“العودة إلى المستقبل حديث فلسفي: نداء لتغيير تدريب معلمي برامج الفلسفة للأطفال”

 باربرا ويبير وسوزان جاردنر

Weber, B. and Gardner S.T. 2009, “Back to the future” in philosophical dialogue: a plea for changing P4C teacher education. Analytic Teaching And Philosophical Praxis vol.29, n.1, pp.25-30.

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة: وجدان هادي

تدقيق: سلمان بوخمسين

ملخص: أضحى العمل على نشر برامج الفلسفة للأطفال يتسع اتساعًا كبيرًا مؤخرًا، لكن المدة الزمنية القصيرة التي تعطى فيها هذه البرامج التدريبية -سواء خلال عطلة نهاية الأسبوع أو خلال أسبوع واحد- تضعف من الأثر المرجو منها، وقد يتسم ذلك بالخطورة في بعض المواضع. أيضًا، افتقار المجال لمعايير معترف بها عالميًّا يعيق القدرة على إجراء أبحاث ذات جودة عالية تيسر جمع بيانات عملية وتجريبية تدعم الالتفات نحو تدريس برامج الفلسفة للأطفال والتدريب عليها بفعَّالية. لهذه الأسباب مجتمعة، اقترح المهتمون بتدريس برامج الفلسفة للأطفال أن يكون الحصول على دبلوم -لا يقل عن خمس مواد بحد أدنى- معيارًا إلزاميًّا لمنح المهتمين الترخيص المطلوب لتدريس برامج الفلسفة للأطفال.

التعليم بوصفه مقابلًا للتدريب: تعليم أم تدريب؟

ثمة مزايا كثيرة تنبع من تكوين مجتمع تساؤل نشيط كما يحدث في برامج الفلسفة للأطفال، حيث يتلقى المنضمون الراغبون في العمل مستقبلًا ميسِّرين مناهج فلسفية يُدرَّسونها في مدة قصيرة. من المفيد أن نقترح على معلمي الفلسفة استخدام مواد برامج الفلسفة للأطفال ووسائلها؛ لأهميتها في التعاطي مع شؤون الحياة اليومية، مثال: (ما الخطأ في أن أصبح شخصًا متنمرًا؟ لماذا يجب أن نشارك في نقاشات الفصل الدراسي؟)، وغيرها من الأسئلة التي لا تُتَداول بالعادة في المناهج الدراسية المعتادة. اعتمادًا على التدريب قصير المدى، يشكِّل المعلمون المتخصصون في برامج الفلسفة للأطفال لطلابهم مصدرًا مهمًّا لتعلم مهارات التفكير الناقد والتفكير الإبداعي، وكيفية التعاطي مع من يخالفونهم الرأي، وتقدير أهمية الحجج المنطقية اثناء خوضهم جدالًا، واستخدام فرضية “ماذا لو”، وأخيرًا التعرف إلى الطرق المثلى للتعامل مع ما يطرأ في الحياة من مشاكل ومستجدات لا تهدأ وتيرتها.

مع ذلك، فإن ما تحظى به برامج تعليم الفلسفة للأطفال مؤخرًا من اعتراف في مؤسسات التعليم والتربية والاهتمام بالتغيير العميق والحسن الذي ينتج من تبني برامج الفلسفة للأطفال في الأنظمة التعليمية، فإن ذلك لا يعد كافيًا. ما نفتقده في برامج الفلسفة للأطفال هو الفلسفة المتجذرة، الجوهرية ودائمة الأثر. الحل الذي نقترحه هو ضخ قدر كبير من الفلسفة في برامج تدريب المعلمين، عوضًا عن الاكتفاء ببرامج تدريب سريعة أو قصيرة المدى.

مجتمع التساؤل النابع من برامج الفلسفة للأطفال ذات الصبغة الفلسفية الطفيفة، كيف سيبدو؟

بدايةً، لنتخيل كيف سيبدو مجتمع التساؤل الخاص ببرامج تعليم الفلسفة للأطفال إذا كانت الميسِّرة لا تفرق بين الدلائل التجريبية وغير التجريبية. على سبيل المثال، هل أجهزة المراقبة بالرادار أدت إلى تخفيض السرعة، أو أن إبقاء الحانات مفتوحة لوقت متأخر سيؤدي إلى التقليل من الإقبال على الشرب بشراهة خوفًا من الإغلاق المبكر، ثم تقل الحوادث على الطرق؟ إذا كانت الميسرة عاجزة عن التفريق بين مصطلحَي الحرية والاستقلالية، فعندما يقوم الشخص بعمل أي شيء يريده هل هذا دليل على أنه حر ومسؤول عن تصرفاته؟

أو عندما تكون الميسِّرة عاجزة عن التفريق بين كون الشيء ضرورة وكونه كافيًا، ثم تعجز عن توضيح التباين الكامن بين هاتين العبارتين: “ستعيش إذا أجريت هذه العملية”، و”ستعيش فقط إذا أجريت هذه العملية”.

في بعض الأحيان، يكون الميسِّر الفلسفي غير معتاد على المغالطات الشائعة التي تصدر من عامة الناس، مثل: “الأطباء يجب أن يمتنعوا كل الامتناع عن المشاركة في حالات القتل الرحيم؛ لأنه من المفترض أن يفعلوا ما بوسعهم لإبقاء المرضى على قيد الحياة”. إذا صدر مثل هذا القول من طالب فلا بد أن نسترعي انتباهه إلى أنه وقع في مغالطة أدت به إلى أن يفترض النتيجة قبل السبب. عندما يكون الميسِّر الفلسفي جاهلًا بالجدليات التي وضعها عالم الفلسفة الألماني إيمانويل كانط لافتراض أن الاستقلالية هي أساس المذهب الأخلاقي، وعندما يكون الميسر الفلسفي عاجزًا عن استيعاب التمييز المفاهيمي الذي وضعه الفيلسوف الإنجليزي جون لوك للتفريق بين الصفات الأولية والصفات الثانوية التي تساعد على فهم طبيعة الواقع ودراسته، أو أن يكون الميسر الفلسفي جاهلًا بنهج الفيلسوف جون رولز الذي يجنح إلى الاعتماد على ما أسماه بحجاب الجهل لتحقيق العدالة المطلقة بين جميع الناس في مجتمع غير طبقي يحقق المساواة بين الأفراد، أو أن الميسر الفلسفي لم يسمع قط بنظرية العالم جاريت هاردن المعروفة باسم “مأساة العموميات”، أو لا يعلم شيئًا عن المفهوم الذي طوره الفيلسوف فيتجنشتاين وسُمِّيَ بلعبة اللغة أو تلاعب الألفاظ، ولا عن نظرية “تقديس الحياة” لشفايترز، ونظرية أفلاطون عن الدولة المثالية حيث الفصل الصارم بين الثروة والقوة، ونظرية الفيلسوف الإنجليزي جون ستيوارت مل حول حرية التعبير، ونظرية الفيلسوف الأسترالي بيتر سنجر في مجال الأخلاقيات التطبيقية، والإجهاض وحقوق الحيوان.

هل من الممكن أن تكون هذه فلسفة حقيقية؟

هل يظل مجتمع التساؤل، التابع لبرنامج الفلسفة للأطفال، الذي يفتقر لمحتوًى فلسفي قيم، فلسفيًّا؟ الإجابة: نعم، قد يعترض بعضهم على هذا، ولكن الذي يحدث أن التساؤل السقراطي استُخدِم فيما يتعلق بالفلسفة والتفكير النقدي. من المعروف أن معظم الفلاسفة يسمون سقراط بالفيلسوف الحقيقي على الرغم من أنه كان يرفض الاحتكام إلى السلطة عندما يتعلق الأمر بالمعرفة والحكمة. في الحقيقة، تكمن قوة برامج الفلسفة الموجهة للأطفال في أنها تتميز عن الموضوعات الأكاديمية بقدرتها على إخضاع المشتغلين بها لتساؤلات شخصية داخلية تتعاطى برشاقة مع الموضوعات الحياتية المختلفة، فتخطو بالأشخاص خطوات متسارعة في دروب الحقيقة.

إذن، كيف نصف المشكلة بدقة؟ سنستخدم الطب مجازًا أو مقاربةً آملين أن يساعدنا ذلك على فهم أبعاد المشكلة.

هل هذا طب حقيقي؟

ما بين القرن العشرين والواحد والعشرين، تقدمت علوم الطب كثيرًا، فأضحت أكثر قدرة على إطالة أعمار الناس وعلاج المستعصي من أمراض. لا ينفي هذا أن الطب الذي كان يُمارَس في بدايات القرن العشرين كان طبًّا حقيقيًّا وناجعًا، لكنه تقدم وتطور حتى وصل إلى ما وصل إليه في الوقت الحالي. طلاب الطب -وإن أرادوا- يستحيل أن يلموا بعلوم الطب قاطبة؛ للطب فروع كثيرة وعلوم متشعبة، لكن ما بمقدورهم فعله أن يتكئوا على النظريات والمعارف التي سبقهم إليها الأوائل. هذا أيضًا هو الحال مع علوم الفلسفة، كل من هو ميسر فلسفي يستطيع أن يعمل عملًا مشابهًا لما يعمله الأطباء وتلاميذهم.

المجاز

ما نود قوله في هذه الورقة أن الميسر أو المرشد الفلسفي المهتم بتدريس علم الفلسفة للأطفال يجب أن يكون ملمًّا بالأطر والنظريات الفلسفية المعروفة. هذه الخلفية العلمية ستمكنه من استحضار العلوم الفلسفية الأساس التي استعان بها مجتمع التساؤل عند مناقشته للقضايا الحياتية المهمة. الميسر الفلسفي الملم بالأطروحات الفلسفية المهمة لن يكون بحاجة لإعادة اختراع العجلة وعمل استقصاءات فلسفية مغايرة.

 قطعًا لا نحتاج من الطلاب في كلية الطب -ولا نريد منهم- أن يعملوا تجارب جديدة لاختراع المضاد الحيوي، ولا نطالب الفلاسفة الجدد أن يبذلوا جهودًا مضنية لإعادة تعريف الحرية والاستقلالية.

عمومًا، لن نحكم على أي من تلك الممارسات (لا اختراع المضادات من جديد ولا الإتيان بتفريق جديد بين الحرية والاستقلالية) بأنها ستكون بلا نتيجة حسنة على الإطلاق. من يدري؟ قد يؤدي سعي طلاب الطب للإتيان بنتائج جديدة وفريدة إلى أن يكتشفوا حلًّا أفضل من المضادات الحيوية! على كلٍّ، حتى العلماء الذين توصلوا إلى اكتشاف المضادات الحيوية كانوا يبنون على النتائج التي توصل إليها من سبقهم من علماء أفذاذ.

الطلاب والمعلمون يحاولون أن يفهموا لماذا يقرر المجتمع أن قتل الأبقار لا يعد جريمة مثل جريمة قتل الإنسان؟

 قد يصلون إلى الفرضيات التي أتى بها العالم سنجر للتفريق بين الوعي والوعي الذاتي. أفضل طريقة هي أن نعبِّد الطريق للطلبة ليتفكروا ويستخدموا الأدوات الفلسفية التي خلفها لنا من سبقنا من مفكرين وفلاسفة.

 ما النوع الذي تكونه وما تكْلِفته؟

من الطبيعي ألا يتمكن ميسر برامج الفلسفة للأطفال من الإلمام بكل العلوم الفلسفية، وليس من المتوقع أن يدرِّس حامل درجة الدكتوراة في الفلسفة طلاب المرحلة الابتدائية. لكن المطلوب هو الإلمام بالمبادئ والأسس بالحصول على شهادة برنامج IAPC (المعهد العالي لتعليم التفكير الفلسفي للأطفال) التي تمكن الدارس من إنهاء خمس مواد دراسية. نؤيد إدخال برامج التفكير النقدي، والأخلاقيات، والميتافيزيقيا، ونظرية المعرفة، والفلسفة السياسية والاجتماعية والفلسفة التربوية. للوصول إلى فهم فلسفي عميق، لا يضير الميسر أن يستعين بنتائج النقاشات الني توصل إليها الفلاسفة القدماء ليبني عليها، ويدير حواراً صفيًّا يتناول موضوعات معاصرة ذات أهمية للمشاركين والمشاركات. نقترح أن يتلقى الميسرون الفلسفيون دروسًا في الفلسفة تكون ذات صبغة عملية تطبيقية، عوضًا عن التركيز على موضوعات تتناول تاريخ الفلسفة وماضيها.

الفلسفة ذات المنحى العملي

نحن من أوائل من اقترح أن تُتَناقل العلوم الفلسفية وتُدرَّس بشكل عملي أكثر. ألَّف العالم أرسطو كتابًا بعنوان “السياسة”، في الكتاب وضح أرسطو الفارق بين الدراسات النظرية والتطبيقية في الفلسفة. على وجه التحديد، أوضح أرسطو الفرق بين الشهوة والرغبة، الحياة السياسية وحياة الفيلسوف. بعد مرور وقت طويل، تتبعت الناقدة والفيلسوفة حنة أرندت التقسيم الذي وضعه أرسطو، وأضافت عنصر العمل الإنساني ضمن المكونات الثلاثة الرئيسة التي تشكل الوجود الإنساني، (الاثنان الآخران هما: الكدح، والفعل). بالنسبة لأرندت، النشاط العام -متضمنًا الخطاب- يستند إلى التعددية البشرية، حيث يكشف الناس عن هوياتهم وتفردهم.  تحبذ أرندت أن تُدرَّس الفلسفة للأطفال بالجمع بين المنهج التقليدي والحداثي، بحيث نشجع المخيال السياسي والأخلاقي لدى الأطفال فنحمسهم على تقييم العالم الخارجي باستخدام وجهات نظر مختلفة.

الفيلسوف الألماني هانز جادامير، صاحب الكتاب الشهير “الحقيقة والمنهج”، أوضح أن التوجه النظري لدراسة الفلسفة لا يجعلنا متمكنين من الانتفاع من نظرياتها وتطبيقاتها، يقول: نتعاملمعالنصبطريقةتفتقرللاكتشافوالمتعةالتيتنبعمنالمساءلةوالبحثعنالحقيقة“. يقترح جادامير أن نتعامل مع النصوص مستخدمين المعايير التفسيرية والتأويلية (الهرمنيوطيقا)؛ حتى نتخيل أنفسنا في حوارات حقيقية مع من سبقنا من مفكرين، فنتمكن من التعاطي مع التراث الفلسفي في دعوة الحوار والتفاعل مع العلوم الإنسانية. استخدام التاريخ استخدامًا فعالًا يعيننا على فهم ذواتنا. يدعو جادامير إلى الفهم والتأويل عن طريق انصهار الآفاق (الانصهار التاريخي للماضي مع الحاضر)، وينادي أيضًا بضرورة استخدام العقل استخدامًا منضبطًا منهجيًّا.

يؤمن الفيلسوف الأمريكي ريتشارد روتري أن الفلسفة يجب أن تتمظهر كمحادثةً تنويرية. قياسًا على هذا، عمد روتري إلى التفريق بين نوعين من الفلسفة: النسقية، والتهذيبية. الفلاسفة أتباع المنهج النسقي يسعون إلى بناء منهج ثابت وأبدي، يستطيعون من خلاله إظهار الحقيقة الكمونية الخالدة، في حين فلاسفة المذهب التهذيبي يفككون النظام للحصول على حقائق حركية جديدة.

زعيم الفلسفة البراجماتية التربوية جون ديوي يرى أن الفلسفة تعكس مستوى التطور الاجتماعي في المجتمعات الديموقراطية. بالنسبة لديوي، الفلسفة هي “صياغة تفسيرية لمشكلات تكوين العادات العقلية والأخلاقية الصحيحة بما يتلاءم مع صعوبات الحياة الاجتماعية المعاصرة”. فالفلسفة -كما يوضح ديوي- يجب أن تكون ذات علاقة مباشرة ومتينة بنظريات التعليم والتربية، أي الديمقراطية في الحقل التربوي. وأكد ديوي ضرورة توطين التجريب والاستدلال في العلوم الإنسانية كما هو الحال في العلوم الطبيعية. من مؤسسي المذهب الفلسفي البراجماتي تشارلز ساندرس بيرز الذي برهن على أن الفلسفة مرآة للعلم بإخضاع ادواتها للتساؤل الحقيقي، هذا التساؤل يكون حقيقيًّا فقط في حال تماشيه مع الشكوك الواقعية المعاشة إذا كانت مرتبطة بالواقع. ماثيو ليبمان، مؤسس فلسفة الأطفال، يؤكد أهمية البعد التربوي لمجتمع التساؤل الذي يشجع الأطفال على طرح الاسئلة الفلسفية وتوليدها، وعلى اختيار طريقة التدريس الملائمة التي تعتمد على الحوار والتعلم الذاتي وحل المشكلات.

يشدد ليبمان على أن للطلاب الحق في اختيار الموضوعات التي يرغبون بتدارسها ومناقشتها في الصف الدراسي. بالنسبة له، احترام ميول التلاميذ واحترام حريتهم في التعبير عن أنفسهم هو جوهر تعليم الفلسفة للأطفال.

انعكاس الرسالة

ما مررنا به من نظرة شاملة حول الفلاسفة الذين أولوا اهتمامًا كبيرًا بالتعليم العملي يعكس الرسالة المركزية لهذه الورقة العملية. التوجه الذي تبناه هؤلاء الفلاسفة يبرهن على أن التدريب الذي سيتلقاه ميسِّرو برامج الفلسفة للأطفال لا بد أن يأخذ منحًى تطبيقيًّا وعمليًّا بحيث يتناولون بالنقاش والتحليل موضوعات الساعة، سواء كانت قضايا سياسية أو أحداثًا اجتماعية. من الجدير ذكره، أن ما تُحُدِّث عنه في هذه الورقة عن التباين بين الاتجاه النظري والاتجاه العملي في التعليم سيكون مفيدًا لمن يفكرون في البدء بإدخال الفلسفة إلى الصفوف الدراسية، أو للميسرين الذين يطمحون إلى تصميم مقرر دراسي في برامج الفلسفة للأطفال. أخيرًا، إذا ارتأينا أن نصنف هذه الورقة البحثية القصيرة نسبيًّا بأنها بحث فلسفي، فقد يسبب هذا إشكالًا شبيهًا بالإشكال الناتج عن إطلاق اسم “فلسفة” على برامج الفلسفة للأطفال التي يكون فيها الطلاب والمعلمون جاهلين بالرسائل الفلسفية القوية التي نتجت عن الفلسفة التخصص الأكاديمي الرصين.

مساوئ الاكتفاء بقدر قليل من العلوم الفلسفية

  أضحى جليًّا الآن أنه من الأهمية أن يتزود ميسِّرو برامج الفلسفة للأطفال بأسس متينة في الفلسفة. ليس من المقبول أن يتلقى ميسرو برامج الفلسفة للأطفال اثناء التدريب جرعات مبسطة أو نظرة شمولية فيما يخص علوم الفلسفة المتشعبة؛ لأن حدوث شيء من هذا القبيل لن يقود -بطبيعة الحال- إلى التعمق في النقاشات الفلسفية المزمع عقدها مع الأطفال. والأخطر من ذلك، قد تؤدي هكذا ظروف تعليمية متواضعة إلى تكوين مجتمع تساؤل للأطفال ينقصه الكثير للوصول إلى استنتاجات منطقية وتفسيرات فلسفية مقبولة وذات تأثير مستدام. ظروف كهذه سينتج عنها ميسر فلسفي غير قادر على تمييز الآراء غير الموضوعية التي يتفوه بها الشخص المتذاكي في المجموعة، سينتج عنها ميسر فلسفي يوجه الطلبة -ظاهريًّا أو ضمنيًّا- إلى تبني الآراء ووجهات النظر التي تتماشى مع ما يعتقده وما يؤمن به، عوضًا عن حث الطلاب على اتباع المنطق إلى النهاية.

مجتمع التساؤل الذي سيسهم هؤلاء الميسرون في ولادته سيعجز -لا محالة- عن تبيان المنافع التي يسعى خبراء برامج الفلسفة للأطفال إلى تأكيدها. الأسوأ من هذا، عندما نجمع أدلة عملية تطبيقية ستتجمع لدينا معلومات تفيد بأن الدواء الذي تتبرع الفلسفة بتقديمه لمن يتعاطونها، ليس فقط لا يجعلهم يتماثلون للشفاء، بل قد يصيبهم بالمرض من حيث لا يحتسبون. حتى نضمن النجاح في هذه التجربة (تعليم الفلسفة للأطفال)، يجب أن نضمن خضوع جميع من في المجموعة التجريبية لذات المدخلات.

اعتماد معايير أعلى

عملية تبني معايير عالية قد تحمل في طياتها بعضًا من المساوئ. عندما نوصي بأهمية أن يحصل الميسر الفلسفي على شهادة عالمية تضمن إنهاءه خمسة مقررات دراسية في موضوعات الفلسفة للأطفال، فإن ذلك قد يقلل من قيمة المقررات التعليمية التي يمكن إنهاؤها في أسبوع أو خلال عطلة نهاية الأسبوع. هناك من يجادل بأنه توجد فائدة من اكتساب قدر قليل من علم الفلسفة ليصبح بعدها الشخص ميسرًا فلسفيًّا في برامج الفلسفة للأطفال، وقد أوضحنا في هذه الورقة أنه من العسير أن يصبح المتعلم ميسرًا فلسفيًّا ما لم يتعمق في فهم الفلسفة ونظرياتها وتطورها.

تبنِّي هذه المعايير العالية في اعتماد ميسري الفلسفة للأطفال يساعدنا -نحن الباحثين- في جمع معلومات موثوقة لغرض البحث العلمي، مما سيمكننا من إقناع واضعي سياسات التعليم بأهمية برامج الفلسفة للأطفال وضرورة اعتمادها فرصًا ثمينة للإبداع العلمي.

من غير المنطقي الادعاء بأنه من الممكن أن نتوصل لمقاربة دقيقة بين العلوم الفيزيائية والنظرية. يقول أرسطو: يكون النقاش مثمرًا بقدر ما يسمح به الأطراف. كي نتمكن من إحداث الفارق، كل ما علينا فعله هو أن نتأكد من ان النتائج التي نسعى إلى تحقيقها قوية في حقيقتها، ونوعية في جودتها.

حمل مقالة “العودة إلى المستقبل حديث فلسفي- نداء لتغيير تدريب معلمي برامج الفلسفة للأطفال”