الفلسفة مع المراهقين ، تنمية الهوية والشخصية في مرحلة المراهقة: أنماط الوالدية ومجتمع التساؤل الفلسفي

باتريشيا هانام وإيغويني إيتشيفيرا

Philosophy with Teenagers

Identity Development in Adolescence: Parenting Styles and the Community of Philosophical Enquiry

Patricia Hannam and Eugenio Echeverria

Hannam, P& Echeverria,E, 2009, Philosophy with Teenagers: Nurturing a Moral Imagination for the 21st Century,Bloomsbury,London.

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة: يوسف خليل

تدقيق: أمل إسماعيل

الهوية هي بناء نفسي وفلسفي، فنفسياً تكون لها علاقة بسمات الشخصية وتطورها، وطبيعة التجارب الفردية بالإضافة لنوع التجربة الوالدية التي حظي بها الفرد. أما فلسفياً، فترتبط الهوية بأسئلة مثل “من أنا؟” “لماذا أنا هنا؟” و “ماذا أريد أن أفعل بحياتي؟” حيث أن الطبيعة الوجودية لهذه الأسئلة تنتمي بشكل واضح لعالم الفلسفة. ومع ذلك، لا يوجد تمييز واضح بين الجوانب النفسية والفلسفية للشخصية ولكي يصبح المرء شخصاً عليه أن يتعامل مع كليهما.

في مجتمع التساؤل الفلسفي، يستكشف الطلاب كلا الجانبين ويتفكّرون فيهما مع أقرانهم. و يتصورون الإجابات المحتملة على هذه الأسئلة بشكل تدريجي. وتتصل الأسئلة أيضاً بالهدف الرئيسي للعمل في مجتمع التساؤل الفلسفي، وهو تطوير مشروع شخصي واجتماعي يتناول أسئلة مثل “أي نوع من الأشخاص أريد أن أكون؟” و “ما نوع العالم الذي أريد العيش فيه؟”.

تنمية الشخصية في المراهقة

نملك جميعاً هويةً منذ ولادتنا، ولكن المهام التنموية الهامة تبدأ في الظهور في بداية المراهقة. وحينها يكون الطلاب في حاجة لاتخاذ قرارات عن أشياء مثل استمرارهم في الدراسة أو الذهاب للبحث عن عمل. عليهم أن يقرروا مالمهنة التي يرغبون في تعلمها أو أن يبدأو تجارة ستمكنهم من كسب عيشهم باستقلال عن والديهم. وبعبارة أخرى، فانهم بحاجه إلى البدء في التفكير في ما سيفعلونه ليصبحوا أفراداً مستقلين ذاتياً.

وفي هذه المرحلة من الحياة، يبدؤون أيضاً في بناء أفكارهم الخاصة عن الدين والسياسة وماللذي عليهم قوله أو فعله عندما يبدؤون بتكوين علاقات اجتماعية كما أنهم  يبدؤوا في تطوير أفكارهم الخاصة حول الصداقة ومالذي يشكّل الصديق وأنواع الصداقات التي يريدون تكوينها.

هذه المهام التنموية ليست سهلة لأي شخص يمر بفترة المراهقة، فإن القدرة على التحدث عن أفكارهم ومشاعرهم والقدرة على استكشاف طرق عمل مختلفة مع مجموعة من أقرانهم في هذا الوقت تمنحهم ميزة كبيرة بالمقارنة مع أولئك الذين لا يتشاركون مساحة مجتمع تساؤل فلسفي.

لم تتم دراسة المراهقة كمرحلة منفصلة من التطور بشكل كامل إلا منذ نهاية الستينيات. ويمكن العثور على استكشاف إريك إريكسون Erik Erikson (1968) لمراحل التنمية الاجتماعية والثقافية في كتابه “شخصية الشباب والأزمات”، والذي كان أحد الأعمال الأساسية لذلك الوقت. فيما بعد، طور جيمس مارشا James Marcia بروتوكول مقابلة لاختبار بعض أفكار إريكسون حول الشخصية في مرحلة المراهقة.

هذه العملية من الاستكشاف والبحث عن الهوية تتوّج مع جيرالد آدامز Gerald Adams وتطويره لقياس الهدف من شخصية الأنا (Objective Measure of Ego Identity Status) في 1979. وقد تم تعديله وتحسينه مرات عديدة منذ ذلك الحين. وقد وصف جيمس مارشا الاختبار بأنه المقياس الأكثر تطوراً للتقرير الذاتي لنموذج وضع الأنا. لقد طُلب الآن تقييم التقرير الذاتي لتشكيل الشخصية لاستخدامه في كل قارات العالم وفي أكثر من 40 دولة مختلفة بما في ذلك المجتمعات الديمقراطية والاشتراكية والشيوعية، ويعتبر مورداً رائعاً للبحث والممارسة. ومن المهم أن نذكر هذا بسبب البحث الذي تم إجراؤه فيما يتعلق بالعلاقة بين تطوير هوية صحية خلال فترة المراهقة والمشاركة في مجتمع التساؤل الفلسفي خلال المرحلة المتوسطة والثانوية. من المفهوم أن فترة المراهقة المبكرة هي الفترة من 10 إلى 13 سنة ؛ فترة المراهقة المتوسطة هي الفترة ما بين 14 و 16 عامًا ، أما سن المراهقة المتأخرة أو سن البلوغ فهو من سن 17 إلى 21 عامًا. وقد حددت كل مرحلة من هذه المراحل بأنها متميزة وتحتاج إلى اهتمام خاص فيما يتعلق بالتغييرات المحددة التي يمر بها المراهقون والتحديات التي يتعين عليهم التغلب عليها ليصبحوا بشراً مستقلين. ويتعين على المراهقين اتخاذ قرارات بشان مناطق في حياتهم وهم يبدؤون في “أن يصبحوا أشخاصاً خاصّين بهم”، إذ يبدؤون في تطوير أهدافهم بصورة مستقلة بشكل متزايد عما يريده آباؤهم أو أحباؤهم لهم. المجالات الأيديولوجية الأربعة هي اختيار المهنة، والأفكار حول السياسة والدين وبناء فلسفة الحياة. والمجالات الأربعة الشخصية هي الصداقة والمواعدة والأدوار الاجتماعية والترفيه أو استخدام وقت الفراغ.

الأبعاد الأيديولوجية للشخصية 

الاختيار المهني

يشير الاختيار المهني إلى الاستكشاف الذي يجب على المراهقين القيام به بشأن مواطن قوتهم وضعفهم ، وما يعجبهم ولا يعجبهم وأهدافهم حول كيفية كسب لقمة العيش وكسب أموالهم الخاصة بمجرد أن يغادروا المدرسة ويصبحوا مستقلين. وبينما هم يكبرون، فإن أفكارهم من حيث كيفية كسب لقمة العيش عادةً ماتكون غير واقعية أو متعلقة بما يفعله آباؤهم أو ما يرونه في المنزل لذلك فمن الشائع أن نسمع أنهم يريدون أن يفعلوا ما يفعله آباؤهم. وعندما يبدؤون في اكتشاف اهتماماتهم الخاصة قد يقرروا أن يفعلوا شيئاً وفقاً لنقاط قوتهم واهتماماتهم  الحقيقية.

الاهتمامات السياسية 

وفيما يتعلق بالسياسة، فإن تأثير ما يرونه ويسمعونه في البيت يشكل أول لقاء لهم مع هذا المجال الهام من التطور الأيديولوجي. قد يسمعون أن هناك اهتماماً بمناقشة المواضيع المتعلقة بالتنمية المستدامة وحقوق الحيوان والقضايا الجنسية والانتقادات الموجهة إلى القادة السياسيين المحافظين أو الليبراليين في منطقتهم أو يمكن أن يكونوا قد تربوا في بيئة منزلية حيث لا اهتمام في أي شيء له علاقة بالقضايا والأفكار السياسية. أياً كان الوضع، فإن الإعداد المدرسي والمجتمع التساؤلي الفلسفي سيسمحان لهم باكتشاف هذه المسائل ومناقشتها والتفكير فيها، وسيتمكنان تدريجياً من اتخاذ قرار بشأن ما يريدون الإلتزام به وكيف. إن التركيز على القيم الديمقراطية والاهتمام بتطور الخيال الأخلاقي يعني أن قضايا مثل التنمية المستدامة والأخلاقيات البيئية سوف تكون موجودة بشكل أو بآخر أثناء مناقشاتهم. الأهمية الممنوحة للتناسق بين الفكر والكلمة والعمل تضمن بأمل أن يظهروا في تصرفاتهم وسلوكهم أنهم قد استوعبوا الأفكار التي تم استكشافها في الفصل وأن يتصرفوا على أساسها.

الدين

الدين هو مثال رئيسي آخر لمجال يتأثر كثيراً بما يحدث في المنزل. يتبنى الأطفال وهم يكبرون الأفكار الدينية لمنازلهم على الأقل في البداية. يصبح تأثير المدرسة نافذ المفعول عندما ينتقلون بعيداً عن المنزل بين 5 و 7 سنوات من العمر. عند هذه النقطة يبدأ الأطفال بمقارنة واستكشاف الأفكار التي تختلف عن أفكارهم. يوفّر هذا لهم فرصة لإجراء مقارنات وللتأكد من وجود آخرين لا يشاركون نفس طريقة رؤيتهم للأمور، على سبيل المثال، البعد الديني أو الروحي لحياتهم. ستكون هناك منازل يلعب فيها الدين دوراً قيادياً ويتم التخطيط للكثير من الأنشطة داخل الأسرة حوله، وهناك منازل أخرى يلعب فيها الدين دورًا بسيطًا أو لا يلعب دورًا على الإطلاق. سيتعين على الطلاب في مجتمع التساؤل الفلسفي في النهاية أن يقرروا من تلقاء أنفسهم الأهمية والنطاق اللذين سيستغرقهما هذا المجال من التطور الإيديولوجي.

تطوير فلسفة الحياة

فلسفة الحياة هي مجموعة من المعتقدات التي يطورها المرء والتي تساعد على توجيه أعمالنا في العالم، وإحدى الطرق لمعرفة ما إذا كان المراهقين يطورون بالفعل فلسفة للحياة هو أن يطلب منهم أن يمارسوا تمرين تخيل بأن يصفوا يوماً في حياتهم بعد خمس سنوات ثم بعد عشر سنوات. بعض الأسئلة التي يمكن استخدامها:

كيف ترى نفسك تفعل خلال خمس سنوات؟

أين تعمل؟

كيف تذهب إلى العمل؟ بالسيارة أم بالحافلة أم مشياً على الأقدام؟

كم من الوقت يستغرق الوصول إلى هناك؟

هل ستكون في مدينة أم في منطقة ريفية؟

هل تعمل وراء مكتب أم في الحقول؟

كيف تلبس ؟ رسمياً أم لا ؟ هل يجب أن ترتدي زيا أم لا ؟ ما هي أنواع الملابس التي تحبها؟

هل أنت متزوج؟ هل لديك أطفال؟

ماذا تفعل في وقت فراغك؟

ما نوع الموسيقي التي تستمع إليها؟

ما هي أهدافك للسنوات الخمس القادمة؟

والخطوة التالية هي طرح نفس الأسئلة كممارسة في تخيل الوضع بعد عشر سنوات من الآن. وهذا يعني أنه إذا كان المراهقون في السادسة عشر فسيتعين عليهم أن يتخيلوا كيف ستكون حياتهم عندما يكون عمرهم 26 سنه. بعض المراهقين لديهم فكرة أكثر أو اقل وضوحاً عن كيف يريدون أن تبدو حياتهم في 5 أو 10 سنوات. ولكن هناك العديد من الآخرين الذين سيكون من الصعب أو المستحيل عليهم القيام بهذه العملية، ولم يتوقفوا قط للتفكير في خططهم للمستقبل، ليس لديهم فكرة واضحة عما يريدون فعله بحياتهم، والكثير منهم غير واقعي في تحديد أهدافه لأنهم قادرون على تصور مستقبل مشرق وناجح لأنفسهم لكنهم لا يتخذون الخطوات اللازمة لتحقيقه. لذلك يمكنهم القول إنهم سيكونون رجال أعمال ناجحين ويكسبون الكثير من المال لكنهم لا ينجحون في إنهاء المرحلة الثانوية، والمشكلة الشائعة هي عدم قدرة المراهقين على تأسيس العلاقة بين ما يريدون أن يصبحوا خلال 5 أو 10 سنوات وما يفعلونه في الوقت الحاضر، هناك نوع من التفكير السحري حيث يبدو أنه فجأة وبأعجوبة سيكون هناك استراحة في حياتهم وسيصبحون ما تخيلوه بجهد ضئيل أو بدون جهد.

إحدى وظائف مجتمع التساؤل الفلسفي هي ضخ جرعة جيدة من الواقعية في تفكير الطلاب، أثناء محاورة القضايا المهمة بالنسبة لهم مع أقرانهم، يمكنهم فحص مجموعة متنوعة من المعتقدات حول الأشياء ومجموعة متنوعة من الإجراءات الممكنة، وكذلك مطالبة أنفسهم بالتناسق الضروري بين الكلمة والفكر والعمل. ودور المنطق والمنطق الصوري يلعب جزءاً هاماً في هذه المرحلة من التنمية. وقد وصف اوفرتون Overton (1990) كيف أنه “في الوقت الذي يصل الطفل إلى سن المراهقة يكون قادر على التفكير بشكل تجريدي وفقاً للقواعد التي يمكن فيها اعتبار المنطق الصوري نموذجاً تجريدياً. ولكن هذا لن يكون صحيحاً إلا بشرط أن يتم تطبيق المنطق على المجالات التي يكون فيها الشخص ذو معرفة وخبرة في المجال وفي الحالات التي تعني له شيئاً…”

ترتبط المهام التنموية بالمواقف والخبرات التي تعتبر منطقية للمراهقين الذين يحتاجون إلى التفكير فيها والتعامل معها بطريقة ناجحة، وطبيعة التغييرات في تطورهم المعرفي تتيح لهم القدرة على التعامل مع العلاقات بين السبب والنتيجة، والتنبؤ بالنتائج، وخاصة القدرة على هيكلة وتطوير أهداف قصيرة الأجل ومتوسطة الأجل وطويلة الأجل لمشاريع حياتهم ومتابعتها حتى الانتهاء.

البعد الشخصي للشخصية

في نطاق الهوية الشخصية، يجب على المراهقين التعامل مع أفكارهم ومثلهم العليا حول الصداقة، المواعدة، أدوار المجتمع، قضاء أوقات فراغهم، بالإضافة إلى تطوير الشعور بالانتماء إلى مجموعة.

الصداقة

تصبح الصداقة مهمة للغاية خلال سنوات المراهقة. عندما يدخل المراهقون هذه المرحلة، يكون هناك ابتعاد تدريجي عن تأثير الأسرة، وتزداد أهمية الأصدقاء في حياتهم. عندما يصبح الأطفال مراهقين، يبدؤون في اختيار أصدقائهم بأنفسهم، بينما الأطفال الصغار يختار لهم آبائهم أصدقاء بالاعتماد على الحي الذي يعيشون فيه مثلاً أو المدرسة التي يدرسون فيها والأقارب الذين يزورونهم ويتفاعلون معهم. وبمجرد أن يبدا الأطفال في الاختلاط في المدرسة ويتعرضون لنماذج ادوار مختلفة يبدؤون في تحديد الأشخاص الذين يريدون البقاء معهم أو الذين يريدون دعوتهم إلى المنزل لتناول وجبة أو لقضاء عطله نهاية الأسبوع. يمكن للوالدين التأثير على اختيارات أصدقاء أطفالهم فقط إلى نقطة معينة. وإذا كانوا يحترمون الاستقلال الذاتي لأطفالهم، فقد يضطرون إلى قبول بعض أصدقائهم حتى عندما لا يوافقون تمامًا على أسلوب حياتهم أو الأسرة أو الخلفية الاجتماعية.

العلاقات الاجتماعية

يبدأ المراهقون الشباب في إقامة علاقات أوثق أحياناً مع الناس في سنهم. وإذا كانت هناك علاقة صحية بين آبائهم فمن الممكن أن يميلوا إلى تقليد تلك الأنماط من التفاعل، وكذلك إذا كانت هناك حاله أسرية مختلة. عادةً تبدأ انماط العلاقات من 12 إلى 17 عامًا تقريبًا ويضع المراهقون موضع التطبيق ما يعتقدون أنه قواعد اللعبة ويقومون ببناء أدوار اجتماعية قد تصاحبهم لبقية حياتهم. هذا هو السبب في أهمية مجتمع التساؤل الفلسفي في هذه المرحلة من حياتهم. سوف يناقشون مع أقرانهم ما يعتبرونه مناسبًا أو كافيًا وما هو غير مناسب. يمكن أن يحدث التثقيف الجنسي مثلاً على أفضل وجه في سياق مجتمع التساؤل الفلسفي، حيث يمكن مناقشة قضايا احترام أجساد الآخرين والحرية وغيرها ويمكن تحدي الأفكار المسبقة والسؤال عنها. يلعب الخيال الأخلاقي دورًا مهمًا أثناء مناقشة هذه القضايا. ماذا سيحدث لو … ماذا يمكن أن تكون العواقب…

العلاقات طويلة الأجل

ترتبط معتقدات المراهقين فيما يتعلق بالواجبات والمسؤوليات التي سيتحملونها عندما يدخلون في علاقات زوجية مستقرة طويلة الأجل، في كثير من الحالات بهدف تكوين أسرة وإنجاب الأطفال.. تتوافق هذه المرحلة مع المراهقة المتأخرة – حوالي 18 إلى 23 عامًا. مجدداً، فإن تأثير نمط الوالدية مهم للغاية فيما يتعلق بكيفية تحديد وتوضيح هذه الواجبات والمسؤوليات والتفاوض عليها.

تعكس الطريقة التي يقضي فيها المراهقون أوقات فراغهم إلى حد كبير ما هي اهتماماتهم وما إذا كانوا قد حددوا بالفعل هواية أو رياضة أو نشاطًا محدداً يفضلونه. قبل المراهقة يقرر الوالدان ما يجب فعله أثناء وقت الفراغ مع العائلة. تعد قدرة المراهقين على تحديد الأنشطة التي تعجبهم وقضاء الوقت في تطويرها جزءًا من تطوير هوية مستقلة. التفاعل الاجتماعي مع أقرانهم ومجموعة متنوعة من الأنشطة الثقافية والاجتماعية التي يقدمها إعداد المدرسة سيساعد الطلاب على تطوير أولوياتهم في هذا المجال.

الشعور بالانتماء إلى مجموعة

ومن المهام التنموية الأخرى التي يتعين إنجازها خلال فترة المراهقة اكتساب الشعور بالانتماء إلى مجموعة ما. وللأطفال شعور قوي بالانتماء إلى أسرهم ومجتمعهم المباشر. عند دخولهم المدارس المتوسطة والثانوية سيبدؤون في التماهي مع مجموعات متنوعة في مدرستهم أو في الحي الذي يعيشون فيه. يأتي الإحساس بالانتماء من خلال الاهتمامات والقيم المشتركة. ويشمل أحياناً العرق أو الانتماء إلى مجموعة مهاجرة أو دين مشترك أو الاهتمام بالتنمية المستدامة، أو الاهتمام بالسلام والعدالة الاجتماعية. سيسمح مجتمع التساؤل الفلسفي للمراهقين باستكشاف الآثار المترتبة على الانتماء إلى مجموعة أو أخرى. وهناك مجموعات مدنية تطالب افرادها بارتكاب جرائم أو إلحاق الأذى بشخص ينتمي إلى مجموعة مخالفة كطقوس للعبور أو الالتحاق. تطوير الخيال الأخلاقي سيسمح للطلاب باتخاذ القرارات الأكثر ملاءمة لأنفسهم ولمن حولهم عندما يتعلق الأمر بتحديد المجموعات التي تستحق الانتماء وأيها لا. هناك ميل طبيعي للمراهقين لقضاء المزيد من الوقت مع مجموعات أقرانهم وأقل مع أسرهم في هذه المرحلة من التطور.

تنمية الشخصية المراهقة 

هناك أربع فئات مختلفة لما يسميه جيرالد آدمز حالة الأنا:

الأنا “المحتبسة”؛ الأنا “المشتتة”؛ الأنا “المعلقة” والأنا “منجزة”. يمكن أن يكون المراهقون في أي من الفئات الأربع فيما يتعلق بكل من المهام التنموية الموضحة أعلاه. المسار المثالي لتطوير الهوية هو عندما يصلون إلى هوية منجزة لكل من المهام التنموية، الإيديولوجية والشخصية.

تتعرض هذه الفئات أحيانا للأزمات، وعندما تكون هناك أزمة فإنها تتجلى من خلال الانشغال المفرط بالأشياء والسلوك غير المنتظم وخاصة في الشخصية المشتتة بالاكتئاب وعدم القدرة على التعامل مع المهام والالتزامات اليومية. وفيما يتعلق بالشخصية المحتبسة، لا توجد أزمة لأن الأفراد في هذه الفئة متأكدون من كيفية مواجهتهم للمهام التنموية وانهم يتصرفون بناء على هذه المعتقدات. ومع ذلك، فأنها ليست شخصية أصيلة. إنه مجرد انعكاس لما يعتقد الآخرون أنه الأفضل بالنسبة للفرد.

ينمو الأطفال مع تأثير القيم التي تظهر لهم في المنزل. في معظم الحالات، يطيعون ويصدقون أنه صحيح ما يخبرهم به آباؤهم عن الصواب والخطأ؛ قد يكون لديهم دين أو لا يكون، ولكن هناك دائمًا مجموعة من القيم التي تعتقد الأسر أنها مهمة لنقلها إلى ذريتهم. بمجرد بدء سن البلوغ والتغيرات المعرفية والهرمونية، يبدأ المراهقون في وقت مبكر ومتوسط ​​ومؤخر في التساؤل عن تلك القيم التي نشأوا بها. الآباء ليسوا مثاليين بعد الآن، والمراهقين يبدؤون في التفكير بأنفسهم حول القضايا التي هي مهمة بالنسبة لهم. وبطبيعة الحال، فان تأثير التعليم القيمي في الأسرة سيترك دائما علامة هامه ولكنه يحتاج إلى أن يكون موضع تساؤل وتفكر ينعكس على المراهق ويتحول إلى شيء خاص به وينتج عن استنتاجاته الخاصة التي توصل إليها بعد التحليل الدقيق والتفكير. يعتبر مجتمع التساؤل الفلسفي بمثابة ومساحة ممتازة لإنجاز هذه المهمة.

الشخصية المحتبسة

وهذا يشير إلى الأشخاص الذين لديهم قناعات قوية في مجالات تنميه الشخصية الموصوفة أعلاه ولكنهم لم يتفكروا حقا في الأسباب التي تجعلهم يملكون تلك القناعات. والأطفال الصغار الذين لا يشككون فيما يقال لهم كثيرا يمكن أن يبدو أنهم سينمون شخصيات محتبسة. فهم حين يستجيبون لتأثير البالغين المهمين في حياتهم ويفعلون ما قيل لهم أنه الأفضل لهم. عندما يكونون أطفالًا، فهذه ليست مشكلة، وقد سمعنا جميعًا أطفالًا يقولون إنهم يريدون أن يصبحوا أطباءً أو محامين أو معلمين مثل آبائهم، إذا لم يتغيروا في هذا الصدد وينتقلوا إلى الموقف الاختياري، فسيكونون متشددين في آرائهم وسيصعب عليهم قبول النقد. عندما يتلقون النقد عادةً ما يصبحون عدوانيين أو يفرون من مواقف يتم فيها انتقاد وجهات نظرهم أو آرائهم. إنهم أيضًا أشخاص يبدو أن لديهم إجابة لكل موضوع تتم مناقشته ورأي حول أي موضوع تحت الشمس. توجد هذه الفئات من الشخصية غالبا في الأسر الاستبدادية.

الشخصية المعلقة أو المتجمدة

عندما تصبح القيم تحت الاستجواب والتحليل، يدخل المراهقون في حالة من التجمد الاختياري. لم يقرروا بعد ما الذي يجب عليهم فعله من حيث المهنة وفلسفة الحياة والصداقة والتعارف وجميع المهام التنموية الأخرى، لكنهم متحمسون لاستكشاف إجاباتهم والبحث عنها. في مرحلة التجمد الاختياري لتطوير الشخصية، هناك أزمة لكنها أزمة صحية. إنها رغبة في البدء في تعريف أنفسهم بأنهم أمنفصلين بحد ذواتهم وليسوا فقط امتدادًا لما يريده آباؤهم. هناك دافع لإيجاد الاستراتيجيات الضرورية لإنجاز مهامهم التنموية. يستغرق الأمر بعض الوقت، لكنهم يحققون ذلك تدريجياً وبمجرد دخولهم مرحلة الشخصية المنجزة. إذا استخدمنا المهنة كمثال، فمراهقو المرحلة المتوسطة والمتأخرة الذين يظلون قيد التجمد سوف يكتشفون خياراتهم المتاحة إما لمواصلة الدراسة أو العثور على وظيفة. قد يصادفون أشخاصا ويزورون مجموعات متنوعة في الأماكن التي قد يرغبون في العمل فيها في المستقبل ويجرون اختبارات التوجيه المهني؛ وبمجرد قولهم، هذا هو، لقد وجدت ما أريد فعله حقًا فيما يتعلق بكسب الرزق، فهم يدخلون مرحلة الإنجاز لتطوير الشخصية في مجال المهنة.

الشخصية المنجزة

وعندما يقوم المراهقون، بعد تفكير ومداولات متانيه، بالالتزام بمهامهم الأيديولوجية والمتعلقة بالتنمية الشخصية، يمكننا أن نقول إنهم نجحوا في تحقيق هويه شخصيه. ومع ذلك، فإن القرارات التي سيتخذونها في هذه المرحلة ليست نهائية بالضرورة. لديهم ما يكفي من المرونة في التفكير حتى يتمكنوا من مراجعة خياراتهم واتخاذ مسار مختلف إذا رأوا ذلك ضروريًا. الشخصية المنجزة ليست مرحلة دائمة. يمكن أن توجد أوقات ومواقف يتعين عليهم فيها العودة إلى التجمد الاختياري والبدء في التحقيق في كيفية حل الأزمة التي قدمت نفسها. يمكن أن يكون فقدان وظيفتهم والحصول على الطلاق وهلم جرا. في أسوأ السيناريوهات، يمكن أن يدخلوا في هوية مشتتة حيث يمكن أن يحدث الاكتئاب وعدم القدرة على التعامل.

الشخصية المشتتة

تتشتت الهوية عندما لا يكون الأفراد قادرين أو مستعدين لمواجهة المهام التنموية لمرحلة معينة من حياتهم. على سبيل المثال، قد يذكر المراهق أنه يريد مواصلة الدراسة، لكنه لا يعرف في أي مجال بالضبط. عندما يُسأل عما إذا كان هو أو هي يفعل شيئًا لاكتشاف الإجابة، سيجيب بأنه لا يعرف أو لا يهتم أو شيء من هذا القبيل.

وعاده ما ترتبط الشخصية المشتتة أيضا ببيئة مختلة في المنزل- وهي حالة لا يوجد فيها استقرار ولا توجد قواعد توجيهيه واضحة لتوجيه المراهقين في سلوكهم وأنشطتهم العادية. سيتم استكشاف هذا في وقت لاحق في مناقشه أساليب الوالدية وعلاقتها بتطوير الخيال الأخلاقي والمنطق في مجتمع التساؤل الفلسفي.

الشخصية المشتتة لا تظهر بالضرورة أثناء قيام المراهقون بإنجاز مهامهم التنموية. ولكن عندما تكون هناك عقبات أو مشاكل في واحدة أو أكثر من هذه المهام التي يمكن أن يقع المراهق في حاله من التشتت.

العلاقة بين أنماط الوالدية وتطور شخصية المراهقين

ترتبط أنماط الوالدية ارتباطًا وثيقًا بحالة الشخصية وأيضًا بالسهولة أو الصعوبة التي يواجه بها المراهقون مهامهم التنموية ويصلون إلى حالة شخصية منجزة. على مدار الخمسين عامًا الماضية، كانت هناك أبحاث ودراسات حول طبيعة الأسرة وتأثير أساليب الوالدية في تطور شخصية الأطفال والمراهقين. وفي الآونة الأخيرة، ومع ظهور فكرة الأسرة كنظام، وضعت تصنيفات كبيره لوصف مجموعة متنوعة من النظم الأسرية وكيفية تفاعلها.

 في جميع انواع المعارف في هذا المجال، كانت هناك ثلاث تصنيفات رئيسيه من أساليب الوالدية: الاستبدادية والغير مبالية الغير متَّسقة والديمقراطية الحازمة.

الأسر الاستبدادية

تتميز الأسر الاستبدادية بوجود قواعد واضحة وثابتة فيما يتعلق بما هو مسموح به والغير مسموح به في سياق الحياة الأسرية. تحدد هذه المواضع المكان الذي يمكن للأطفال الذهاب إليه ومع من وإلى متى وما الذي يجب عليهم وما يجب عليهم عدم تناوله والمدرسة التي يتعين عليهم الذهاب إليها. وفي الحالات القصوى، تقرر العائلة الاستبدادية أيضًا من يجب أن يتزوجوا وما نوع الموسيقى التي يجب أن يستمعوا إليها. وكيف ينبغي أن يكون اللباس وما يجب أن يدرسوه. كما أنها تحدد عواقب واضحة لخرق هذه القواعد. وضعت القواعد وقررت من قبل الوالدين. لا يوجد حوار أو نقاش حولها ويجب أن يتبعوها بدون سؤال. الأطفال الذين نشأوا في هذا النوع من البيئات عادة ما يكونون مطيعين وطيعين. ومع ذلك، مع ظهور مرحلة المراهقة، يبدأون في التشكيك في فرض أنماط السلوك التي تتيح لهم مساحة صغيرة للتفكير بأنفسهم. ومن الصعب عليهم أن يصبحوا مسؤولين بحريه عن المشاريع أو التزامات لأنهم دائما ما يخبَرون بما يجب عليهم فعله ومتى وكيف يفعلونه. كما أنهم يفتقرون إلى القدرة على اتخاذ قراراتهم الخاصة لأن كل شيء قد تقرر دائما بالنسبة لهم من قِبل إبائهم. وفيما يتعلق بفئات الشخصية الموصوفة أعلاه، فان هؤلاء الأطفال سيصبحون مراهقين وربما بالغين لديهم شخصية محتبسة. ولا يريد الاباء المستبدون أن يعترفوا أن أبناءهم أو بناتهم ليسوا أطفالا صغارا بعد ويستمرون في السيطرة على حياتهم بعد بلوغهم سن العشرين كما لو كانوا في العاشرة من العمر. انهم لا يريدون منهم أن يدخلوا التجمد الاختياري، حيث يشككون ويستكشفون ويحاولون إيجاد ما هو الأفضل لهم بأنفسهم. أحيانا ما يتم تحديد المهن لهؤلاء المراهقين مبكرا من قبل اسرهم المتسلطة حيث يتعين عليهم القيام بالأعمال التجارية العائلية، لذلك عليهم دراسة شيء يتعلق بهذا العمل. ومن حيث الدين، يمكن جعلهم يشعرون بالذنب إذا انحرفوا عما يمليه عليهم تدين إبائهم. وفيما يتعلق بالمكانة السياسية، ينظر إليهم على انهم خونه إذا اختلفوا عن إبائهم-وما إلى ذلك مع كل مهمة من المهام التنموية التي يحتاجون إليها لتحقيق ذواتهم. إن مساحة مجتمع التساؤل الفلسفي، إذا كانوا محظوظين بما يكفي للحصول عليها في المدرسة، ستسمح لهم بمقارنة أساليب الوالدية الأخرى ورؤية أنه في منازل أخرى يتم منح المزيد من الحرية والسلطة لأفراد الأسرة لاتخاذ قراراتهم الخاصة. بمجرد بدء مرحلة المراهقة، قد يبدؤون في التشكيك في صلابة القواعد في المنزل. وبما أنه لا يوجد حوار يذكر هذا النوع من الأسر، فان الاتصالات في كثير من الحالات مكسورة وتصبح العلاقات بين الوالدين والأطفال متوترة. في بعض هذه المنازل من الممكن أن نسمع الأب يقول شيئا مثل “في هذه الأسرة أنا الذي يضع القواعد وطالما كنت تعيش في منزلي فعليك طاعتها؛ وإذا كنت لا تحب ذلك يمكنك المغادرة”. وفي بعض الحالات يترك المراهقون منازلهم بحثا عن مزيد من الحرية وفرصة لتكوين شخصيتهم الخاصة.

بعض القدرات التي يطورونها في مجتمع التساؤل الفلسفي ستمكنهم من اتخاذ قرارات جيدة حتى عندما يواجهون ظروفًا قاسية. تشمل هذه القدرات القدرة على التنبؤ بعواقب ما يقولون وما يقومون به والقدرة على تحليل مسارات العمل البديلة والإحساس بالسياقات التي يتعين عليهم فيها اتخاذ قرار.

الأسر الغير مبالية والغير متَّسقة 

تتسم هذه الأسر بعدم اليقين. في بعض الأحيان هناك قواعد صارمة جدا وأحيانا لا يوجد شيء. يمكنهم السماح لأطفالهم بالذهاب بعيدا لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أصدقائهم وبعد ذلك قد يمنعونهم من الذهاب إلى الحفلة ليلة واحدة لأنها تبدأ في وقت متأخر جدا. والأطفال الذين يكبرون في هذا النوع من البيئات لا يسمح لهم بالاحتفاظ بمجموعة من القيم الواضحة بشأن ما هو صواب أو خطأ. وفي يوم من الأيام، قد يعطي الأب الطفل سيجارة للتدخين، وفي المرة التالية قد يصفعه في وجهه لأنه يدخن. أحيانا يكون هناك حوار وأحيانا لا يوجد شيء. يمكن للوالدين إبداء اهتمام كبير بالرفاهية العامة لأطفالهم أسبوع واحد ثم ا يتجاهلون احتياجاتهم ولا يهتمون بها في أسبوع آخر. ومن الشائع لزملائهم في الفصل أن ينظروا إلى وضعهم على أنه متميز في بعض النواحي. يمكنهم أن يقولوا أشياء مثل ‘أتمنى أن يكون والدي مثل والديك؛ فهم يسمحون لك بالذهاب إلى أي مكان في أي وقت ولا يحرمونك من شيء طوال الوقت. ” وبعض الشباب الذين يعيشون في هذه الأسر غير المتسقة وغير المبالية يودون أن يكون إباؤهم أكثر اتساقاً وحزماً وأن يهتموا بهم أكثر.

هذه العائلات عادة ما تكون معطلة. هذا يعني أنها لا تعمل بشكل جيد. هناك فرق مهم بين الأسرة المفككة والأسرة المعطلة. في العائلات المفككة عادة ما تكون الأم هي التي ترأس الأسرة ويتغيب الأب. ومع ذلك، فإن العديد من العائلات المفككة تعمل بشكل جيد للغاية. وهناك العديد من العائلات المتكاملة، التي يتشارك فيها الأب والأم والأطفال مع الأسرة، والتي تعاني من خلل وظيفي كبير ويمكن أن تتسبب في سقوط الأطفال في فئة الشخصية المشتتة. في هذه العائلات قد تكون هناك مشاكل مثل البطالة وإدمان الكحول أو المخدرات والعنف العائلي والإيذاء النفسي والعاطفي. لا يهتم المراهقون ذوو الشخصيات المشتتة بمواجهة مهامهم التنموية وقد يقعون في سلوكيات توحي بوجود مرض عقلي. هؤلاء المراهقون لديهم تدني احترام للذات وغالبا ما يستخدَمون من قبل أقرانهم للانخراط في السلوكيات المعادية للمجتمع مثل سرقة السيارات أو الحصول على المخدرات. يبدؤون في فقدان الاهتمام في المدرسة وفي الرعاية الصحية الشخصية، ويمكنهم مشاهده التلفزيون لساعات، القيام لأكل شيء ثم العودة لمشاهده التلفزيون حتى وقت النوم. هذه علامات واضحة على الاكتئاب. هؤلاء الناس يتأثرون بسهولة بكل موضات الطوائف أو الجماعات التي تعدهم بالخلاص والانتماء والقبول من قبل مجموعة من القرناء طالما يفعلون ما يقوله القائد. هم عرضة للانضمام إلى الجماعات الحديثة الذين يروجون ويشاركون في السلوك المعادي للمجتمع. فمجتمع التساؤل الفلسفي هو بمثابة مساحة مستقرة لهذه الحالات. وفي بعض الأحيان يكون هذا هو المكان الوحيد المستقر الذي يعرفونه حيث يمكنهم تحليل البدائل والشعور بالقبول والاحترام وطلب المشورة من أقرانهم. بشكل عام، إنه بمثابة سماء آمنة في خضم العاصفة.

الأسر الديمقراطية الحازمة

وأخيراً، فان الأسر الديمقراطية الحازمة تبني بيئة منزليه أمنه ومأمونة لأفرادها. وهناك دائما حوار ويمنح الأطفال تدريجيا المزيد من الاستقلال الذاتي في اتخاذ خياراتهم واتخاذ قراراتهم الخاصة. العائلة الاستبدادية ستخبر الأطفال بما يلبسونه كل يوم دون أن يسألوهم ما إذا كانوا يحبون الملابس التي يتم اختيارها. وفي الأسرة الديمقراطية الرسمية، قد يقوم الوالد بإخراج ثلاثة قمصان مختلفة ويطلب من الشخص البالغ من العمر 4 سنوات اختيار القميص الذي يرغب في ارتدائه في ذلك اليوم. والقدرة على المقارنة والتباين والتفكير واتخاذ القرار موجودة بالفعل في هذه العملية. والأهم من ذلك أن الأطفال يشعرون بان لديهم خيارا وأن رغباتهم تحترم وتؤخذ مأخذ الجد. ولأنهم يدخلون مرحلة المراهقة، تصبح اهتماماتهم أكثر تفرداً. قد يبدؤون في تطوير اهتماماتهم الأكاديمية الخاصة وإيجاد طرق مستقله وخلاقة لاستعمال وقت فراغهم واختيار أصدقائهم وتطوير فلسفتهم الخاصة في الحياة. فبالنسبة للوالدين في أسرة ديمقراطية ذات حجية. حان الوقت لمرافقة المراهقين وإسداء النصح لهم، ولكنهم لا يطالبون ويجبرون اليافعين على القيام بالأشياء بالطريقة التي يريدونها. وهناك دائما حوار وتفكير وتحليل للنتائج والبدائل. إن إمكانية الصراع موجودة دائما ولكنها لا تسبب الخجل. وبعض الأمثلة على الحالات التي يمكن ان تؤدي إلى التنازع تتعلق ببعض الخيارات التي يتخذها المراهقون فيما يتعلق باستخدام الوشم وطول شعرهم والعلاقات وترك المدرسة أو عدم مغادرتها. وتناقش الأمور بطريقه مشابهة جدا للحوار في مجتمع من التساؤل الفلسفي، وفي النهاية يتحمل المراهقون مسؤولية الخيارات التي يتخذونها. ولا يمكنهم أن يلوموا الآخرين إذا اخطأوا لأنهم هم الذين يتخذون القرارات عادة بمشورة ودعم إبائهم. هذا النوع من الأسرة يشجع على الانتقال من شخصية التجمد الاختياري إلى الشخصية المنجزة بطريقة صحية للغاية لجميع المعنيين. كما يسمح للمراهقين بتطوير بؤرة داخلية للسيطرة. يتناقض هذا مع العائلات الاستبدادية التي تدفع بأطفالها والمراهقين عن غير قصد إلى النمو من خلال مركز خارجي للسيطرة، حيث يشعرون أنهم لا يملكون سيطرة حقيقية على الأشياء التي تحدث لهم ولا توجد لديهم القدرة على تصميم المواقف والتخطيط لها وإنجاز ما يريدون لمصلحتهم الخاصة. لقد تم تدريبهم على الطاعة والقيام بما قيل لهم لأن “الكبار يعرفون أفضل ما هو جيد بالنسبة لك ونحن نحبك”.

ويمكن للمراهقين في الأسر الديمقراطية الحازمة أن يطوروا قيمهم الخاصة وأن يكونوا متسقين فيما يفكرون به ويقولونه ويفعلونه. والإصرار المستمر على الحاجة إلى الاتساق موجود في مجتمع التساؤل الفلسفي حيث يتعرض المشاركين لأنشطة ووضع استراتيجيات للدفاع عن القيم العزيزة عليهم. تصبح هذه المساحة في المدرسة امتدادًا لطريقة قيامهم بالأشياء في منازلهم، وترحب الأسر بفكرة منح الأطفال هذه الفرصة في المدرسة.

تطويرالشخصية ومجتمع التساؤل الفلسفي

وباختصار، فان تطور الخيال الأخلاقي، وخاصة في فتره المراهقة، يتحقق على أفضل وجه إذا كان الأطفال يتحاورون بانتظام في مجتمع من التساؤل الفلسفي، حيث يستكشفون أنواع الشخصيات التي يريدون أن يصبحوها وشكل العالم الذي يحبون أن يعيشوا فيه ويرافق ذلك تحديد الاستراتيجيات والخطوات اللازمة التي يتعين عليهم اتخاذها لكي تتوافق مع مشاريعهم الشخصية والاجتماعية.

ومن حيث الشخصية وأنماط الوالدية، ستشجِع الأسرة الاستبدادية على تطوير الشخصية محتبسة، وهذا سيجعل من الصعب على المراهق أن يصبح شخصًا مستقلاً بذاته. سوف تمنع هذه الأسر استمرار جهود المراهقين للدخول في وضع شخصية التجمد المؤقت وتريد منهم الحفاظ على قيم الأسرة وليس بناء قيمهم الخاصة.

ستعزز الأسرة غير المتسقة وغير المبالية تطوير الشخصية المشتتة، وهو ما يقترن في كثير من الأحيان بعدم الاهتمام بتقديم التزامات من أي نوع وبنمط حياة لا يتعلق الا باللحظة الراهنة. وكثير من هؤلاء المراهقين لا يملكون رؤية للمستقبل ولا يستطيعون تأجيل الإشباع من أجل تحقيق أهداف متوسطة وطويلة الأجل.

وتري الأسرة الديمقراطية الحازمة أن أطفالها ومراهقيها مؤهلون فكريا وقادرون على المشاركة في حوار معقول. وهي تعزز انتقالها من التجمد الاختياري إلى الشخصية المنجزة وترافقها وتسدي اليها المشورة في مختلف القرارات التي يتعين عليها اتخاذها من أجل النجاح في إنجاز مهامها الإنمائية.

ليس هناك ما يضمن أن المراهقين المشاركين في مجتمع التساؤل الفلسفي سيتخذون الخيارات الصحيحة في حياتهم ولكن سيكون لديهم بالتأكيد أدوات أفضل لمواجهة القرارات الحاسمة التي تواجههم في القرن الحادي والعشرين من هؤلاء الذين ليس لديهم الفرصة لتجربة هذه المساحة. سيكون من الأسهل بالنسبة لهم الرد على الأسئلة ‘ أي نوع من الأشخاص أريد أن أكون؟ ‘و’ في أي نوع من العالم أريد أن أعيش؟ ‘وممارسة الخيال الأخلاقي اللازم للعمل بشكل متسق عند معالجة هذه القضايا.

حمل مقالة الفلسفة مع المراهقين ، تنمية الهوية والشخصية في مرحلة المراهقة- أنماط الوالدية ومجتمع التساؤل الفلسفي