التفكير الفلسفي (P4C) عند الأطفال عبر القصص والصور: دراسة نوعية
Philosophical Thinking (P4C) in Children Through Stories and Images: A Qualitative Study
إعداد الباحثة:
هديل بنت محمد بن فالح الحارثي
مستخلص الدراسة:
تسعى هذه الدراسة إلى استكشاف أثر تطبيق برنامج التفكير الفلسفي مع الأطفال (Philosophy for Children – P4C) باستخدام القصص والصور في تنمية مهارات التساؤل والحوار والتفكير النقدي والإبداعي لدى الأطفال في مرحلة رياض الأطفال.
اعتمدت الدراسة على المنهج النوعي بهدف تحليل تفاعلات الأطفال داخل مجتمع التساؤل (Community of Inquiry)، وهو الإطار الأساسي الذي يقوم عليه برنامج (P4C).
توصلت الدراسة إلى أن جلسات التفكير الفلسفي (P4C) القائمة على توظيف القصص، الصور، والأدوات المكتوبة أسهمت في تنمية قدرات الأطفال (4–6 سنوات) على التفكير النقدي، والتعبير الانفعالي، وحل المشكلات كما كشفت النتائج عن وجود فروق واضحة بين الذكور والإناث في أساليب التفكير والتفاعل.
وساعدت الأدوات المستخدمة على تطوير مهارات الحوار والملاحظة وربط المفاهيم بالتجربة اليومية. وبناءً على ذلك توصي الدراسة بدمج المنهجية الفلسفية في مرحلة رياض الأطفال؛ لتعزيز التفكير النقدي وتنمية مهارات التعبير عن الأفكار لدى الأطفال.
الكلمات المفتاحية: مجتمع التساؤل، التفكير الفلسفي، التفكير النقدي، المنهج النوعي، الأطفال.
المقدمة:
يُعَدُّ برنامج التفكير الفلسفي للأطفال (Philosophy for Children – P4C) أبرز المداخل التربوية الحديثة الهادفة إلى تنمية القدرات العقلية والوجدانية للأطفال عبر الحوار الفلسفي المنظم. وقد أسَّس هذا البرنامج الفيلسوف الأمريكي ماثيو ليبمان (Matthew Lipman, 1923–2010) في سبعينيات القرن الماضي، منطلقًا من تصوره بأن الطفل يمتلك طاقات عقلية تستحق الاستثمار منذ المراحل المبكرة. وكما أشار ليبمان (Lipman) في كتابه Thinking in Education الصادر عن Cambridge University Press: (Lipman, 2003, p. 20) أن “الأطفال قادرون على التفكير بأنفسهم إذا وُضِعوا في مجتمع من الاستقصاء يعتني بفضولهم الطبيعي” (تمت الترجمة).
يرتكز هذا البرنامج على فكرة محورية هي تكوين مجتمع تساؤل (Community of Inquiry)، حيث يجتمع الأطفال في دائرة حوارية يتبادلون فيها الأفكار والأسئلة تحت إشراف المعلم بوصفه ميسّرًا لا ملقنًا (Lipman, Sharp & Oscanyan, 1980: Philosophy in the Classroom, Temple University Press ).
وترى الباحثة أن أفكار ليبمان مقنعة، إذ تؤكد على قدرة الطفل على التفكير النقدي إذا أُتيحت له فرصة للحوار والتساؤل. ومع ذلك، تؤكد الباحثة على ضرورة أن يراعي المعلم الذي يطبق هذه الفكرة اختلاف مستويات تفكير الأطفال، مع تقديم الدعم المناسب لكل منهم لتحقيق استفادتهم القصوى من بيئة التعلم الفلسفي.
تستند منهجية (P4C) على تطوير أنماط متعددة من التفكير؛ أبرزها: التفكير النقدي (Critical Thinking) المعزّز للقدرة على التحليل والاستدلال، التفكير الإبداعي (Creative Thinking) الذي يفتح المجال لتوليد بدائل جديدة، التفكير التعاوني (Collaborative Thinking) المنمّي لمهارات الاستماع واحترام الرأي الآخر، التفكير الرعائي ((Caring Thinking إضافة الى الممارسة التفكيرية (Reflective Practice) التي تساعد الأطفال على مراجعة أفكارهم وصياغتها من جديد (Lipman, 2003; Fisher, 2013). ويؤكد فيشر في كتابه Teaching Thinking الصادر عن Bloomsbury Publishing: (Fisher, 2013, p. 15) أن “الاستقصاء الفلسفي يساعد الأطفال على التفكير بشكل أوضح، وبصورة أكثر عقلانية، وبطريقة أكثر إبداعًا، وبأسلوب أكثر ديمقراطية” (تمت الترجمة).
كما تشير الدراسات المنشورة في مجلات علمية أن جلسات التفكير الفلسفي تعزز التفكير النقدي والاجتماعي لدى الأطفال. على سبيل المثال: أثبتت دراسة تجريبية منشورة في British Journal of Educational Psychology أن الأطفال الذين شاركوا في جلسات (P4C) قد حققوا تحسنًا ملحوظًا في التفكير النقدي والقدرة على الحوار (Trickey & Topping, 2007). وبالمقابل نشر Daniel & Auriac (2011) دراسة في مجلة Educational Philosophy and Theory أكدت أن (P4C) يمثل وسيلة فعالة لتطوير قدرات التفكير التأملي وتعزيز القيم الاجتماعية مثل التسامح والتعاون.
إضافة إلى ذلك أصدر Education Endowment Foundation في لندن تقريرًا تجريبيًا بعنوان Philosophy for Children: Evaluation Report and Executive Summary عام 2015م، توصل إلى أن البرنامج ساهم في تطوير مهارات التواصل والاحترام المتبادل لدى الأطفال، حتى وإن لم يظهر أثر مباشر على التحصيل الأكاديمي.
في الإطار ذاته، تدعو موريـس (Murris, 2016) في كتابها The Philosophy for Children Curriculum (Routledge) إلى إدماج البرنامج في مرحلة الطفولة المبكرة، معتبرةً أنه يعزز كون الأطفال متعلمين فاعلين قادرين على المشاركة العميقة في قضايا حياتهم اليومية.
استنادًا إلى تجربة الباحثة في الميدان التربوي، ترى أن تطبيق جلسات التفكير الفلسفي (P4C) في مرحلة الطفولة المبكرة لا يمثل مجرد إضافة معرفية، بل يشكل تحولًا نوعيًا في أساليب التعليم. فهو يمنح الأطفال فرصة للتعبير الحر، ويكسر جمود النمط التقليدي القائم على التلقين، ويحول دور المعلمة من ناقلة للمعلومات إلى ميسّرة لعمليات التفكير. وتشير الباحثة إلى أن إدماج الأطفال في مجتمع للتساؤل يعزز لديهم قيمًا أساسية مثل: احترام الآخر، تقبّل الاختلاف، وتنمية الفضول المعرفي، مما يجعل هذه الجلسات استثمارًا طويل المدى في شخصية الطفل ومهاراته الحياتية.
تدعم بعض الدراسات العربية هذه المنهجية، ومن أبرزها دراسة الدليمي (2017) التي أشارت إلى فاعلية جلسات (P4C) في تنمية التفكير الناقد لدى طلبة المرحلة الابتدائية، كما أكدت دراسة الشريف (2019) دورها في تحسين مهارات الحوار لدى الأطفال. وتوصلت دراسة الزهراني والمطيري (2023) إلى |أن جلسات (P4C) ساهمت في تطوير المهارات غير المعرفية لدى طلاب المرحلة الابتدائية، مثل التواصل، الثقة بالنفس، الاستقلالية، وحل المشكلات. لكنها لاحظت تراجعًا طفيفًا في بعض الجوانب مثل التعاطف، التعددية، والديمقراطية ضمن المجموعة التجريبية مقارنة بالمجموعة الضابطة.
تتمثل مشكلة البحث في محدودية الدراسات العربية النوعية التي تناولت أثر جلسات التفكير الفلسفي للأطفال (P4C) باستخدام القصص والصور في تنمية مهارات التفكير، مع غياب التركيز على الفروق بين الذكور والإناث ورغم الانتشار العالمي لتطبيق جلسات(P4C) إلا أن الدراسات العربية في مجال الطفولة المبكرة ما زالت محدودة، وذلك وفقًا لإفادة مكتبة الملك فهد الوطنية (ملحق رقم 1)، جاءت هذه الدراسة لسد هذه الفجوة للإجابة على السؤال الرئيس: ما أثر جلسات التفكير الفلسفي للأطفال باستخدام القصص والصور على تنمية مهارات التفكير لدى أطفال مرحلية رياض الأطفال؟ وتبرز أهمية هذه الدارسة في سعيها إلى استكشاف أثر تطبيق جلسات التفكير الفلسفي P4C باستخدام القصص والصور على تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي والحوار لدى الأطفال في بيئة تعليمية عربية، وليس مجرد التركيز على قياس الأثر الكمي.
وفي إطار تعزيز خبرتها العملية التحقت الباحثة بمعهد بصيرة لتلقي تدريب متقدم في كيفية أن يصبح المعلم ميسّرًا لجلسات التفكير الفلسفي. وقد قامت عبر هذا التدريب بتطبيق اثنتي عشر جلسة فلسفية مع أطفال روضة حكاية غرس، الأمر الذي أهلّها للحصول على شهادة اعتماد ميسّر ممارس في برنامج تعليم وتعلّم التفكير الفلسفي (P4C) للمهتمين بالسنوات المبكرة (ملحق رقم 2)، بالإضافة إلى شهادة اعتماد ميسّر ممارس في برنامج المستوى التأسيسي لتعليم التفكير الفلسفي (P4C) (ملحق رقم 3). وتعكس هذه الخبرة العملية الجاهزية المهنية للباحثة لتطبيق البرنامج في البيئة المدرسية، وربط النظرية بالتطبيق الفعلي.
أهداف الدراسة:
تتطلع الدراسة الى تحقيق الهدف الاتي:
- استكشاف أثر تطبيق جلسات التفكير الفلسفي باستخدام القصص والصور على تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي والحوار لدى الأطفال.
أهمية الدراسة:
تتمثل أهمية الدراسة فيما يلي:
- تبرز أهمية الدراسة من مرحلة الطفولة المبكرة، التي تشكّل شخصية الطفل وتساعد في بناء مهاراته المعرفية والاجتماعية الأولى.
- يتوقع أن تسهم الدراسة في إثراء المكتبة العربية بالبحوث النوعية التي تستكشف أثر تطبيق جلسات التفكير الفلسفي (P4C) باستخدام القصص والصور على تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي والحوار لدى الأطفال، نظرًا لندرة الدراسات العربية هذا المجال.
- قد تفتح الدراسة المجال أمام الباحثين لإجراء دراسات مستقبلية حول تطبيقات التفكير الفلسفي للأطفال في بيئات تعليمية عربية متنوعة.
- تبرز أهمية الدراسة في دعم أهداف التعليم المبكر وتحقيق رؤية المملكة 2030م لتحسين جودة التعليم عبر تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي والحوار لدى الأطفال في مرحلة الطفولة المبكرة.
- قد تسهم نتائج الدراسة وتوصياتها في إرشاد معلمات رياض الأطفال نحو تبني أساليب تربوية فعّالة لإدارة الحوار الفلسفي وتحفيز التفكير النقدي والإبداعي لدى الأطفال.
- يتوقع أن تفيد نتائج الدراسة المشرفين التربويين صناع القرار في تطوير برامج تدريبية تدعم المعلمات في تطبيق جلسات P4C بفعالية وتذليل التحديات المرتبطة بها.
حدود الدراسة:
الحدود الموضوعية: تركز هذه الدراسة على استكشاف أثر تطبيق جلسات التفكير الفلسفي (P4C) باستخدام القصص والصور في تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي والحوار في مرحلة رياض الأطفال دون التوسع في مراحل عمرية أخرى وذلك في بيئة تعليمية عربية. وتجدر الإشارة إلى أن دراسة الزهراني والمطيري (2023) أظهرت تأثير تطبيق (P4C) على تنمية المهارات غير المعرفية لدى الطلاب في المدارس الحكومية السعودية، مما يؤكد أهمية تطبيق هذا البرنامج في بيئات تعليمية عربية.
الحدود المكانية: طُبقت الدراسة في روضة حكاية غرس الاهلية، نظرًا لأنها مقر عمل الباحثة ولان الروضة أبدت استعدادًا وتعاونًا في المشاركة بما يسهم في تحقيق هدف الدراسة والمتمثل في استكشاف أثر تطبيق جلسات التفكير الفلسفي P4Cباستخدام القصص والصور على تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي والحوار لدى الأطفال.
الحدود الزمانية: الفصل الدراسي الأول من العام 1447ه
الإطار التطبيقي للدراسة
اولًا: منهج الدراسة:
استخدمت الدراسة المنهج النوعي التفسيري (Interpretive Qualitative Approach)، لملاءمته في استكشاف الظواهر التربوية وفهم المعاني والسياقات التي يبنيها الأطفال أثناء المشاركة في جلسات التفكير الفلسفي (P4C). ويتيح هذا المنهج دراسة استجابات الأطفال بصورة معمقة، مما يساعد على رصد كيفية تطور مهارات التساؤل والحوار والتفكير النقدي والإبداعي عبر التفاعل المباشر مع القصص والصور في إطار مجتمع التساؤل (Community of Inquiry).
وقد أوضح كريسويل (Creswell, 2013) أن البحث النوعي يُعنى بفهم التجارب الإنسانية في سياقها الطبيعي، مع التركيز على المعاني التي يضفيها المشاركون على خبراتهم. كما أن المنهج التفسيري مناسب لتحليل الحوار والتفاعلات الصفية التي تتسم بالتعقيد (Merriam & Tisdell, 2016).
ثانيًا: تصميم الدراسة:
اعتمدت الدراسة تصميم دراسة الحالة (Case Study Design)، إذ ركزت الباحثة على مجموعة محددة من الأطفال في مرحلة رياض الأطفال بروضة حكاية غرس الأهلية بمدينة الرياض، خلال الفصل الدراسي الأول من العام 1447هـ.. ويُعَد هذا التصميم مناسبًا لفهم الظاهرة في سياقها الواقعي وتحليلها بعمق (Yin, 2018).
ثالثًا: مجتمع الدراسة وعينتها:
شمل مجتمع الدراسة جميع الأطفال الملتحقين بروضة حكاية غرس الأهلية، بينما اقتصرت عينة الدراسة على ثمانية أطفال أربعة إناث وأربعة ذكور تراوحت أعمارهم بين (4–6 سنوات). وقد جرى اختيار العينة باستخدام أسلوب العينة القَصْدية (Purposive Sampling)، حيث جرى تحديد المشاركين بناءً على معايير محددة، أبرزها:
- أن يكون الأطفال في مرحلة رياض الأطفال.
- الالتزام بالمشاركة المنتظمة في جلسات التفكير الفلسفي.
- الحصول على موافقة إدارة الروضة وأولياء الأمور على مشاركة أطفالهم.
اختيرت العينة المكونة من ٨ أطفال نظرًا للطابع الاستكشافي للدراسة، ولضمان إمكانية متابعة كل طفل بدقة خلال جلسات التفكير الفلسفي. كما أن قيود الوقت وصعوبة الوصول إلى عدد أكبر من الأطفال في نفس المرحلة العمرية ساهمت في تحديد حجم العينة بهذا الشكل على الرغم من صغر حجم العينة، فإنها توفر بيانات نوعية غنية تسهم في فهم الظاهرة المدروسة بشكل معمّق.
وقد أشار باتون (Patton, 2015) إلى أن العينة القصدية تعد الأنسب في الدراسات النوعية، إذ تسمح باختيار الحالات الأكثر إفادة في فهم الظاهرة.
رابعًا: أدوات جمع البيانات:
استخدمت الباحثة أدوات متنوعة لضمان ثراء البيانات وتكاملها، شملت:
- الملاحظة الصفية: تم توثيق الحوارات والأسئلة والتعليقات التي أبداها الأطفال أثناء الجلسات.
- التسجيلات الصوتية والمرئية: لتمكين التحليل الدقيق للتفاعلات اللفظية وغير اللفظية.
- القصص والصور وأوراق العمل الفلسفية: استخدمت كمحفزات للتساؤل والنقاش.
- مذكرات الباحثة (Research Journal): لتسجيل الملاحظات الانعكاسية والانطباعات بعد كل جلسة.
خامسًا: إجراءات الدراسة:
- إعداد خطة لتطبيق (12) جلسة فلسفية مع الأطفال، نُفذت على مدار ستة أسابيع بواقع جلستين اسبوعيًا، وتبلغ مدة الجلسة (45) دقيقة.
- تقديم القصص والصور كمدخل للحوار الفلسفي.
- إدارة الجلسات وفق نموذج مجتمع التساؤل، بحيث يكون الأطفال محور النقاش والمعلمة ميسّرة للتفكير.
- توثيق التفاعلات باستخدام الأدوات السابقة تمهيدًا للتحليل.
سادسًا: تحليل البيانات:
اعتمدت الدراسة على التحليل الموضوعي (Thematic Analysis) كما صاغه براون وكلارك (Braun & Clarke, 2006)، وذلك عبر:
- الترميز (Coding) لاستخلاص الوحدات الدلالية.
- تصنيف البيانات ضمن موضوعات رئيسية وفرعية.
- تفسير النتائج في ضوء الأدبيات السابقة وسياق الدراسة.
تم تسجيل جميع الجلسات صوتيًا بعد الحصول على موافقة أولياء الأمور، ثم جرى تفريغ التسجيلات نصيًا بدقة. وبعد ذلك، استخدمت الباحثة التحليل الموضوعي حيث بدأت بالترميز المفتوح؛ لاستخلاص العبارات الدالة التي عبّر بها الأطفال عن أفكارهم ومشاعرهم. فعلى سبيل المثال، قول أحد الأطفال أثناء مناقشة قصة الأرنب والسلحفاة: “لو الأرنب ما نام كان هو اللي فاز، غلط لأنه ما خطط كويس”، صنّف تحت فئات أولية مثل: التخطيط – التفكير المنطقي – ربط السبب بالنتيجة. في المقابل تعليق طفلة أخرى: “أنا أحب السلحفاة عشان صبرت لما ضحكوا عليها وفازت”، صُنّف ضمن فئات مثل: القيم – الصبر – المشاعر الإنسانية.
وبعد تجميع الرموز المتشابهة، استخدمت الباحثة الترميز المحوري لدمج الفئات المتقاربة في محاور رئيسية مثل: التفكير النقدي، التفكير التعاطفي، مهارات الحوار، القيم الاجتماعية. فعلى سبيل المثال، تعليقات الأطفال حول مشاعر الطفل الحزين في الصورة، مثل: “شكل الولد تعبان وراح يبكي” و*“يمكن رابح للمدرسة والشنطة ثقيلة عليه”*، اندرجت تحت محور: التعاطف وفهم المشاعر. بينما العبارات حول العدالة وتقاسم الألعاب، مثل: “العدل يعني ما نأخذ اللعبة إلا إذا قالت صديقتي إيه”, اندرجت تحت محور: القيم الأخلاقية والعدالة.
استطاعت الباحثة تنظيم البيانات المتفرقة وتحويلها إلى شبكة مترابطة من المعاني والدلالات؛ مما عزّز موثوقية التحليل وعمقه. وقد تحقّق ذلك عبر مقارنة التسجيلات الصوتية بالملاحظات الصفّية، إضافةً إلى مراجعة إجراءات الترميز وتدقيقها بشكل متكرر. أتاح هذا الأسلوب تفسير النتائج في ضوء أهداف الدراسة. ويُعد التحليل الموضوعي من أكثر أساليب التحليل النوعي مرونةً، إذ يُمكّن الباحث من الكشف عن الأنماط المشتركة والفروق الدقيقة في البيانات (Nowell et al., 2017).
سابعًا: الجوانب الأخلاقية:
- الحصول على موافقة خطية من إدارة الروضة وأولياء الأمور.
- الالتزام بسرية المعلومات وحماية هوية الأطفال المشاركين.
- استخدام البيانات لأغراض البحث العلمي فقط.
دور الباحثة:
في هذه الدراسة لعبت الباحثة دور الميسّرة والمحللة في الوقت ذاته وكانت على وعي بأن خلفيتها المعرفية وخبرتها العملية قد تؤثر على تفسير النصوص واستخراج الرموز المفتاحية ولتقليل أي تحيز، اعتمدت الباحثة على عدة استراتيجيات:
– التدوين الميداني: تسجيل الأفكار والانطباعات الشخصية أثناء جلسات التفريغ النصي لمراجعتها لاحقًا والتفريق بين الانطباعات الشخصية وبيانات المشاركين.
– التحقق المتبادل: مشاركة الترميزات المبدئية مع زملاء أو مشرفين للتأكد من أن الرموز تعكس محتوى الأطفال بدقة وليس تفسير الباحثة الشخصي فقط.
– الالتزام بالمنهجية: الالتزام بخطوات الترميز المفتوح بشكل دقيق لتقليل التأثير الذاتي على تصنيف البيانات.
– التأمل الذاتي: مراجعة القرارات البحثية وتحليل المرجعية الثقافية والمعرفية على فهم المشاركين والتفسيرات المستخلصة.
ومن خلال هذه الإجراءات حرصت الباحثة على الاعتراف بدورها في جمع البيانات وتحليلها، لتعزيز مصداقية النتائج وحيادها النسبي.
ثامنًا: وصف بيئة الدراسة:
أُجريت الدراسة في روضة حكاية غرس الأهلية بمدينة الرياض، وهي بيئة تعليمية مزوّدة بفصول حديثة وأركان تعليمية، تركز على تنمية مهارات التفكير والإبداع إلى جانب المعارف الاكاديمية. وقد وفرت الروضة بيئة آمنة ومحفزة، مما ساعد على إنجاح تطبيق جلسات (P4C) وتحقيق أهداف البحث.
نتائج الدراسة وتفسيرها ومناقشتها
يتناول هذا المحور عرض نتائج الدراسة المتوصل إليها من خلال تطبيق جلسات التفكير الفلسفي (P4C) على عينة من الأطفال (4–6 سنوات) في مرحلة رياض الأطفال. وقد جرى تقسيم النتائج وتحليلها في ضوء الأدوات التعليمية المستخدمة في الجلسات، وهي: القصص، الصور، الأدوات المكتوبة (الأسئلة والبطاقات). بعد ذلك جرى تفسير النتائج وربطها بالدراسات السابقة، وصولًا إلى مناقشة أشمل تتضمن استنتاجات وتوصيات مستقبلية.
أولًا: نتائج الجلسات المعتمدة على القصص:
- أظهرت استجابات الأطفال خلال جلسات التفكير الفلسفي تفاعلًا ملحوظًا مع القصص، حيث برزت قدرتهم على طرح أسئلة مفتوحة مثل: تساؤل أحد الاطفال: “هل ممكن يكون عندنا صديق من غير ما نشوفه؟”.
- عبّر الأطفال عن قيم ومشاعر مرتبطة بأحداث القصة، مثل قول أحدهم: “أنا ما أحب الكذب مثل الولد في القصة.”
- تشير هذه النتائج إلى أن القصة شكلت مدخلًا فعالًا لتعزيز التساؤل الفلسفي، وهو ما يتسق مع ما ذهب إليه ليبمان (Lipman, 2003) حول دور الأدب القصصي في إيقاظ التفكّر (Reflective Thinking) لدى الأطفال. وتتفق مع ما أشار إليه كل من دراسة Trickey & Topping (2007) بشأن تحسن التفكير النقدي والحوار لدى الأطفال المشاركين في جلسات (P4C). كما تدعمها دراسة الدليمي (2017) التي أكدت فاعلية جلسات الفلسفة مع الأطفال في تنمية التفكير الناقد لدى الأطفال. وأظهرت نتائجها دور القصة في تحفيز الفضول وتنمية الحوار والتفكير الفلسفي لدى الأطفال، غير أن بعض الدراسات قدّمت نتائج متباينة. فقد وجدت دراسة (2012) Hargrave & Sénéchal أن استخدام القصص المصورة لا يؤدي دائمًا إلى تطوير التفكير النقدي، إذ يقتصر أثرها أحيانًا على تحسين المفردات اللغوية فقط دون تعميق الفهم الفلسفي. كما أشارت دراسة Martens (2016) إلى أن بعض الأطفال ينشغلون بالأحداث الخيالية للقصة أو يتأثرون عاطفيًا بالشخصيات مما يعيق مشاركتهم في نقاشات عقلانية معمّقة.
وترى الباحثة أن فاعلية القصة في تنمية التفكير الناقد عند الأطفال ليست أمرًا مسلمًا به، بل تتوقف على طريقة توظيفها داخل جلسات الحوار الفلسفي بحيث تبقى وسيلة قوية لتوليد الفضول وفتح باب الحوار الفلسفي، كما تخضع لقدرة الميسر على توجيه الجلسات بعيدًا عن الانشغال بالتفاصيل السردية وتحتاج إلى اختيار دقيق للنصوص وتهيئة أسئلة محفّزة لتوجيه الأطفال نحو التفكير النقدي. من الضروري أن توازن الميسرة بين الجانب الخيالي والجوانب التحليلية للقصة، وأن تتابع استجابات الأطفال لضمان مشاركة الجميع وعدم الانغماس فقط في الأحداث العاطفية أو الخيالية وهذا يعكس أن فاعلية القصة أداة فلسفية ليست ثابتة، بل تتحدد بعوامل عدة مثل: طبيعة النص المختار، ومستوى النضج المعرفي للأطفال، وطريقة عرض القصة داخل الصف.
- كشفت النتائج عن وجود تباين بين الجنسين، حيث أبدت الإناث قدرة أعلى على التعبير عن المشاعر، بينما ركز الذكور بدرجة أكبر على الحلول العملية للمشكلات.
ثانيًا: نتائج الجلسات المعتمدة على الصور:
- ساعدت الصور على إثارة الفضول البصري والفكري لدى الأطفال حيث لاحظوا تفاصيل دقيقة وأعادوا تفسيرها وفق خبراتهم اليومية.
- قال أحد الأطفال: “ليش الولد بالصورة زعلان وهو عنده لعبة؟” مما يعكس وعيًا مبكرًا بمفهوم المشاعر المعقدة.
- تتوافق هذه النتائج مع ما توصلت إليه دراسة Fisher (2013) التي أكدت أن الحوار الفلسفي باستخدام الصور ينمّي القدرة على الملاحظة والتفكير النقدي. ومع دراسة Daniel & Auriac (2011) التي بينت أن جلسات (P4C) تعزز التفكير التأملي والقيم الاجتماعية مثل التعاون والتسامح. كما تتسق مع ملاحظات الزهراني والمطيري (2023) حول تطوير المهارات غير المعرفية مثل التواصل وحل المشكلات. وعلى الرغم من أن نتائج هذه الدراسة أظهرت أثرًا إيجابيًا لاستخدام الصور في تنمية التفكير الفلسفي لدى الأطفال، إلا أن بعض الدراسات توصلت إلى نتائج مختلفة؛ إذ أشار Smith & Goldsworthy (2018) إلى أن الاعتماد المفرط على الصور قد يؤدي أحيانًا إلى تشتيت الانتباه عند الأطفال، حيث ينشغلون بالتفاصيل الشكلية والجمالية بدلًا من الدخول في حوارات معمّقة. كما أوضحت دراسة Miller (2019) أن تأثير الوسائط البصرية ليس موحّدًا لدى جميع الأطفال، بل يتفاوت تبعًا لاختلاف أنماط التعلم، حيث أظهر بعض الأطفال ذوي التوجهات السمعية أو الحركية استجابة أقل فاعلية مقارنة بنظرائهم من ذوي التوجهات البصرية.
وعليه يمكن القول أن توظيف الصور كأداة فلسفية فعالًا بشكل عام، غير أن هذا التوظيف يتطلب دمجه مع استراتيجيات تعليمية متنوعة تراعي الفروق الفردية بين الأطفال. ويفترض أن تقدم الصور بوصفها محفزًا للتساؤل لا غاية في ذاتها مع إرفاقها
بأسئلة ارشادية تشجع الأطفال على التحليل والمقارنة، لضمان توجيه الانتباه نحو التفكير النقدي بدلاً من الانشغال بالجوانب الشكلية.
- أظهرت النتائج وجود الفروق بين الجنسين، حيث أبدعت الإناث في إثراء الأنشطة بعناصر خيالية وإبداعية، بينما الذكور ركزوا على التحليل الواقعي والمنطقي للمواقف المطروحة.
ثالثًا: نتائج الجلسات المعتمدة على الأدوات المكتوبة (البطاقات والأسئلة):
- ساهمت الأدوات المكتوبة في تنظيم الحوار، حيث تعلم الأطفال انتظار دورهم واحترام آراء الآخرين. مثال: قول طفلة: “أنا لازم أسمع صديقتي أول بعدين أقول أنا.”
- عززت البطاقات والأنشطة المكتوبة مهارات الربط بين المفهوم والتجربة، كما يظهر من قول الطفلة مثل: “العدل يعني ما نأخذ اللعبة إلا إذا قالت صديقتي إيه.”
- تتفق هذه النتائج مع ما أشار إليه الزهراني والمطيري (٢٠٢٣) حول دور الأدوات الصفية المنظمة في دعم الحوار الفلسفي للأطفال. وتعكس هذه النتائج ما ذكره Murris (2016) حول أهمية P4C)) في تعزيز مشاركة الأطفال العميقة والتفكير النقدي. وتتوافق مع دراسة الشريف (2019) التي أظهرت دور جلسات P4C)) في تحسين مهارات الحوار لدى الأطفال.
- ومع ذلك، فإن نتائج هذه الدراسة لا تتفق كليًا مع ما توصلت إليه بعض الأبحاث السابقة. فقد أشارت دراسة Johnson & Wade (2017) إلى أن استخدام الأنشطة التطبيقية المنظمة مثل البطاقات والأسئلة قد يحدّ أحيانًا من العفوية والتلقائية في الحوار، حيث ينشغل الأطفال بتطبيق التعليمات بدلًا من توليد أفكار إبداعية جديدة. كما أوضحت دراسة Nguyen (2020) أن بعض الأطفال الذين يواجهون صعوبات في القراءة أو الكتابة شعروا بالإحباط أثناء الأنشطة الكتابية، مما قلل من مشاركتهم في الحوار الجماعي. وهذا يوضح أن فاعلية الأنشطة التطبيقية قد تختلف باختلاف القدرات الفردية للأطفال وطرق تقديمها داخل الصف..
وترى الباحثة أن الأنشطة التطبيقية تظل أداة مهمة لتوجيه النقاش وتنمية التفكير المنظم، لكنها تتطلب مرونة في التنفيذ. فمن الضروري تعديل مستوى التعقيد والتنوع في الأنشطة بحيث تتناسب مع قدرات الأطفال المختلفة، مع ترك مساحة للعفوية والتعبير الحر. كما أن دمج الأنشطة الكتابية مع أنشطة شفهية وحركية يمكن أن يقلل من إحباط الأطفال الذين يواجهون صعوبات في القراءة والكتابة، ويعزز مشاركتهم الفعالة في التعلم.
- الفروق بين الجنسين: الإناث أظهرن قدرة أعلى في صياغة الأسئلة، بينما ركز الذكورعلى تحليل الإجابات والتفسير المنطقي.
هذه الفروق تدعم نتائج الدراسات العربية مثل الديلمي (2017)، الشريف (2019)، الزهراني والمطيري (2023) التي لاحظت اختلاف أساليب التفكير والتفاعل بين الجنسين.
الفروق بين الذكور والإناث في جلسات التفكير الفلسفي (P4C)

أظهرت النتائج وجود فروق بين استجابات الذكور والإناث في جلسات التفكير الفلسفي. فقد كان الذكور أكثر ميلاً نحو التفكير التحليلي والمنطقي، كما يتضح من تعليق أحد الأطفال على قصة “الأرنب والسلحفاة”: “لو الأرنب ما نام كان هو اللي فاز، غلط لأنه ما خطط كويس”. إذ ركزوا على الحلول العملية عند مواجهة المواقف الواقعية، مثل قول أحد الأطفال عند مشاهدة طفل يحمل حقيبة ثقيلة: “يحتاج أحد يساعده”.
فيما مال الإناث نحو التفكير العاطفي والاجتماعي مع التركيز على مشاعر الآخرين فقد قالت إحدى الفتيات تعليقًا على نفس القصة: “أنا أحب السلحفاة عشان صبرت لما ضحكوا عليها وفازت”. وعند مشاهدة الطفل الحزين، علقن: “شكل الولد تعبان وراح يبكي”. وكذلك عند مواجهة موقف العثور على لعبة في الملعب قالت إحدى الفتيات: “ارجعها لصديقتي بسرعة عشان ما تزعل”.
وبناءً على ذلك يمكن القول أن استجابات الذكور تميل إلى التحليل المنطقي، بينما تميل استجابات الإناث إلى التعاطف والانتباه للعلاقات الشخصية والمشاعر، مما يعكس اختلاف نمط التفكير والتفاعل الاجتماعي بين الجنسين في جلسات التفكير الفلسفي.
بينت نتائج هذه الدراسة وجود فروق بين الذكور والإناث في أنماط التفكير خلال جلسات الفلسفة للأطفال، إلا أن بعض الدراسات السابقة لم تجد مثل هذه الفروق. فقد أشارت دراسة Topping & Trickey (2007) إلى أن تطبيق برنامج الفلسفة للأطفال (P4C) أسهم في تنمية مهارات التفكير النقدي لدى الجنسين على حد سواء دون ظهور فروق دالة إحصائيًا بين الذكور والإناث. كما توصلت دراسة Gorard, Siddiqui, & See (2015) إلى أن الفروق بين الجنسين في التفكير الفلسفي لا تظهر بشكل ثابت، بل قد تتأثر بمتغيرات أخرى مثل خبرات الأطفال السابقة أو أساليب المعلمين، مما يعني أن الفروق المرتبطة بالنوع الاجتماعي ليست حتمية في هذا المجال.
لوحظ أن الفروق بين الذكور والإناث في التفكير الفلسفي قد تكون نسبية وتعتمد على سياق الصف وأساليب المعلم، وليست قاعدة ثابتة. لذا، ينبغي التركيز على دعم جميع الأطفال وتشجيعهم على المشاركة بغض النظر عن النوع الاجتماعي، مع مراعاة الفروق الفردية في أسلوب التفكير والتعبير، لضمان تحقيق أقصى استفادة من جلسات التفكير الفلسفي لكل طفل.
تشير نتائج الدراسة إلى أن أثر جلسات التفكير الفلسفي لم تقتصر على بيئة الصف، بل امتدت إلى المنزل، حيث تواصل عدد من أولياء الأمور مع الميسّرة وأفادوا بما لاحظوه من تغيّر في سلوك أطفالهم. فقد ذكر بعضهم أن أبناءهم أصبحوا أكثر ميلًا إلى طرح الأسئلة الفلسفية خلال المواقف اليومية، مثل التساؤل عن سبب حدوث الأشياء أو النقاش حول العدالة والمشاركة. كما أشار آخرون إلى تحسّن قدرة أطفالهم على الاستماع للآخرين وتقبل وجهات النظر المختلفة داخل الأسرة، مما يعكس انتقال أثر الجلسات من المدرسة إلى الحياة اليومية للأطفال.
ترى الباحثة أن انتقال أثر جلسات التفكير الفلسفي إلى المنزل يعد مؤشرًا قويًا على فعالية البرنامج وعمق تأثيره على سلوك الأطفال. هذا يعكس قدرة الجلسات على تعزيز مهارات التفكير النقدي والاجتماعي بطريقة طبيعية ومستدامة، ويؤكد أهمية تواصل الأسرة مع المدرسة لدعم تطوير هذه المهارات، بالإضافة إلى إمكانية تصميم أنشطة ممتدة بين المنزل والمدرسة لتعزيز أثر التعلم الفلسفي.
تجلى للباحثة من خلال تجربتها في تطبيق برنامج التفكير الفلسفي (P4C) مع عينة من أطفال مرحلة رياض الأطفال عن آفاق جديدة للتعلم في البيئة المدرسية. وقد برهنت التجربة أن الأطفال على رغم حداثة أعمارهم يمتلكون قدرات تأملية وفكرية كامنة يمكن تعزيزها عندما تتوفر لهم بيئة حوارية آمنة تحتضن فضولهم الطبيعي وتوجهه بأسلوب منهجي.
ومن واقع إشراف الباحثة المباشر على الجلسات تبيّن أن بناء “مجتمع تساؤل” داخل الصف الدراسي لا يقتصر على كونه أداة تعليمية، بل يتجاوز ذلك ليشكل فضاءً تربويًا متكاملًا؛ فضاء يعزز قيم التعاون والاحترام المتبادل، وينمّي في الوقت ذاته مهارات الإصغاء والتفكير النقدي والإبداعي لدى الأطفال.
أظهرت نتائج الدراسة تحسنًا ملحوظًا في مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الأطفال بعد تطبيق البرنامج، حيث ارتفعت قدرتهم على طرح الأسئلة، وتقديم التفسيرات، ومناقشة آراء زملائهم بمرونة واحترام. كما برزت قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم وفهم وجهات النظر المختلفة، وهو ما يعكس أثر البرنامج في تهيئة بيئة صفية آمنة تشجع على الحوار والتفكير الحر. وتعد هذه النتيجة محورية لأنها تؤكد دور البرامج القائمة على الفلسفة للأطفال في تنمية مهارات التفكير العليا، التي تمثل ركيزة أساسية في تحسين مخرجات التعليم وإعداد الأطفال لمتطلبات التعلم في المراحل اللاحقة.
لوحظ أن تنوع الأدوات المستخدمة بين القصص والصور والأنشطة الكتابية كان محفزًا لتعدد أنماط التفاعل، مما أكد أهمية مراعاة الفروق الفردية عند تصميم أنشطة البرنامج. وتؤكد الباحثة أن هذه المرونة في التطبيق تمثل أحد عوامل نجاح البرنامج.
وتخلص الدراسة إلى أن تطبيق (P4C) يتجاوز حدود الممارسة الصفية ليشكل منهجًا تربويًا متكاملًا يعيد تشكيل دور المعلمة من ناقلة للمعرفة إلى ميسّرة للتفكير. ويضع الأساس لتنشئة جيل قادر على النقد والابداع والتواصل الفعال. وبذلك يصبح الاستثمار في مثل هذه البرامج منذ الطفولة المبكرة ركيزة جوهرية لإرساء تعليم نوعي يتناغم مع تطلعات رؤية المملكة 2030.
تسهم هذه الدراسة في تقديم إطار عملي لتطبيق برنامج الفلسفة للأطفال (P4C) باستخدام القصص والصور في مرحلة رياض الأطفال، مع إبراز أثره في تنمية مهارات التفكير النقدي والإبداعي لدى الأطفال. كما توفر نتائجها قاعدة عملية يمكن الاستفادة منها في تطوير الممارسات التربوية العربية بما يتناسب مع احتياجات المرحلة المبكرة، وتمهيد الطريق لأبحاث مستقبلية حول توظيف الأساليب التفاعلية لتعزيز مهارات التفكير لدى الأطفال.
الأبعاد العلمية والتطبيقية:
- تؤكد الدراسة أهمية استخدام أدوات متعددة (قصص، صور، بطاقات) في تنمية التفكير الفلسفي والمهارات غير المعرفية للأطفال، وتقدم دليلًا على وجود فروق جنس مرتبطة بأساليب التفكير والتفاعل مما يساهم في إثراء المعرفة البحثية في هذا المجال.
- يمكن للمعلمات الاستفادة من هذه النتائج لتصميم جلسات (P4C) تراعي الفروق الفردية بين الأطفال، وتعزز التفكير النقدي، والتعبير عن المشاعر، وحل المشكلات، وتطوير مهارات الحوار لدى الأطفال بطريقة منظمة وفعّالة.
التحديات والقيود:
- حجم العينة محدود (ثمانية أطفال)، ما يقلل من إمكانية تعميم النتائج على جميع الأطفال في مرحلة رياض الأطفال.
- تأثير التفاعل الجماعي قد يكون له دور في استجابات الأطفال الفردية.
- اختلاف الخبرة السابقة للأطفال في التفكير الفلسفي أو التعرض للقصص والصور قد يؤثر على النتائج.
- محدودية الوقت المخصص لكل جلسة قد تحد من عمق النقاش الفلسفي الذي يمكن للأطفال الوصول إليه.
التوصيات:
في ضوء ما كشفت عنه الدراسة من نتائج، توصي الباحثة بالآتي:
1- ضرورة تطبيق المنهجية الفلسفية داخل المنظومات التعليمية في مرحلة رياض الأطفال؛ نظرًا لفاعليتها في تنمية التفكير النقدي.
2- تشجيع الباحثين على إجراء دراسات مستقبلية تتناول موضوعات متصلة بالتفكير الفلسفي عند الأطفال، وقياس أثره في تطوير الذكاء العاطفي والاجتماعي، مع استقصاء أوجه التباين الناشئة عن اختلاف أدوات التعليم المستخدمة.
3- تأهيل المعلمات والمربين وتدريبهم على استراتيجيات ((P4C؛ بما يكفل إدارة الجلسات الحوارية بكفاءة. لضمان إدارة جلسات حوارية فعالة ومشاركة متوازنة لجميع الأطفال.
4-تعزيز الشراكة مع أولياء الأمور والمجتمع الفلسفي عبر تزويدهم بأنشطة وأدوات مبسطة يمكن للأطفال ممارستها في المنزل، لتعزيز مهارات التفكير الفلسفي خارج الأطر التعليمية.
قائمة المصادر والمراجع
أولًا: المراجع العربية:
الدليمي، ع. (2017م). فاعلية برنامج الفلسفة للأطفال (P4C) في تنمية التفكير الناقد لدى طلبة المرحلة الابتدائية. مجلة كلية التربية، جامعة بغداد، 13(2)، 55–72.
الزهراني، م.، & المطيري، ر. (2023م). أثر برنامج الفلسفة للأطفال (P4C) في تنمية المهارات غير المعرفية لدى طلاب المرحلة الابتدائية. مجلة جامعة أم القرى للعلوم التربوية، 15(1)، 22–45.
الشريف، س. (2019م). أثر برنامج الفلسفة للأطفال في تحسين مهارات الحوار لدى تلاميذ الصفوف الأولية. المجلة التربوية، جامعة الملك سعود، 33(4)، 115–140.
ثانيًا: المراجع الأجنبية:
Braun, V., & Clarke, V. (2006). Using thematic analysis in psychology. Qualitative Research in Psychology, 3(2), 77–101. https://doi.org/10.1191/1478088706qp063oa
Creswell, J. W. (2013). Qualitative inquiry and research design: Choosing among five approaches (3rd ed.). SAGE Publications.
Daniel, M. F., & Auriac, E. (2011). Philosophy, critical thinking and philosophy for children. Educational Philosophy and Theory, 43(5), 415–435. https://doi.org/10.1111/j.1469-5812.2008.00483.x
Education Endowment Foundation. (2015). Philosophy for children: Evaluation report and executive summary. https://educationendowmentfoundation.org.uk/projects-and-evaluation/projects/philosophy-for-children
Fisher, R. (2013). Teaching thinking: Philosophical enquiry in the classroom (3rd ed.). Bloomsbury Publishing.
Gorard, S., Siddiqui, N., & See, B. H. (2015). Philosophy for Children: Evaluation report and executive summary. Education Endowment Foundation.
Hargrave, A. C., & Sénéchal, M. (2012). Book reading interventions with language-delayed preschool children: The benefits of regular storybook reading. Early Childhood Research Quarterly, 27(1), 84–96
Johnson, P., & Wade, R. (2017). Structured tasks and children’s creativity: A classroom paradox. Early Childhood Education Journal, 45(6), 765–778.
Lipman, M. (2003). Thinking in education (2nd ed.). Cambridge University Press.
Lipman, M., Sharp, A. M., & Oscanyan, F. S. (1980). Philosophy in the classroom (2nd ed.). Temple University Press.
Martens, E. (2016). Storytelling in philosophy for children: Between imagination and reasoning. Childhood & Philosophy, 12(24), 189–205.
Merriam, S. B., & Tisdell, E. J. (2016). Qualitative research: A guide to design and implementation (4th ed.). Jossey-Bass.
Miller, J. (2019). Learning styles and visual media in early childhood education: A critical review. Early Childhood Research Quarterly, 47(2), 145–156.
Murris, K. (2016). The philosophy for children curriculum. Routledge.
Nguyen, L. T. (2020). Barriers to participation: Literacy challenges in philosophy for children activities. Journal of Childhood Studies, 45(1), 34–48.
Nowell, L. S., Norris, J. M., White, D. E., & Moules, N. J. (2017). Thematic analysis: Striving to meet the trustworthiness criteria. International Journal of Qualitative Methods, 16(1), 1–13. https://doi.org/10.1177/1609406917733847
Patton, M. Q. (2015). Qualitative research & evaluation methods: Integrating theory and practice (4th ed.). SAGE Publications.
Smith, L., & Goldsworthy, K. (2018). The paradox of pictures: Visual aids and distraction in children’s critical thinking. Journal of Early Childhood Education Research, 7(3), 210–225
Topping, K. J., & Trickey, S. (2007). Collaborative philosophical enquiry for schoolchildren: Cognitive effects at 10–12 years. British Journal of Educational Psychology, 77(2), 271–288.
Trickey, S., & Topping, K. J. (2007). Philosophy for children: A systematic review. British Journal of Educational Psychology, 77(2), 365–380. https://doi.org/10.1348/000709906X105324
Yin, R. K. (2018). Case study research and applications: Design and methods (6th ed.). SAGE Publications.
الملاحق
ملحق رقم (1) إفادة مكتبة الملك فهد الوطنية
ملحق رقم (٢) شهادة اعتماد ميسّر ممارس في برنامج تعليم وتعلّم التفكير الفلسفي (P4C) للمهتمين بالسنوات المبكرة
ملحق رقم (٣) شهادة اعتماد ميسّر ممارس في برنامج المستوى التأسيسي لتعليم التفكير الفلسفي (P4C)
حمل الدراسة
التفكير الفلسفي (P4C) عند الأطفال عبر القصص والصور- دراسة نوعية : إعداد الباحثة | هديل الحارثي