التعليم والتعلم الفلسفي – التطوير المهني لكل معلم

Philosophical Teaching and Learning – Professional Development for Every Teacher

روجر ستكليف

Roger Sutcliffe

Sutcliffe,R 2022, ‘Philosophical Teaching and Learning – Professional Development for Every Teacher’,ANALYTIC TEACHING AND PHILOSOPHICAL PRAXIS, vol.422

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة: حسن غسّان

تدقيق: سلمان بو خمسين

الملخص 

يلتزم المؤلف بشدة بـP4C، الذي يعتقد أنه من بين أكثر المشاريع التعليمية أصالةً وأهميةً في القرن الماضي، لكنه يعتقد أيضًا أنه لا يحظى بالتقدير الكافي في عالم التعليم؛ ويرجع ذلك جزئيًّا إلى أن العنوان المختار للمشروع “الفلسفة للأطفال” قد حد من جاذبيته. أولئك الذين يحملون مفاهيم تقليدية للفلسفة –إن لم يكن للأطفال والتعليم نفسه– لا يميلون إلى إعطائها وقتهم أو مساحة تفكيرهم. وهو يجادل الآن في أن يُقَدَّم الـP في P4C بشكل أوضح على أنه علم أصول التعليم Pedagogy، بدلًا من تقديمه على أنه (موضوع) الفلسفة Philosophy. بتعبير أدق، يقترح إطارًا تربويًّا، يُعطى له العنوان “التعليم والتعلم الفلسفي”. في هذا الفصل يوجز: جدائله الستة المتشابكة؛ كيف تتجذر في تقاليد الفلسفة وفي ممارسة برنامج P4C؛ لماذا هي في طليعة التعليم الحديث – وكونها ركائز للتعليم والتعلم الجيدَين؛ ولماذا -من ثَمَّ- يتعين دمجها منهجيًّا في برامج تعليم المدرسين في كل “موضوع”، على كل الأصعدة، في جميع أنحاء العالم؟

الكلمات الدلالية 

الفلسفية، أصول التدريس، التعليم والتعلم، تعليم المعلمين

مقدمة: الفلسفة بوصفها ممارسة

ربما كان هناك وقت كانت فيه “الفلسفة” (التي تعني في الأصل “حب الحكمة”) تُفهَم عمومًا على أنها ممارسة – بالمصطلحات الحديثة، شيء مثل “محاولة إصدار أحكام جيدة، في كل مجال من مجالات الحياة”. ولكن بمجرد أن قسَّمت جامعات القرون الوسطى -تتبعها المدارس- التعلم رسميًّا إلى “مواضيع”، ولكل منها “شرائع” و”مجموعة المعارف” الخاصة بها- تغيرت “الفلسفة” تدريجيًّا من كونها بحثًا شاملًا عن الحكمة إلى مجرد مجال مختص آخر من الدراسة – وغالبًا ما تُعَد بعيدة كل البعد عن معظم اهتمامات الناس اليومية.

من المؤكد أن هذه الطريقة لم تكن هي التي تصورها Matthew Lipman نفسه في بداية المشروع الذي أطلق عليه “الفلسفة للأطفال”. كان يحاول بالتأكيد إعادة “الفلسفة” في تعليم النشء إلى المكانة التي كانت تتمتع بها قبل عصر الجامعات الحديثة والتعليم العام. لكن من الواضح أنه تصور الفلسفة في المقام الأول كممارسة: “النهج الذي ابتكرْتُه في الفلسفة للأطفال لا يتعلق بوصف أي نوع من الفلسفة للأطفال، ولكن بتشجيعهم على تطوير فلسفتهم الخاصة وطريقتهم الخاصة في التفكير حول العالم”. (Lipman, 2008: 166)

بتعبير أدق، كان يروج لممارسة التساؤل الفلسفي، وربما كان عنوان آخر قادرًا على تمثيل مشروعه بشكل أفضل – على سبيل المثال: “تقديم مخطط جديد للتساؤل الفلسفي لمزيد من التعليم التفكّري”.

موقع التساؤل الفلسفي –ثمP4C – في نظام التعليم

ولكن، أثناء محاولته استعادة المكان المناسب لممارسة التساؤل الفلسفي في تعليم اليافعين، والتركيز بشكل خاص على المهارات والفضائل التي طورها- تحتم عليه التعامل مع نظام وجدول للتعليم تقريبًا منتظم بشكل كامل حول مفهوم “الموضوعات”. لذلك، حتى لو عَنْوَن النشاط بـ”تساؤل”، من المحتمل أن يُنظَر إليه على أنه اقتراح “ناعم”.

بالطبع، حقيقة أنه بعد مرور 50 عامًا، لا يزال اختياره لمسمى البرنامج –ولا سيما اختصاره، P4C– يتمتع بجاذبية يمكن اعتباره إثباتًا لهذا الاختيار.

في الوقت الحاضر، هناك نقاش دائم في عالم التعليم –في الواقع، في العالم بأسره– في تكريس المزيد من الوقت لتنمية المهارات (“الناعمة”، وكذلك “الصعبة”)، ولا تُعَد مهارة التساؤل أقلها أهمية. “الحوار التساؤلى” لا يقتصر فقط على الوجود في صميم مناهج البكالوريا الدولية وأصول التدريس، ولكن يُحَث عليه بالمناهج الدراسية في العديد من البلدان (الصين، وأستراليا، -على سبيل المثال- وكذلك إنجلترا، وويلز)، لا سيما في قالب “حوار تساؤلي علمي”، “حوار تساؤلي تاريخي”، إلخ.

هناك بعض التحفظات المهمة -أو على الأقل التحسينات- التي يجب إجراؤها فيما يتعلق باستخدام “التساؤل” في هذه السياقات – وسأطَّلع على بعضها في قسم لاحق. لكنني أؤكد الآن بثقة أن قليلًا من الأنشطة توفر فرصة أفضل من التساؤل الفلسفي لليافعين، لتطوير المهارات العامة وقِيَم التساؤل (متمثلة بقوة في إطار 4C لأساليب التفكير النقدية، والإبداعية، والرعائية، والتعاونية*). لذا فإن 4C في وضع أفضل من أي وقت مضى لتحقيق رؤية Lipman.

*كل المصطلحات تبدأ بحرف C في اللغة الإنجليزية.

إعادة تقديم P4C بوصفه (أساس) منهجية تعليمية / بيداغوجيا Pedagogy

إنني أؤكد -مع ذلك- أن إعادة تقديم مستحدثة (ولكن مُخلِصة) لـP4C يمكن أن تُحدِث فرقًا جوهريًّا في كيفية رؤية البرنامج والتعامل معه في كل مرحلة من مراحل التعليم، وليس أقلها المرحلة الأساسية لتعليم المعلمين.

كان ذلك في مؤتمر ICPIC في مدينة فانكوفر في عام 2015، عندما بدأت أنا وLizzy Lewis (الرئيسة آن ذاك) بطرح هذا التقديم المستحدث للبرنامج، باقتراح إطار تعليمي جديد أطلقنا عليه اسم “التعليم والتعلم الفلسفي” (PTL). نُشِر البحث بعد المؤتمر بعامين. (Sutcliffe and Lewis, 2017). وقد استند إلى مبادئ P4C وممارساته، ولكن صُمِّم ليكون ذا فائدة فورية في أي سياق تعليمي، أي من قِبَل أي معلم أو متعلم، بهدف الوصول إلى “أفضل الممارسات”.

[في حين أننا غالبًا ما نستخدم العبارة الأقصر “التعليم الفلسفي”، فإن النسخة الأطول، الموصولة، تتخذ جانبًا محوريًّا من النهج، أي أنها تعزز المهارات والميول التي تحمل نفس القدر من الأهمية للمتعلمين؛ ليمارسوها ويطوروها، كما هو الحال لدى المعلمين أنفسهم. سيتضح ذلك لاحقًا عند معاينة الجدائل الستة للبرنامج].

تأثرت صياغتنا للمبادئ جزئيًّا بمقالة ملهمة بعنوان “أصول التدريس لدى الفيلسوف” (Chad Miller and Amber Makaiu, 2012:11) التي اقترحت ستة “التزامات تعليمية مترابطة Interconnected Educational Commitments” حُدِّدت على النحو التالي:

الأول: هو أن المعلم يجب أن يعيش حياة مدروسة. ثانيًا: يجب على المعلم أن يرى التعليم نشاطًا مشتركًا بين المعلم والطالب. ثالثًا: يجب على المعلم والطلاب إعادة تصور “محتوى” الفرع المعرفي بوصفه انعكاسًا للتفاعل بين معتقدات المشاركين في الفصل وخبراتهم والموضوع الذي يُدَرَّس. هذا يرتبط بالالتزام الرابع: أن المعلم يجب أن يتبنى -مع Dewey (1916)- وجهة النظر القائلة بأن الفلسفة هي “النظرية العامة للتعليم”. خامسًا: يجب على المعلمين والطلاب جعل الفلسفة ممارسة حية في الفصل الدراسي. وأخيرًا: يجب أن يكون المعلمون على استعداد لتحدي التدابير المعاصرة لتقييم الفصل الدراسي.

نحن جاهزون لتأييد هذه الالتزامات، لكننا بحثنا عن مصدر مختلف لصياغة إطار العمل بشكل عملي ومباشر أكثر، كما نصبو إليه – ووجدناه في وصف Ann Margaret Sharp لـP4C، والذي يمضي على النحو التالي: “الفلسفة للأطفال لا تهدف إلى تعزيز التحليل الجيد، والتساؤل، وتشكيل المفاهيم وحسب، بل تهدف أيضًا إلى تنميةِ فضيلة فكرية واجتماعية. أو الطريقة المثلى لصياغة هذا هي أن الفلسفة للأطفال تهدف إلى تنمية الحكمة”. (Sharp, A. M., 1995)

ما توصلنا إليه -إذن- يمكن عَدُّه مزيجًا من هذه الآراء – ولكن مع بعض الابتكارات المهمة. لقد نقلنا فكرة المنهجية التعليمية إلى ستة عناصر “مترابطة” (وإن كانت مختلفة)، لكننا استخدمنا استعارة “الجدائل المتشابكة”، بطرق يسهل فهمها وتطبيقها.

الجدائل الستة للتعليم والتعلم الفلسفي (PTL)

على خطى Sharp، اتخذنا أربعة من الجدائل؛ لتكون (ممارسةً وتطويرًا):

  • التعليل.
  • التساؤل.
  • تكوين المفهوم (الذي نفضل تقديمه على أنه بناء المفهوم، جزئيًّا للتلميح إلى نهجنا البنائي لما نسميه أيضًا “تمديد” المفهوم).
  • الفضائل (-التقييم).

أضفنا لهؤلاء:

  • الحوار.
  • التفكّر.

نعتقد أن هذه الجدائل الإضافية هي من سمات P4C تمامًا مثل العناصر الأربعة التي حددتها Sharp: ممارستها الجوهرية في مجتمع التساؤل مدفوعة بالحوار العام، وغنية بالتفكّر الخاص.

الجدائل الستة فلسفية بطبيعتها

لكننا حقاً نعتبر الجدائل الستة سمات مميزة لممارسة الفلسفة بذاتها منذ نشأتها.

لطالما قدَّر الفلاسفة الاستنتاج والتعليل أداةً للتساؤل. وقد قدموا بعضًا من أفضل الأمثلة في تاريخ الحوار والتفكر حول المفاهيم من جميع الأنواع.

ربما -تاريخيًّا- فشل كثير منهم في ممارسة العديد من الفضائل التي سعوا إليها، لكنها سمة إنسانية للغاية لتقدّيِر طريقة للوجود دون الالتزام بالقِيَم التي تنطوي عليها! عودًا على بدء، كانت المفاهيم دائمًا محور الحوار التفكر الفلسفي – ويستمر مفهوم القِيَم كذلك في الفرع الحيوي للفلسفة المعروف بـ”أخلاقيات الفضيلة”. يمكن للمرء بالتأكيد أن يقول إنه بقدر ما يكون الشخص ملتزمًا بروح الفلسفة (محاولة إطلاق أحكام جيدة في الحياة)، فإن تنمية الفضائل تبدو جزءًا مهمًّا، بل وجوهريًّا، من المسعى.

الجدائل الستة متأصلة أيضًا في التعليم الجيد والتعلم الجيد

والأهم من ذلك في هذا الفصل: أن هذه الجدائل –خاصةً الجزء الأخير منها وهو تقييم الفضائل، هي مفاتيح ليس فقط للفلسفة الجيدة، ولكن للتعليم الجيد والتعلم الجيد كذلك.

توجد طرق عديدة للتحقق من صحة هذا الادعاء المهم، ولن أجرّبها جميعها في هذا الفصل. وعلى الرغم من هذا، فإن إحدى أبرزها هي أن جميع الجدائل ممثلة في واحد أو آخر من أهم التطورات التعليمية في أواخر القرن العشرين.

هذا هو السياق البياني:

  • يرتبط التساؤل بالتعلم القائم على التساؤل (IBL)، الذي -كما ذُكِر- يقع في صميم المنهجية التعليمية في البكالوريا العالمية. (صدفةً، صُمِّم IB في نفس الوقت -تقريبًا- الذي كان فيه Lipman يؤسس P4C – أواخر الستينيات).

صحيح، هناك رأي مفاده أن IBL ليس “فعالًا” مثل التعليم الإرشاديInstructional Teaching، لكن هذا الرأي حول IBL يعترض عليه كثير من المعلمين، الذين يرون أنه يتجاهل الاتساع والعمق المرجو من التعلم بالتساؤل.

للأسف، يبدو أن الجدل حول IBL أصبح قطبيًّا بشكل متزايد، أو حتى مُسَيَّسًا. هناك حاجة ماسَّة لبعض التوازن –في الحقيقة، بيان أكثر فلسفةً لطبيعة التساؤل ودوره في التعليم والتعلم– وسأشرح هذا بالتفصيل قريبًا.

  • تُعَد المفاهيم (ومنهجية التعليم البنائية) مركزية أيضًا في مناهج البكالوريا الدولية، ولكن المناهج عمومًا تُولِي مزيدًا من الاهتمام للدور الرئيس الذي تلعبه المفاهيم أو “الأفكار الكبيرة” في إتقان المواد المختلفة. على سبيل المثال، “الأفكار الكبيرة التي تُشكِّل العالم” هي تعبير بليغ قُدِّم إلى “الصورة الشاملة للمنهج الدراسي” (QCA, 2007) التي أنشأها البروفيسور Mick Waters لحكومة حزب العمال الجديد والمناهج الإنجليزية.

لا يوجد مصطلح معترف به عمومًا لهذا التركيز على الأفكار أو المفاهيم الكبيرة، ولكن “المنهج المتمحور حول المفهوم” يجسده جيدًا جدًّا.

بالنسبة لأولئك الذين يشرعون في مهنتهم التعليمية، من المهم ملاحظة أن هذا التركيز لا يتعارض على الإطلاق مع الترويج المألوف لـ”المنهج الغني بالمعرفة”. إنه يوجه التركيز أكثر نحو الفهم وحسب، لا سيما المفاهيم التي تُعَد أساسية للتعلم العميق (أو قد يقول المرء معرفة “مثرية”!) على أنها متميزة عن التعلم الضحل.

يُوصَل إلى هذا الفهم بشكل صحيح -ولكن جزئيًّا فقط- بجمع أو معرفة مزيد من المعلومات أو “الحقائق”.

كما قد يكون واضحًا -ولكنه يستحق التأكيد- يمكن للمرء أن يتعلم / يعرف الحقائق (أي الافتراضات الحقيقية، المُعبَّر عنها في الكلمات أو الرموز التي تُمثِّل المفاهيم) دون فهمها بشكل صحيح – وبالتأكيد دون تقدير قيمتها. لتجاوز المعرفة نحو الفهم، ثم التقدير، يحتاج المرء إلى ربط المفاهيم التي يُعَبَّر بها عن الحقائق – ربطها، أي بعضها ببعض، بالإضافة إلى الخبرة السابقة، وفي الواقع بشعور المرء بالقِيَمة.

مرة أخرى، من المهم أن نلاحظ أن عملية الربط هذه تتضمن –بل تتطلب– تطبيق المهارات والاعتبارات الفلسفية، وليس أقلها التساؤل في المعاني العامة والشخصية، والتفكر في المقترحات العامة وكذلك الخبرة الشخصية.

بعبارة أخرى، فإن التساؤل والتفكر الفلسفيَّين لا يُمَكِّنان المرء فقط من الانخراط مع “كيان” المعرفة، ولكن أيضًا لإنشاء “رؤية” أكثر شمولًا للموضوع قيد البحث – بطريقة ذات مغزى شخصي.

ويكون الاندماج أكثر ثراءً إذا كان مدفوعًا بالحوار.

  • كان الحوار في التعليم والتعلم الفكرة الملتهبة في العمل الراديكالي لـPaulo Freire بعنوان “منهجية تعليم المضطهدين Pedagogy of the Opressed” (1968)، الذي ما زال يؤثر على التعليم الرسمي وغير الرسمي لإصلاحهما. (انظر إلى مدونة Colm O’Connor, 2015)

النهج التعليمي الأكثر حداثة، القائم على البحث النفسي-الاجتماعي، الذي طُوِّر في المملكة المتحدة، هو “التعليم الحواري“. (انظر إلى منشور كلية التربية في جامعة كامبردج، 2021)

لا يتطابق أي من النهجَين تمامًا كما هو الحال مع P4C / مجتمع التساؤل –حيث توجد مفاهيم تختلف قليلًا عن “الحوار” – ولكن هناك كثير من القواسم المشتركة كذلك.

  • يمكن فهم الاستنتاج والتعليل على أنه مجرد ممارسة تقليدية –لا شيء غير الجدال المنطقي– ولكن المفهوم والممارسة في P4C كانا دائمًا أكثر اتساعًا وثراءً وإنسانية. يتشابه تطوره مع تطور حركة التفكير النقدي، على الرغم من أن Lipman استكمل فكرة التفكير النقدي بفكر الرعاية (أو “فكر التقدير”)، وربطت Ann Margaret Sharp  الممارسة بالنسوية النقدية والتعليم الأخلاقي العالمي.
  • التفكّر هو أمر أساسي للعملية التعليمية (والمهنية) الجيدة إلى حد أن كل نظرية مُطوِّرة للتعليم تقدِّره إلى حد كبير، سواءٌ كان النهج تقليديًّا “إرشاديًّا” أو “بنائيًّا” أو حتى “متمحورًا حول الطفل” بشكل حيازي.

بينما -مرة أخرى- لا يمكن للمرء أن يشير إلى نهج أو حركة واحدة تُعرَف باسم منهجية التعليم أو التعليم “التفكّري”؛ فإن مفهوم “التعليم التفكّري” منتشر الآن في تعليم المعلمين، ومن المأمول أن يكتسب نموذج “المتعلم المتفكّر” أهمية أكبر من أي وقت مضى في عالم أدرك -على حين غرة إلى حدٍّ ما- المخاطر التي تُحدِق بالصحة النفسية لليافعين؛ بسبب الضغط المفرط، وعدم وجود “وقت كافٍ للتفكير” و”وقت ليعيشوا طفولتهم”. (إن ممارسة المراعاة البارزة بكثرة في المدارس مؤخرًا هي ترياق مرحب به لمثل هذا الضغط، ولكن بالطبع اليقظة الذهنية ليست سوى مثال واحد لمفهوم التفكّر الأوسع والأكثر ثراءً. والوعي المعرفي –تقريبًا، “التفكير في التفكير”– يأتي حقًّا في المقدمة.

  • تقييم-الفضائل -أخيرًا- مرتبط بهذا الجانب من التعليم الذي يأتي ويذهب مع الموضة، لكنه (بحق مرة أخرى!) لا يختفي أبدًا: التربية الأخلاقية. سواءٌ كنا نتحدث عن الأجندة الأخلاقية للبالغين (غالبًا ما تكون مخفية، حتى عن أنفسهم)، أو عن التعليم الأكثر وضوحًا للقِيَم المقبولة عمومًا في المدارس، فإن التطور الأخلاقي (وللأسف، الضرر الأخلاقي) سيكون دائمًا متأصلًا في النُّظُم التعليمية. لكن دعوى التربويين لتنشئة السلوكيات والمبادئ والممارسات السليمة لدى اليافعين تنمو فقط في عالم تتنافس فيه الادعاءات الأخلاقية والسياسية المختلفة. حركة التعليم القائم على القِيَم هي واحدة من العديد من الأساليب الحديثة لهذه المهمة الصعبة والضرورية. لكن نقطة البداية الجيدة لأي نهج من هذا القبيل هي التركيز على القِيَم وتقديرها!

أي واحدة من هذه المنهجيات التعليمية المسماة جديرة بالذكر -إن لم تكن الدراسة- في أي دورة لتعليم المعلمين. ولكن أخذًا بعين الاعتبار أن PTL ترجع إليها –وإلى حدٍّ ما تعتمد عليها– جميعها، فقد تكون أفضل نقطة انطلاق لأي دورة من هذا القبيل – على الأقل تلك التي تهدف جديًّا إلى منح المعلمين الطموحين مراجعة واسعة لأفضل الممارسات الحديثة.

إطار عمل PTL (الجدائل الستة) له أصالته ونزاهته الخاصة

من المهم التأكيد -على الرغم من ذلك- على أن إطار عمل PTL ليس مجرد مؤشر إلى ممارسات راسخة أخرى. في حين أنه يعتمد على تلك الممارسات –تمامًا كما يعتمد على P4C نفسه– فإنه يتمتع بنزاهة خاصة به؛ لأنه يقدم طرحًا جديدًا، وفي بعض الأحيان جذريًّا، لكل من هذه الجدائل، وليس أقلها لفت الانتباه إلى كيفية دعمها لبعضها أو ترابط بعضها مع بعض.

ليس هذا هو المكان المناسب للحصول على شرح كامل، ولكن هنا عينة من كيفية سير الأمور، مع التركيز -كما هو موعود- على جديلة التساؤل.

طبيعة التساؤل ودوره في التعليم

التساؤل مفهوم واسع، ويمكن ممارسته بطرق وسياقات مختلفة. كما ذكرنا من قبل، فإن العديد من المناهج التعليمية تدعم “الاستقصاء العلمي” و”الاستقصاء التاريخي” وما إلى ذلك. عادةً، لا تشير هذه العبارات فقط إلى ممارسة عامة للبحث في مجال معين من الدراسة (العلوم، والتاريخ، وما إلى ذلك)، ولكن إلى ما يؤخذ على أنه أشكال أو عمليات معينة للبحث – تلك التي تُعتَبر خاصة بتلك المجالات.

ولكن هناك درجةٌ من التوَخِّي خاصةٌ هنا، حيث يمكن عَدُّ طرق التفكير هذه على أنها “وعي عام” إلى حد كبير، مع إضافة بعض العناصر المهمة فقط.

الاستقصاء العلمي -على سبيل المثال- يعوِّل كثيرًا على تشكيل فرضية عامة بناءً على ملاحظة ظاهرة معينة، ثم اختبارها من خلال ملاحظة الظواهر المماثلة. ولكن كما جادلت Alison Gopni  (1998) أن هذا ما يفعله جميع البشر –حتى الأطفال– كثيرًا من الوقت، بدرجات متفاوتة من الصرامة.

كانت أيضًا -بشكل أساسي- الطريقة التي استخدمها سقراط عند وضع أسس الفلسفة الغربية: البحث عن الأمثلة المضادة بلا هوادة لاختبار/ نقد التعميمات العامة.

من المؤكد أن العلم الحديث جلب للنقاش ملاحظة أكثر دقة، والأهم من ذلك، تصميمًا تجريبيًّا أفضل، بل وأكثر ابتكارًا على الأعم الأغلب. ولكن ما إذا كانت مناهج العلوم الحديثة تتيح وقتًا كافيًا لإقناع المتعلمين بالتصميم التجريبي الحقيقي هو أمر لا جدال فيه. والأهم من ذلك هو التأكيد على أن الكثير من تدريس العلوم –مثل الكثير من التعليم على وجه العموم– لا يركز على تطوير التساؤل التلقائي لدى الطالب، ولا يحث على الفضيلة الفكرية التي يطورها الاستقصاء بحد ذاته، أي الفضول. بل يركز على الأسئلة –وبتحديد أكثر على الإجابات– التي يحددها مصممُو المناهج الدراسية وواضعُو الامتحانات المجهولون.

[يمكن أن ينطبق هذا أيضًا على التعليم الذي يهدف إلى أن يكون “قائمًا على التساؤل”. إذا كانت جميع الأسئلة في جلسةٍ ما مستمدة من المعلم أو من منهج مخطط له، فلن يكون للطلاب مصدر إلهام لطرح استفساراتهم الخاصة ومتابعتها. ما يجب أن يكون عادة للحياة يتعطل عن العمل في نفس البيئة التي يجب غرسه فيها].

واحدة من أقوى الفوائد التي يحصل عليها الطلاب من جلسات P4C هي هذه الفرصة على وجه التحديد –في الواقع، التشجيع– لطرح أسئلتهم الخاصة. لا يمكن التجاوب مع جميع الأسئلة بالطبع، ولكن تُعطى الإشارة الحاسمة، تُحرَّر روح التساؤل. لهذا السبب، أتجنب أحيانًا عبارة “التعلم القائم على التساؤل” وأستبدل بها “التعلم المُلهَم بالتساؤل”.

ولكن الأهم من ذلك أن هذا التأثير يجب وينبغي ألَّا يقتصر على جلسات P4C المتفرقة. في الإشادة بجديلة التساؤل الخاص بـPTL، أود أن أثني على التركيز على استجواب الطلاب العفوي، بالإضافة إلى المزيد من استجواب المعلم العفوي (والحواري) في كل “درس”.

تحتاج تنمية مهارات التساؤل والفضول إلى الوقت وتعليم (فلسفي)

بالطبع، يتعرض المعلمون لضغوط من أجل “تغطية” الموضوعات والمنهج الدراسي، ومن الشائع أن يُتَغاضى عن استجواب الطلاب لصالح إرشاد المعلم. لكن هذا لا يعني أن مثل هذه التعليمات هي -بالضرورة، وعلى الدوام- مرغوبة بالدرجة العليا -ولا حتى أكثر فاعلية- في التعليم والتعلم. من أجل فهم أعمق، ثم أكثر استدامة، يجب إعطاء الوقت بلا شك للطلاب للتساؤل والتفكر حول الأفكار والمفاهيم التي يتعين عليهم معالجتها، ثم رعاية الفضول بوصفه قيمةً عُلْيَا.

إن تعليم التساؤل الجيد والمجدي –خاصةً فيما يتعلق بالمعاني والروابط والاختلافات– والاستنتاج والتعليل الجيد هو بالدرجة الأولى تعليم فلسفي، حتى لو كان موجهًا نحو معرفة علمية أو تاريخية أو غير ذلك من مجالات المعرفة.

كيف يتغذى التساؤل والمعرفة على بعضهما؟ 

بالمناسبة، من الضار التفكير في التساؤل على أنه مُعادٍ لتطور المعرفة. الغرض الأساسي من التساؤل –وخاصة التساؤل الفلسفي– هو تطوير المعرفة والفهم. هذه طريقة أكثر اتزانًا -كما هو موعود- لتصور العلاقة بين “منهج غني بالمعرفة” و”التعلم القائم على التساؤل”. يُتقَن الأول بالآخر، في حين يُوَجَّه الآخر نحو الأول. يمكن قول شيء مشابه -بالمناسبة- عن الاقتراح السائد والخبيث بأن التعليم “الإرشادي Instructional Teaching” التعلّم “البنائي Constructive Learning” متعارضان. إن التعليم الجيد عديم الفائدة من دون المتعلمين الذين يبنون فهمهم الخاص به، ويكون لدى المتعلمين قدر أقل بكثير مما يمكنهم فهمه دون تعليمات مستمرة لإضافتها إلى ملاحظاتهم وخبراتهم العشوائية.

كيف تتشابك الجدائل الستة مع بعضها؟

تتمثل إحدى أهم الخطوات –التي أتردد في أن اسميها تقنية– في تساؤل طلابي أكثر فاعلية وفي تطوير حوار مكثف وذي نسق مرتفع بين الطلاب أنفسهم (وكذلك بين الطلاب والذات بوصفها معلمًا). وهذا لا يتيح فقط الحصول على مراجعة أفضل من جميع النواحي (تُعرَف بأنها ركن أساسي لتعلم أفضل)، ولكنه يمنح الطلاب أيضًا الثقة للتعبير عن عدم فهمهم، وليستنتجوا فهمًا أفضل من تلقاء أنفسهم.

يجب إعطاء الطلاب -بالطبع- الوقت الكافي، ومرة أخرى، تقنيات للتفكّر بشكل خاص في الأفكار والمفاهيم -الكبيرة والصغيرة- التي يتعين عليهم معالجتها.

ومن ثَمَّ يتشابك التفكر والاستنتاج والتعليل والحوار مع التعليم والتعلم المستوحى من التساؤل.

سأضيف فقط ثلاثة أشياء إلى هذا الوصف المختصر لـ PTLوجدائله المتشابكة.

كيف تتغذى المفاهيم والمعرفة على بعضها؟

الأول: هو أنه مثلما وسَّعت P4C -إلى حد كبير- رقعة المفاهيم التي تُعتبَر مناسبة للبحث الفلسفي، فإن الشرح الكامل لـPTL يوسع النطاق إلى أبعد من ذلك؛ ليشمل جميع المفاهيم -الكبيرة والصغيرة- التي تظهر في كل موضوع.

على هذا السياق، فإن التعرف على العالم -سواءٌ من خلال العلم أو التاريخ أو الموسيقى أو حتى الرياضة.. إلخ- لا يتعلق فقط بتعلم حقائق جديدة، بل يتعلق بالتوسع المستمر للمخطط، أو الأطر المفاهيمية، التي من خلالها نفهم العالم. كل معلومة جديدة (أو -في هذا الصدد- معلومة مضللة) تغير نظرتنا للعالم –مفهومنا عن هذا أو ذاك– حتى ولو إلى حد طفيف.

لذا -مرة أخرى- المنهج الذي يركز على المفاهيم لا يتعارض مفهومه مع السعي خلف منهج غني بالمعرفة، ولكنه تذكير مفيد بأن المعرفة تصبح غنية بتحويلها إلى فهم منطقي ومفاهيمي.

تقييم الفضائل هو الأخير -ولكنه بعيد عن الآخِر- من الجدائل الستة

والثاني: هو أن تقدير المُثُل العليا -وهي الجديلة التي لم تُوَضَّح حتى الآن- قد تكون الأهم بين جميع الجدائل الستة؛ هذا لأنها -كما يمكن القول- تشملها جميعًا، بالإضافة إلى مزيد من الأشياء الجيدة.

يتضح هذا بشكل أفضل من خلال ربط الجدائل الأخرى بالمُثُل أو الصفات الفكرية التي يطورونها بشكل جليّ: الفضول والانتباه (بالتساؤل)، الإبداع والتفطن (ببناء المفهوم)، الانفتاح والتواصل (بالحوار)، النقدية والتعقل (بالاستنتاج والتعليل)، المراعاة والتأمل (بالتفكّر).

إن أهمية مثل هذه القِيَم للتقدم في الحياة، وكذلك في المدرسة، واضحة بلا شك، ويجب التأكيد عليها في تعليم المعلمين على جميع المستويات. هذا هو الاستنتاج المنطقي للدعوى المتزايدة حول تركيز التعليم على تطوير المهارات بقدر تركيزه على زيادة المعرفة.

في الواقع، تنعدم قيمة المهارة أو المعرفة المكتنزة لدى الشباب إذا لم يمتلكوا العقل لتطبيقها. المهارات -بالتحديد- تتطلب أن تصبح تصرفات أو عادات تلقائية –فضائل ذهنية– وإلى جانب الفضائل الأخرى، يجب أن تكون حتمًا من ضمن الأهداف النهائية للتعليم.

كان هذا بالتأكيد ما كان يقترحه John Dewey عندما كتب: “إذا كنا على استعداد لتصور التعليم بوصفه عملية تكوين نزعات أساسية وفكرية وعاطفية تجاه الطبيعة وأقراننا من البشر (كذا)، يمكن تعريف الفلسفة على أنها النظرية العامة للتعليم”. (Dewey, 1933: 358)

التفرقة بين الأطروحات الأساسية (أو القِيَم أو الصفات…)

ربما يحتاج توصيف Dewey للأطروحات الأخرى بوصفها “عاطفية” إلى القليل من إعادة الصياغة، خاصة في ضوء طرق التفكير الحديثة، التي تلجأ إلى “علم النفس” في كثير من الأحيان، حول البشر والسلوكات. قد تُصنَّف -على سبيل المثال- على أنها تصرفات، أو قِيَم (أو عادات، أو نقاط قوة) داخلية-ذاتية (أو “شخصية”)، وحيثية-ذاتية (أو “أخلاقية”).

في PTL، التصنيف المفضل لأنواع مختلفة من التصرفات أو القِيَم هو الصفات الشخصية والاجتماعية والفكرية (أو PSIQs: Personal, Social and Intellectual Qualities). هذا لا يسهل نطقه فحسب، بل يقنِّن عدم ارتياح بعض الناس لاستخدام مفردات مثل: “الشخصية”، و”الأخلاقية”، و”القِيَمية”.

هناك -بالطبع- مئات من المصطلحات التي نستخدمها لمثل هاته الفضائل أو الصفات، وتمييزها بشكل أكبر هو مهمة صعبة على المعلمين أو المدارس الفلسفية، الذين يعيدون النظر وترتيب الأولويات “لمجموعتهم” من القِيَم والمُثُل دوريًّا. لذا -مرة أخرى- لدى PTL تفضيل / توصية لثلاث صفات أو قِيَم أساسية في كل فئة:

  • الشخصية: الشجاعة، وتقدير (الأشياء الجيدة)، واحترام الذات.
  • الاجتماعية: التعاطف، والتعاون، والاحترام.
  • الفكرية: الفضول، التفكّر، والتعقل.

جديلة تقييم الفضائل (ثم ممارسة المنهجية التعليمية) لـPTL يشمل هذه والعديد من السلوكيات الأخرى والأهداف الواعية التي قد يقدِّرها الأشخاص المختلفون –وبالأخص المعلمون– بحيث يمكن القول بأنها ترقى إلى اعتبار كامل لأهداف التعليم. (حتى عندما يُؤَطَّر الغرض من التعليم بوصفه هدفًا، مثل: “النجاح في الامتحانات” أو -على نطاق أوسع- المعرفة، أو الفهم، أو “المواطنة الصالحة”، فإن هذه الأهداف تعتمد كليًّا على تنمية الفضائل الشخصية والاجتماعية والفكرية).

أن تصبح مدرسًا، وأن تصبح مدرسًا أفضل (أكثر فلسفةً)

يقودني هذا إلى نقطتي الثالثة والأخيرة، وهي أن تبنِّي PTL بوعي، بوصفه إطار عمل للتعليم (والتعلم) ليس خطوة صعبة، سواءٌ كان المرء مدرسًا طموحًا أو خبيرًا؛ وذلك لأن إطار العمل يتوافق مع أغراض كل معلم ومبادئه وممارساته تقريبًا.

يدمج كل معلم الجدائل الستة -إلى حدٍّ ما- في كلٍّ من أهدافهم التربوية، وممارساتهم التربوية بالفعل: فهم يقدِّرون طرح الأسئلة (التساؤل)، المعرفة والفهم (بناء المفاهيم)، تعبير الطلاب وتجاوبهم (الحوار)، الجدال (الاستنتاج والتعليل)، المراجعة والوعي المعرفي (التفكّر)؛ وهم بالطبع يقدِّرون ويحاولون رعاية النزعات الصحية للتعلم والحياة (الفضائل).

أود أن أذهب إلى أبعد من ذلك وأقول: إن كلَّ معلم (ومتعلم) متفلسف إلى حدٍّ ما، بحكم: (أ) أن اتخاذ قرار (قائم على القِيَم وهادف) هو تفلسف في حد ذاته، أي التعليم و/أو التعلم، و(ب) تبنِّي العديد من المبادئ والممارسات لتحقيق هذه الغاية، التي هي فلسفية في الأساس، كما هو موضح أعلاه.

فالمسألة إذن ليست قضية أن تصبح معلماً، ثم تصبح فيما بعد معلماً متفلسفاً.

لكنه دائمًا ما يتعلق بكيفية أن تصبح معلماً (أو متعلمًا) أكثر تفلسفاً: أي كيفية تطوير كلٍّ من الجدائل -بمهاراتها وفضائلها- بشكل أكثر فعالية بمرور الوقت، حتى تصبح -بكل بساطة وباستمرار- معلماً و/أو متعلمًا أفضل.

خطوات الرحلة

بالنسبة لكيفية القيام بذلك بالضبط، لدي ثلاثة أشياء لذكرها.

أولًا: هناك ثروة من الأدلة –بعضها بلا شك في بقية هذا المجلد– على أن الممارسة المنتظمة لـP4C لها هذا التأثير بلا ريب. بالتأكيد، يحتاج المعلمون إلى بعض التدريب في إدارة جلسات P4C – بطريقة مثالية يُدَرَّبون على P4C Plus (احرص على أن يكون مشيَّدًا حول الجدائل الستة، ويقدم أدوات المنهجية التعليمية وإستراتيجيات تعليم ما فوق التفكير، بما في ذلك -على سبيل المثال- حركات التفكير من أ – ي: ألف باء ما فوق التفكير (Sutcliffe et al, 2019). ولكن هذا يجب ألَّا يكون طويلًا أو شاقًّا كما يعتقد بعضهم. بعد بعض التدريب الأساسي، يمكن للمرء أن يواصل الرحلة بطرق مختلفة، مع التركيز على جدائل معينة لمزيد من التطور المهني.

ثانيًا: يجب الاعتراف بأنه في حين أن الممارسة في P4C ليس من الصعب جدًّا على معلمي المرحلة الابتدائية تحديد جدول زمني لها، فإنه يصعب على معلمي المرحلة الثانوية، خاصة في موضوعات “الأقليات”. واحدة من أفضل الطرق للمدارس الثانوية والمعلمين لمواجهة هذا التحدي هي أن ينسق قسم واحد (عادةً ما يكون أحد أقسام العلوم الإنسانية) الممارسة بالمنهج – على سبيل المثال: الترتيب لكل قسم في الثانوية لجدولة تساؤل فلسفي مفتوح واحد فقط لكل فصل دراسي، ربما مناقشة قضية أخلاقية تتعلق بمادتهم. بهذه الطريقة سيحصل كل طالب على تمرين كافٍ – وسيطور المعلمون بشكل متزن وتدريجي مهاراتهم التربوية / التيسيرية / الفلسفية، وفي النهاية القِيَمية.

لكن ثالثًا: يجب التخطيط المدروس لمثل هذه المهارات وممارستها في كل درس. هذا هو المغزى من اشتقاق الجدائل الستة من P4C، ولكن تقديمها بوصفها إطارًا تربويًّا عامًّا –التعليم والتعلم الفلسفي– لاستخدامها في كل مادة وفي كل درس.

الخاتمة

في البداية، زعمت أن “P4C في وضع أفضل من أي وقت مضى لتحقيق رؤية Lipman” لوضع التساؤل الفلسفي في صميم تعليم اليافعين. أعتقد أن التعليم -في جميع أنحاء العالم- يمر بلحظة مفصلية. يمكن أن يفسِّر الفكرة الجديرة “المنهج الغني بالمعرفة”  بشكل ضيق للغاية، بحيث يتعرض الشباب (الدعابة مقصودة) لمزيد ومزيد من الحشو واختبارٍ لمعرفةٍ ليست ثرية في حد ذاتها؛ لأنها تخلو من التناسق والجدوى. أو يمكن تصورها على أنها بحاجة إلى منهج تعليمي مماثل لها في الثراء، ويغذي المهارات لدى المعلمين والمتعلمين على حدٍّ سواء، ويهدف إلى تحويل المهارات إلى تصرفات أو قِيَم للتعامل مع اختبارات الحياة، وليس التعليم فقط. إن نهج PTL هو المنهج التعليمي المنشود، وأنا أوصي به لجميع المعلمين الطموحين والخبراء – ثم -بالطبع- لكل معلمي المعلمين.

المراجع

Colm O’Connor (2015) The continued relevance of Freire’s Pedagogy of the Oppressed. London: BERA. Available at: https://www.bera.ac.uk/blog/the-continued-relevance-of-freires-pedagogy-of-the-oppressed. Accessed on 28th June, 2021.

Dewey, J. (1933) Democracy and Education: An introduction to the philosophy of education. New York: Macmillan.

DialogueWorks (2019) P4C Plus. Available at : www.dialogueworks.co.uk. Accessed on 28th June, 2021.

Freire, P. (1968) Pedagogy of the Oppressed. New York: Herder and Herder, 1972.

Lipman, M. (2008) A life teaching thinking. New Jersey: Montclair State University, NJ: Institute for the Advancement of Philosophy for Children

Makaiau A and Miller, C. (2012) The Philosopher’s Pedagogy. Educational Perspectives44 (1&2), pp. 8 – 19.

Sharp, A.M. (1995) Philosophy for Children and the development of ethical values. Early Childhood Development and Care107, pp. 45 – 55.

Sutcliffe, R., Buckley J., and Bigglestone T. (2019) Thinking Moves A – Z: Metacognition Made Simple. Dialogueworks, London.

Sutcliffe R., and Lewis L. (2017) Teaching Philosophy and Philosophical Teaching. In M. Rollins, J. Haynes, and K. Murris (Eds.) The Routledge International Handbook of Philosophy for Children. Abingdon: Routledge.

University of Cambridge Faculty of Education (2021) What is Dialogic Teaching? Available at: https://www.educ.cam.ac.uk/research/programmes/dialogic/whatis.html. Accessed on 28th June, 2021.

Values-based Education (2021) Account available at: https://valuesbasededucation.com/. Accessed on 28th June, 2021.

Waters, M. (2007) The Big Picture of the Curriculum. UK Government. Available at: https://publications.parliament.uk/pa/cm200708/cmselect/cmchilsch/memo/natcurric/ucm34b02.pdf. Accessed 28th June, 2021.

سيرة شخصية

درس Roger الفلسفة والفرنسية في Oxford في مطلع السبعينيات، وهو يعيش الآن في فرنسا. درَّس الفلسفة على جميع المستويات، من التعليم الابتدائي إلى التعليم العالي. اعتمده Lipman وSharp معلِّمَ P4C منذ ما يقارب 30 عامًا، وبعد ذلك بمدة وجيزة كان أحد مؤسسي SAPERE، أول مؤسسة خيرية في المملكة المتحدة لـP4C. شغل منصب رئيس ICPIC لمدتين في أوائل الألفية الجديدة، ويشغل الآن منصب مدير DialogueWorks، المزود الدولي الرائد لخدمات P4C.

حمل مقالة التعليم والتعلم الفلسفي – التطوير المهني لكل معلم