الحوار بين الأجيال، هل يسهم في إثراء التفلسف أم في عرقلته؟ ;الحديث عن البيئة أنموذجاً

 كتابة: رُواف نحاس

تحقيق: داليا تونسي

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

P4C – philosophy for children and communities

تعليم التفكير الفلسفي للأطفال والمجتمعات

” لن تتعلم أي مفهوم لم تنشئه أو تشارك في بنائه “ – ماثيو ليبمان

توطئة عن تعليم التفكير الفلسفي:

تعليم التفكير الفلسفي للأطفال والمجتمعات p4c هو منهج لتعليم وتعلم التفكير الحواري عن طريق دعم مهارات التفكير العليا ومهارات التواصل، حيث يتمحور المنهج حول تعزيز إمكانيات التعلم الذاتي ويساهم في خلق بيئة آمنة تسمح بالتحاور مع الآخر والتعاطف مع النفس والآخر. تم تأسيس هذا المنهج قبل أكثر من خمسين عاما من قبل البروفيسور ماثيو ليبمان من جامعة ولاية مونتكلير في الولايات المتحدة ويُمارَس المنهج الآن في جميع أنحاء العالم في أكثر من ٦٠ دولة.

هل يخدم الحوار الفلسفي فكرة التجسير بين الأجيال؟

ماذا لو أن هناك رغبة إنسانية ملحة تدفعنا للمعرفة؟ ستتكون هذه المعرفة من اختلاف السياق والمشهد الثقافي و تدفعنا في عملية بحث مستمر عن الدهشة،و قد يسهم الحوار بين الأجيال في تجسير الدهشة التراكمية الواقعة في أزمنة مختلفة. إن طبيعة الإنسان الفضولية، قد تكون تعبيراً عن الرغبة في الحصول على نهج يسهم في فهم الإطار الذي نعيش فيه لذا فإن إضفاء بعد جديد للأفكار بين جيل وآخر، يتطلب حدوث التقاء فكري بين مراحل التساؤل المختلفة من البسيط والابتدائي إلى المركب والمفاهيمي. هكذا يستطيع البالغين فهم عملية بناء الفكرة من الطفولة حتى النضج.

قد يكون التفلسف عملية معرفية تنشأ بين الأجيال المتفاوتة حيث يخلق التساؤل الفلسفي الذي يعتمد بشكل جذري على مخاوف الكبار التي لا يعرف عنها الصغار أو شكوك الصغار القديمة التي نسيها الكبار. إن التساؤل الفلسفي يُعد الحيلة الإنسانية التي نتعامل عبرها مع مجريات الحياة لتكوين المفاهيم، ومن ثم تخلق هذه العملية المعرفية تصوراً عمّن نكون نحن كبشر. هناك معرفة خلاقة في التساؤل تعيد تعقيد المفاهيم الكبيرة مثل الحرية والأخلاق والحب والصداقة. وبينما يستطيع الطفل تفنيد المفاهيم الكبيرة واعادتها لصورتها الخام والتساؤل حولها والاستمتاع بالقدرة على اللعب بالأفكار، يستمر الكبار في عملية البناء المعرفي وتكوين مكتبة من المفاهيم التراكمية مع الوقت، وهكذا تبقى تساؤلات الطفل هي المرآة التي تعكس العمليات الفكرية الإنسانية الأولى. عند وجود معرفة تراكمية مسبقة يكون التساؤل الفلسفي امتداداً لسعينا الدؤوب للحصول على الحقيقة، فتتضمن المعرفة عدداً من الفرضيات القابلة للدحض، قد يطرح الكبار مثلاً تساؤلاً عن الخوف في إطار أو سياق من سياقات الحياة اليومية بينما يكون تساؤل الطفل مباشراً عن ماهية الخوف – ”ولكن ما هو الخوف؟“. يمكننا القول أن المعرفة المتراكمة للإنسان تستطيع تكوين المفاهيم والتصورات، و لكن عندما ننشئ حواراً بين الفئات العمرية المتفاوتة يصبح نسيج الأفكار دوائر متقاطعة تخلق قلقاً معرفياً يعيدنا لجوهر السؤال الملح.لذا،  فإن الحلقة الفلسفية بين الكبار والصغار تدعوا الطفل أن يعيدنا  للخلف، لما قبل المعرفة التراكمية و يضعنا في مواجهة مع ما نعرفه و ليس ما نبحث عنه.

التجسير بين الأجيال ومفاهيم البيئة نموذجاً: برنامج فلسفة خضراء

يتحدث هذا المقال عن “برنامج فلسفة خضراء“ الذي أقيم في عام 2021 بمنهيجة P4C عبر مساحة زووم السحابية. وهو عبارة عن عدد من الحلقات الحوارية بين مشاركين من فئات عمرية مختلفة من عمر 14-16 عاما و 18+ قدمت بإشراف وتيسير الباحثة رواف نحاس.

و”فلسفة خضراء” هو برنامج يناقش علاقة الإنسان بالبيئة من الناحية الإنسانية والاقتصادية، كما يتطرق إلى دور الفرد و الجماعة في الحفاظ على البيئة. تم تقسيم المفاهيم المطروحة في البرنامج من الأصغر إلى الأكبر ابتداءً بدور الفرد في المجتمع إلى دور الثورات الصناعية في تشكيل المستقبل. واختيرت موضوعات بيئية تحمل طابع مشترك من الهم المجتمعي بين الفئات العمرية المختلفة. كما تم تقسيم التمارين ما بين تمارين قصصية للوصول إلى المفهوم وعرض حقائق علمية عن البيئة وتبعات حياتنا اليومية في التأثير عليها. كان محور البرنامج يتمركز حول خلق رابطة من المفاهيم توصل بين الفئات العمرية المختلفة ورؤية هذه الفئات لمفهوم البيئة والإنسان.

سيقسم المقال لأجزاء ابتداءً من عرض تفاصيل وحيثيات اللقاء، إلى رؤية شاملة تستعرض ما الذي جرى بشكل جيد أثناء عملية فهم الحوار الفلسفي بين الأجيال بالإضافة لنقاط التفكر في مجريات اللقاء القابلة للتحسين. تكمن الغاية المعرفية من هذه التجربة في اكتشاف الإمكانيات والتحديات الموجودة في الحوار الفلسفي بين البالغين والصغار. ويستخدم المقال أسلوب بحثي مقالي يتناول التحليل الوصفي لمجريات الحوار من خلال معايرة أساليب التيسير ورصد مجريات الحوار من النواحي الحوارية والتقنية واستراتيجيات أدوات التفكير الفلسفي المتبعة وتقييم النتائج المرجوه.

موجز عن منهجية الحوار السقراطي: مقدمة لشرح حيثيات ورش العمل

يتناول اللقاء الفلسفي ثلاثة محاور رئيسية تساهم في بناء المفهوم وطرح السؤال الفلسفي. ابتداءً من عرض تمرين افتتاحي يهدف إلى مساعدة المشاركين في عملية البحث المعرفي وتكوين المفاهيم. يترتب على هذه المرحلة الأولية خلق بيئة آمنه للمشاركة وتحريك قلق معرفي مشترك يعزز المحور الرئيسي للتساؤلات. ثم ننطلق من التمرين الافتتاحي لعرض المثير الفلسفي لاستقصاء فرضيات جديدة للمفاهيم. بناءً على كل ما سبق يتم طرح سؤال فلسفي واحد للحوار واستنباط الفرضيات والمفاهيم.

النتائج والحوار الفلسفي

اللقاء الأول – بعنوان: الطبيعة والأرقام

الفئة العمرية: ١٢- ٣٠+

التمرين الافتتاحي: الرسم الجماعي

وهو تمرين يعزز من قيمة التعلم والتعليم المجتمعي، حيث يقوم جميع المشاركين بالتناوب برسم نفس الشكل ولكن بالأبعاد الشخصية لكل فرد. يساهم التمرين في تعزيز الرعاية برغم الاختلاف.

المثير: عرض فيديو يتحدث عن علاقة الأرقام والنسبة الذهبية بالبيئة

تضمن اللقاء الأول تنوعًا في الفئات العمرية الموجودة من سن 12 إلى 30+ مما أدى إلى حدوث بعض الصعوبات في التواصل مع الفئات العمرية الأصغر سنًا. كما واجه بعض الأطفال تحديا في المساهمة في خلق بيئة آمنه تساعدهم على طرح آرائهم بأريحية، مما دفعني للتدخل في بعض المواقف لتعزيز عملية المشاركة بين الجميع بالتساوي. كما لاحظت أيضا أن عملية شرح التمارين والوقت المخصص للتفكير الفردي تختلف نسبتها على حسب الفئة العمرية الموجودة. أثناء عملية شرح التمرين الافتتاحي لم يبادر الأطفال في السؤال والاستيضاح في حالة وجود لبس في فهم التمرين أو معرفة المطلوب بدقة ربما لضعف الشعور بالأمن بسبب تفاوت الأعمار!، مما جعل بناء الأفكار أصعب. يمكن أن يتم حل هذه المشكلة عن طريق مشاركة الأطفال في شرح التمرين بعد أن يتم شرحه من قبل الميسر. يمكن استخدام عبارات مثل: هل تستطيع مساعدتي في تلخيص المطلوب من التمرين؟ من يستطيع مساعدتي في شرح التمرين للبقية؟ حيث أن هذه الأسئلة قد تساهم في خلق بيئة آمنة يستطيع المشاركون فيها طرح التساؤلات بفاعلية أكثر وبخوف أقل. لم يكن التمرين الافتتاحي كافيا لتحفيز المشاركين على التفكير في عملية التفكير بذاتها والتفكر بعمق أكثر. كما كان من الممكن إعطاء المشاركين وقت أكثر للفهم والشرح. لاحظت أيضا أن قلة عدد المشاركين يؤثر في فاعلية تقسيمهم لمجموعات في عملية بناء الأفكار. كان من الممكن طرح الأفكار بشكل فردي ومناقشتها بشكل جماعي ورسم خريطة بالمفاهيم المطروحة لتتبع عملية البناء عوضاً عن توزيعهم في مجموعات عبر غرف منصة زووم.

ويبدو أن ما سبق كان عائداً على كون الطفل لم يتلقى الكثير من المحفزات التي تساعده على إبراز هذه التساؤلات، كون المجتمع يغلب عليه عدم وجود هذه المحفزات. مثل عدم وجودها في المناهج التعليمية الدراسية.

اللقاء الثاني – بعنوان: البيئة والأخلاق

الفئة العمرية: ١٢- ٣٠+

التمرين الافتتاحي: حدوة الحصان

وهو تمرين يقسم المشاركين على حسب قدرتهم على اتخاذ موقف ويساهم في زيادة القدرة على مرونة الأفكار من خلال تنوع طيف المفاهيم

المثير: عرض فيديو يعكس دور الإنسان والحيوانات في البيئة

استخدم تمرين حدوة الحصان كتمرين افتتاحي وفيديو يعكس دور الإنسان والحيوانات في البيئة كتمهيد للمثير الفلسفي. أثناء التمرين الافتتاحي تم الحوار حول الأفكار بشكل جماعي وتدوين الملاحظات ليراها الجميع حتى تعزز من عملية البناء، عوضاً عن استخدام المجموعات المنفصلة لبناء المفهوم، ساهمت عملية تدوين الأفكار في ربط الأفكار بأصحابها و البناء عليها أو الرجوع للخلف قليلا لمعرفة الأفكار الانتقالية التي غيرت من سير الحوار. لم تكن العبارة المطروحة في التمرين الافتتاحي ذات مفهوم واضح بشكل جيد أو لم تكن مثيرة للجدل بشكل مناسب، مما جعل الأغلبية تنحاز للتصويت نفسه. تفاعلت الفئة العمرية من18+  مع العبارة بشكل مختلف عن الفئة العمرية الأصغر. مما ساعد في تكوين طرق مختلفة لفهم العبارة، ولكن لم يساهم هذا التفاوت في التركيز على مفهوم واضح لبناء الأفكار.

استنتاجا مما سبق، تشكل المعرفة المسبقة للمفاهيم نهجاً علمياً متراكماً من الأفكار، مما يجعل مفاهيم الكبار أكثر تعقيداً من الصغار. يُكون الطفل المعرفة من الحياة اليومية والتجربة حيث تكون مركزة أكثر على ما يحدث في الحياة حالياً، بينما تتشكل هذه المعرفة نفسها عند الكبار من المعلومة التي يتم تلقيها أو من تراكم التجارب السابقة. نجد هنا أن المرونة لإنشاء المفاهيم تأتي على مستويات مختلفة وهذا شيء جيد بشكل نسبي. قد يساعد الميسر في خلق نقطة اتصال بين الكبار والصغار من خلال إعادة الحوار مرة بعد مرة إلى المفاهيم الجوهرية.

اللقاء الثالث – بعنوان : زعانف القرش

الفئة العمرية : ١٢- ٣٠+

التمرين الافتتاحي : خط المفاهيم

وهو تمرين يقسم المشاركين على حسب قدرتهم على التعليل وملاحظة الفروقات المفاهيمية، يساهم في زيادة الوعي بمصادر الأفكار وأطيافها

المثير : فيديو للشيف جوردن رمزي يتناول شوربة زعانف القرش الشهيرة

في الحلقة الثالثة استخدمت تمرين خط المفاهيم لافتتاح اللقاء. تم عرض مجموعة من الصور لحيوانات مثل ديناصور، نملة، صرصور، وزغة، سمكة قرش، عقرب، جمل، خروف، قطة وبومة ثم طلبت من المشاركين ترتيب الصور على خط المفاهيم من الأقل أهمية إلى الأكثر أهمية. في البداية واجه المشاركون صعوبة في فهم المعيار وتحديد موقفهم. مما أدى إلى صعوبة في عملية البناء المفاهيمي. قام بعض المشاركين بالتساؤل حول مفهوم الأهمية عوضا عن العمل على التمرين، كما قام البعض بمعارضة استخدام هذا المعيار وتبديله. تشعب الحوار و تطرق إلى مواضيع مثل الأخلاقيات الإنسانية تجاه الحيوانات و الرغبات و تأثيرها على النظام البيئي. لاحظت أن المفاهيم الواسعة غير الموجهة في مسار واضح تشكل جواً من التشتت في الحوار والبناء مما يدفع الميسر إلى التدخل بكثرة لربط الأفكار. بينما تعزز المفاهيم الواضحة من تفاعل المشاركين ولا تتطلب الكثير من التدخل من قبل الميسر.

استناداً لما ذُكر يستطيع المشاركون تكوين آرائهم حول المفاهيم بشكل أوضح عندما تكون مبنية على أساس يمكن المشاركة في وضعه، حيث تؤدي مرحلة التكوين الجماعية إلى تقديم معايير منطقية تضمن وجود التفكير الناقد لتفنيد الفرضيات المطروحة. انطلاقاً من هذا المبدأ تسهل عملية التصنيف حيث أن أسس المعايير تتكون من المرجعية التي ساهم المشارك في وضعها

اللقاء الرابع – بعنوان : ورقة على الأرض

الفئة العمرية : ١٢- ٣٠+

التمرين الافتتاحي : مشهد تمثيلي تفاعلي

المثير : فيديو يتحدث عن مشاكل التغيرات المناخية

في الحلقة الرابعة استخدمت مشهدًا تمثيليًا لافتتاح اللقاء. حاولت عن طريق هذا المشهد العمل على مفهوم الفوضى. في البداية واجهت بعض الصعوبات في تحرير المفهوم مع المشاركين، حيث أن التمرين لم يكن كافياً لفتح باب التساؤلات و التفكّر. دفعني الركود في الحوار للتدخل لطرح بعض التساؤلات وحث الجميع على طرح أفكارهم. لم تكن المشكلة في هذه الحلقة هو خوف المشاركين من طرح الأفكار، إنما كانت في عدم وضوح المفهوم في التمرين. فيما يخص المثير الفلسفي، قمت باستخدام فيديو علمي يتحدث بشكل مباشر عن التغيرات المناخية المضرة بالبيئة. كانت مدة الفيديو ما يقارب الستة دقائق مما شتت تفكير المشاركين وجعل من الصعب عليهم التركيز على تحرير التساؤلات. قامت إحدى المشاركات باقتراح فكرة تقسيم الفيديو إلى جزئين، حيث يتم مناقشة الأفكار المطروحة على مرحلتين مما يساعد في التركيز على عملية البناء. عدم وضوح المفاهيم المطروحة ربما يكون قد ساعد في تجسير البعد العمري بين الصغار و الكبار، حيث ساهم الكبار في توضيح الأفكار بالشكل الذي يسمح للصغار بتكوين موقفهم الشخصي مما أضفى بعداً من الرعاية و التقبل للتساؤلات المطروحة من قبل الصغار.

هكذا استطاع الصغار بناء بيئة آمنة للكبار ساهمت في خلق مساحة تسمح للجميع بمشاركة أفكارهم. كان للكبار دور فعال في تيسير خلق هذه المساحة، حيث أن بعد عدة لقاءات أصبح تسلسل الأفكار يبدأ من الصغار ثم يبني الكبار مفاهيمهم على ما تم طرحه في الحلقة الحوارية.

—-

اللقاء الخامس – بعنوان: السيرك

الفئة العمرية : ١٢- ٣٠+

التمرين الافتتاحي : أتفق ولا أتفق ـ حدد موقفك

وهو تمرين للتدريب الجدلي حيث يصف طريقة استخدام الحجة الفلسفية التي تنطوي على نوع من المواجهات الجدلية بين الأطراف المتعارضة. يعزز هذا التمرين مهارات التفكير الناقد والرعائي بين المشاركين و يركز على أهمية التعليل.

المثير : فيديو كرتوني يعرض حياة الحيوانات في الحديقة

تم استخدام تمرين أتفق ولا أتفق لافتتاح اللقاء  بالإضافة لفيديو كرتوني عن الحيوانات في السيرك كمثير فلسفي. بسبب قلة الحضور في الحلقة لم يتم استخدام الغرف الخاصة على مساحة زووم لمناقشة التمارين مما أدى إلى انعدام مساحة التفكر التحفيزية في مجموعات صغيرة في بداية اللقاء. في التمرين الافتتاحي لاحظت أن الفئة العمرية الصغيرة تفاعلت بشكل مختلف مع العبارات المطروحة. حيث تطرّق الأطفال إلى مفاهيم مثل الأخلاق، التطور، والإنسانية بينما حاولت الفئة الأكبر التركيز على مفهوم الأخلاق فقط. رغم العدد القليل في الحلقة إلا أن التفاوت بين الفئتين العمرية ساعد على تحرير عدة مفاهيم بشكل أفضل. لاحظت أن تشعب المفاهيم في الحلقات السابقة يشتت من عملية بناء الأفكار ولكن طرح الأفكار في مجموعة صغيرة أحدث فرقاً إيجابياً، حيث تم التركيز على عدة مفاهيم و ربطها ببعض. في مرحلة السؤال الفلسفي، قمنا بكتابة السؤال الفلسفي بشكل فردي ثم الحوار حول الأسئلة ثم التصويت على سؤال الحلقة. كل مشترك قام بكتابة سؤالين أو أكثر ثم طرحنا جميع الأسئلة للحوار. لاحظت أن هذه العملية عززت من قدرة الأطفال على التعبير عن أفكارهم الخاصة دون تدخل الطرف الخارجي، مما سمح لنا ببناء أرض خصبة مليئة بوجهات النظر المختلفة.

اللقاء السادس – بعنوان: دور البطولة

الفئة العمرية : ١٢- ٣٠+

التمرين الافتتاحي : أسئلة مفتاحية

المثير : فيديو الناشطة السويدية غريتا تونبرج

في التمرين الافتتاحي قمت بسؤال المشاركين عدة أسئلة تساعدنا على فهم الأسباب التي تدفعنا لأن نقوم بما نقوم به في حياتنا اليومية. بدأت بسؤال كل فرد في المجموعة عن اختيار شيء واحد يستطيع أن يقوم به من أجل البيئة. ثم بعد ذلك قمت بتكرار إجابتهم وسؤالهم عن الشيء الذي سوف يحدث نتيجة لقيامهم بهذا العمل. قمنا بهذا التمرين لعدة مرات ولاحظنا أننا دائما ننتهي عند نقطة البداية و عن التساؤل عن ما إذا كان هذا الفعل الذي نريد القيام به سيساعد البيئة فعلاً. استخدمنا نفس التقنية في سؤال مختلف عن القوة الخارقة- لو كان بإمكانك اختيار قوة خارقة واحدة ماذا سوف تكون ولماذا؟ تمثل القوة الخارقة هنا علاقتنا بالأشياء التي يمكن للإنسان أن يفعلها ليحدث فرقا في مجريات الأمور – توصلنا إلي نفس نتيجة السؤال الأول، حيث كان المشاركون يعودون إلى نقطة البداية التي تجعلهم يتساءلون عن جدوى الفعل نفسه. من خلال البحث حول فلسفة الأسباب والنتائج، ساعد التمرين في خلق جو من الشك المثير للأفكار. رغم ذلك كان عدد الحضور القليل يسبب بعضاً من الركود مما دفعني إلى التدخل في كثير من الأحيان. بالنسبة للمثير الفلسفي قمت باستخدام فيديو الناشطة السويدية في لقاء لها عن البيئة و الطفل. وبسبب قلة عدد الحضور لم نستخدم الغرف لعرض المثير، عوضا عن ذلك قامت المجموعة بطرح تساؤلاتها بشكل جماعي ثم الحوار حول الأسئلة و اختيار سؤال الحلقة. لاحظت أن هذه العملية تساهم في تنوع المفاهيم المطروحة في الأسئلة مما يفتح بابًا للحوار دون تدخل الميسر. أجد أنه من الجيد في المواسم القادمة أن أقوم بعدة تجارب في هذه التقنية ودراسة الفروق في المخرجات ما بين كتابة السؤال الفلسفي بشكل فردي أو جماعي.

الخاتمة

هل التجسيير بين الأجيال يساهم في إثراء الحوار الفلسفي أم عرقلته؟

    ” إذا قطفنا تفاحة، هل يصبح من واجبنا أن نسقي شجرة في المقابل؟ “

“هل البيئة مثل الأم التي تعطينا و لكن يجب أن نطيعها؟”

روعة 22 سنه – عباد 13 سنه – سلسبيل 14 سنه – عبدالعزيز 30 سنه

في ضوء ما تحدثنا عنه و محاولة لفهم عملية التجسيير بين الأجيال أجد أنه للإجابة عن تساؤلات من هذا النوع، من الضروري أن نضع معياراً مفصلياً بين تعلم الفلسفه كمنهج معرفي و تعليم التفكير الفلسفي كأسلوب تعليمي يستخدم أدوات التفكير العليا في الحوار، حيث أن الأخير يمكن أن يوضح الأسس التي يقوم عليها نهج التعلم المجتمعي الحواري. وذلك لأن تعليم التفلسف يخلق ظروفا مختلفة لتكوين المفاهيم واستنباط المعرفة عن طريق الحوار الخلاق الذي يبدأ من الفكرة بحد ذاتها وعبر النسيج الذي تخلقه هذه الأفكار في عملية الحوار. إن هذا السعي الدؤوب للمعرفة بين الكبار والصغار يقرب فهمنا للعالم المشترك الذي نعيش فيه معاً، بغض النظر عن إمكانية وجود جواب واحد لجميع التساؤلات. هناك شعور عميق من الطمأنينة في أن تجد أولئك الأشخاص الذين تشغلهم نفس تساؤلاتك المؤرقة. رغم حيرة السؤال، هناك لذة معرفية مطمئنة متضمنة في أن تشارك التجربة الحياتية المعرفية مع الآخر وتتوصل إلى أن المعرفة ليست تجربة تحصر الفرد الواحد إنما هي عملية مجتمعية تشاركية لخلق بيئة آمنه للحوار. ورغم أن الفلسفة لا تزال تعد نهجاً للبالغين فقط، ولكن وجود الطفل ضمن هذه الثنائية يطمئنك أكثر في خضم القلق المعرفي. أن هذه العملية تستدعي وقفة ضرورية للتفكر حيث أننا نستطيع رؤية الفكرة وجوهر التساؤل قبل أن يتبلور ليصبح المفهوم بالشكل المألوف الذي نفهمه نحن الكبار.  يساعدنا الطفل في هذه المرحلة لنحفر عميقاً بحثاً عن معرفة أعمق عن بداية الأشياء و التغير الذي يحدث لها عبر الوقت عن طريق  التفلسف الذي يقدم منظوراً مختلفاً عبر الأجيال. إن السؤال الفلسفي المشترك بين البالغ والصغير عبر العصور، يشكل جزءاً كبيراً من الحوار الفلسفي الذي تتفاعل حوله البشرية جمعاء، و التفاعل بين البالغ و الطفل في هذا الحوار يحدد وجه التجربة المستقبليه لإمكانية الحوار المشترك بين الأجيال على المدى البعيد. إن هذا التعايش الاستثنائي للكبار والصغار معاً يثري الحياة التي لم يعشها الصغار بعد ويعيد تذكير الكبار باللحظة التي بدأ منها كل شيء.

حمل مقالة الحوار بين الأجيال، هل يسهم في إثراء التفلسف أم في عرقلته؟ ;الحديث عن البيئة أنموذجاً