في مجالات المساعي الإنسانية أو للجدل المستمر.

قابلة للنّقض. تعمل المفاهيم الفلسفية مع وضد بعضها في علاقات لها تاريخٌ وقابلة للطعن. لا يمكن حل اختلافات الحكم والتفسير بالرجوع إلى تعريف موثوقٍ واحدٍ أو مبدأ أساسيّ. وبالتالي فإن الحوار الفلسفي سيعمل على إصدار أحكامٍ أكثر حكمة بإدراك تعقيد المسألة، وتقدير أن الإجماع قد لا يكون ممكنًا.

ليس بالضرورة مناقشة مفاهيم مثل “العدالة” بطريقة فلسفية. قد يقول البعض إن “العدالة تتعلّق بالمعاملة المتساوية” بينما يرد البعض الآخر “لا، بل تتعلّق بحصول الشخص على ما يستحقه”. قد يرجعون بجزعٍ الى الموقف القائل: “على أية حال، المسألة مسألة رأي شخصي” ومن غير المُجدي تقديم رأيك للآخرين ومجادلتهم فيه. كيف إذن، يمكن للمدرسين مساعدة الطلاب على التفكير فلسفيًّا في المفاهيم المتنافسة، وما هي فوائد القيام بذلك؟

طرح الأسئلة الصحيحة

للمضي قُدمًا في التفكير، يجب طرح الأسئلة. في التساؤل الفلسفي، الأسئلة الصحيحة التي يجب طرحها هي الأسئلة التي تدفع الشخص إلى الأمام.

سيتضمن سؤال البداية – أو على الأقل يلمّح – مفهومًا فلسفيًّا (أيّ مفهوم شائعٍ ومحوريّ وقابلٍ للنّقض). سيكون أيضًا سؤالًا مفتوحًا، بمعنى أنه لن يُطرحَ من موقع سلطة مع وجود إجابةٍ مُسبقة في الاعتبار. يمكن أن يكون لسؤال البدء إجابة “نعم” أو “لا”، وما يزال يُنظَر إليه على أنه سؤالٌ مفتوحٌ لأن الإجابة تبدأ عملية الحوار بدلاً من إنهائها.

لذلك، فإن الأسئلة التالية مفتوحة ولكلّ منها بعدٌ فلسفي.

  • هل الكتابة على الجدران فنٌّ أو تخريب؟
  • هل “التجارة العادلة” ممكنة على الإطلاق؟
  • هل من الممكن أن يكون من الصّواب غزو دولةٍ أخرى؟
  • هل الثراء الفاحش من الظلم؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل يجب وضع قواعد حول مستويات الحد الأدنى والحد الأعلى للثروة؟
  • من يجب أن أُحترم ولماذا؟
  • هل لديّ أكثر من ثقافةٍ واحدة؟
  • إذا قام أحد الطلاب بإساءة التّصرف في الفصل، هل من الخطأ دائمًا معاقبة الفصل بالكامل؟
  • هل ينبغي للعلماء أن يقرّروا ما الذي يجب على المجتمعات فعله فيما يتعلق بالاحتباس الحراري لأنهم على دراية أكبر بالاحتباس الحراري من بقيّة الناس؟
  • هل الديموقراطية هي على الدوام أفضل أشكال الحكم؟
  • هل التسامح فضيلة؟

سيساعد المدرسون الطلاب في التعرف على الأسئلة المفتوحة ذات الأبعاد الفلسفية وإنشاء أسئلتهم الخاصة. دعونا نلقي نظرةً على الطريقة التي يمكن أن يتبعها التحقيق في أحد هذه الأسئلة، وما هي الأسئلة الأخرى التي يمكن طرحها لدفع الحوار إلى الأمام وكيف يمكن للغة المنطق المشروحة في بداية الفصل بالمساعدة.

مثال عملي: هل التسامح فضيلة؟

يحتاج المشاركون في الحوار إلى النظر إلى المفاهيم التي يتضمنها السؤال، لا إلى تلك الواردة فيه حصرًا. لنفترض أن الفضيلة عادة جيّدة في السلوك تتأثر بالذكاء وبالفضائل الأخرى. لنفترض أيضًا أن الطلاب والمعلم تحاوروا حول هذا المفهوم من قبل، وعليه، فإن لديهم شيئًا قابلًا للبناء عليه. لذلك، هل التسامح عادة جيدة لزرعها في النفس والآخرين؟

أساس مفهوم التسامح هو شبكة تاريخية من المفاهيم ذات الصلة تعمل مع وضد بعضها – على سبيل المثال: ضبط النفس، والمعارضة، والاشمئزاز، والتحامل، والعنف، والقوة، والمعقولية، والإخلاص، والاحترام، والعواقب، والسلطة. وبالتالي، فإن مفهوم التسامح وتطبيقاته غير مستقر وقابلٍ للنّقض بشدة. في الحوار، سيدرك المشاركون سريعًا هذا الصّدام في المفاهيم، وخاصة عندما يبدؤون البحث عن الأمثلة. فيما يلي بعض الاستراتيجيات المقترحة للمعلم – لا للتساؤل فقط عن هذا السؤال ولكن أيضًا لأيّ أسئلةٍ أخرى تتضمّن مفاهيمَ قابلةً للنّقض:

  • ساعد الطلاب على إنشاء حقلٍ من المفاهيم ذات الصلة.
  • ساعدهم على رؤية كيف يمكن للمفاهيم العمل مع وضد بعضها.
  • ساعدهم على طرح أمثلةٍ مناسبةٍ للنّظر فيها ومقارنتها.

فلنقل إن بعض الطّلاب يوافقون على أن التسامح يتعلّق بإظهار ضبط النفس تجاه شيءٍ تعارضه أو حتى تمقته.

ولكن هناك سؤالًا يجب طرحه: هل من الممكن التّحلي بضبط النفس والمعارضة في آنٍ واحد؟ ربما يجد الطلاب أنه من الممكن، عند بدء التفكير في الأمثلة. ولكن بعد ذلك يجب طرح أسئلةٍ أخرى: هل كل أشكال المعارضة لها ما يبررها – بما في ذلك تلك التي تتضمن العنف؟ وإذا توقف الشخص عند العنف ولكن ما زال معارضًا بالإقناع، فهل يمكن له أن يدّعي أنه متسامح؟ يجب أن يكون المعلمون على استعدادٍ لطرح الأسئلة التي يجب طرحها وتشجيع الطلاب على طرح هذه الأنواع من الأسئلة أيضًا.

في مسارٍ آخر، إذا كان الشخص متحيّزًا بشأن أشياء كثيرة ولكنه لم يصل إلى حد السّماح لتحيّزه بالوصول إلى العنف، فقد يدّعي بفخرٍ أنّه شخصٌ متسامح. ربما سيكون من الأفضل إذن التفكير بأن “عدم التحيز” على أنه أكثر فضيلةً من التسامح. ولكن هل التحيز خطأ على الدوام؟ ألا يجب أن يعترض الناس ويتحيّزون ضد القسوة – على سبيل المثال؟

بعد التعرف على شبكة المفاهيم الفلسفية والنظر في علاقاتها المعقدة، يمكن للمعلم طرح الأسئلة الصادرة عن أمثلة من تطبيقها. قد نسمع:

“هل يجب على المدرسة” عدم التسامح مطلقًا “مع التصرفات السيئة وطرد الأطفال إذا عطّلوا الدروس؟” أو “هل يجب أن تغزو الدول دول أخرى لمنع أعمال القتل الجماعي؟” لاستكشاف هذه الأسئلة استكشافًا أكبر، يمكن للمشاركين استخدام لغة المنطق.

  • اسأل عن النتائج المترتبة على اتخاذ الإجراء المقترح أو الامتناع عنه.
  • اسأل عن مسارات العمل البديلة التي قد تكون هناك. ما هي الأسباب التي يمكن أن تدعم كل من البدائل؟ اسأل عن درجة “السوء” التي ينبغي – في رأيهم – أن تحثّ على اتخاذ إجراء، وما هي السّمات التي تجعل “السوء” سيئًا.
  • اسأل الطلاب – في كل مرحلة من مراحل الحوار – عمّا إذا كان لديهم أسئلة يودّون طرحها.
  • اسأل عن الروابط الموجودة بين مفاهيم مثل التسامح التّحيز. إذا لم يقترح الطلاب مفاهيم تعتقد أنها ذات أهمية، فيجب عليك تقديمها.
  • اطلب من الطلاب تقديم حجج وتقديم أمثلة. شجعهم على التفكير في الحجج المضادّة الممكنة وتقديم أمثلة عليها. إذا كانت هناك حجج تعتقد أنه يجب على الطلاب مواجهتها ولكن لم تتمّ إثارتها، فقدمها بنفسك بسؤالهم: “بم تردّ على شخصٍ طرح هذه الحجّة البديلة…؟

ما هو التقدم في البحث الفلسفي؟

لا يعتمد التقدّم بالضرورة على توصّل الطلاب إلى إجماعٍ في الرأي. قد يكون هناك خلافٌ معقول. سيظلّ هناك دليلٌ على التقدّم إذا:

  • طوّر المشاركون لغةً مشتركةً ذات قيمة. عملية فهم أن إجاباتهم تتشكّل من بعض المفردات المتشابهة، يسهل تقبّل فكرة “الموافقة على عدم الموافقة” .(Appiah, 2007, p. 30)
  • أدرك المشارك أن الاستخدام والتطبيق “النِّدّي” لمفهومٍ ما – ليس فقط من الممكن – بل يمكن أن يكون ذا قيمةٍ عاليةٍ في استخدام الشخص أو تفسيره لهذا المفهوم.(Gallie, 1955, p. 193)
  • أدركَ المشاركون المفهوم إدراكًا أفضل وفهموا جوانب جديدة منه.
  • خرج المشاركون بموقف أكثر تعقيدًا مما كانوا عليه في البداية ونتيجةً لذلك، تكون الحوارات اللاحقة أكثر عمقًا – ليس فقط لأن المشاركين أكثر دراية بالمفاهيم في هذا المجال ولكن أيضًا لأنهم أكثر استعدادًا للتعلّم من الآخرين – حتى لو توصلوا إلى السؤال بأفكارهم المسبقة.
  • أدركَ المشاركون مفهومًا – مثل التسامح – ورأوا طرق تطبيقه التي ترضيهم، وأمكنهم الدفاع دفاعًا منهجيًّا ضد التحديات التي تواجههم.
  • أصبح المعلمون والطلاب مهتمين بتاريخ شبكة المفاهيم ذات الصلة التي تحفّز فلسفتهم. يرغب المشاركون في معرفة المزيد والاستمرار في الاستعلام وتطبيق تساؤلاتهم على حياتهم الخاصة.

ملخص:

يمكن للمدرسين مساعدة الطلاب على ملاءَمة لغة التساؤل بممارسة الفلسفة – التي لا تقتصر على الحوار حول الكلمات ومعانيها ولكن تتعلق بالحياة الحقيقية. في عملية التفكير في كليهما، يمكن للطلاب أن يصبحوا مفكّرين أكثر ثقة وأشخاصًا أكثر عقلانية.

قراءة متعمقة:

يمكن للمدرسين أيضًا مساعدة الطلاب على استكشاف المفاهيم بابتكار تمارين وخططٍ – أو الحصول عليها – تركّز على مفهومٍ واحدٍ أو مجموعةٍ من المفاهيم ذات الصلة. هناك بعض الأمثلة الممتازة التي كتبها ماثيوليبمان، منش⁄ الـ P4C المنشور في مجلة Analytic Teaching :، المجلد 61، العدد 2. وهي متاحة على: الموقع https://www.viterbo.edu

Steve Williams (2019). The article is copyright of the author. An earlier version appeared in: Chandley N, and Lewis, L.  (2012) “P4C Across the  Secondary Curriculum,” Continuum, London. It has since been expanded and amended by the author.

المراجع

Appiah, K. A. (2007) Cosmopolitanism: Ethics in a World of Strangers. London: Penguin.

Berlin, I. (1978) ‘The Purpose of Philosophy’, in Henry Hardy (ed.), Concepts and Categories.

Princeton, NJ: Princeton University Press.

Collingwood. R. G. (2005) An Essay on Philosophical Method. Oxford: Clarendon Press. Gallie, W. B. (1955) ‘Essentially Contested Concepts’, Proceedings of the Aristotelian Society, New Series, 56 (1955–6), 167–98.

Gramsci, A. (1982) ‘The Study of Philosophy’, in Selections from the Prison Notebooks of Antonio Gramsci. London: Lawrence and Wishart.

Jaspers, K. (1960) Way to Wisdom. New Haven and London: Yale University Press.

Richards, I. A. (1955) Speculative Instruments. Chicago: University of Chicago Press.

Splitter, L. J. and Sharp, A. M. (1995) Teaching for Better Thinking: The Classroom Community of Inquiry. Victoria: ACER.

Swartz, R. J. and Parks, S. (1994) Infusing the Teaching of Critical and Creative Thinking into Content Instruction. Pacific Grove, Canada: Critical Thinking Books & Software.

حمل مقالةتعليم التفكير الفلسفي للأطفال”P4C“تقاليد لتطوير لغة المنطق عند الأطفال