أفلاطون، مافوق التفكير، والفلسفة في المدارس
بيتر وورلي
كلّية الملوك – لندن
تُرجمت المقالة بعد أخذ الإذن الخطي من المؤلف
“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”
Worley, P 2018, Plato, metacognition and philosophy in schools, Journal of Philosophy in Schools, Vol.5, N.1, pp. 76-91.
المترجم: حسن الباذر
المدقق: سلمان بو خمسين
الملخص
في هذه المقالة أبدأ بقول شيءٍ ما حول ماهية ما فوق التفكير،ولماذا هو مرغوب فيه في التعليم،ثم أشرح كيف يستبق أفلاطون هذا المفهوم من خلال حواره(مينو). هذه ليست مجرد نقطة تاريخية؛فمن خلال تقسيم الذات المعرفية إلى ثلاثة-في-واحد(متعلم،ومعلِّم،ومقيِّم) يوفر لنا أفلاطون إطارًا مجازيًّا أنيقًا لفهم ما فوق التفكير،وهو –كما أؤكد – ذو قيمة اليوم. بالإضافة إلى مساعدتنا في فهم هذا المفهوم،فإن نموذج أفلاطون لما فوق التفكير لا يزودنا بطريقة عملية وتربوية لتطوير سلوك ما فوق التفكير وحسب،ولكن أيضًا للقيام بذلك من خلال ممارسة الفلسفة. أختتم بإثبات جدوى إدراج الفلسفة في أنظمتنا المدرسية،من خلال الاحتكام إلى تلك الجوانب من الفلسفة(المفاهيمية، والوعي الذاتي،والنظرية المعرفية)والتي هي فوق تفكيرية،أو التي تفضي إلى تطوير ما فوق التفكير،كما كشفت عنها الرؤى التي قدمتها لنا حوارات أفلاطون في(مينو)و(الثئيتتس).
كلمات دلالية
مينون، مافوق التفكير، الفلسفة، أفلاطون، المدارس، (الثئيتتس).
التفكيرفي التفكير: مافوق التفكيروقيمته
استخدم (جون فلافيل) (١٩٧٩) مصطلح (ما فوق التفكير) لأول مرة، الذي وصف ما فوق التفكير بأنه “التفكير في التفكير “. على الرغم من أن هذا الوصف سريع ومفيد، إلا أنه يحتاج مزيدًا من التوضيح. فيما يلي بعض التعريفات الأكثر كمالًا والشائعة الاقتباس:
المعرفة والتحكم اللذان يمتلكهما الأطفال في أنشطة التفكير والتعلم. (Cross & Paris 1988)
الوعي بتفكير الفرد، والوعي بمحتوى مفاهيم الفرد، والمراقبة النشطة للعمليات المعرفية للفرد، ومحاولة تنظيم العمليات المعرفية للفرد فيما يتعلق بالتعليم الإضافي، وتطبيق مجموعة من الأساليب التجريبية بوصفها أداة فعالة؛ لمساعدة الناس على تطوير أساليبهم في الهجوم على المشاكل عمومًا. (Hennessey 1999)
الوعي بالفكر الخاص وإدارته. (Kuhn & Dean 2004)
رصد الفكر ومراقبته. (Martinez 2006)
مجموعة القدرات التي يُقَيَّمُ من خلالها النظام المعرفي الفعال، أو يُمَثَّلُ بواسطة نظام فرعي آخر بطريقة حساسة للسياق. (Proust 2013)
يعتقد (برينترتش) (2002) أن الجوانب المهمة لما فوق التفكير هي المعرفة والتحكم، ولكن الوعي هو الأساس لكليهما. العزم والضمير والوعي الذاتي هي ما تميز ما فوق التفكير عن الإدراك. يميزها (شراو) أيضًا بالقول: إن “المهارات المعرفية تميل إلى أن تكون مقتصرة على مجالات أو موضوعات محددة، في حين أن مهارات ما فوق التفكير، إذا عدنا لتعريف (فلافيل) المنطقي “التفكيرفيالتفكير” وتجسيده قليلًا، فإن ما فوق التفكير يحث على الوعي في حالاتنا المعرفية، وأفكارنا، ومعرفتنا (الواقعية، والمفاهيمية، والإجرائية) والتعلم، ومراقبتها، واكتساب بعض السيطرة المحكمة عليها. من المفيد التفكير في ما فوق التفكير على أنه يحتوي ثلاثة مكونات رئيسة: (Lai 2011) (١)المعرفةماوراءالمعرفية، التي تتضمن معرفة الحالات والأفكار العقلية للفرد، والأسس والتطلعات المعرفية للذات، وما إلى ذلك. (٢) تقييممافوقالمعرفة أو تنظيمها، الذي يتضمن تقييم إنجاز المهمة (أو التقدم نحو إنجاز المهمة). (٣) الإجراءاتوالاستراتيجياتماوراءالمعرفية، وهي أدوات متاحة للمتعلم / المفكر لمساعدتهما على تحسين أدائهما في أي مهمة معينة.
أحد الاعتراضات هو إنكار أن ما فوق التفكير يختلف عن الإدراك أو (التفكير؛ من الواضح أن كليهما نوع من التفكير مثلما يُعَدُّ النساء والرجال أنواع من البشر. التمييز هو تمييز قويم إذا كان يساعد على تنظيم الأفكار حول الظواهر، حيث يصعُب أو يستحيل القيام بذلك دون اللجوء لهذا التمييز. لذلك، عند التفكير في التفكير فإن جميع أمثلة ما فوق التفكير هي أمثلة على الإدراك، ولكن ليست كل أمثلة الإدراك هي أمثلة على ما فوق التفكير. إن فكرة “لا أعلم ” أو حالة التشتت أو المفاجأة ليست أفكارًا لما فوق التفكير. ومع ذلك، إدراك كوني في حالة جهل بشيءٍ ما قد يجعلني قادرًا على (إيجاد) الإجابة إذا طبقتُ طريقة معينة على تفكيري، أو أن الإحباط الناتج عن الخلط أو التشتت قد يعيق قدرتي على العمل بها، وما إلى ذلك، هي أمثلة على الإدراك كما أنها أمثلة على ما فوق التفكير أيضًا. إن الشيء (أفكارك) والاتجاه (الموجَّه ذاتيًّا والموجَّه بالفكر) لتفكير المرء أثناء الخوض في أفكاره الخاصة هي التي تميز التفكير في مافوق التفكير.
إذن، لماذا يمكن عَدُّ ما فوق التفكير ذا قيمة؟ بشكل عام، إن المفاهيم المركزية التي عاينَّاها تنبثق من تعريفات ما فوق التفكير أعلاه، ومفاهيم متعددة، مثل: الوعي الذاتي، وضبط النفس، والتنظيم الذاتي، هي أساسية لمفهوم القوة، أو بتحديدٍ أكثر في هذا السياق، قوة المتعلم: التعلم المستقل أو الذاتي. إذا كانت قوة المتعلم تُعَدُّ مهمة بوصفها هدفًا تعليميًّا، وإذا كان من الممكن تحقيقها عن طريق تطوير ما فوق التفكير، فيجب عَدُّ التدخلات ما وراء المعرفية مرغوبة.
اكتشاف الخطأ والثقة
القلق المتكرر لدى سقراط هو الانتقال من الظن بمعرفة الأمر -عندما لا يعرف المرء – إلى الاعتراف بجهله. تذكَّر ادعاء سقراط الشهير في الاعتذار: “أنا حكيم في هذا الصدد: عندما يتعلق الأمر بالمعرفة، لا أدعي أنني أعرف ما لا أعرفه”. (29b) كلاهما شكل من أشكال الجهل، ولكن الثاني هو معرفة ظنية عن جهل المرء، وعلى هذا النحو، يكون له قيمة أكبر بكثير من الأول لدى كلٍّ من سقراط والتربويين المعاصرين اليوم. أشارت الأبحاث إلى أن “الناس يميلون إلى الغفلة عن عدم كفاءتهم ” .(Dunning, Johnson, Ehrlinger & Kruger 2003, p. 83) بالنظر إلى أن كلًّا من “اكتشاف الخطأ” و”أحكام الثقة ” يُتَعَرَّفُ إليهما على أنهما “تقييمات لما فوق التفكير “، (Boldt & Yeung 2015; Yeung & Summerfield 2012) فإن هذا يشير إلى أن تطوير ما فوق التفكير سيكون إحدى الطرق لمعالجة هذه المشكلة. على سبيل المثال، أظهر بحث (Trageskes) و(Daines) (١٩٨٩) في ما فوق التفكير وفهم القراءة زيادة ملحوظة في اكتشاف الأخطاء لدى الطلاب الذين تلقوا تعليمات في الإستراتيجيات ما فوق التفكير، ما دعم نتائج أبحاث سابقة بواسطة (Paris, Cross and Lipson) (١٩٨٤)، و(Palinscar and Brown) (١٩٨٤). وفقًا لـ(Dunning Johnson Ehrlinger and Kruger) (٢٠٠٣)، غالبًا ما يقابل عدم كفاءة الأشخاص ثقة مفرطة مماثلة. لقد حُقِّقَ كثير من المكاسب في الثقة واحترام الذات من خلال ممارسة “الفلسفة للأطفال ” (على سبيل المثال Topping & Trickey 2007; Gardner 1998/9; Murris 1992)، ومع ذلك، فُهِمَ سقراطيًا، احتمال أن تتضاءل الثقة في آراء المرء عند ممارسة الفلسفة، لا أن تزيد. لذلك، من المهم التمييز بين نوعين من الثقة: الثقة الاجتماعية (الثقة في التحدث، والدفاع عن النفس، مقابل أقرانه ومعهم، وما إلى ذلك)، والثقة المعرفية (الثقة في معتقداتي والأسباب التي أمتلكها للإيمان بها). يُفترض أن الأول هو الذي يقال عنه إنه يزداد، ومن المفهوم أنه مرغوب فيه، في حين أن الانخفاض في الآخر قد يكون أيضًا نتيجة مرغوبة. إذا أدت إستراتيجيات ما فوق التفكير إلى تحسين اكتشاف الأخطاء -وكما تبديه أبحاث (Dunning, Johnson, Ehrlinger and Kruger) – فإن هذا يؤدي إلى انخفاض في الثقة، ومن ثَمَّ، فإن تقديم إستراتيجيات ما فوق التفكير الواضحة للأطفال قد يحقق نتيجتين إيجابيتين: انخفاض في الثقة المعرفية، وتحسين اكتشاف الأخطاء. كما تجدر الإشارة أيضًا إلى الحاجة المتزايدة المعترف بها للتمييز بين المعلومات، والمعلومات المضللة ضمن الكم الهائل من المعلومات التي يتلقاها الأطفال اليوم عبر الإنترنت. في تقرير لمركز الأبحاث، ذكر (Demos, Bartlett and Miller) (٢٠١١) “مهارات التقييم المفصلية ” بوصفها مهارات أساسية للأطفال اليوم.
الاستقلال عن معدل الذكاء (IQ)
اقترحت الدراسات أن الأطفال ذوي القدرات المحدودة يمكنهم استخدام إستراتيجيات ما فوق التفكير بنجاح لتحسين أداء المهام. (Alexander, Carr & Schwanenflugel 1995; Ackerman 1987; Ericsson, Krampe & Tesch-Romer 1993) أفاد (شراو) أن “التعليمات المنظمة جيدًا أو استخدام إستراتيجيات التعلم الفعالة قد تعوض -إلى حد كبير – الاختلافات في معدل الذكاء “. (1998, p. 117) يرتبط الاهتمام الهائل مؤخرًا بـ”عقلية النمو ” بهذا، من حيث أنه يطور تلك المتغيرات المتعلقة بالتعلم التي يمكن التحكم فيها، مثل: الجهد المبذول، واستخدام الإستراتيجيات الآنف ذكرها. (Graham & Weiner 1996; Schunk 1989; Dweck & Leggett 1988; Schraw 1998) على الرغم من أن مهارات التفكير النقدي قد لا تندرج تحت ما فوق التفكير بحد ذاتها، (هذه نقطة قابلة للجدل!)، فهي بالتأكيد من أنواع الأدوات التي يمكن للمرء اللجوء إليها عند الإجابة على السؤال ما فوق التفكير، “كيف يمكنني أن أرى الخطأ فيما ادعيت (أو ادعى غيري) أو كتبت، وكيف يمكنني تحسين ما أطالب به أو اكتبه؟ “. وجد (Butler) و(Pentoney) و(Bong) (٢٠١٧) أن القدرة على التفكير النقدي ترتبط بانخفاض معدل وقوع أحداث سلبية في الحياة أفضل من الذكاء.
الفعالية
من المحتمل أن يتطلب تطوير قوة المتعلم (الاستقلالية والذاتية) موارد أقل (مثل: وقت أقل لدى المعلم)، لذلك -على المدى الطويل – سيكون تطوير ما فوق التفكير موفرًا للوقت، وفعالًا من حيث التكلفة. تشير مؤسسة الوقف العلمي التي تلخص مجموعة واسعة من الأبحاث في مافوق التفكير والتنظيم الذاتي- إلى أن التدخلات ما فوق التفكير منخفضة التكلفة وذات تأثير كبير، مع “تحقيق التلاميذ -في المتوسط ثمانية أشهر – تقدمًا إضافيًّا “. (EEF 2017a) تأثيره [ما فوق التفكير] أعلى من تأثير التدخلات الأخرى، مثل: إعطاء الواجبات المنزلية، أو تقليص أحجام الفصول الدراسية. (EEF 2017b)
“الثلاثة-في-واحد ” في (مينو أفلاطون): المتعلِّم، والمعلِّم، والمقيِّم
يجب علينا بعد ذلك -بأي ثمن – أن نحول انتباهنا إلى أنفسنا، ونجد شخصًا ما يجعلنا أفضل بطريقة ما. (Plato, Meno 96d-e)
في حواره (مينو) الذي يبدأ بالشخصية التي تحمل نفس الاسم (مينو)، يسأل سقراط عما إذا كان يمكن تعليم الفضيلة، يقدم لنا أفلاطون نموذجًا مجازيًّا لفهم ما فوق التفكير، ولكنه يقدم لنا أيضًا علم أصول التدريس. يُعرَض لنا النموذج في سلسلة من العلاقات، من خلال مشهد في الحوار (82b-85d) يعرف باسم “البرهان مع الفتى العبد ” (من الآن فصاعدًا: “البرهان “). يحاول سقراط عرض نظرية (نظرية “التذكر “) لمُحاورِه (مينو)، فيزعم أن المعرفة والتعلم (يُذكِّران) بأشياء معروفة في الحيوات السابقة. إنه يعتقد أنه -من خلال اختبار الفتى العبد بمشكلة هندسية – سيتمكن من نقل الصبي من الجهل إلى المعرفة بالمشكلة من خلال الاستجواب وحده، وهذا سيثبت أن المعرفة كانت بالفعل كامنة فيه. استجوب سقراطُ الصبيَّ، وحل -في النهاية – المشكلة التي طرحها.
بغض النظر عن رأيك في نظرية (التذكر) ونجاح سقراط في إثباتها، يوفر لنا البرهان نموذجًا مجازيًّا لما فوق التفكير. لكن قبل أن أقول مزيدًا عن هذا، أود أن ألفت انتباه القارئ إلى فقرة أخرى في أفلاطون ( الثئيتتس)189e-190a))، حيث يصف فيها سقراط التفكير من منظور الحوار. ما يصفه سقراط هنا أصبح يُعرف باسم “الحوار الصامت “، أو -على حد تعبير سقراط – “الحديث الذي تتحدث عنه الروح بنفسها مع نفسها حول الأشياء التي تفكر فيها “. بالاعتماد على سقراط، تصف (Hannah Arendt) التفكير بأنه نشاط اثنين-في-واحد، لقاء مع الذات: “ربما لا شيء يشير بقوة إلى أن الإنسان موجود بالضرورة في صيغة الجمع أكثر من أن وحدته تحقق إدراكه المجرد لنفسه… في ازدواجية أثناء ممارسة التفكير. هذه الازدواجية بيني وبين نفسي هي التي تجعل من التفكير نشاطًا حقيقيًّا، حيث أكون أنا الاثنين معًا: الشخص الذي يسأل، والشخص الذي يجيب “. (Arendt 1971, p. 185) كما ترى أيضًا أن التفكير النقدي يتبع هذا السياق: “التفكير يمكن أن يصبح جدليًّا ونقديًّا؛ لأنه يمر بعملية التساؤل والإجابة هذه “. (Arendt 1971, p. 185) يدعونا الحوار المجازي الصامت في (الثئيتتس) إلى رؤية التبادلات الأخرى بين الشخصيات في محاورات أفلاطون على أنها متماثلة في الفكر، وبالنظر إلى البرهان في (مينو) بوصفه مثالًا، نجد طريقة لفهم التفكير ما فوق التفكير بوصفه تبادل ثلاثة-في-واحد. من المهم أن نفهم أن مثال البرهان لا يهتم فقط بالتفكير بحد ذاته، كما هو الحال مع (Arendt) وأفلاطون في مثال (الثئيتتس)، ولكن يهتم بالتفكير بوصفه جزءًا من عملية التعلم، ثم بالآثار التربوية. لذلك، لا يُقدَّمُ الثلاثة-في-واحد هنا بوصفه بديلًا أو تطورًا عن الاثنين-في-واحد، ولكن بوصفه تطويرًا ما فوق التفكير وتربوي للفكرة، بالإضافة إلى نموذج اثنين-في-واحد.
هناك ثلاثة مواقف معرفية مهمة في البرهان. وهنا أقدم تشخيصي الدرامي (ينصب التركيز هنا على الأدوار، لا الشخصيات، حيث قد تؤدي غير شخصية دورًا واحدًا):
يمثل الفتى العبد دور المتعلم.
يمثل سقراط دور المعلم / الميسِّر.
بالفعل، قد نأخذ هذا بعين الاعتبار لاستكمال مثال ما فوق التفكير لدينا، من خلال استيعاب هذين الدورين، يمكن للمرء أن يصبح (سقراط لنفسه). ومع ذلك، يوجد دور ثالث مهم للغاية لم يُحَدَّد بعد:
يمثل كلٌّ من سقراط و(مينو) دور المقيِّم.
يُمَثَّلُ دور المقيِّم هذا من خلال ثلاث نقاشات وصفية أجراها سقراط مع (مينو)، حول تبادلات سقراط مع الفتى العبد والتقدم الذي يحرزه: في (82e-83a)، و(84a-d)، و(85b-d). في المناقشات الوصفية، حدد سقراط و(مينو) بوضوح عديدًا من المراحل المعرفية التي يمر بها الفتى العبد: أولًا: عدم المعرفة، ولكنه يظن بأنه يعرف (82e-83a). ثانيًا: جهله وعدم تفكيره بأنه يعرف (83e-84d). ثالثًا: معرفته (بالمعنى الأضعف المتمثل في حمل اعتقاد حقيقي) عندما يقول إن “معرفته… ستكون دقيقة مثل أي شخص ” (85d). يوضع موقع رابع محتمل عند (85c-d): يُقترَحُ أن الفتى العبد سوف يصل إلى المعرفة (بالمعنى الأقوى الذي سوف يظهر لاحقًا في الحوار في (97e-98a)، في حمل “اعتقاد حقيقي مع أطروحة ” يمكنه الدفاع عنها)، من خلال مزيد من التساؤل والاستجواب بالطريقة التي أظهرها سقراط بالفعل. ومع ذلك، لا يُعتقَدُ أنه وصل إلى تلك المرحلة بنهاية البرهان.
فيما يلي، العلاقات المختلفة التي تُثبَتُ من خلال تنفيذ الأدوار:
العلاقة (١) = الفتى العبد بالمشكلة (المتعلم بالمشكلة)
العلاقة (٢) = سقراط بالفتى-العبد-والمشكلة (المعلم بالنسبة للعلاقة “١”)
العلاقة (٣) = سقراط و(مينو) إلى سقراط-بالفتى-العبد-والمشكلة (المقيِّم بالعلاقتين “١” و”٢”)
حتى نتمكن من فهم البرهان بوصفه مثالًا لما فوق التفكير، نحتاج إلى رؤية هذه الأدوار أجزاءً من الذات المعرفية المنقسمة، حيث تقبع هذه الأدوار والعلاقات داخل نفس الفرد. هذا ما يدعونا سقراط لفعله في مثال الحوار الصامت. من المثير للاهتمام أيضًا ملاحظة كيف ينتقل النموذج من نقطة البداية الداخلية إلى التعبير الخارجي، ثم الدعوة إلى الولوج للداخل من جديد. لفهم ما أعنيه -أولًا وقبل كل شيء – هناك الدراما المعرفية الداخلية لأفلاطون التي تُعرَضُ في شكل حوارات خارجية مفترضة، من خلال تنشيط شخصية (سقراط) المحفزة (العلاقة “٢”) التي يُفترَضُ أنها مستوحاة من الرجل ذاته، سقراط الذي كان يعرفه أفلاطون. ثانيًا: يُدعى القارئ -من خلال الطريقة التي تُقَدَّمُ بها الأفكار (أي بشكل حواري، وغالبًا ما يكون الحوار “آبورائيًّا” ) – إلى تقييم هذه التبادلات نقدًا وعن بُعد (العلاقة “٣”). يعمل هذا، القارئ العام بطريقة غير رسمية، ويعمله الدارسون الأكاديميون لأفلاطون بطريقة منهجية. إذا كانت حوارات أفلاطون (عادةً) بين سقراط ومحاوريه والمشكلة التي تُعَدُّ بمثابة منشأ للعلاقة (١) والعلاقة (٢)، فإن القارئ أو القراء هم الذين ينشئون العلاقة (٣). لذلك، في حين أن (Arendt) تصف المفهوم السقراطي للنفس المفكرة المنقسمة بأنه اثنين-في-واحد، فقد أقول إنه عند الانخراط في أسلوب ديالكتيكي وفلسفي حقيقي، فإن الاثنين في اثنين-في-واحد يُراقَبان ويُقَيَّمان، ما يجعل الحوار الآن ثلاثة-في-واحد. وهذا هو العنصر ما فوق التفكير في قلب منهج أفلاطون المينوني الديالكتيكي الفلسفي. الدور الثالث (المقيِّم) ضروري لضمان أي تبادل بين شخصين، سواء كانا فردين أو صوتين في فرد واحد، حيث يُقَيَّمُ إجمالًا من الخارج، وعن بُعد. لا يُعَدُّ الثلاثة-في-واحد بديلًا، بل تطويرًا محددًا لنموذج تفكير اثنين-في-واحد. لكن لماذا يُجرى هذا التطوير؟ مع وضع الاقتباس من (مينو) في بداية هذا القسم في عين الاعتبار (96d-e)، فإن الفكرة هي أنه يمكن تحسين التبادل بين التلميذ والمعلم إذا لوحظ بعين النقد من الخارج، لذلك، قد نهدف لتحسين أنفسنا من خلال استيعاب أدوار كلٍّ من المعلم والطالب، ولكن بالإضافة إلى ذلك، من خلال تنمية مراقب خارجي، وناقد بداخل أنفسنا. بهذه الطريقة -في سياق التعلم – يوفر لنا أفلاطون إطارًا لتطوير أصول التربية والتدريس للقيام بذلك.
المعنى التربوي هو أن هذا النموذج المينوني يُعَدِّلُ اثنين-في-واحد من (الثئيتتس) بحيث لا يكون تبادلًا بين متكافئيْن، بل هو تبادل بين المعلم والمتعلم. والنتيجة هي أن أفلاطون يريد من القارئ / الطالب أن يمارس -إما داخليًّا (بنفسه) أو خارجيًّا (في مجتمع من التساؤل والتساؤل الفلسفي) – ما صاغه أفلاطون لنا في حواراته: أي كيف نتفلسف، وكيف لا نتفلسف.إنه -في هذا الصدد – يُعَدُّ النموذج المينوني لممارسة الفلسفة الديالكتيكية أكثر من مجرد نموذج تفكير، ولكنه أيضًا أسلوب تربوي لكيفية ممارسة التفكير الجيد:
الدور (١) – الانخراط في حوار نقدي حول س (إما مع الذات وإما مع الآخرين)
الدور (٢) – أداء دور المعلم / الميسِّر السقراطي (إما في نفسه وإما مع مجموعة)
الدور (٣) – التقييم النقدي للحوار (إما في نفسه وإما مع مجموعة)
الأول من هؤلاء (الدور “١”) يمكن القيام به في أي مناقشة نقدية، وقد يحدث هذا في الملعب، أو حول مائدة العشاء، أو في الصف المدرسي، أو حتى في الحانة، بشكل عام ما تسميه (Arendt) (١٩٧١) “المتجر “. توجد طرق متنوعة يمكن من خلالها أداء الدور السقراطي (الدور “٢”) في مجموعة: يمكن أن يكون عن طريق الاستعانة بمحترف، أو ببساطة أي عضو في المجموعة، قد يتحتم عليه المشاركة في النقاش أو مجرد إدارته، قد يعرف الميسِّر إجابة السؤال الذي يُناقَش أو لا يعرفها. سواء في مجموعة أو داخل الفرد، فإن الدور السقراطي يميل إلى أن يكون بلاغيًّا ومركَّزًا، في حين أن دور المقيِّم (الدور “٣”) هو “إجمالي ” (McCabe 2006) و”عن بُعد ” (McCabe 2008 ) من المحادثة بوصفه كُلًّا. بشكل قطعي، الدور (١) هو الدرجة الأولى (“أعتقد أن س خطأ لأن … ” / “أنا لا أتفق مع س لأن… “). والدور (٣) هو الدرجة الثانية (“هل كنت محقًّا في الاعتقاد بأن س خطأ؟ ” / “هل كنت محقًّا في الاختلاف مع س؟ “). شروط الدرجة الأولى الدور (١) هي مجرد أنه يجب على المرء أن يفكر أو يتحدث أو يجادل من أجل س. ومع ذلك، بالاعتماد على نموذج (مينو) في البرهان والمكونات الثلاثة للوعي المعرفي المحددة أعلاه. شروط الدرجة الثانية الدور (٣) هي أنه على المرء أن يعرف أنه يفكر أو يتحدث أو يجادل من أجل س، ويجب عليه تقييم تفكيره، أو القول والجدال من أجل س، ويجب عليه وضع إستراتيجية لكيفية التفكير أو القول أو الجدال من أجل س بشكل أفضل.
الفلسفة وما فوق التفكير
وُصِفَ كلٌّ من الفلسفة وما فوق التفكير بـ”التفكير في التفكير “. إذن، ما علاقة الفلسفة بما فوق التفكير بالضبط؟ وهل يوجد بها ما يجعلها مميزة؟ إما أن (1) الفلسفة هي في أفضل المواضع لتطوير ما فوق التفكير، أي أنها تنمي ما فوق التفكير أفضل من أي موضوع آخر، وإما (٢) أنها متموضعة جيدًا، بمعنى أنها تنمي ما فوق التفكير بشكل فعال، تمامًا كما تفعل مع المواضيع والمدخلات الأخرى. أعتقد أنه يمكن الدفاع عن كلا الرأيين. سواء أكانت الفلسفة في موضع جيد أم حتى في موضع مفضل، فإن تطوير ما فوق التفكير سوف يعتمد على ثلاثة جوانب من الممارسة الفلسفية: الجانب المفاهيمي، وجانب الوعي الذاتي، والجانب المعرفي.
الجانب المفاهيمي
إذا كانت الفلسفة في الموضع المثالي -وهو الادعاء الأقوى – لتطوير التفكير في مافوق التفكير، فستكون كذلك في النطاق المفاهيمي؛ نظرًا لإخلاصها الفريد للاعتبارات المفاهيمية. ولكن الموضوعات الأخرى لها اعتبارات مفاهيمية كذلك. إذن، ما الجانب المميز في تعامل الفلسفة مع هذه الأشياء؟ أولًا: تهتم بالمفاهيم خاصة، والتفكير في المفاهيم بشكل مجرد ومنهجي. علاوة على ذلك، ليس من قبيل المصادفة أن توصف الفلسفة وما فوق التفكير بـ”التفكير في التفكير “، فالفلسفة ليست مهتمة وحسب بالاعتبارات المفاهيمية (“ما هو س؟ “، “كيف يرتبط س وص؟ “، وهكذا دواليك)، فهي معنية بها لدرجة أن تلك الاعتبارات المفاهيمية مرتبطة بما نفكر فيه، وكيف نفكر فيه، ولماذا نفكر فيما نفعله. وهذه الاعتبارات مرتبطة بالنفس بوصفها موضوع تفكير، وبموضوعات تفكير أخرى. هذا الجانب من اهتمام الفلسفة بالاعتبارات المفاهيمية يتشارك مع ما فوق التفكير بأنه موجهٌ ذاتيًّا وواعٍ ذاتيًّا. الفلسفة الآنية ليست شاملةً ما فوق التفكير دائمًا، ولكن نظرًا لهدفها العام المتمثل بالتصدي للجانب المفاهيمي لما نفكر فيه ولماذا نفكر فيه، فإني سأجادل بأنها دائمًا ما وراء معرفية ضمنيًّا، وإن لم تكن بشكل صريح: توجهاتها تشتمل على ما فوق التفكير. بعبارة أخرى، إذا لم يكن لدينا أثناء مشروع فلسفي -سواء كنا مشاركين أو معلمين / ميسِّرين – عيْن على تفكيرنا أو تفكير المجموعة، فسنخفق في واجباتنا الفلسفية تجاه أنفسنا أو تجاه المجموعة.
جانب الوعي الذاتي
الفلسفة في موضع جيد أيضًا؛ لأنها -كما أفادت (Arendt) – تسمح لنا بالتلاقي مع أنفسنا في الفكر (وهي المرحلة ما قبل الفلسفية)، وتسمح لهذه العلاقة بالنمو والازدهار؛ لتصبح تفكرية ونقدية ومنهجية. لذلك، على الرغم من أن اثنين-في-واحد (ثم ثلاثة-في-واحد) ليست ظاهرة فلسفية بحد ذاتها، فإن (الإذن) بتطوير هذه العلاقة من خلال ممارسة الفلسفة، وتبني الموقف المنهجي (التّفكري، والمنطقي، والتقييم المستمر) تجاه هذه العلاقة، كلاهما ظاهرتان فلسفيتان. في الصف المدرسي مع الأطفال الصغار، يبدأ التوجه المنهجي لتطوير هذه العلاقة خارجيًّا، بطريقة مماثلة للتمثيل الخارجي للمحادثات الفلسفية التي نجدها في حوارات أفلاطون. يمكن ملاحظة ذلك في الإعداد المتعاهد عليه للفلسفة في الصف المدرسي: غالبًا ما يجلس الأطفال في دائرة، أو شكل مشابه، ويبدؤون بالاستجابة للمثير-بصوتٍ عالٍ – بعضهم مع بعض. بينما -من خلال مراقبة الممارسة الفلسفية الجيدة فيما بينهم بوصفهم أفرادًا منفصلين – يُقدَّمُ نموذج لعملية التفكير الخاصة بالأطفال المشاركين في الفلسفة ليسايروه، ومع مرور الوقت، يعتادوا عليه داخليًّا. يصبح هذا النوع من الاستيعاب الداخلي لما يشهدونه خارجيًّا، جليًّا عندما يقول الأطفال أشياء مثل: “سأختلف مع نفسي “، كما لو كانوا هم أنفسهم قد أصبحوا عضوًا آخر في الفصل، منفصلين عن ذواتهم. هذا التحول في العلاقة (من الشيء-إلى-الآخر إلى الشيء-إلى-النفس) الذي قد نطلق عليه (ثئيتتسيًّا) بعد مثال الحوار الصامت- هو تحول ما فوق التفكير، وعندما تكون الفلسفة محكمة الأداء، تؤدي إليه بشكل خاص. المؤشرات الأخرى التي تدل على أن الأطفال بدؤوا في تطوير توجهٍ واعٍ معرفيًّا تجاه أنفسهم هي هتافات مثل: “رأسي يؤلمني! “، أو “أنا محتار! “، أو “لا أعرف! “، وهي يمكن أن تُظهِرُ أنهم أدركوا المشكلة التي توفر لهم سببًا وجيهًا للحيرة. إن أصول التدريس الخاصة بممارسة الفلسفة في المدارس -حيث يجلس الأطفال في دائرة ويستجيبون للمثير بوجود الميسِّر – توفر إطارًا تربويًّا يمكن من خلاله تطوير الثلاثة-في-واحد المينونية. يقوم الأطفال بدور المتعلم من خلال مواجهة مشكلة فلسفية والاستجابة لها، ويتوجب عليهم اكتشافها والتعرف إليها بوصفها مشكلة بأنفسهم. يؤدي الميسِّر دور المعلم من خلال توفير هيكل / استجواب / إستراتيجيات للأطفال. ويُشجَّعُ الأطفال على تولي دور المقيِّم من خلال وسيلتين: أولًا: يُدعَوْنَ إلى المبادرة، ويُمنحون الفرص لتقييم التبادلات بين أقرانهم، وبين أقرانهم والميسِّر. ثانيًا: يُزوَّدون بفرص وهياكل وإستراتيجيات وأدوات ما فوق التفكير واضحة وجليَّة. البُعد ما فوق التفكير الذي توفره الفلسفة المينونية هو تحرك نحو الاستيعاب الداخلي الثئيتتسي لهذه الأدوار الثلاثة والعلاقات القابعة بينها: المتعلم والمعلم والمقيِّم. لقد شرحت بالفعل كيفية القيام بأدوار المتعلم والمقيِّم داخليًّا، يجب أن أوضح أيضًا كيف يمكن القيام بدور المعلم داخليًّا. يحدث هذا على حد السواء بشكل غير ممنهج، من خلال مشاهدة الأطفال ومحاكاة التيسير الجيد، وبشكل منهجي، من خلال دعوة الأطفال لتحليل دور الميسِّر وتجربته بأنفسهم، مع تعليمات الميسِّر وملاحظات أقرانهم.
الجانب المعرفي
في بطون الكتب، ينقسم علم ما فوق التفكير أحيانًا إلى أنواع مختلفة:
قد يدرك المرء أنه في حالة ذهنية معينة (المعرفة النسبية: Proust 2013).
قد يعرف المرء شيئًا ما عن المهمة الموكلة له (معرفة المهمة: Flavell 1979).
قد يعرف المرء شيئًا عن الإجراءات والإستراتيجيات التي يمكن اتباعها للمضي قدمًا في المهمة (المعرفة الإجرائية / الإستراتيجية: Cross & Paris 1988, Kuhn & Dean 2004; Schraw et al. 2006).
أو قد يكون لدى المرء فكرة عن متى يجب استخدام إجراءات وإستراتيجيات مختلفة (المعرفة المشروطة: Schraw et al. 2006).
ومع ذلك، فقد اقتُرِحَ أن علم ما فوق التفكير يشمل أيضًا معرفة الظروف المعرفية المحيطة بمهمة أو موضوع (كيف يمكنني أن أعرف في هذه المهمة أو هذا الموضوع؟)، وسيشمل ذلك أفكارًا حول الظروف المعرفية للفرد بوصفه متعلمًا (على سبيل المثال: “أعتقد أنه لا يمكنك معرفة شيءٍ ما إلا إذا شاهدته بأم عينيك “). علاوة على ذلك، قد يكون المرء قادرًا على توضيح ما يعرفه في هذا السبيل، ثم يمكن اختبار نظرته المعرفية أو تحديها في المناقشة فيما بعد. سُمِّيَ هذا بالعلم المعرفي / الفهم المعرفي، (Kuhn & Dean 2004) والمعرفة البيانية. (Cross & Paris 1988; Schraw, Crippen & Hartley 2006; Schraw & Moshman 1995) إذا كان الهدف هو تطوير هذه الجوانب من فهم الأطفال، فإن الفلسفة هي في الموضع المثالي لمساعدتهم على البدء بالاقتراب من البُعد المعرفي لما فوق التفكير في المواد التي يدرسونها في المدرسة، ومن أنفسهم بوصفهم متعلمين. قد يكون أحد الأمثلة على هذا هو الطريقة التي تُعَدُّ بها نظرية المعرفة (ToK) موضوعًا أساسيًّا متشعبًا في جميع أنحاء الباكالوريا الدولية. لم تُصَنَّف على أنها (فلسفة)، ولكن كثير مما يُنظَرُ إليه ويُدرَسُ في (ToK) هو فلسفي بشكل غير قابل للتلخيص. حدد (Bartlett) و(Miller) (٢٠١١) جانبًا معرفيًّا مهمًّا لمشكلة محو الأمية الرقمية الذي يَعُدُّونه فلسفيًّا أيضًا. لأكون واضحًا، أنا لا أقول إن دراسة نظرية المعرفة كافية -بحد ذاتها – لوصفها بالتفكير ما وراء المعرفي، على الرغم من أنها كافية لتكون فلسفية، ولكني أقول إنه إذا تناول المرء نظرية المعرفة في محاولة صريحة لفهم الظروف المعرفية لدراسة موضوعٍ ما -من أجل تحسين معرفة الفرد أو أدائه في الموضوع، نتيجة التّفكر الذاتي في معرفة الفرد أو أدائه – فيمكن عَدُّ هذه الدراسة المعرفية من ضمن ما فوق التفكير.
في الختام، لقد قلت شيئًا عن مافوق التفكير، وتعريفه من حيث الوعي الذاتي والمعرفة والتحكم. كما قدمت أيضًا أطروحة لاستيعاب ما فوق التفكير بوصفه مفهومًا واضحًا وضروريًّا، وتمييزه عن مجرد الإدراك. لقد أوضحت كيف أن ما فوق التفكير هو عنصر مرغوب فيه للتعليم، إذا كنا نقدِّر قوة المتعلم في أطفالنا، وأن له دورًا يلعبه في تنمية الثقة واكتشاف الأخطاء، وأنه يوفر حلولًا للأطفال محدودي القدرات؛ لإحراز التقدم في إنجاز المهام، وأنه إضافة فعالة إلى التدخلات التعليمية الحالية. بالاعتماد على البرهان في (مينو أفلاطون)، ومثال الحوار الصامت في (الثئيتتس)، حددت ووضحت نموذجًا لفهم ما فوق التفكير – الثلاثة-في-واحد (المتعلم والمعلم والمقيِّم) -، واستنبطت منهجًا تربويًّا مينونيًّا لتحقيق وتطوير ما فوق التفكير في التساؤلات الفلسفية. أخيرًا، قدمت أطروحة للدور الذي تلعبه الفلسفة في التعليم لتطوير ما فوق التفكير من خلال الاحتكام إلى ثلاثة جوانب من الممارسة الفلسفية: المفهوم، والوعي الذاتي، والمعرفة. على الرغم من أنني أقررت بإمكان تطبيق عديد من تدخلات ما فوق التفكير بشكل مستقل عن ممارسة الفلسفة، فقد جادلت بأن الفلسفة هي -على الأقل- في وضع جيد لتطوير ما فوق التفكير لدى الأطفال، وفي بعض النواحي ربما تكون هي الأفضل للقيام بذلك.
بعض الاقتراحات الفعالة
إذن، كيف يتسنى للمرء أن يوظف الفلسفة مع الأطفال بحيث تحافظ على اعتبارات ما فوق التفكير المزجاة في الطريقة المينونية؟ هذه بعض الاقتراحات. أثناء التساؤل الفلسفي (باستخدام أي من الأساليب المتاحة حاليًّا، على سبيل المثال: مجتمع التساؤل القائم على “Pierce/Dewey/Lipma”، وفلسفة “Lipman/Sharp” للأطفال، وفلسفةSAPERE/” Cam/Murris”، وفلسفة “Haynes” للأطفال، والتساؤل الفلسفي الخاص بـ”Worley”، ومجتمع التساؤل الفلسفي الخاص بـ”McCall”) حاول تضمين ما يلي. وتجدر الإشارة إلى أن عديدًا من هذه الأساليب والإجراءات مستقلة عن الفلسفة، ويمكن استخدامها على نطاق أوسع، ولكن عندما تُوَظَّفُ في جلسة فلسفية، حيث يكون التركيز مفاهيميًّا نحو الوعي الذاتي، والعلاقة الذاتية، ونظرية المعرفة، فهي إستراتيجيات فعالة بشكل خاص لتطوير ما فوق التفكير:
يمكن تعليم الأطفال مهارات التفكير النقدي بشكل مباشر وصريح، (مثل: الأمثلة المضادة، وتحديد الفوارق، والإشارة للتناقضات، والتعليل). هذه هي أدوات ما فوق التفكير التي يمكن توفيرها للطلاب.
انظر، على سبيل المثال إلى (Philip Cam’s Twenty Thinking Tools) (٢٠٠٦).
يمكن تسليط الضوء على التحركات ما وراء المعرفية التي يقوم بها الأطفال، وإذا لزم الأمر، شرحها، مثل: تقديم الأسباب، وسؤال الأقران عما يقصدونه بـ س، أو تحدي الأقران.
يمكن أن يُسأل الأطفال أسئلة تقدمية ما فوق التفكير، مثل: “هل أجبنا على السؤال / حللنا المشكلة اليوم؟ “، و”إذا لم نفعل، فهل اقتربنا من الإجابة على السؤال / حل المشكلة؟ “، و”ما الأدوات أو الإستراتيجيات التي يمكننا استخدامها لإحراز تقدم في الإجابة على السؤال / حل المشكلة؟ “.
يمكن استخدام أساليب “الدائرة السقراطية “؛ لجعل أعضاء المجموعة يخرجون من المناقشة ويدوِّنون ملاحظات مكتوبة، ويشاركون من مجموعة خارجية أو عن بُعد. قد (يُكَلَّفُون) بالاستماع للأسباب التي قد يتفقون أو يختلفون معها، أو لطرح الأسئلة، أو ملاحظة متى يغيرون رأيهم، وما إلى ذلك.
يمكن التركيز على التقييم أثناء التساؤلات؛ حتى يتمكن الأطفال من البدء في استبعاد الأفكار، وفقًا لمعايير معقولة (على سبيل المثال، إذا كان من الممكن إنتاج مثال مضاد ناجح).
يمكن إعطاء بعض الأطفال مهمة رسم خرائط المفاهيم للمناقشة، وأحيانًا تلخيص ما نُوقِشَ في تلك الجلسة. هذا يساعدهم ويساعد الآخرين على الوصول إلى نظرة شاملة للمناقشة.
يمكن تعليم الأطفال وتدريبهم لتيسير جلسات الفلسفة بأنفسهم، بحيث يبدؤون بتولي دور الميسِّر / المعلم السقراطي الذي يؤديه عادةً المعلم أو شخص بالغ آخر.
أثناء وقت التحدث، بدلًا من نهج المشاركة الزوجية المعتاد، يمكن تقسيم الأطفال بشكل روتيني إلى “ثلاثيات استماع ” (Zwozdiak-Myers 2012) -ثلاثات بدلًا من اثنينات – وينسبون الحرف أ أو ب أو ج. قد يعقد الـ(أ س) والـ(ب س) مناقشة، بينما يستمع الـ(ج س) أولًا بشكل نقدي، ثم يقدمون ملاحظات إلى الـ(أ س) والـ(ب س) حول مناقشتهم.
يمكن استخدام تقسيم ثلاثي مماثل عند الكتابة. بحيث يمكن استخدام أقلام ملونة مختلفة للأصوات المتباينة: أ، ب، ج.
يمكن تقديم نص المناقشة للأطفال أو تسجيل سابق لهم أثناء المناقشة، وتشجيعهم على نقدها كما لو كانوا ينتقدون مجموعة أخرى، ويعاملون أنفسهم بموضوعية بوصفهم عضوًا آخر في المجموعة.
مراجع
Ackerman, PC (1987) Individual differences in skill learning: An integration of the psychometric and information processing perspectives. Psychological Bulletin, 102, pp. 3-27.
Alexander, JM, Carr, M & Schwanenflugel, PJ (1995) Development of metacognition in gifted children: Directions for future research. Developmental Review, 15, pp.
1-37.
Arendt, H (1971) The life of the mind Vol. 1: Thinking. Harcourt Press.
Bartlett, J & Miller, C (2011) Truth, lies and the internet: A report into young people’s digital fluency. Demos, London. Available from https://www.demos.co.uk/project/truth-lies-and-the-internet/
Boldt, A & Yeung, N (2015) Shared neural markers of decision confidence and error detection. The Journal of Neuroscience, 35(8), pp. 3478–3484.
Butler, HA, Pentoney, C & Bong, MP (2017) Predicting real-world outcomes: Critical thinking ability is a better predictor of life decisions than intelligence. Thinking Skills and Creativity, 25, pp. 38-46.
Cam, P (2006) Twenty thinking tools. ACER Press, Camberwell, VIC.
Cooper, JM (1997) Plato: Complete works. Hackett Publishing, Indianapolis, IN.
Cross, DR & Paris, SG (1988) Developmental and instructional analyses of children’s metacognition and reading comprehension. Journal of Educational Psychology, 80(2), pp. 131-142.
Dunning, D, Johnson, K, Ehrlinger, J & Kruger, J (2003) Why people fail to recognize their own incompetence. Current Directions in Psychological Science, 12(3), pp. 83-
87.
Dweck, CS & Leggett, ES (1988) A social-cognitive approach to motivation and personality. Psychological Review, 95, pp. 256-273.
Education Endowment Foundation (EEF) (2017a) Meta-cognition and self-regulation. Available from https://educationendowmentfoundation.org.uk/resources/teaching-learningtoolkit/meta-cognition-and-self-regulation/
Education Endowment Foundation (EEF) (2017b) Teaching and learning toolkit. Available from https://educationendowmentfoundation.org.uk/resources/teaching-learningtoolkit/
Ericsson, KA, Krampe, RT & Tesch-Romer, C (1993) The role of deliberate practice in the acquisition of expert performance. Psychological Review, 100, pp. 363-406.
Flavell, JH (1979) Metacognition and cognitive monitoring: A new area of cognitive- developmental enquiry. American Psychologist, 34(10), pp. 906-911.
Gardner, S (1998/9) Philosophy for children really works! A report on a two year empirical study. The Australian Journal for Critical and Creative Thinking, 6(1), pp. 1-13. Also published in The University of Akureyri (1999) Philosophy for the children on top of the world: Iceland, pp. 88-104.
Graham, S & Weiner, B (1996) Theories and principles of motivation. In D Berliner &
R Calfee (eds), Handbook of educational psychology. MacMillan, New York, NY,
pp. 63-84.
Hennessey, MG (1999) Probing the dimensions of metacognition: Implications for conceptual change teaching-learning. Paper presented at the annual meeting of the National Association for Research in Science Teaching, Boston, MA.
Kuhn, D & Dean, D (2004) A bridge between cognitive psychology and educational practice. Theory into Practice, 43(4), pp. 268-273.
Lai, ER (2011) Metacognition: A literature review. Pearson Research Report.
Martinez, ME (2006). What is metacognition? Phi Delta Kappan, 87(9), pp. 696-699.
McCabe, MM (2006) Is dialectic as dialectic does? In B Reis (ed), The virtuous life in Greek ethics. Cambridge University Press, Cambridge, pp. 70-98.
McCabe, MM (2008) Plato’s ways of writing. In G Fine (ed), The Oxford handbook of Plato. OUP, Oxford, pp. 88-113.
McCabe, MM (2015) Platonic conversations. OUP, Oxford.
Murris, K (1992) Evaluating teaching philosophy with picture books. Available from https://www.montclair.edu/cehs/academics/centers-andinstitutes/iapc/research/both-skills/
Palinscar, AS & Brown, AL (1984) Reciprocal teaching of comprehension-fostering and comprehension-monitoring activities. Cognition and Instruction, 1(2), pp.
117-175.
Paris, SG, Cross, DR & Lipson, MY (1984) Informed strategies for learning: A program to improve children’s reading awareness and comprehension. Journal of Educational Psychology, 76, pp. 1239-1252.
Pintrich, PR (2002) The role of metacognitive knowledge in learning, teaching, and assessing. Theory into Practice, 41(4), pp. 219-225.
Proust, J (2013) The philosophy of metacognition: Mental agency and self-awareness. OUP, Oxford.
Schraw, G (1998) Promoting general metacognitive awareness. Instructional Science, 26(1/2) (Special issue: Metacognition in teaching and learning), pp. 113-125.
Schraw, G, Crippen, KJ & Hartley, K (2006) Promoting self-regulation in science education: Metacognition as part of a broader perspective on learning. Research in Science Education, 36, pp. 111-139.
Schraw, G & Moshman, D (1995) Metacognitive theories. Educational Psychology Review, 7(4), pp. 351-371.
Schunk, DH (1989) Self-efficacy and achievement behaviours. Educational Psychology Review. 1, pp. 173-208.
Topping, KJ & Trickey, S (2007) Collaborative philosophical enquiry for school children: Cognitive effects at 10-12 Years. The British Journal of Educational Psychology, 77(2), pp. 271–288.
Trageskes, MR & Daines, D (1989) Effects of metacognitive strategies on reading comprehension. Reading Research and Instruction, 29(1), pp. 52-60.
Yeung, N & Summerfield, C (2012) Metacognition in human decision-making: Confidence and error monitoring. Philosophical Transactions of the Royal Society B: Biological Sciences, 367, pp. 1310–1321.
Zwozdiak-Myers, P (2012) The teacher’s reflective practice handbook: Becoming an extended professional through capturing evidence-informed practice. Routledge, Oxon.
المراجع :
Aristotle. 1960. Metaphysics. Translated by Richard Hope. Ann Arbor: University of Michigan Press.
– ——-,2002, Nicomachean Ethics. Translated by Christopher Rowe with commentary by Sarah Broadie. Oxford: Oxford University Press.
Gardner, Howard. 1999, Intelligence Reframed: Multiple Intelligences for the 21st Century. New York: Basie Books.
Heschel, Abraham. 1950. God in Search of Man: A Philosophy of Judaism.New York: Farrar, Straus and Giroux.
Lipman, Matthew, Ann Margaret Sharp, and Frederick S. Oscanyan.1980. Philosophy in the Classroom. Philadelphia: Temple University Press.
Lone, Jana Mohr.2012a. The Philosophical Child. Lanham, Md.:Rowman and Littlefield.
——2012b.”Teaching Pre-College Philosophy: The Cultivation of Philosophical Sensitivity.” In Philosophy and Education: Introducing Philosophy to Young People, edited by Jana Mohr Lone and Roberta Israeloff, 13-21. Cambridge: Cambridge Scholars Publishing.
Matthews, Gareth. 1992, Dialogues with Children, Cambridge, Mass. : Harvard University Press.
McCall, Catherine C. 2009, Transforming Thinking: Philosophical Inquiry in the Primary and Secondary Classroom, London: Routledge.
McDowell, John, 1996, *Deliberation and Moral Development in Aristo-Ile’s Ethics.” In Aristotle’s Ethics, “In Aristotle, Kant, and the stoics: Rethinking Happiness and Duty, edited by Stephen Engstrom and Jennifer Whiting, 19-35.Cambridge: Cambridge University Press.
Murdoch, Iris. 1992. Metaphysics as a Guide to Morals. New York Penguin.
Nussbaum, Martha. 1990. Love’s Knowledge. New York: Oxford Univer-sity Press.
Proust, Marcel. 2002. Swann’s Way. Translated by Lydia Davis. New York: Viking.
Russell, Bertrand, 1997. The Problems of Philosophy. New York: Oxford
University Press.