التفكير في الطفولة: الكينونة والصيرورة في العالم

Thinking about Childhood: Being and Becoming in the World

كلير كاسيدي وجانا مور لون

Claire Cassidy and Jana Mohr Lone

Cassidy, C & Mohr Lone, J 2020,’Thinking about childhood : being and becoming in the world‘, Analytic Teaching and Philosophical Praxis, vol. 40, n. 1, pp. 16-26.

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة: عبير حمّاد

تدقيق: سلمان بوخمسين

تحتل الناشطة المحاربة للتغير المناخي البالغة من العمر ستة عشر عامًا غريتا تونبِرْج Greta Thunberg -حاليًّا – موقعًا بارزًا في نشرات الأخبار. ويطغى حضورها لكونها مراهقة، لا بسبب صوتها الصادح المناهض للتغير العالمي للمناخ. ورغم الترحيب بها لتتحدث في الأمم المتحدة، فإن عديدًا من ذوي السلطة لاك سمعتها؛ لأنها شابة. وبينما هي لا تدعي امتلاكها لأي اختصاص متبحر، وتقترح الإنصات للعلماء الضليعين – قد انتُقِدت لكونها ليست منهم، ولكونها (ميلودرامية)، ولكونها صغيرة جدًّا، فلا يُعتد بها وبقولها. يكتب محرر مجلة ناشونال ريفيو Natural Review ريتش لوريRich Lowry :

“هناك سبب يدفعنا لئلَّا نستعين بالمراهقين ليرشدونا في المسائل الحساسة التي تخص السياسة العامة؛ إذ ليس في جعبة الأطفال قول مفيد يطرحونه علينا، باستثناء قلة نادرة تفكر -لنقُل – كالبروفسور جون ستيوارت مِل John Stuart Mill الذي كان طفلًا معجزة. إنهم يعيدون ما أخبرهم به البالغون بفهم ناقص لمعانيه الدقيقة ونضج أقل “.

تجربة تونبِرْج Thunberg تصور بوضوح النظرة التقليدية للأطفال بوصفهم مفتقرين إلى المعرفة والاختصاص والقوة والمنصب حتمًا. وكما لاحظت لون Lone (1)، يُعترَف عادة بأن الطفولة والمراهقة هامّتان في حياتنا، لكن “لا يبدو أن هذا يدفع البالغين للتعامل مع تجارب الشباب بجدية حقيقية “ (2). توجه لون Lone (3) انتباهنا إلى حقيقة أن تجاهل الأطفال لا ينبع مما يقولونه، بل ينبع من حقيقة كونهم أطفالًا. ثمة كثيرٌ أعربوا عن ذات المخاوف التي صرحت بها تونبِرْج Thunberg، وهم إن لم يكونوا أطفالًا، فإن ما يقولونه سيلقى تقبلًا أعمق. وهذا مثال بسيط على الظلم المعرفي الذي يواجه الأطفال (4) والحظوة المعرفية التي يتمتع بها البالغون (5)، وهذا يشير بدقة إلى ثانوية المنزلة الاجتماعية للأطفال وتبعيتهم.

confusing incorporates are now the commonalities pertaining to liverpool-fcrolex. save on https://www.vapetypes.com/ e-sigaret. hundreds of newly vape shop. stern making desires can be rather long not to mention responsible exact audemar watch replicainsurance. online store offers best swiss https://www.luxurywatch.towith cheap prices. users is unable to make the best services are the nice thing about the best tag heuer replica watchin the world. best https://www.vapesstores.ru/ вейп купитьbeautiful, practical, good quality. http://www.christiandiorreplica.ruhilarity exceptional method.

ترمي ممارسة الفلسفة مع الأطفال إلى معالجة الظلم المعرفي الواقع على الأطفال، وذلك بخلق مساحة فلسفية يطغى عليها صوت الأطفال ويهيمن. ففي الحوارات الفلسفية مع الأطفال تصوغ أفكارهم وأسئلتهم سير التساؤل ومجراه؛ لتتيح الفرصة لجوانب مستحدثة في المباحث الفلسفية. أُقر بأن الأطفال مفكرون مستقلون، قادرون على الإبصار بوضوح، والإسهام بسبل قيمة في فهمنا لعالمنا المشترك. ورغم تنامي تطبيق التساؤل الفلسفي مع الأطفال حول العالم لا تزال الفلسفة في معظمها تُرى في قلبها مسعى للبالغين فقط؛ بناءً على غلبة قبول ثنائية “البالغ والطفل” الذي يَعُد الأطفال غير بالغين بشكل كافٍ للانخراط في الفلسفة (6). وببدء الفلاسفة بالبحث في هذه الثنائية بعمق أكبر مستكشفين المعنى بين “طفل” و”بالغ” – تنامى الاهتمام بتبني الحوار الفلسفي مع الأطفال حول طبيعة الطفولة، والتفاوت بين البالغ والطفل.

دأبت العادة على عدّ الأطفال (صيرورة البشرية أو البشرية في حالة حدوث مستمر)، أي أنهم في سيرورة التحول إلى بشر كاملين، على النقيض من البالغين الذين يُعَدون بشرًا كاملين ومستقرين. وتتردد فكرة كون الأطفال دومًا في حالة استعداد وتحضير لمرحلة بلوغهم المعلقة على أنها حجة في حقل علم الاجتماع (7)، ظلت تلك الحجة مقبولة عمومًا إلى حين زمن قريب نسبيًّا. ولم تقتصر هذه النظرة على أولئك الذين يكتبون في مجال الطفل والطفولة بوصفها جزءًا من البناء الاجتماعي، فـستابلز Stables (8) -على سبيل المثال – يبحث مستشهدًا بأرسطو في كيف أصبحت مقدرة الأطفال عاملًا أساسيًّا في تحديد طريقة تصنيفهم ومعاملتهم في المجتمع. حُصِّنت هذه النظرة للأطفال وترسخت بسبب تأثير علم نفس النمو، الذي يركز على نمو الأطفال خلال مراحل (9). وتدعم نظرية مرحلة النمو هذه ما أسماه ماثيوز Matthews “أنموذجًا معيبًا ” للطفولة (10)، أي أننا نعتقد بأن للأطفال كليات معرفية وعاطفية واجتماعية غير مكتملة النمو، وأنهم قادرون على أن يصيروا بشرًا كاملين فقط متى ما أصبحوا بالغين.

تحتشد الأسئلة والاعتبارات التكميلية بازدياد الاهتمام بفلسفة الطفل والطفولة فيما يخص ماهية الأطفال، ومكانهم في المجتمع، والعلاقات والصلات التي بينهم وبين المجتمع وفيه (11). وركزت الحجج المتعلقة برتبة الأطفال ومكانتهم بشدة على مدى كون الطفولة رتبة بحد ذاتها، أو أنها مجرد مرحلة اعتيادية تتطلب تعاملًا خاصًّا، ويحدد البالغون هذه المعاملة الخاصة عادةً بناءً على هوية الأطفال وماهيتهم المستقبلية (12)، وهي مصممة لتحميهم وتُعِدهم ليبلغوا مكانة البالغين الكاملين (13). تخلق هذه النظرة -بالتفاوت في ثنائية البالغ والطفل – قيودًا على فاعلية الأطفال وإسهامهم وتؤبدها.

كانت هذه النظرة المزدوجة للتفاوت بين البالغين والأطفال موضع تحدٍّ في مناحٍ شتى. فكما لاحظ بعض الباحثين، شككت التغيرات الحاصلة في القرن الماضي وما تلاه في مفهوم كون البالغين كاملين ومستقرين، وكون الطفولة “رحلة نحو وجهة واضحة ومعروفة “؛ لأن حياة البالغين ما عادت تتضمن -كما هو متوقع – وظائف وعلاقات دائمة، ولذا أصبحت أكثر تزعزعًا عما كانت عليه فيما مضى (14). وثمة -كذلك – مناقشةٌ جارية تستقرئ وتبحث في المزايا النسبية لمفاهيم الطفولة التي ترتكز على:

1- مفهوم يعتقد بكون الطفل (كينونة- مستقل ومكتمل)، حيث الطفل فاعل اجتماعي مستقل منخرط في بناء طفولته.

2- منهجية ترى الطفل (صيرورة- في حالة حدوث) يُعَد فيها الطفل أصلًا على أنه بالغ لكن في طور الإعداد.

3- مفهوم يَعُد الطفل تركيبًا يجمع بين (الكينونة والصيرورة) يكون فيه الطفل عاملًا اجتماعيًا فاعلًا مستقلًّا، وينمو ليتحول إلى بالغ مستقبلًا (15)، ويبحث أيضًا في إمكان تطبيق مفاهيمنا حول الطفولة على البالغين على قدم المساواة.

يتمتع الاتجاه القائل بأننا جميعًا في حالة كينونة بزخم متزايد، لينتج عنه “توهين الحواجز بين الطفولة والبلوغ ” (16). ويتزايد تشجيعنا على رؤية علاقات الطفل مع الآخر، على التوقف عن التفكير بجوهر الطفل / الطفولة، ونتأمل -عوضًا عن ذلك – في “مواجهات الأطفال العلائقية مع العالم” (17). تسمح لنا هذه الفكرة (18) التي تنص على تحويل الأطفال إلى كيانات وجودية بالانصراف عن عد الأطفال أفرادًا محصورين في جوهرهم، يمكن دراستهم ككيانات منفصلة عن العالم. ويمكّننا حين نعدهم ككينونة وصيرورة -مثلهم في ذلك مثل البالغين – إبصار التنوع في علاقات الأطفال وأفعالهم وتفاعلهم مع العالم الذي يلقون أنفسهم فيه، ويمكِّننا هذا المنظور من التركيز على “كيف تمت الطفولة ” (19) لا على ماهية الطفل. وهذا التحول محمود بالفعل، رغم أنه ما زال يبدو أنه يموضع الطفل بوصفه آخرَ مناقضًا للبالغ. يمكن القول -بغض النظر عن فهم كيفية تطبيق الطفولة – بأن الأطفال وحدهم القادرون على (ممارسة) الطفولة، وأن ممارسة الطفولة مباحة فقط تحت مظلة أنظمة وبنًى وقيود يفرضها مجتمع البالغين المهيمن. ولا يُعَد المنظور الذي يعتبر الأطفال بعلاقتهم مع ما حولهم مستحدثًا أو غريبًا؛ لأن تصنيف المجموعات والتفريق بينها يستوجب تحديد موضع ذي علاقة لكل مجموعة. لكن يمكن القول بأن الطفل -في ارتباطه بما حوله – يعاد تحديد موضعه، لا بوصفه “ضحية ضعيفة” (20)، بل جزءًا من الفاعلية الاجتماعية والأخلاقية، وفهم انعدام وجود شكل وقالب واحد (للطفولة)، بل هناك تنوع في أشكال الطفولة، بوجود أطفال فاعلين في المجتمع منذ مستهل حيواتهم.

يتطلب تبني هذا الرأي عدّ الطفولة شبكة مترابطة يتفاعل الأطفال في قلبها مع الآخرين (21)، وليس تفاعلهم محض تفاعل بسيط فقط. يبين مفهوم باراد Barad (22)للتفاعل الداخلي آصرة الأفراد وعلاقتهم، ويعد الفاعلية نابعة من شبكة من العلاقات، وليست ملكًا ولا حيازة للأفراد. وبدلًا من الفهم الثابت للطفل والطفولة الذي يرى الأطفال متجهين نحو البلوغ منفصلين عن البالغين، تقترح فكرة الشبكة أن الجميع -أطفالًا وبالغين – “كيانات متعددة جميعها ناقصة واتكالية “(23). ويدعم اتجاه الأطفال بعلاقتهم مع ما حولهم هذا، دافعًا نحو عدّهم جانبًا محوريًا في الفهم العالمي الاقتصادي والسياسي، حيث يكونون فاعلين في العالم الذي يتبوَّءُون فيه محلًّا، ويتفاعلون معه. ينطوي تمكين الأطفال على احتمال “تحويل وتبديل مرحلة البلوغ أيضًا” (24).

يتطلب تسهيل هذا التحول الانكباب على النظرة التي تَعُد الأطفال غير عقلانيِّين، وغير متبصرين، في مرحلة التنشئة الاجتماعية، وناقصي الأهلية لمعالجته (25). فالأطفال مهمشون -كما يقول كينيدي Kennedy (26) – بسبب عدم إنصاتنا لما يرغبون بقوله، أو بسبب نبذنا لآرائهم وأحكامهم. وتكرر لون Lone (2٧) طرح هذه الفكرة بأن أسئلة الأطفال يضرب بها عرض الحائط. أما سبايرو Spyrou (28) فيسترعي الانتباه إلى أن أي تردد أو إحجام عن “التخلي عن التمييز الأساسي النابع من علم نفس النمو والفردانية، عن الطفل المستوحد الذي يحمل عبأ فاعليته بذاته “(٢٩) يعني مقاومة مفهوم كون الأطفال في حالة صيرورة (حالة حدوث). إن رؤية الأطفال والبالغين في حالة كينونة وصيرورة معاً يسمح باختلاف في الدرجة والحالة، لا في النوع، وبإدراك أننا جميعًا فاعلون اجتماعيون فعالون ننمو باستمرار ونتغير. ولعلنا نرى في الاعتراف بصيرورة البالغين الأطفال بوصفهم (فاعلًا هجينًا) ويجعلنا ندرك أن الطفولة تصاغ بإدراك أن “الأشخاص والأشياء… تطفو في وبين حالات ومواضع مختلفة، وأن الجميع لربما أدى دورًا” (٣٠). لعل بروت Prout أصاب بأن هذا يسمح لنا بكسب فهم أفضل للطفولة، فلعله أيضًا -كما يقترح كينيدي Kennedy (٣١) – يسمح لنا بفهم أنفسنا فهمًا أفضل، بل لعله سيساعدنا أيضًا لبلوغ فهم أفضل لبعضنا بعضًا، ولعلاقتنا بالآخرين.

الظلم المعرفي والمحادثة الفلسفية

تُبنى معظم جوانب التفريق بين الأطفال والبالغين على حالة (الأعلم) (٣٢)، فأولئك الذين يتمتعون (بالامتياز المعرفي) –كما وصفتهم لون وبورخيس Lone & Burroughs (٣٣) – يُمنَحون الثقة؛ لكونهم (الأعلم)، ومن ثَم أصواتهم مسموعة. جرت العادة على بخس الأطفال قيمتهم معرفيًا وإسكاتهم، ومما لا شك فيه أن بعض الأطفال يتمتعون بامتياز معرفي أعلى من غيرهم، إذ يواجه الأطفال الملونون -مثلًا – والأطفال ذوو الخلفيات المحدودة الدخل، والأطفال المهاجرون واللاجئون، والفتيات من كل الأعراق والخلفيات – معوقات أكبر من تلك التي يواجهها غيرهم من الأطفال الذين اعتُرِف بأنهم عارفون.

تُسمي لون Lone (٣٤) العجز أو الإحجام عن الإنصات للأطفال المبني كليًّا على معيار العمر “ضربًا من ضروب الظلم المعرفي “(٣٥). تُشير لون Lone (٣٦) وآخرون (٣٧) إلى نطاق المشاكل التي تؤثر على الأطفال وحيواتهم، إلى ما في جعبة الأطفال من كلام. ويصف كينيدي Kennedy (٣٨) البالغ بـ(كائن تأويلي)، والذي هو “قارئ للحياة وللآخر، والقارئ بالاصطلاح هو مؤوِّل. يجب على المؤوِّل أن يفعل فعلته؛ لأنه أُبعد عن الحالة” (٣٩). ويظهر أن (القارئ) مختلف عن (العارف)؛ فبالإضافة إلى رفض الطفل عارفًا، فإنه محروم عادةً من رتبة (القارئ)، بغض النظر عن إبعاده عن عالم الفعل. سيتسنى للأطفال والبالغين – خلال ممارسة التفاعل الداخلي – أن يعرفوا ويقرؤوا، بيد أن القراءة هنا لن تنتج عن كون الشخص (مُبعَدًا بالكلية عن الحالة)، بل لكونه في علاقة مع الآخرين من خلال التحاور، ولعل بعضهم سيفترض أن هذه الحوارات هي لقيا بين الذات والآخر ومعه.

من خلال الحوارات الجماعية، ولا سيما الحوارات الفلسفية، يؤكد كينيدي Kennedy (٤٠) أنها “المكان الأمثل للبالغين للاستفادة من الامتياز المعرفي عند الطفل، ليميزوا حديثًا غير حديثهم، ليواجهوا ثقافة (تصور ذواتنا الأخرى)، ليعيشوا على الضفة المقابلة” (٤١). لعله من الممكن خلال التحاور الفلسفي استحداث “كينونة فلسفية في العالم مع الآخرين” (٤٢). يتوجب علينا للانتقال على هذا الاتجاه أن نتخلى عن بعض الأفكار والمسلمات التي نعتز بها -كما تقول موريس Murris (٤٣) – والتي تميل إلى أن تشق على أولئك الأكبر سنًّا؛ لأنهم أكثر تمسكًا بآرائهم. تقترح الأبحاث الحالية أن انفتاح الأطفال على العالم وتمتعهم بالحد الأدنى من التوقعات لما يفترض به أن تكون سيرورة ما حولهم- يؤدي بهم إلى أن يتمتعوا بمرونة أكبر في التفكير، وأنجح في حل المشكلات (٤٤).

يقر كينيدي Kennedy (٤٥) بقوة التفكير النقدي أو التحاور الفلسفي مع الأطفال؛ لأهميته في “إعادة تعريف الطفل بوصفه فاعلًا مدركًا” (٤٦)، ويسهِّل هذا -كما يقول – خلق علاقة إيجابية بين البالغ والطفل بالتحاور في جوهره. ويشدد على أننا في الانخراط المطلق مع الأطفال في الحوار “نستمع إلى معرفة مستثناة” (٤٧). إن الاعتراف بوجوب الإنصات للأطفال يدعم الاتجاه القائل بأنهم أفراد مهمون في العالم، وأن السماح بتمكين مثل هذه الحوارات يخلق فرصًا لـ “محاورات مهمة ” (٤٨). وتسمح لنا هذه المحاورات بفهم العالم الذي نحن جزء فيه ومنه. ويجب صقل وتهذيب التصرفات اللازمة للانخراط في محاورات مهمة عند الأطفال والبالغين. إذا بدأت هذه العملية مبكرًا في حيواتنا خلال التساؤل الفلسفي مع الأطفال (٤٩)، فإن هذه الممارسة “ستؤدي لمداولة تأملية تتناول أسئلة بناءة ومهمة” (٥٠).

تؤكد كاسيدي Cassidy (٥١) أن المداولة ضرورة في حال دُعمت بديموقراطية صحيحة، حينها يمكن “تحدي تعددية الأفكار والاعتقادات، والقيم والمسلمات” (٥٢). الاختلاف في الرأي مرحب به في التحاور الفلسفي؛ لأنه يساعدنا على فهم ذواتنا والآخرين. وتعلم مخالفة رأي الآخر والانفتاح على إمكان معارضة الآخر لرأيك هو عنصر في التحاور الفلسفي الذي يدفعنا نحو رؤية أنفسنا في علاقة. وتفترض لون وبورخيس Lone & Burroughs (٥٣) -باختصار – أن الانخراط في مثل هذه المحاورات يدعم سبك الهوية وتشكيلها. حين النظر (٥٤) في فكرة موريس Murris حول الكينونة الفلسفية في العالم مع الآخرين – يبلغ تشكيل الهوية حدًّا أبعد من الطفل، أبعد من الفرد، إلى حيز نجد أنفسنا فيه في علاقة. لا جرم أن هوية الفرد الواحد مهمة، لكننا لا نحيا في عزلة، هويتنا تتشكل بوجودنا في علاقة، ولربما كانت اللقاءات الفلسفية تفاعلات داخلية ذات أهمية بارزة في تشكيل هذه العلاقات.

حينما ننمي حساسية فلسفية (٥٥) نبلغ مرحلة تأمل حال الأشياء، وكيف ستكون أيضًا، إنها منهجية تمكننا من التشكيك فيما هو أمامنا ومن تحديه، وهو ما يشجعنا على التفكير بسبل بديلة ومختلفة، لنكون في علاقة في العالم من خلال التخيل الفلسفي الذي لربما سمح لنا أيضًا بإدراك حقائق وأنظمة جديدة تمكِّن نموها. لذا -بدلًا من معاملة الطفل على أنه شخص آخر، أو أقل من عارف – من الممكن أن يكون ويصبح الطفل والبالغ معًا خلال محاورة فلسفية، حينما يكون الجميع (عارفين) محتملين.

تتطلب دعوة الأطفال إلى أسلوب حياة فلسفي جديد تنمية لـ “عادة العقل التفكرية “(٥٦) التي تضع نصب عينيها العالم الذي نحيا فيه، ونود أن نحيا فيه (٥٧). يحضنا سبايرو Spyrou  (٥٨) على تأمل ثقافتنا، لنسأل أنفسنا “أي طفل وأطفال وطفولة نؤسسها ونبدؤها… وأيها نستبعد؟ “(٥٩) وهذه اعتبارات مهمة، خصوصًا إذا ما تحكم البالغون -إلى حد كبير – في الأطفال وطفولتهم. باختصار، ليست (ممارستهم) للطفولة وحدها ما يبدو أنها محصورة بالعالم الذي يجد الأطفال أنفسهم فيه، ولعلنا نقترح أيضًا أن تخيلهم البحت للطفولة، وكينونتهم، وصيرورتهم في علاقتهم مع الآخرين، يمكن أن تقيدها أصوات البالغ المهيمنة التي لا تشكل فقط أفعال الأطفال، بل اعتقادهم وتصورهم للطفولة و/ أو سبل وجودهم في العالم.

الطفولة والبالغ/اختلاف الطفل

حين يُسأل الأطفال عن طفولتهم أو عن كونهم أطفالًا، يميل هذا السؤال إلى التركيز على تجاربهم التي تُطرح سردًا (٦٠). في دراسة أجرتها كاسيدي Cassidy (٦١) رأى الأطفال أنفسهم في علاقة بالآخر، لكن غالبًا فيما يتعلق بصيرورتهم وبكونهم أفرادًا يتفاعلون مع الآخرين البالغين، كما بدا أنهم عدُّوا أنفسهم أيضًا أفرادًا في مسالكهم الخاصة. عادةً ما نسمع أو نعرف آراء الأطفال يصفيها ويعدلها البالغ “العارف” (٦٢). يسمح لنا التحاور الفلسفي مع الأطفال بالانخراط معهم، وتكوين فهمٍ لتفكيرهم ومنطقهم، وربما أيضًا طريقتهم في تكوين علاقتهم مع الآخرين. وتسمح هذه الحوارات باستكشاف واستقراء أفكار الأطفال، وافتراضاتهم، وفهمهم، وربطهم للأفكار بعضها ببعض (٦٣).

يجادل ريست Rysst (٦٤) وآخرون في ميل البالغين لمعاملة الأطفال وفق منظور البالغين، وتحديدًا فيما يتعلق بالنمو الجسدي أو النضج والجنسانية. إذ يرى البالغون الأطفال بعدسة تقترن بها عوائق، أو ربما وصفها بعضهم بالمعرفة المستقاة من وجودهم في العالم. أما الأطفال -كما يبرهن ريست Rysst – فلا يرون أنفسهم بذات المنظور الذي يراهم به البالغون عادة. ولذا فلعله من المفيد الانخراط مع الأطفال في ممارسة فلسفية حول أفكارهم وآرائهم ووجودهم في العالم. وباختصار، لربما انخرطنا مع الأطفال فلسفيًّا على نحو مفيد فيما يعتقدونه حول كونهم أطفالًا. وبفعلنا هذا لعلنا ندرك أن منظورهم لعلاقة البالغ والطفل مختلف اختلافًا بيِّنًا عما نتوقعه، أو لربما نؤكد -مسبقًا – فكرة أننا جميعًا في حالة كينونة في العالم، وفي علاقة مع العالم. ولعل تمتعنا ببعض الإحساس بهذه الفكرة يساعدنا على الانخراط مع بعضنا بعضًا، لنتأمل “إعادة البناء الجدلي لعلاقة البالغ بالطفل “(٦٥)؛ لأن إعادة البناء هذه يجب أن تثبت ضرورتها.

(كايلا Kayla): ما هو الطفل؟ متى تصبح بالغًا؟

(كريستالCrystal ): حين تبلغ الثامنة عشرة.

(ماكسMax ): لا أعلم، أعني أنك دومًا طفل أحدهم، أليس كذلك؟ وإن كنتَ أبًا او أمًّا فستحب دومًا طفلك، ويظل طفلك في عينيك مهما بلغ به العمر.

(تايلرTyler ): أظن أن الطفولة لا تنتهي أبدًا، أعني أننا دومًا في مرحلة طفولة. نحن نصبح ما نحن عليه في مرحلة الطفولة. حين تصبح بالغًا فما أنت سوى طفل أكبر سنًّا.

(ناثانNathan ): أوافق، نحن دومًا ذات الأشخاص الذين كنا إياهم حين ولدنا. أطفال إلى حين نموت، نظل ذات الأشخاص.

(ماديسونMadison ): حين تفكر بالأمر لا ترى سوى أن الطفولة والبلوغ محض أفكار اعتنقها الناس، ثم أوجدوا حول هذه التسميات حدودًا لخلق شيء غير حقيقي في واقع الأمر. ليس هناك -حقيقةً – شيء يُدعى “أن تكون طفلًا ” أو “أن تكون بالغًا “، إنها مجرد تصنيفات، جميعنا أشخاص.

أفصح الأطفال البالغون من العمر عشر سنوات في هذا الحوار (في سياتل، واشنطن) عن رأيهم بعدم وجود فاصل واضح بين كونك بالغًا أو كونك طفلًا. لخص تايلر Tyler الفكرة بقوله: “الطفولة لا تنتهي أبدًا “؛ لأننا “نحن نصبح ما نحن عليه في مرحلة الطفولة “، والبالغ الذي نصيره هو ذاك الطفل، هو الكينونة والصيرورة كلتاهما. أشار الأطفال إلى أن تخصيص مراحل الحياة المختلفة وتمييزها -لا في الطفولة فقط – يتضمن بناءً اجتماعيًّا، كما قالت ماديسون Madison: “حين تفكر بالأمر لا ترى سوى أن الطفولة والبلوغ محض أفكار اعتنقها الناس، ثم أوجدوا حول هذه التسميات حدودًا لخلق شيء غير حقيقي في واقع الأمر “. يشكك الأطفال في ثنائية البالغ والطفل، معترفين بأنها لا تعكس بدقة تجاربهم وسبل وجودهم في العالم.

رغم إيضاح كوهان Kohan (٦٦) -أنه حين تحاور الأطفال حول فكرتهم عن الطفولة والطفل – ما كان يسعى إلى “تحليل مفهوم الأطفال عن الطفولة أو الفلسفة” (٦٧)، إلا أنه بدأ محاورته مع الأطفال بطلبه “أن يفكروا بذواتهم، أي -باختصار – أن يعرفوا أنفسهم ويفهموها” (٦٨). وسواءٌ عُبِّر عنها أو لم يُعبَّر فإن التفكير بالذات وفهمها مشابه لأن تكون في علاقة مع الآخرين. أجاب الأطفال ذوو السنوات الثمانية عن السؤال، ورغم أن إجاباتهم لم تكن دومًا صريحة، بدا أنهم يدركون ويَعُدُّون أنفسهم في علاقة مع الآخرين، وصفوا اللعب مع الأصدقاء والانتساب لمعلمين، وهما خاصيتان تشيران ببساطة إلى طفل في علاقة، كما ميزوا أيضًا وحددوا عناصر مختلفة في حيواتهم، مثل: “كونك مطيعًا “، وهو سلوك عَلَائقيٌّ [نسبةً إلى علاقة] واضح، رغم أن بعض الناس لربما اعتقد بأن الطفل ذو مرتبة أدنى. كما لاحظوا أن عليهم مسؤوليات، وتقلقهم شواغل، مثل المال ووالديهم، وأن فهمهم للطفولة – وهو كونها مرحلة تحضير وتهيُّؤ لحياة البالغ – هو دليل على ذلك. تحدثوا عن وجوب “مرورهم بمرحلة الطفولة” (٦٩) و”تعلم مواجهة الحياة… تعلم مواجهة الحياة يعني أيضًا تعلم أن تصبح بالغًا” (٧٠). إن مفهوم الصيرورة متجلٍّ وواضح في إجابات الأطفال، رغم أنه لا يبدو أنهم يفهمون هنا أن البالغين والأطفال لربما كانوا في مرحلة صيرورة مشتركة على حد سواء. من المحتمل أيضًا -بلا شك – أن التساؤل أكثر عن معنى (البالغ) و(الطفل) لربما أدى إلى تشكيك الأطفال وتساؤلهم حول ثنائية البالغ والطفل.

تتضح ثنائية البالغ والطفل – تحديدًا في أجزاء من محاورة كوهان Kohan مع المجموعة – حين قال الأطفال: “أن تكون طفلًا يعني أن تتمتع بطاقة أكثر من البالغين، وبمخيلة أوسع من البالغين، وأن تفكر بالضرورات التي يعجز البالغون عن التفكير فيها” (٧١). لربما تمتع الأكبر سنًّا بطاقة أقل، أو لربما لم يمرنوا مخيلتهم كما يفعل الأطفال، لكن اقتراح كون البالغين عاجزين عن التفكير (بضرورات معينة) نقطة جديرة بالذكر. لا يتضح هنا ما إذا كان قصد الأطفال أن البالغين لا يملكون الوقت الكافي للتفكير بهذه الجوانب، أو أنهم أصبحوا ببساطة عاجزين عن التفكير (بالضرورات). يقترح كوهان Kohan أن في جعبة الأطفال مزيدًا عن ماهية هذه الضرورات، يجيبون به عن هذا الأمر، بذكرهم “الحب، والفانتازيا، واللعب وغيره، هذه الأشياء شديدة الأهمية “(٧٢). ووسعوا مفهوم (الاهتمام بالضرورة)، ليشمل (التساؤل). كما افترضوا أيضًا أن عاطفة الحب عند الأطفال أقوى، لكن الأطفال والبالغين يحبون، وتحديدًا حب الوالدين، وأحد أسباب حب الوالدين أو أحدهما هو أنهما “يساعدانك، ثم تتعلم كيف تفعل ما يفعله البالغون “(٧٣)، وحين تصبح الأمهات سيدات مسنات تظل (ضرورة) الحب موجودة. إن انخراط الواحد في علاقة مع أمه ليس مفاجئًا أو مباغتًا، وكذلك هو الدور الذي يؤديه بعض البالغين في تحضير الأطفال أو دعمهم في صيرورتهم، لكن حب الأم ذاك وحب الطفل لأمه يظلان ضرورة بمرور الزمن. لربما اقترحت فهمًا أكثر دقة لانخراط الواحد في علاقة، تلك العلاقة التي يستمر فيها كلا الطرفين، ويظلان مستمرين؛ لأن العلاقة تتطور. يرى أحد الأطفال في (سياتل) ما يلي:

“إن كنتَ طفلًا فأنت لست تستعد وتُحَضِّر لتصبح بالغًا فقط، ستصبح مشغولًا جدًّا حينما تصبح بالغًا، ولن يتوفر لك الوقت لتلاحظ الأشياء الحسنة، لكنك حين تكون طفلًا فعندك من الوقت ما يكفي تحادث فيه أصدقاءك، وتلعب، وتكون على سجيتك وغيرها “.

أجريت دراسة سنة (٢٠١٧م) على أطفال تنوعت أعمارهم بين أربع سنوات وعشر سنوات، وكان هؤلاء من سبعة بلدان مختلفة (البرازيل، بلغاريا، كندا، الصين، البرتغال، إسكتلندا، سويسرا) شاركوا في حوارات فلسفية تناولت فهمهم للأطفال والطفولة (٧٤). تشترك هذه الحوارات في عدة جوانب، لا سيما في موضوعاتها الأساسية التي يرى فيها المشاركون الأطفالَ مختلفين عن البالغين، إذ يحتجون بأن البالغين ذوو مسؤوليات أكثر، فعليهم أن يعلِّموا الأطفال ويعيلوهم، وأن يتمتعوا بالقوة والفرص لشراء ما يرغبون به، أو يوزعوا العقوبات على أولئك الذين يُعَدُّون أضعف، كالأطفال، أما الأطفال فلهم اللعب والمرح، في حين لا يتمتع البالغون بهذا. وصرح الأطفال بأن للبالغين مطلق الحرية في ممارسة ما يريدون، والذهاب حيثما رغبوا، بينما أشاروا إلى أن حرية الأطفال مقيدة بسبب البالغين، لكن أدرك بعض الأطفال أن حرية البالغين لربما قُيِّدت على ذات الشاكلة، إما بسبب مسؤولياتهم أو رؤسائهم في العمل. ولعل العائلة هي أوضح مثال لرؤية الأطفال أنفسهم منخرطين في علاقة. ذكر بعض الأطفال كذلك افتقارهم للقوة فيما يتعلق بطاعة والديهم أو في معاقبتهم. وأشاروا إلى علاقتهم بوالديهم من ناحية تفاعلاتهم معًا، كمساعدتهم على حل الواجبات، أو تخصيص الوالدين بعض الأعمال المنزلية للأطفال. بدا البالغون في كل الأمثلة التي طرحها الأطفال عن العلاقات -بما في ذلك الإيجابية منها – هم من يحدد أجندة معينة للعلاقة. وباختصار، مال الأطفال إلى عدم عَدِّ أنفسهم منخرطين في أية علاقة، سوى تلك التي يخوضونها مع العائلة والمعلمين.

نتجت ذات الملاحظات السابقة في حوارات حول الطفولة، أجريت مع أطفال تتراوح أعمارهم بين الثامنة والحادية عشرة في (سياتل، واشنطن)، حمل فيها جميع الأطفال فرضية أن الفوارق بين كونك طفلًا وكونك بالغًا جوهرية، فالأطفال -بحسب ادعائهم – “يتعلمون بسهولة أكبر “، و”أكثر اعتمادًا واتكالًا على الآخرين “، ويمكنهم “أن يبصروا احتمالات أكثر تنوعًا “، و”أقل يأسًا من الحياة “، ويتمتعون “بوقت فراغ أطول ” و”مخيلة أوسع ” و”حرية أقل ” و”مسؤوليات وهموم أقل “. بينما البالغون -حسب حجتهم – “عليهم أن يعتنوا بالآخرين “، وهم “أكثر استقلالًا ” و”أكثر واقعية “، “مخيلتهم محدودة “، ويتمتعون بـ “خيارات أكثر ” و”معرفة أعمق ببعض الأشياء ” و”مسؤوليات أكثر ” و”حرية أكبر “.

يتحدث جميع الأطفال عن (النمو والنضج). ونعت عديد منهم مرحلة الطفولة بأنها مدة مميزة في حياة الإنسان، بإقرار من الآخرين، وبأنها -رغم أهميتها – ليست ممتعة دومًا. يَعُد الأطفال بوضوح مرحلة الطفولة مرحلة انتقال، مع هيمنة النظرة التي يفهم فيها المرء أن الطفولة مرحلة تحضير وإعداد لولوج البلوغ، ومرحلة نمو. حين سئل الأطفال في محاورات (سياتل) ما إذا كانوا يفضلون أن يصبحوا بالغين أو أطفالًا، اختار عديد منهم أن يظل طفلًا، وأشاروا إلى أنهم -في حال ظلوا أطفالًا – سيظل في جعبتهم وقت يقضونه مع العائلة والأصدقاء، ويتعرفون فيه على عديد من الأشخاص، ووقت يلعبون فيه ويكونون على سجيتهم، ووقت يتظاهرون فيه بعكسها. بينما اختار أطفال آخرون أن يصبحوا بالغين: “حين تكون طفلًا ويصيبك مكروه أو تتعسر حياتك فعلًا، فإن هذا أصعب على الطفل من البالغ. فالبالغ عاش زمنًا أطول وفي جعبته عديد من التجارب، ويعرف أشخاصًا مروا بتجارب عديدة. لكنك إن كنت طفلًا وأصابك مكروه، فإن وضعك أصعب وأعسر “. “أود أن أصبح بالغًا؛ لئلا أعيش مع أشخاص لا يحبونني “.  “أود أن أصبح بالغًا؛ لأعتني بنفسي، ولا أضطر إلى الاتكال على البالغين الذين يتخذون قرارات سيئة “. تركز هذه الإجابات على الافتقار النسبي للقوة الذي يعيشه الأطفال، والسلطة المعززة، والتحكم بحيواتهم الذي يتوقعون التمتع به متى أصبحوا بالغين.

أسئلة المستقبل

حين طلبنامن الأطفال أن يفكروا بمعنى كونهم أطفالًا وبتجربتهم في عالم الطفولة،لربما فُهِمت-إلى حد ماهذه الأسئلةعلى أنها ضرب من ضروب افتراض وجود شكل من أشكال ثنائية البالغ والطفل. إن التفاوت بين البالغ والطفل حيٌّ وحقيقي بالطبع للأطفال في المدرسة،وفي المنزل،وفي مجتمعاتهم،ويعيش الأطفال هذه التفرقة والتفاوت بين البالغ والطفل،مايُصعِّب عليهم التقادم خارج حدودالفكرة،لتقييمها نقدًا. يُوسَم الأطفالبـ(الصيرورة)في مناحٍ عديدة؛فعادةً مايوجههم البالغون بقولهم: يجب أن(تنضجوا)،وأن تتعلموا بضعة أشياء بعينها،لتنجحوا بوصفكم بالغين. وبغض النظر عن بُغية المحاورة الفلسفية أن تكون مفتوحة،لربما قَيَّدت الأسئلةُ المطروحة و/ أو علاقتُهم الحالية بالبالغين وببعضهم بعضًا مخيلةَ الأطفال الفلسفية. ولا شك أن هذه الحالة صحيحة،وتنطبق على الجميع في كل مساحة فلسفية،لكن هناك قوًى عاملة محددة في الموضعة الاجتماعية غيرالمتكافئة للبالغين والأطفال،لربما ثبطت الحوارات الفلسفية مع الأطفال من يوجههم البالغون ويقودونهم. يجدر بهذه المحاورات أن تعمل على اجتياز الانقسام بين البالغ والطفل؛لتعالج ديناميكية السلطة المجحفة،والعلاقات بين الأطفال والبالغين

يتساءل كينيدي Kennedy (٧٥):”أن كان الأطفال سيقطنون في عالم يستطيع فقط آباؤهم أن يتخيلوه،فكيف سيُعِدُّونهم لهذا العالم؟ “(٧٦).ويكمن الجواب البسيط في الفلسفة التي يستطيع أن ينخرط فيها الأطفال تخيلًا وجماعيًّا،بطرح أسئلة مهمة لهم ولحيواتهم؛لتيسِّر بذلك إعمال بصيرتهم في تفكيرهم وتفكيرالآخر،ومن ثَم توسيع مدى الآفاق المتاحة وتنويعه(٧٧).إن الإقراربدورالأطفال كمساهمين حقيقيِّين في العالم الذي ستصبح فيه المحاورةب ينهم وبين البالغين هي المبدأَوالسُّنة-لربما أوصلنا إلى”العيش مع أطفالناحياةً متبادلة ومشتركة “(٧٨)،وإلى تجاوز الحواجزوا لعوائق الاجتماعية الموجودة التي تحد تفكيرنا وعلاقتنا. لاحظت ماديسون Madison ذات الأعوام العشرة:”ليس هناك-حقيقةً-شيءٌ يُدعى(أنتطفل) أو(أنتبالغ)،إنهامجرد تصنيفات”.لعلنا- برفضنا الحواجز التي قَوْلَبهاالآخرون-نُقَوِّض”الانقسامات المعيقة الثابتةو الراكدة بلاأيمسوِّغ”(٧٩).وبفعلنا هذا فإن علاقاتنا التي تشكلت عبر تفاعلات بينية ذات هدف ومعنى،والتي ربما تضمن تفلسفتنا لمخاوفنا وهمومنا المشتركة -لربما استثارت سبلًا أخرى بديلة لكينونتنا،بل إن أحد هذه السبل البديلة يمكن أنيكون بإدراكنا وإقرارنا لتجربتنا- جميعًا-التي تتجسد وتظهر، وتنمو، وتتطور على الدوام، لنصير بالغين وأطفالًا.   

الهوامش

(1): (2012)

(2): p.3

(3): (2018)

(4): Fricker, 2007; Murris, 2013; Lone, 2018

(5): Kennedy, 2010

(6): see, for example, Murris, 2000; Cassidy, 2007; Lone, 2018

(7): Jenks, 1996; Hallett & Prout, 2003; James & James, 2004; Cook, 2009; Rysst, 2010; Prout, 2011; Alderson, 2013

(8): (2018)

(9): Matthews, 1994; Cassidy, 2012; Murris, 2016

(10): Matthews, 2008

(11): see, for example: Kennedy, 1992, 2006; Cassidy, 2007, 2012; Kohan, 2014; Murris, 2016, 2017; Gheaus, Calder & De Wispelaere, 2018Wispelaere, 2018

(12): Betzler & Bleisch, 2015; Giesinger, 2017

(13): Cassidy, Conrad, Daniel, Figueiroa-Rego, Kohan, Murris, Wu & Zhelyazkova, 2017

(14): Lee 2001, pp. 7-8

(15): Qvortrup, 1994; Prout, 2005; Uprichard, 2008

(16): Prout, 2011, p.5

(17): Spyrou, Rosen & Cook, 2019, p.7

(18): notes Spyrou et al . (2019)

(19): Ibid., p.8

(20): ibid., p.10

(21): Spyrou, 2019

(22): 2003, 2007

(23): Prout, 2011, p.8

(24): Kennedy, 2010, p.69

(25): Cassidy, 2007, 2012; Kennedy, 2010; Tisdall & Punch, 2012

(26): (2010)

(27): (2012)

(28): (2019)

(29): (p.7)

(30): Prout, 2011, p.11

(31): (2010)

(32): (Lone & Burroughs, (2016

(33): 2016, p.10

(34): (2018)

(35): p.53

(36): (2018)

(37): see, for example: Cassidy, 2007, 2017; Biesta, Lawy & Kelly, 2009; Kohan, 2014; Bartels, Onstenk & Veugelers, 2016; Lone and Burroughs 2016

(38): (2010)

(39): pp.14-15

(40): (2010)

(41): p.21

(42): Murris, 2017, p.187

(43): (2017)

(44): Land, 2011
(45): (2010)

(46): (p.20)

(47): p.75

(48): Applebee, 1996, p.20

(49): see, for example: Lipman, 2003; Lone, 2012; Kohan, 2014; Cassidy, 2017

(50): Lone and Burroughs, 2016, p.16

(51): (2016)

(52): Cassidy, 2016, p.511

(53): (2016)

(54): (2017)

(55): Lone, 2012

(56): Gazzard, 1996, p.14

(57): Cassidy, 2016

(58): (2019)

(59): p.5

(60): Cassidy, Conrad & Figueiroa-Rego, 2019

(61): (2017)

(62): Roberts 2000: Bucknall 2014).

(63): Cassidy et al., 2019

(64): (2010)

(65): Kennedy, 2010, p.22

(66): (2018)

(67): p.96

(68): Kohan, 2018, p.98

(69): p.106

(70): p.111

(71): p.112

(72): p.112

(73): p.114

(74): Cassidy, et al., 2017

(75): 2010

(76): p.72

(77): Lone, 2012

(78): Kennedy, 2010, p.79

(79): (Tisdall & Punch, 2012)

المراجع

  • Alderson, P. (2013). Childhoods Real and Imagined. Abingdon, Oxon.: Routledge.
  • Barad, K. (2003). Posthumanist performativity: Toward an understanding of how matter comes to matter. Signs: Journal of Women in Culture and Society 28(3), 801-831.
  • Barad, K. (2007). Meeting the Universe Halfway: Quantum Physics and the Entanglement of Matter and Meaning. Durham: Duke University Press.
  • Bartels, R., Onstenk, J. and Veugelers, W. (2016). Philosophy for Democracy. Compare: A Journal of Comparative and International Education 46(5), 681–700.
  • Biesta, G., Lawy, R. and Kelly, N. (2009). Understanding young people’s citizenship learning in everyday life: The role of contexts, relationships and dispositions. Education, Citizenship and Social Justice 4(5), 5–24.
  • Betzler, M. and Bleisch, B. (2015). Familiäre Pflichten in Kontext der Familienethik. Einleitung. In M. Betzler and B. Bleisch (eds.). Familiäre Pflichten. Frankfurt am Main: Suhrkamp.
  • Bucknall, S. (2014). Doing qualitative research with children and young people. In A. Clark, R. Flewitt, M. Hammersley, and M. Robb (eds.). Understanding Research with Children and Young People. London: Sage, 69-84.
  • Cassidy, C. (2007). Thinking Children. London: Continuum.
  • Cassidy, C. (2012). Children’s status, children’s rights and ‘dealing with’ children. The International Journal of Children’s Rights 20(1), 57–71.
  • Cassidy, C. (2016). Promoting human rights through Philosophy with Children. International Journal of Children’s Rights 24(3), 499–521.
  • Cassidy, C. (2017). Philosophy with Children: a rights-based approach to deliberative participation. International Journal of Children’s Rights 25(2), 320-334.
  • Cassidy, C., Conrad, S-J. and Figueiroa-Rego, M. (2019). Research with children: a philosophical, rights-based approach. International Journal of Research & Method in Education, DOI: 10.1080/1743727X.2018.1563063.
  • Cassidy, C., Conrad, S-J., Daniel, M-F., Figueiroa-Rego, M., Kohan, W., Murris, K., Wu, X. and Zhelyazkova, T. (2017). Being children: Children’s voices on childhood. International Journal of Children’s Rights 25(3-4), 698-715.
  • Cook, D.T. (2009). Editorial: When a child is not a child, and other conceptual hazards of childhood studies. Childhood 16(1), 5–10.
  • Fricker, M. (2007) Epistemic Injustice: Power and the Ethics of Knowing. Oxford: Oxford University Press.
  • Gazzard, A. (1996). Philosophy for Children and the discipline of philosophy. Thinking 12(4), 9–16.
  • Giesinger, J, (2017). The special goods of childhood: lessons from social constructionism. Ethics and Education 12(2), 201-217.
  • Gheaus, A., Calder, G. and De Wispelaere, J. (eds.). (2018). The Routledge Handbook of Philosophy of Children and Childhood. London: Routledge.
  • Hallett, C. and Prout, A. (eds.) (2003). Hearing the Voices of Children. Abingdon, Oxon: Routledge Falmer.
  • James, A. and James, A. (2004). Constructing Childhood: Theory, Policy and Social Practice. New York: Palgrave Macmillan.
  • Jenks, C. (1996). Childhood. London: Routledge.
  • Kennedy, D. (1992). The hermeneutics of childhood Philosophy Today Spring, 44–58.
  • Kennedy, D. (2006). The Well of Being. Childhood, Subjectivity, and Education. Albany: SUNY Press.
  • Kennedy, D. (2010). Philosophical Dialogues with Children: Essays on Theory and Practice. Lewiston, NY: The Edwin Mellen Press.
  • Kohan, W.O. (2014). Philosophy and Childhood: Critical Perspectives and AffirmativePractices. New York: Palgrave Macmillan.
  • Land, G. (2011). The Failure of Success. TEDx Tuscon, TEDx video.
  • Lee, N. (2001). Childhood and Society: Growing up in an age of uncertainty. Buckingham and Philadelphia: Open University Press.
  • Lone, J.M. (2012). The Philosophical Child. Lanham, MD: Rowman & Littlefield Publishers.
  • Lone, J.M. (2018). Philosophical thinking in childhood. In A. Gheaus, G. Calder and J. De Wispelaere, (eds.). The Routledge Handbook of Philosophy of Children and Childhood. London: Routledge.
  • Lone, J.M. and Burroughs, M.D. (2016). Philosophy and Education: Questioning and Dialogue in Schools. Lanham, MD.: Rowman and Littlefield.
  • Lowry, R. (2019, September 24). Don’t Listen to Greta Thunberg. National Review https://www.nationalreview.com/2019/09/greta-thunberg-climate-activist-united-nations/
  • Matthews, G.B. (2008). Getting beyond the Deficit Conception of Childhood: Thinking Philosophically with Children. In M. Hand and C. Winstanley (eds.). Philosophy in Schools. London: Continuum.
  • Matthews, G.B. (1994). The Philosophy of Childhood. Cambridge, Mass.: Harvard University Press.
  • Murris, K. (2000). Can Children Do Philosophy? Journal of Philosophy of Education 34(2), 261-79.
  • Murris, K. (2013). The Epistemic Challenge of Hearing Child’s Voice. Studies in Philosophy and Education 32, 245–59.
  • Murris, K. (2016). The Posthuman Child: Educational Transformation Through Philosophy with Picturebooks. London: Routledge.
  • Murris, K. (2017). The posthuman child: iii. In D. Kennedy and B. Bahler (eds.). The Philosophy of Childhood Today. Exploring the Boundaries. Lanham, MD: Lexington Books.
  • Prout, A. (2011). Taking a step away from modernity: reconsidering the new sociology of childhood. Global Studies of Childhood, 1(1) 4-14.
  • Prout, A. (2005). The Future of Childhood. Abingdon, Oxon: Routledge.
  • Qvortrup, J. (1994). Childhood Matters: An Introduction. In J. Qvortrup, M. Bardy, G.B. Sgritta, and H. Wintersberger (eds.). Childhood Matters: Social Theory, Practice and Politics. Aldershot: Avebury.
  • Roberts, H. (2000). Listening to children: and hearing them. In P. Christensen, and A. James (eds.). Research with Children. Perspectives and Practices. London: FalmerPress, 225-240.
  • Rysst, M. (2010). ‘I am only ten years old’: Femininities, clothing-fashion codes and the intergenerational gap of interpretation of young girls’ clothes. Childhood 17(1), 76–93.
  • Spyrou, S. (2019). An ontological turn for Childhood Studies? Children & Society, 33(4), 316–323. Spyrou, S., Rosen, R. and Cook, D.T. (2019). Introduction: Reimagining childhood studies: Connectivities… Relationalities… Linkages… In S.
  • Spyrou, R. Rosen and D.T. Cook (eds.). Reimagining Childhood Studies. London: Bloomsbury.
  • Stables, A. (2008). Childhood and the Philosophy of Education. An Anti-Aristotelian Perspective. London: Continuum.
  • Uprichard, E. (2008). Children as ‘Beings and Becomings:’ Children, Childhood and Temporality. Children & Society, 22(4), 303-313.

حمل مقالة التفكير في الطفولة- الكينونة والصيرورة في العالم