الفلسفة للأطفال
روبرت فيشر
Fisher,R 1995,Teaching children to think ,Basil Blackwell Ltd, Oxford.
ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر
“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”
ترجمة : عبير حماد
تدقيق : أمل اسماعيل
“حياةٌ عديمة التجارب لا تُستحق أن تعاش”
*سقراط
كانت مجموعة من الأطفال بعمر السادسة عشرة تتحاور حول قصة روتها المعلمة عن الأرانب:
المعلمة: هل تفكر الحيوانات؟
طفل: أجل، إنها تتكلم.
طفل: إذا كانت لا تقدر على التفكير ما استطاعت أن تهرب من أعدائها.
طفل: مثل قوارضي من فصيلة الكابياء الخنزيرية التي تختبئ أسفل الأريكة هربًا منّا.
المعلمة: كيف تعرفون أنها تفكر؟
طفل: إن لها أدمغة، أليس كذلك؟
طفل: إن لم يكن لها أدمغة فستموت.
طفل: ستسير في الأرجاء دون أن تعرف ما عليها فعله.
طفل: ستكون في الأعلى في الجنة.
طفل: إنها ليست حذقة مثلنا؛ إذ إن أدمغتها أصغر من أدمغتنا.
طفل: إنها تحادثنا بلغة الحيوانات.
طفل: الأرانب لا تتحدث.
طفل: إنها تتحدث في القصص.
طفل: الثعالب قادرة على التفكير؛ فهي تصطاد الأرانب وتأكلها.
طفل: كل الحيوانات تفكر لكنها ليست حذقة مثلنا.
المعلمة: إذا كانت كل الحيوانات تفكر والأرانب حيوانات، إذن فكل الأرانب قادرة على التفكير. هل هذا صحيح؟
طفل: أعرف بضعة أرانب غير قادرة على التفكير.
المعلمة: أية أرانب تلك؟
طفل: الأرانب المحشوة. عندي أرنب محشو في البيت. باستطاعتك أن تضغط عليه فيصدر عنه صوت كالزقزقة.
طفل: هذا ليس أرنبًا حقيقًا، إنه مصنوع.
طفل: عندي دمية تتحدث.
المعلمة: هل تدرك الدمية ما تقوله؟
طفل: فقط حين تقلبها رأسًا على عقب، يمكنك أن تسمعها.
طفل: إنها لا تعرف أي شيء. إنها ليست حقيقية مثلنا.
وُلد الأطفال متحدثين. إنهم يدردشون، ويصفون، ويتساءلون، ويجادلون معظم الوقت. ومثل هذه الأحاديث قادرة على إثارة تفكيرهم واستنهاضه، ودفعهم على التفكير، والتبرير، والبحث عن الأسباب، وشرح الأحداث، وصياغة تجاربهم وجعلها مفهومة معقولة. أو لربما تضمنت أحاديثهم استجابات طفيفة ومتكررة، وثرثرة فارغة بلا أفكار، ومجهوداً بليدًا لعقول بليدة. كيف نحوّل استجابات الطفل الشفهية منخفضة المستوى إلى نظام تفكيرٍ وحديثٍ أفضل وأعلى؟ ما الذي نحتاجه؟
أدرك بروفسور الفلسفة في جامعة كولمبيا ماثيو ليبمان مستويات مهارات التفكير المنخفضة التي يحملها الطلاب معهم إلى الجامعة. وقرر بأن حل المشكلة بفاعلية يجب أن يكون بمعالجتها مبكرًا، قبل أن تصبح عادات التفكير مترسخة ومتأصلة. كان ذلك سنة 1968 زمنٌ يتظاهر فيه الطالب ولا يهدأ كما شرح ليبمان:
“كان بين الطلاب وإدارة الجامعة قدرٌ كبيرٌ من الجمود، وقدرٌ ضئيل من التواصل، ومصادر شحيحة للتفكير. بدأتُ أفكر جديًا بجدوى تدريس الفلسفة وقيمتها؛ إذ بدا انعدام تأثيرها على أفعال الناس. وبدأتُ أدرك أن حل المشكلة التي أراها في الجامعة لم يكن فيها؛ فالتفكير مهارةٌ يجب تعليمها مبكرًا جدًا؛ ليكون تفكير الطالب الحذق والمستقل حين تخرجه في المدرسة الثانوية أصبح عادةً”.
إذا كان المفترض أن تكون مهمة التعليم هي تدريس الصغار مهارة التفكير وتعليمهم إياها فلِم ينتج النظام التعليمي أشخاصًا لا يفكرون؟ يجيب ليبمان على هذا السؤال بأننا لا نشجع الطفل بما فيه الكفاية على التفكير بنفسه، وإصدار حكم مستقلٍ، وأن يفخر بأفكاره الشخصية، وأن له وجهة نظر يسميها وجهة نظره الشخصية، وأن يرضى عن براعته في التفكير.
علينا أن نبدأ مبكرًا -كما يقول ليبمان- عند التحاق الطفل بالمدرسة، ونجعل تحسين التفكير هدفًا يتغلغل في كل ناحية من نواحي التعليم ويكتسحها. بالإضافة إلى ذلك يجب منح الأطفال مقررًا خاصا في التفكير نفسه.
كيف يُدرس التفكير؟ يتضمن التفكير بالتفكير عند ليبمان دراسة كل مهارة منفردة تشكّل التفكير وتكونه. ويذكر ليبمان أكثر من ثلاثين مهارة منفصلة يجب أن يتعلمها الأطفال، وأول مهارة – والأساسية – هي: “صياغة المفاهيم بدقّة”. قال الفيلسوف لايبنتز مرّة: ” مفاهيمنا الواضحة كجزرٍ تطفو على محيط يغطي تلك المحجوبة المستترة”، وبالنسبة لبعض الأطفال فهذه الجزر قليلة ومتباعدة. يمكن للسؤال التقليدي “ما الذي تقصده بـ ..؟” أن يساعد على توضيح الأفكار المستترة خلف الكلمات المستخدمة. وحين يطبّق مفهوم ما على مجموعةٍ من الحالات يجب تشجيع الأطفال على تمييز الأمثلة الواضح تضمنها لحدود المفهوم وكذلك تلك القابعة خارج حدوده. تركّز العديد من خطط المحاورات التي وضعها ليبمان على الحالات المتاخمة للحدود. فهو يقترح على سبيل المثال الأسئلة التالية لاكتشاف مفهوم الصداقة:
- هل يجب على الأشخاص أن يكونوا في نفس العمر ليصبحوا أصدقاء؟
- هل يمكن أن يصبح شخصان صديقين ومع ذلك لا يحبان بعضهما بعضًا كثيرًا؟
- هل يمكن أن يكذب الأصدقاء على بعضهم بعضًا؟
يكمن الهدف في جعل الأطفال “أفرادًا أكثر تأملًا وتفكرًا، وأكثر تجاوبًا وتفهمًا وتعقلًا”. أفضل طريقة لاستخدام معظم هذه المهارات والسجايا هي تعلمهم باللغة، بتشكيل “مجتمع تساؤل” حيث ينخرط الأطفال في حوارٍ كمغامرة تعاونية.
الحوار
منذ زمن سقراط كان البحث عن الحكمة يعني الحوار. بدأت الفلسفة – التي تعني حب الحكمة باليونانية – بالتساؤل والسعي للإجابات بالحوار حول أكثر الأسئلة الجوهرية حول الحياة. وكذلك يمكن أن ينخرط الأطفال في حديث حول الأسئلة العميقة والـمُلغّزة. وكما أظهرت دراسات فيغوتسكي وآخرون غيره فالأطفال قادرون على التفاعل العقلي ذي المستوى المتقدم في المواضع الجماعية أو التعاونية. يدعو ليبمان إلى تحديد دوافع الطفل الاجتماعية واستخدام الحوار باعتباره وسيلة وأداةً لتطوير التفكير وتحسينه. لكن كيف يُدفعُ الأطفال للانخراط في حوار فلسفي؟
قرر ليبمان أن الطريقة الأمثل لتعليم الأطفال هي بحكاية القصص، ولذلك كتب رواية أطفال قصير عنونها بـ”اكتشاف هاري ستوتّليمير”، والاسم تلاعبٌ لفظيٌّ باسم أرسطو. تبدأ القصة بارتكاب هاري الولد المفكر خطأً في يومه الأول في المدرسة؛ إذ يسمع معلمته تقول بأن كل الكواكب تدور وتتعاقب حول الشمس، ثم يغرق في حلم يقظة فيفوّت سماع الشرح عن المذنبات التي تدور أيضًا حول الشمس. تسأله المعلمة: “ما هو الشيء ذو الذيل الطويل الذي يدور حول الشمس مرةً كل 77 سنة؟”. الجواب الصحيح هو مذنب هالي، لكن بما أن هاري لم يكن منصتًا فإنه لا يعرف هذه المعلومة. ومتذكرًا أن كل الكواكب تدور حول الشمس يستنتج أن الإجابة هي أيضًا كوكب ما. يضحك الفصل حين يجيب خطأً؛ لأنهم سمعوا معلمتهم تشرح عن كون المذنبات تسافر حول الشمس لكنها لا تعد من الكواكب.
ينقذ الجرس هاري ويحاول في طريق عودته إلى المنزل أن يفكر بالسبب الذي يجعل إجابته خطأ. يقول لنفسه بعد تفكير: “كل الكواكب تدور حول الشمس، لكن ليس كل ما يدور حول الشمس كوكب”. تخطر فجأة بباله فكرة: جملة لا يمكن عكسها: “إذا وضعتُ الجزء الأخير من الجملة أولًا فلن تظل جملةً صحيحة”. يجرب هذه الفكرة ببضع أمثلة: “كل أشجار السنديان أشجار، وليست كل الأشجار سنديانًا”، “الخيار من الخضروات وليست كل الخضروات خيارًا”. إنها صحيحة: “كل الكواكب تدور حول الشمس وليس كل ما يدور حول الشمس كوكب”. ولكن إذا قلبنا الجملة وقلنا “كل ما يدور حول الشمس هو كوكب” فعندها لا تظل الجملة صحيحة.
يمشي هاري سعيدا باكتشافه، ثم يقابل صديقته ليزا التي سرعان ما تشير إلى كون قاعدة هاري غير صحيحة دومًا. فجملة “ليست الصقور أسودًا” ستظل صحيحة وإن قُلبَت – كما تقول ليزا “ليست الأسود صقورًا”. المنطق أكثر تعقيدًا مما يعتقد هاري. لكنه سرعان ما يكتشف وليزا قاعدة جديدة: “إذا بدأت الجملة الصحيحة بأداة النفي “لا” فإن ضدها صحيح. لكن إن بدأت بـ”كلّ” فإن عكسها خطأ”.
لاحقًا يجد هاري تطبيقًا عمليًا لاكتشافه: جارةٌ تتحدث مع والدته فتلمح إلى أن السيدة بايتس ثورية؛ لأن الثوريين يتحدثون عن وجوب مساعدة الفقراء والسيدة بايتس تتحدث عن ذلك. يفكر هاري: لابد أن هذه الفرضية خطأ؛ إذ يمكن أن تصح جملة “كل الثوريين يريدون مساعدة الفقراء” لكن عكسها “كل من يريد مساعدة الفقراء ثوري” خطأ.
تظهر مزيدٌ من الشخصيات وتُطرح مزيدٌ من الأسئلة المنطقية. يبدأ هاري وليزا وأصدقاؤهما بالتفكير حول التفكير وتطبيق اكتشافاتهم على مواقف حياتية حقيقية، خارج الفصل وداخله. ثم يدركون أهمية تعريف كلماتهم تعريفات دقيقة ومحددة. تطلب المعلمة من ليزا أن تفكر بموضوع للواجب المنزلي في نهاية الأسبوع، وتقترح المعلمة الكتابة عن أعظم شيءٍ في العالم. وبعد التفكير للحظة ترد ليزا قائلة: “لااا”
“لااا؟” تكرر السيدة هالزي ما قالته.
فتجيب ليزا “أعني أني لا أود اختيار هذا الموضوع، ما الذي أصلًا تعنيه كلمة الأعظم؟ الأكبر أو الأكثر أهمية؟”
تبدو المعلمة محتارة ثم تشرح: “أوه، أنتِ محقة! يمكن أن تعني كليهما! أليس كذلك؟”
إن ما يحاول ليبمان برهنته على شكل قصة هو كيف يمكن أن يتصرف الأطفال في “مجتمع تساؤل” حقيقي. إذ لا تناقش شخصياته فقط المشكلات اليومية المرتبطة بما تعنيه الكلمات وكيفية استخدامها بل علاوةً على ذلك مواضيع فلسفية كطبيعة التفكير وكيفية عمل العقل. تقول ليزا:
“عقلي … لِم يبدو كعالمٍ مستقلٍّ بذاته! إنه مثل غرفتي. في غرفتي أضع دمى الباربي على رف، وأحيانًا آخذ إحداها لألعب بها وأحيانًا آخذ أخرى. وكذلك أفعل مع أفكاري. عندي أفكار مفضّلة. وعندي أفكارٌ أخرى لا أريد حتى أن أفكر بها.
تبدي جيل ملاحظة: “لكن الأفكار في واقع الأمر ليست حقيقية. أعني أنها ليست حقيقة كالأشياء الموجودة في غرفتك. فأفكاري عن ساندي ليست ساندي الحقيقية. وساندي الحقيقية مليئة بالفرو. لكن أفكاري عن ساندي غير مليئة بالفرو”.
لربما كانت الحوارات بين هذه الشخصيات واكتشافاتها غير مألوفة لكنها ليست فريدة. فالأفكار حول التفكير، والعقل، والحقيقة، واستخدام الكلمات، كانت موضع جدالٍ فلسفيٍّ لقرون. لكن الأسماء الفلسفية الشهيرة وأعمالها لم تُذكر أبدًا في كتاب ليبمان، ولم تظهر كذلك المصطلحات الفلسفية الأساسية. وهي سياسة استخدِمَت عمدًا “ليصل الأطفال إلى التقاط الأفكار لا العلامات والإشارات وحسب”. يرغب ليبمان أن يتأمل الأطفال الأفكار المضمرة والمستترة خلف الكلمات، وأن يشاركوا ويتحاوروا حول المسألة المطروحة.
إذا أردنا من الأطفال أن يصبحوا بالغين متأملين مفكرين فيجب علينا تشجيعهم ليكونوا أطفالًا مفكرين كما يجادل ليبمان. وكيف تجعل الأطفال مفكرين؟ بتشجيع الحوار، بدفعهم للحديث عن الأشياء بالحوار. تشيع فكرة يُساء فهمها ألا وهي أن التفكير أو التأمل هو ما يولد الحاجة للكلام. لكن غالبًا ما يكون الحوار ما يولد التأمل والاستجابة المستغرقة في التفكير. ولذا فإن جزءًا مهمًا من طريقة تدريس الفلسفة للأطفال هي خلق حوار تفكيري وحيويٍّ حول مواضيع قد تبدو بطريقة ما غير مناسبة – في النظرة التقليدية – للأطفال الصغار.
حُجِبَ الحوار حول القضايا الفلسفية عن الصغار لأسباب تعود إلى زمن أفلاطون. ولعل هذا الحجب والكف عن محاولة ممارسة الفلسفة مع الأطفال نتاجُ نظرةٍ عتيقة متحجرة للتعليم؛ إذ جادل أفلاطون بوجوب منع الأطفال من ممارسة الفلسفة لحمايتهم. ففي الجزء الرابع من كتاب الجمهورية يجادل بوجوب عدم تعريض الأطفال للحوارات الجدلية لأنها “تغمر الناس بعدم الانضباط”. ويضرب مثالًا على إمكانية إفساد الحوار الفلسفي للصغار:
“ما الذي سيحدث حين يواجه السؤال: “ما الذي تعنيه بالعدل؟” حين يجيب بما علمته التقاليد فإنه سيُدحض في المجادلة، وحين يحدث ذلك مراتٍ عديدة وفي مواقف عديدة فإنه سيُدفع للاعتقاد بانعدام الفرق بين العدل والفساد، وكذلك كل الفضائل الأخلاقية الأخرى كالصواب والخير التي اعتاد تبجيلها”.
وأحد الأسباب التي تجعل أفلاطون يؤمن بوجوب حماية الأطفال من الفلسفة هو حماية الفلسفة والبالغين من الأطفال:
“لعلك لاحظت كيف يعارض الشباب دومًا الآخرين للمتعة فقط بعد أول مرة يجربون فيها الجدال… كالجراء التي تحب أن تسحب أيًا مما تصل إليه وتمزقه… لذا حين يثبتون أن العديد من الأشخاص مخطئون – بما في ذلك أنفسهم عادةً – سرعان ما ينزلقون إلى الاعتقاد بأن شيئًا مما آمنوا به قبلًا لم يكن صحيحًا، وبذلك يشوهون سمعتهم وسمعة صنعة الفلسفة بأكملها في عيون العالم”.
لعل ما كان أفلاطون يشجبه هو الاقتصار على البحث المنطقي والبلاغة الفارغة لا ممارسة الأطفال للفلسفة. إذ من المؤكد أن سقراط في حواراته المبكرة حادث الشباب والكبار على حد سواء. ولعلّ علينا أن نتذكر نصيحة أفلاطون التي تنص على: “عليك أن تكون شديد الحذر في كيفية عرض مثل هذه الحوارات على الشباب”. يقدم برنامج ليبمان للفلسفة للأطفالِ المسألةَ الفلسفيةَ لهم بالتحاور حول نصٍ مختارٍ من كتاب، مثل قصة (اكتشاف هاري ستوتّليمير) التي قرأها الأطفال. يبدأ المعلم الحوار بسؤال الأطفال عما يرغبون بالتحاور حوله في النص وبحثهم بطريقة سقراطية بطرح أسئلة مفتوحة. ولعل ما سينتج عن هذا حوار حول استخدام الكلمات ومعانيها – يمكن للأطفال أن يفتنوا بالقواعد المنطقية – لكنه أقرب للتركيز على الأسئلة الخالدة التي تسلب لب أي عمر. هل هو صحيح؟ هل هو حقيقي؟ هل هو عادل؟ من هم الأصدقاء؟ لِم الأشياء على ما هي عليه؟
حين يتحدث الأطفال عن مثل هذه الأسئلة فإنهم يبدؤون بتعلم عدم كفاية امتلاك رأي فقط، فعليك أن تملك أسبابًا لتبرير وجهات نظرك. عليك أن تكون واضحًا لإيصال المعنى فيما تقوله. عليك أن تقارن وتفرّق، وتطرح أمثلة، وتكون مستعدًا للحجة المضادة وإيصال الأفكار إلى خاتمتها المنطقية. كما سيتعلم الأطفال أثناء هذه العملية الاستماع إلى أقرانهم واحترام وجهات نظرهم، إذ ينمو التسامح مع آراء الآخرين بالتزامن مع إدراك عدم وجود إجابات قطعية، لا صواب ولا خطأ حتمي لمعظم الأسئلة الفلسفية. سيتعلمون التشكيك بالقطعية، وتحدي الافتراضات، واستقراء الحجج والتثبّت منها. إن أفلاطون محقٌ في رأيه بأن أيّ اعتقاد مبررٌ كأيّ اعتقاد آخر، أو إذا كان الانتصار الجدلي يحدّد ما هو الصحيح علينا حينها ألا نرغب بأيٍ منهما. لكن إمكانية تقديم الفلسفة للأطفال بطريقة أخرى وهي التحاور التعاوني ممكنة. فالحوار ليس معركة بين الرابحين الخاسرين ولكنه طريقة للاستعلام عما هو صحيح، وصائب، وقيّم بالتشارك مع الآخرين.
المصدر : Teaching Children to think book ,Robert Fisher
حمل مقالة الفلسفة للأطفال