التساؤل الفعّال 

Effective Questioning

ستيفن هاستينغز

Steven Hastings

المصدر/ Hastings,S 2003 ‘Effective Questioning’,in Times Educational Supplement article.

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف أو الناشر

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة: امتنان الحربي

تدقيق: شيماء قسّام

هل كنت تعْلَم؟ 

  • يُمثِّل طرح الأسئلة ما يصل إلى ثُلث وقت التَّدْريس، والباقي مُخصَّص للشَّرح.
  • يَتِمُّ الرَّدُّ علَى معْظم الأسئلة في أقلَّ من ثانية. وهذا هو متوسِّط الوقت الذي يسمح به المعلِّمون ما بين طرحِ سؤال وقبول إجابة، أو طرحِ السُّؤال علَى شخص آخر، أو إجابته بأنفسهم.
  • وجدَتْ الأبحاث أنَّ زيادة الوقت عند طرحِ الأسئلة، يُحَسِّن من جوْدة وعدد الأجوبة. أيْ ثلاثُ ثوانٍ لِسؤالٍ ذِي ترتيبٍ أدْنى (الأسئلة البسيطة التي تعتمد علَى الحفظ)، وعشر ثوانٍ لسؤالٍ ذِي ترتيبٍ أعْلَى (الأسئلة العميقة الّتي تعتمد علَى التَّحْليل والتَّفْكير).

كيف يُمْكِنك أن تكون كَـمرشدٍ يستخرج الإجابات، بدلًا من أن تكون كمحقِّقٍ ينتظر من سيعترف أوَّلًا؟ وكيف يمكنك أن تجعل الأطفال هم من يطرحون عليك الأسئلة، ويصبح التَّعْليم حوارًا تفاعليًّا، وليس خطبة متواصلة؟

لماذا يطرح المعلِّمون أسئلة كثيرة؟ 

عندما عرَّف سقْراط التَّدْريس بأنَّه “فنُّ طرحِ الأسئلة”, كانتْ تدور في ذهنه المُناظَرات الفلْسفِيَّة ذات الحوار المشحون والمثير. ولكنَّ الحقيقة اليوم هي عكس ذلك، أيْ أنَّ الأسئلة في الصُّفوف الدِّراسيَّة الحالِيَّة مُمِلَّة نوعًا ما، وتفْتقِر إلَى الإثارة. أرْبعمائة سؤال في اليوم قد تبْدو إحْصائيًا عددًا مذْهلًا، إِلَّا أنَّ نسبة كبيرة منها (أيْ ما بين %30 و %60) هي أسئلة إجْرائيَّة رُوتينيَّة وليستْ قائمة علَى التَّعلُّم.

ومع ذلك، فطرح الأسئلة لا يزال الوسيلة الأساسيَّة لِنقْل المعرفة، حيث يُمثِّل ما يصل إِلَى ثُلْث وقت التَّدْريس كاملًا، وهو الثَّاني بعد الوقت المخصَّص للشَّرح. والعديد منَ الخُبراء يعْتقِدُون أنَّه يجب أنْ يَحْظى بأكْثرَ من ذلك!

وكما قال جاي كلاكستون Guy Claxton، أستاذ تعليم العلوم في جامعة بريستول Bristol University: “الطَّريق المُثْلى للتَّعلُّم تبْدأ بسؤال، وليس بإجابة”. أيْ أنَّ طرح الأسئلة يُؤَدِّي إلَى تعلُّم أكْثرَ فاعليَّة وأكْثر مُتْعَة من الشَّرحِ وحْده.

إنَّ طرح الأسئلة له فوائد عديدة، مثل مُساعدة الطُّلَّاب علَى التَّفْكير في المعلومات وحفْظها في الذَّاكرة، وتطْوير مهارات التَّفْكير والتَّشجيع علَى الحِوار؛ الَّذي بِدوْره يُحَفِّز الأفْكار الجديدة.  وهو أيْضًا يسْمح لِلْمعلِّمينَ بِتحْديد مدَى فهم الطُّلَّاب، ويساعدهم علَى عرض دروسهم بالطَّريقة المُثْلَى الَّتي تناسب الجميع. ويُعْتَبَر كذلك أداة مُهمَّة لتنظيم وإِدارة الصَّف، ممَّا يساعد علَى جذْب الطُّالب وإبْقاءه مُهْتمًّا ويقظًا. كما أنَّ للأسئلة قيمة رمْزيَّة؛ فهي تُرْسل رسالة واضحَة بأنّه يتوقع منَ الطُّلَّاب أنْ يكونوا مشاركين نشطين في عمليَّة التَّعلُّم.

ما هو السُّؤال؟ 

إنَّ تعلُّم الأنْواعِ المختلفة مِن الأسئلة وَوظائفها، هو أحد المفاتيحِ لِطرح سؤال فعَّال. العديد مِن الخُبراء يُصنِّفون الأسئلة بِطُرق مختلفة. مثل تيد وراج Ted Wragg، أستاذ التَّربية بجامعة اكستير Exeter University، الَّذي قدَّم نموذجًا يتكوَّن من ثلاث تقْسيمات للأسئلة: التَّجْريبيَّة (تعتمد علَى إجابات مُسْتَنِدَة إلَى حقائق)، والمفاهيميَّة (تعتمد علَى التَّعْريفات والاسْتِدْلال)، والأسئلة القيِّمة (تعتمد علَى التَّحْقيق في المُعْتَقَدَات الشَّخْصيَّة والمشكلات الأخْلاقيَّة). .. يَسْتخْدِم آخَرونَ تصنيف بْلُوم تَاكسنومي Bloom’s Taxonomy للتَّعلُّم والتَّعْليم والتَّقييم، كنموذج، حيث يُصَنِّف الأسئلة إلَى ستَّة أقسام وِفْقًا لهدف السؤال. هل هو لاخْتبار المعرفة، أم للفَهْم، أم التَّحْليل، أم التَّطْبيق، أم التَّرْكيب، أم التَّقْييم.

ولكنَّ الفارِق الأبْسط بينهم والأكْثر أهمِّية، والمُعْتَرَف به منْ قِبَل جميعِ الخُبَراء، هو الفرْق بين الأسئلة ذات التَّرْتيب الأدْنى (الَّتي تَتَطلَّب من الطُلَّاب التَّذكُّر)، والأسئلة ذات التَّرْتيب الأعْلَى (التي تَتَطَلَّبُ منْهُم التَّفْكير). وكقاعدة عامَّة، فإنَّ الأسئلة ذاتَ التَّرْتيب الأدْنى غالبًا تميل إلَى الانْغلاق، بحيث تكون إجابة واحدة فقط صحيحة، ومن المُحْتَمل أن تبدأ بماذا، مَن، متى، أو أيْن. ولكنَّ الأسئلة ذاتَ التَّرتيب الأعْلَى غالبًا ما تبدأ بِلماذا، أوْ كيف، أوْ أيٌّ مِن. وتكون أسئلة مفتوحة، تَشْمل مجموعة واسعة مِن الأجْوبة المُحْتَمَلة.

ماهي الأسئلة التي علَيَّ أنْ أطرحها؟ 

لا يوجد نوع محدد أهم مِن نوعٍ آخَر، جميع الأسئلة لها استخداماتها المختلفة. فمثلًا، الأسئلة ذاتُ التَّرتيب الأدْنى مُهِمَّة في التَّأكُّد من المعرفة، لكنَّ مُعْظَم الأبْحاث تُشير إلَى أنَّ المعلِّمين يسألون الكثير مِن هذا النَّوع من الأسئلة، ولا يستخدمون ما يكْفي مِن الأسئلة ذاتِ التَّرتيب الأعْلَى، الَّتي بدوْرها تُحفِّز التَّفْكير.

وجدتْ دراسة أجْراها الأستاذ تريفور كيري Trevor Kerry- في جامعة لينكولن Lincoln University، عام 1989 حوْل الدُّروس المُقدَّمَة في المدارس الثَّانويَّة- أنَّ 4% فقط من الأسئلة كانت مِن ذاتِ التَّرتيب الأعْلَى. أيضًا قبل عشر سنوات، وَجَد بحث مُكثَّف أجْراه تيد وراج Ted Wragg- في المدارس الابْتدائيَّة – نتائج مُمَاثلة، حيث كانتْ 8% فقط من الأسئلة من التَّرْتيب الأعْلَى. ومِمَّا جاء في الدِّراسة: “نظرًا إلَى أنَّ المُعلِّمينَ يطرحون العديد من الأسئلة كلَّ يوم، فمن السَّهل أنْ يُصْبح أسلوبٌ واحدٌ في طرحِ الأسئلة أمرًا مُعتادًا”. “والأسئلة ذات التَّرتيب الأدْنى تبدو أكثر أمانًا لِأنَّها تُحافظ علَى استمراريَّة الدَّرس”. الاعتماد علَى هذا النَّوْع من الأسئلة ليس بالأمر الجديد، فقد أثبتت دراسات قديمة في عِدَّة أعْوام 1970 و1935 و1912، أنَّ 60% علَى الأقلِّ من أسئلة المعلِّمين تعتمد فقط علَى تذكُّر الطُّلَّاب للمعلومات بالشَّكْل الَّذي قُدِّمت به. وتقولُ سو جينينغ Sue Jennings- رئيسة التَّدريب الأوَّليِّ للمعلِّمين في جامعة إكستير Exeter University-: “أنت لا تُنمِّي أيَّ عمليَّات تفْكير باستخدامك لهذا النَّوعِ من الأسئلة، كلُّ ما تفْعلُه هو جعل أولئك الَّذين لا يعرفون الإجابة يشْعُرون بالفشل.”

في تقرير أعدَّتْه كاثلين كوتون Kathleen Cotton -المُتخصِّصَة في التَّربية والتَّعليم في أمريكا عام 1988-، تمَّ فحص 37 مشروعًا بحثيًا يتعلَّق بطرحِ الأسئلة في جميعِ أنحاء الولايات المتَّحدة. وقد أظهر استنتاجَيْن مُهمَّيْن، أولًا: الجمع بين الأسئلة ذات التَّرتيب الأعْلَى والأدْنَى هو الأكثر فعاليَّة في جميعِ المراحل العُمْريَّة. ثانيًا: زيادة استخدام الأسئلة ذات التَّرتيب الأعْلَى إلَى حَوَالي 50% مع التَّلاميذ في سنِّ المدرسة الابتدائية أو الثَّانويَّة، حقَّقتْ تغييرًا مَلْحُوظًا في أداء التَّلاميذ وسلوكهم.

وقتك يبدأ الآن. . .

هل هناك حياةٌ بعد الموت؟ الدَّجاجة أم البيضة؟ ما هو صوت تصْفيق اليد الواحدة؟ بعض الأسئلة أشغلتْ الفلاسفة طوال حياتهم، وامْتَدَّتْ لِقُرون من الحضارات. أما الآن، فمُعْظم الأسئلة يتمُّ الرَّدُّ عليْها في أقلَّ من ثانية في الصُّفوف الدِّراسيَّة. وهذا متوسِّط الوقت الَّذي يسْمح به المعلِّمون بين طرحِ السُّؤال وقبول الإجابة، أو طرحه علَى شخص آخَر، أو حتَّى إجابته بأنفسهم. وغالبًا ما يُعْطَى التَّلاميذ الأضْعف تحْصيلًا وقتًا أقلَّ من ذلك؛ لأنَّ المعلِّم يخْشَى إحْراجَهم، أو لأنَّهم يَفْتقرون إِلَى الثِّقة بأنفسهم للتَّوَصُّل إلَى الإجابة الصَّحيحة.

لكنَّ دراسة أمريكيَّة أُخْرَى، أجْرتْها ماري بود رو Mary Budd Rowe في نيويورك عام 1978، وَجَدَتْ أنَّ زيادة وقت الانتظار عند طرحِ السُّؤال؛ أدَّى إلَى تَحْسين عدد ونوعيَّة أجْوبة التَّلاميذ. حيث إنَّ ثلاثَ ثوَانٍ هي الوقت الأنسب للانتظار مع الأسئلة ذات التَّرتيب الأدْنى. بينما الأفضل أن يكون وقت الانتظار أكثر من عشر ثوان مع الأسئلة ذات التَّرْتيب الأعْلَى. وقد وَجَد البحث أيضًا أنَّ تمْديد وقت الانتظار ما بيْن إجابة التِّلميذ وَردِّ المُعلِّم علَى إجابته -عادةً أجْزاء مِن الثَّانية- يسْمَح لِلتَّلاميذ بمراجعة أو تفصيل أجوبتهم، ويشجِّع التَّلاميذ الآخَرين علَى المشاركة.

يقول بوب مارشال Bob Marshall من شركة التَّدريب “: Smarter Learning إنَّها فكْرة بسيطة، لكنَّ تأثيرها مَلْحوظ. ففي بعض الأحيان كُلُّ ما تحْتاج إلَى فعله لجعل الأطفال يُفكِّرون؛ هو أنْ تمْلك الانضباط الذَّاتيَّ والالتزام بالصَّمْت لِلَحْظة.” لذلك هو يقترح التَّأنِّي عندما نطرح الأسئلة سريعة الأجوبة، وَذلِك بطرحِ سؤال في نهاية كُلِّ درس، يُمَكن للتّلاميذ التَّفْكير فيه ومُناقشته في اليوم التَّالي.

طرح الأسئلة أو عدم طرحها؟

لا يعتقد الجميع أنَّ أفضل طريقة للتَّدريس هي طرح الأسئلة. فقد كشفتْ الأبْحاث الَّتي أجرتْها جولي آن أندرسون Julie Ann Anderson -في جامعة شيفيلد هالام Sheffield Hallam University، عام 2000-، أنَّ أطفال المدارس الابتدائيَّة غالبًا ما يجدون طرح الأسئلة في الصَّفِّ أمْرًا مُرهقاً ومُسبِّبًا للقلق. وجزء من تلك المشكلة أنَّ الأسئلة ليست فقط أداةً لِلتَّعْليم، بلْ تُسْتخدَم أيْضًا مِن قِبَل النُّوَّاب والمحامين ورجال الشُّرطة والصَّحفِيِّين، ويُمْكِن اسْتِخْدامُها لِلتَّلاعُب أو الاتِّهام. وغالبًا ما تَرْتَبط الأسئلة ذات التَّرْتيب الأدْنَى تحْديدًا بإدارة السُّلوك، حيث يسْتَخْدِمُها المعَلِّمونَ كوسيلة للتَّحكُّم والسَّيْطرة في الصَّفِّ الدِّراسيِّ.

إنَّ اسْتِخْدام الأسئلة كوسيلةٍ تأديبِيَّة علَى الأطفال الَّذين لا ينْتبهون للدَّرس، تكْنيك شائع. وقد يكون مِن المُمْتِع أيْضًا أنْ تسأل الأطفال الَّذين لنْ يتمكَّنوا مِن الإجابة، فقط لتُثبتَ لهم أنَّ محادثاتِهم الجانبيَّة في الصَّف تُشكِّل عائقًا أمام التَّعلُّم. ولكنْ حتَّى عنْدما لا تُسْتَخْدَم الأسئلة كأداة للسَّيْطَرة، لا يزال بعض الأطفال يجدونها مُخِيفة بالنِّسْبة لهم. علَى سبيل المثال، أظهر البحث الَّذي أجراه إيان ميتشل Ian Mitchell – في ملبورن بأستراليا Melbourne, Australia- أنَّ خوف الأطفال الرَّئيسيَّ ليس مِن الإجابة بشكل خاطِئ، ولكن مِنْ أنْ يظْهَروا بِشَكْل سخيف أمام التَّلاميذ الآخَرين – كَقوْل شيْءٍ سيسخر منه المعلِّم والآخرون -. هذا “الخوف مِن الأقْران Peer Fear” هو العَقَبَة الرَّئيسيَّة أمام أجْوبة وأسئلة التَّلاميذ. ولكنْ حتَّى طرح أسئلة أسهل علَى التَّلاميذ ذوي المستوى الدِّراسيِّ المُتدنِّي، علَى أمل أنْ يُعْطوا أجوبة صحيحة، لا يبْدو أنَّه الحل؛ لأنَّ ذلك سيزيد خوفهم مِن كوْنِهمْ مُخْطِئين. لذلك يُشير بحث ميتشل إلَى أنَّ الأطفال يكونون أكثر سعادة في التَّعْبير عنْ آرائهم، عنْدَما يعْتَقِدون أنْ لَا أحد في الصَّفِّ يعرف الإجابات.

التساؤل الفعَّال – مَن نسأل؟

سيكون هناك دائمًا شخص لا يريد أنْ يكون مِليونيرًا، ويُسْعِدُه أنْ يكون الحَلْقة الأضْعف.

يُعْتَبَر الاعتياد على طرحِ السُّؤال فقط علَى التَّلاميذ الَّذين سيعرفون الإجابة؛ طريقة جيِّدة لِضمان سلاسة الدَّرس وسرعته، ولكنَّها طريقة سيِّئَة لِتَنْميَة مهارات التَّفكير. أنْ تجعلَ أسئلتك تُوَلِّد إجابة ما في كلِّ تلميذ -حتَّى وإنْ كانت إجاباتٍ داخلية لمْ يُعبِّروا عنْها- هي مهارة التساؤل الذَّكي. إنَّ أسلوب رفْعِ الأيْدي الَّذي يَسْمح بِالمُشاركة للتَّلاميذ الَّذين يعرفون الإجابة، قد يُؤَدِّي إلَى سيطرة عدد قليل مِن التَّلامِيذ علَى الدَّرْس. وعندما تطرح سؤالًا لجميعِ الطُّلَّاب، ثمَّ تختار طالبًا واحدًا لِلْإجابة، بِالأسلوب المُسَمَّى””Pose, Pause and Pounce فهذا يسْمَح لك باخْتيار طلَّاب مُعَيَّنِين لِلْإِجابة. ولكنَّ الأبحاث تُشير إلَى أنَّه لَا يزال مِن المُحْتَمل أنْ يَتَمَحْور الدَّرس حوْل ستَّة إلَى ثمانية طُلّاب مشاركين، عادةً ما يكونون في الصُّفوف الأُولَى، أمام عين المعلِّم.

يَتَغَلَّب بعض المعلِّمين علَى هذا، عنْ طريق الاحتفاظ بسجلَّات أسْماء منْ طُرح عليهم السُّؤال في كُلِّ درْس.

 ” في البُلْدان الأوروبيَّة مثل فرنسا، يوجد تقْليد للتَّساؤُل الفلْسَفِيِّ والتَّعلُّم المجتمعي، بحيْث يعمل طُلَّاب الصَّف معًا لِلْإجابة علَى الأسْئلة الصَّعْبة. بحيث لا توجد إجابات، بلْ مُشاركات. وذلك يجعل مِن بعض الدُّروس مُمْتِعة”.

بِنَاءُ بيئة مُريحة لا يكون الهدف فيها مِن الإجابات أنْ تكون صائبة دائمًا؛ سَيُساعد علَى ضمان ألَّا يكون الطُّلَّاب الأسْرع والأَكْثر ثقة فقط هم مَن يُجيبون. وأيًّا كان نوع الأسئلة الَّتي تختارُها؛ كُنْ مُسْتَعدًّا لِإجْراء بعض التَّحْليلات لِكَيْفِيَّة العمل بها. إنَّ عمليَّة طرحِ السُّؤال هي عمليَّة غريزيَّة إلَى حدٍّ كبير، مع تفْكير خلال جزء منْ الثَّانية، بِما هو السُّؤال، ولمَنْ تسْألُه، وكيف تَسْأَلُه. لذلك، قد يكون تسجيل دروسك بِالفيديو هو الطَّريقة الوحيدة لدراسة نوعِ الأسئلة الَّتي تطرحها، وما إذا كانتْ ناجحَة أمْ لا.

جَعْل الأطفال يطرحون الأسئلةَ في سنِّ الخامسة:

 عادةً ما يسأل الأطفال عشرات الأسئلة يوميًّا -العديد منها أسئلة ذات ترتيب أعْلَى، تبدأ بـ “لماذا”. لكنَّهم لا يطرحونها في المدرسة.

وَجَدَ بحث تيد وراج Ted Wragg عام 1993، أنَّ مُتوسِّط الأسئلة التِّلْقائِيَّة مِن التَّلاميذ لكُلِّ درْس؛ هو واحدٌ فقط. وغالبًا ما يكون سؤالًا إجْرائيًّا أكثر مِن كَوْنه للتَّعلُّم. التساؤل الفعَّال ليس عمليَّة مِن طرف واحد فقط. فإذا طرح المعلِّم أسئلة مِن النَّوعِ الَّذي يُحَفِّز التَّفكير والحوار؛ فهناك فُرْصة قويَّة لِأنْ يبدأ التَّلاميذ أيْضًا بِالسُّؤال أكثر.

يقول جاي كلاكستون Guy Claxton: “إنَّ طرح الأسئلة الجيِّدة هو الأساس لِكَيْ تُصْبح مُتعلِّمًا ناجحًا”. “إذا لم يطرح الأطفال أسئلة، فذلك يعني أنَّهُم يُلَقَّنون الإجابات بدون مجهود منهم. قد يكون ذلك فعَّالًا لِلْحُصول علَى درجات في النَّتائج، لكنَّه لنْ يجْعلهم مُتعلِّمين فُضولِيِّين ومرنين مناسبين للقرن الحادي والعشرين.”

هناك الكثير مِن الاستراتيجيَّات لتشجيعِ الأطفال علَى طرحِ المزيد مِن الأسئلة. فَالتَّمهُّل في بداية كُلِّ موضوعٍ دراسيٍّ جديد، حتَّى يُحَدِّد طُلَّاب الصَّف الأسئلة التي يرغبون في الإجابة عليْها حَوْل ذلك الموضوع؛ سيزيد فُضولهم أكثر حوْل الدُّروس القادمة. كما أنَّ السَّماح لهم بِوَضْعِ اختبارات في نهاية الدُّروس لأطفال آخرين في الصَّف -أنْ يُمْنَحُوا علامات علَى جَوْدة الأسئلة بدلًا مِن جَوْدة الإجابات- يُمْكن أنْ يجعلهم يعْتادونَ علَى الأشْكال المُتنوِّعة لِلْأسئلة.

إنَّهم يحْتاجون إلَى معرفة أنَّ الأسئلة ليست مُخِيفة كما قد تبدو لهم. إذْ يُمْكن استخدام محرِّكات البحث علَى الإنترنت لطرحِ التساؤلات، أو العمل في مجموعات صغيرة، أو عمل جدار لِلْأسئلة حيث يُمْكن لِلطُّلَّاب والمعلِّمينَ وَضْع الأسئلة الَّتي يرغبون في الإجابة عليْها. ويُمْكِنهم جميعًا المساعدة في التَّغلُّب علَى الخوف الطَّبيعيِّ مِن أنْ يُوسَموا بِعدم المعرفة.

قبل كُلِّ شَيْء، يجب النَّظر إلَى الأسئلة علَى أنَّها مُهِمَّة. إنْهاء الدَّرْس عندما يدقُّ الجرس، وخَتْمُه بِقوْل “هلْ مِن أسْئلة؟” (والَّتي تَعْني بِالطَّبع “ليست هناك أيُّ أسئلة، أليس كذلك؟”) يُرْسل رسالة مفادُها أنَّ الأسئلة مَصْدر إزْعاج. مِن الجَدير توْفير مساحة لدروس مُخصَّصة لطرحِ الأسئلة، أو تَكْليف الأطفال بالعودة في الدَّرس التَّالي بِسؤال لِطرحه. سيُوَضِّح هذا أنَّ أسئلتهم مَحَطُّ تشجيعٍ وتقدير.

إنَّه ليس ما تسْألُه، إنَّه الطَّريقة الَّتي تسْأَل بها. . .

أحد الأسباب الرَّئيسيَّة لِفَشل الأطْفال في الرَّدِّ، هو عدم فهْم السُّؤال نفسه. يقول تيد وراج Ted Wragg: “مِن المُمْكن تمامًا طرح سؤال جيِّد، ولكنْ بطريقة مُحَيِّرة”. ويُشَدِّد علَى أهمِّيَّة طرحِ الأسئلة بِطريقة تُمكِّن الفصل كُلَّه مِن فَهْمِه، وذلك لِإشْراك أكْبر عدد مُمْكِن مِن الأطفال.

كما أنَّ تقديم الأسئلة كسلسلة مُتَرابطة وواضحة ومنْطقيَّة؛ قد يُحسِّن مِن جوْدَة الأجوبة أيضًا. ويقول “مِن المدهش كيف تُطرح بعض الأسئلة كسلسلة مَدْروسة.”

في حين أنَّه ليس مِن الواقعيِّ دراسة كلِّ سؤال، فقد يكون مِن المفيد تحديد سؤال أو سؤاليْن رئيسِيَّيْن، رُبَّما بِكتابتهما علَى السَّبُّورة، وهيْكلة الدَّرْس حولهما.

والمسألة ليست فقط، ماذا يمكنك أنْ تسأل، أو كيف، بَلْ أيْضًا متَى تسأل. يُشير البحث الأمريكيُّ -الخاصُّ بِكاثلين كوتون Kathleen Cotton- إلَى أنَّ الأطفال الأقلَّ قدرة والأصغر سنًّا يستجيبون بشكل أكثر فعَّاليَّة للأسئلة المطروحة بعد أنْ يُسْمَح لهم بالنَّظر في الكتاب. ولكنْ بالنِّسبة للأطفال ذَوي القُدرات العالية، فإنَّ العكس صحيح؛ طرح الأسئلة قبل أنْ يَرَوا الكتاب يسمح لهم بِتحليل ووضعِ تساؤلات مُعيَّنة في أذْهانهم، ومِنْ ثمَّ يَسْتَنْتِجون أجوبة أفضل.

إنَّ طريقة تعامُلك مع الأجوبة عند الحصول عليها قد تُشَكِّل كامل الدَّرْس. إظْهارك الاهْتِمام بالأجوِبة -ليس فقط المُضِيَّ في الدَّرْس وتصْحيح الجواب- وتحْفيز الأطفال الآخَرين أيضًا ليظهروا اهْتمامهم، قد يُبْطِئُ أو يَمْنع إِكْمال أفضل الدُّروس تَخْطيطًا، لَكنْ مِن المُهمّ الاسْتِعْداد لِهَكذَا اسْتِطْراد. الأجوِبة الجيِّدة سترفع مُعدَّل الأسئلة فِي المستقبل.

ويعْترف جاي كلاكستون Guy Claxton قائلًا “بالطَّبع، هناك قيود المنهجِ أيْضًا”، “ولَكِنْ يجب علَى المعلِّمين إيجاد الوقت لِلتَّعمُّق في الأسئلة الَّتي يَسْألونها وفي الأجْوبة الَّتي تأتيهم. فَإذا اعتقد الأطفال أنَّ المعلِّم ليس مُهْتَمًّا بِما يَوَدُّون قوله، فسيتوقَّفون عنْ قول أيِّ شَيْء.”

Additional research: Tracey Thomas

(نُشرت في مجلّة Times Educational Supplement, يونيو 2003)

حمل مقالة التساؤل الفعّال