ما هي “الفلسفة”؟ فهم الفلسفة المتداولة في أدبيات تعليم وتعلم الفلسفة في المدارس

الدكتورة لين بوير

الدكتورة كلير آموس

الدكتورة ديبورا ستيفنز

ترجمت المقالة بعد الحصول على الإذن الخطي من المؤلف

Bowyer,L. , Amos,C. and Stevens, D. 2020, ‘What is Philosophy ? Understanding of philosophy circulating in the literature on the teaching and learning of philosophy in schools,’ Journal of philosophy in school, V. 7, pp. 38-67

المركز النيوزيلندي للعلوم والمواطنة

للتواصل: lynne@nzcsc.org

ترجمة: ريم السعيدي

تدقيق: بدرية المرزوقي

ملخص

تستند هذه الورقة إلى مراجعة أدبية للمقالات التي تناقش تدريس الفلسفة وتعلمها في المدارس الابتدائية والثانوية. ويكمن الغرض من هذه المراجعة في الإشارة إلى سؤالين بحثيين:

ما هي الفلسفة؟

ماذا تفعل الفلسفة؟

وتتناول السؤال البحثي الأول – ما هي الفلسفة؟ – من خلال جمع المفاهيم المختلفة لكلمة “فلسفة” المتداولة في أدب الفلسفة.

فقد وجدنا عشرة مفاهيم لماهية الفلسفة التي نشأت من الأدب: الفلسفة كمفهوم تأسيسي؛ الفلسفة كتفكير – مهارة أو تصرف أو ممارسة؛ الفلسفة كطريقة أو عملية؛ الفلسفة كأداة أو وسيلة؛ الفلسفة كمهمة إبداعية؛ الفلسفة كتساؤل؛ الفلسفة كبحث عن الحقيقة؛ الفلسفة كتعليم غير دوغمائية وبالتالي تحرير الفكر؛ الفلسفة كنشاط مجتمعي؛ الفلسفة كأسلوب حياة. وكانت هذه المفاهيم العشر هي السائدة آنذاك. فمنذ أن بدأت الكتابة في هذا المجال في السبعينات وحتى يومنا هذا، تأثر الكثير من المنظّرين المهتمين بالمجال بالمفاهيم المختلفة عن ماهية الفلسفة في كتاباتهم.

كلمات مفتاحية

النشاط المجتمعي، والإبداع، والتساؤل، والتفسيرات المتعددة، والتفكير، وطريقة الحياة

مقدمة

منذ ١٩٧٠، كانت هناك دعوات لتدريس الفلسفة في المدارس الابتدائية والثانوية في عدد من البلدان، ونادى رواد هذه الدعوات بالتفكير في عدد من الادعاءات منها ما يتعلق بالسبب المحرك لرغبتنا في التفكير بهذا الموضوع؛ فأجرى المركز النيوزيلندي للعلوم والمواطنة مراجعة أدبية للمقالات التي تناقش تدريس الفلسفة وتعلمها في المدارس الابتدائية والثانوية. والغرض منها هو معالجة سؤالين بحثيين:

ما هي الفلسفة؟

ماذا تفعل الفلسفة؟

فيما يتعلق بالسؤال الأول – ما هي الفلسفة؟ – جمع البحث بين المفاهيم المختلفة لكلمة “فلسفة” المتداولة في الأدب.

فيما يتعلق بالسؤال الثاني – ماذا تفعل الفلسفة؟ – جمع البحث مفاهيم أدلى بها المنظّرون المهتمون بالمجال فيما يتعلق بالعمل الذي يقوم به تدريس الفلسفة وتعلمها داخل الصف الدراسي.

وكُتبت هذه المقالة تلبية للاحتياج من قبل المشاركين في مؤتمرات الفلسفة الأسترالية، بما في ذلك الرابطة النيوزيلندية لمعلمي الفلسفة (NZAPT) واتحاد الفلسفة الأسترالية في المدارس (FAPSA). وقبل البدء في هذا المشروع، تواصلنا مع المنظّرين الدوليين في هذا المجال، وسألنا عما إذا كانوا على دراية بمراجعة الأدب هذه التي أجابت عن الأسئلة “ما هي الفلسفة وماذا تفعل الفلسفة؟” لم يكن هؤلاء المنظّرين على علم بأي من هذه المراجعات، واستجابوا بحماس مجمعين بأن هناك حاجة إلى مقالة مراجِعة من هذا النوع وستكون مساهمة قيمة بالنسبة لأدب الفلسفة.

وهذه هي المقالة الأولى من مقالتين تحددان النتائج التي توصلنا إليها. في هذه المقالة نقتصر على السؤال البحثي الأول والعشر مفاهيم لماهية الفلسفة والتي نشأت من الأدبيات المعنية بتدريس وتعلم الفلسفة في المدارس.

كانت هذه العشر مفاهيم هي السائدة منذ بدء الاهتمام بهذا المجال وحتى يومنا هذا. ولذلك اتبعنا المنهج الزمني لكل مفهوم من هذه المفاهيم العشر عند كتابة المراجعة.

بعد وصف نهج البحث، تستعرض هذه الورقة أمثلة على التفسيرات والمفاهيم العشر المتداولة في أدبيات الفلسفة. والنتيجة النهائية هي صورة واحدة دقيقة – منسوجة من التفسيرات التكميلية والمعارضة والمتناقضة في بعض الأحيان. كما لا يهتم المقال بتحديد من هم الأشخاص والمفاهيم التي يعتقدونها بقدر ما يهتم بنقل تنوع هذه التفسيرات في أدب الفلسفة – سواء اعتقدها شخص واحد أو عدة أشخاص، أو وجهات نظر متعددة يحملها شخص واحد. ولذلك، تتماشى هذه المقالة مع الفكرة اليونانية Λόγος (الشعارات)، كتجميع للمفاهيم المتفرقة من أجل توحيد المفهوم الذي يمكن للآخرين الوصول إليه. ولأن هذه المراجعة ستثير آراء الآخرين لمزيد من الأسئلة البحثية، فقد قدمنا أيضا الكثير من النقد وأثرنا أسئلة تشير إلى مجالات أخرى لمزيد من البحث.

المنهج 

تضمنت مراجعة أدب الفلسفة ما يلي: البحث في قاعدة بيانات التعليم في بروكويست ProQuest ، التي تعتبر قاعدة بيانات التعليم الرئيسي؛ وتحديد المواقع الإلكترونية التي تروج لفلسفة التدريس في المدارس؛ والاستماع إلى البودكاست التي تناقش هذا الموضوع؛ وتحديد زاوية المقالات الإعلامية حول تدريس الفلسفة وتعلمها في المدارس الابتدائية والثانوية؛ والتواصل مع الأشخاص الذين يكتبون في هذا المجال. ولم يشِرِ البحث في أدب الفلسفة إلى أطروحات الماجستير والدكتوراه، بل هو مخصص لاستعراض هذه المراجعة. علاوة على ذلك، فإن المراجع المقدمة لدعم كل تفسير لهذه المفاهيم ليست شاملة ولكنها تمثل التفسيرات المتداولة آنذاك.

تضمنت الكلمات والعبارات الرئيسية التي استخدمت في هذا البحث ما يلي: “تدريس الفلسفة في المدارس”؛ “فهم الفلسفة”؛ “مفاهيم الفلسفة”؛ “تفسيرات الفلسفة”؛ “فلسفة الأطفال”؛ “فهم المعلمين” للفلسفة”؛ “دور المعلمون في تعليم الفلسفة” “ومعتقداتهم ” حول الفلسفة؛ “معتقدات الفلسفة”؛ “تفسير المعلم للفلسفة”؛ “تدريس التساؤل الفلسفي”؛ “تدريس الفلسفة للأطفال”؛ “التفكير النقدي”؛

_____________________________

١استخدمنا كلمتي “المفاهيم” و”التفسيرات” بمعنى مختلف لكلٍ منهما، مع الاعتراف بالحركة التأويلية المشتركة بين هذين النشاطين.

“ماذا نقصد بالفلسفة؟” جُمع ما يقرب ٢٠٠٠ نص ثم قُرأت ملخصاتها. ومن خلال عملية القراءة هذه، تمت تصفية النصوص التي تناولت أسئلة البحث. وتضييق مجال البحث إلى ما يقرب من ١٦٠ نص، والتي تمت قراءتها وتحليلها بشكلٍ شامل. وانبثقت عن هذه العملية ستة وخمسون نصا تحتوي على مواد من شأنها أن تعالج أسئلة البحث بشكل أكثر دقة. ومن المتعارف عليه أن هذه العملية، والتي تطلبت حكماً من جانبنا كقراء في تحديد ما إذا كان الملخص مؤشراً على المحتوى المناسب للتحليل المتعمق أم لا، هي خاصة بهذه المراجعة فقط.

ما هي “الفلسفة”؟

نشأت عشرة مفاهيم لماهية الفلسفة من مراجعة الأدب الذي يهتم بتدريس الفلسفة وتعلمها في المدارس. وهي كالتالي:

 1. الفلسفة كمفهوم تأسيسي

2. الفلسفة كتفكير – مهارة، تصرف، ممارسة

3. الفلسفة كطريقة أو عملية

4. الفلسفة كأداة أو وسيلة

5. الفلسفة كمهمة إبداعية

6. الفلسفة كتساؤل

7. الفلسفة كبحث عن الحقيقة

8. الفلسفة كتعليم غير دوغمائي، وبالتالي تحرير الفكر كنشاطٍ مجتمعي

9. الفلسفة كطريقة للحياة

الفلسفة “كمفهوم تأسيسي”

ينظر بعض المنظّرين إلى الفلسفة على أنها مفهوم يدعم مجموعة من التخصصات الفرعية. وبنفس الطريقة التي يمكن بها القول إن كلمة “رياضيات” وجدت التخصصات الفرعية للجبر والهندسة والعدد والإحصاء، ينظر البعض إلى “الفلسفة”

إلى أنها هي المفهوم الأساسي لـِ “الميتافيزيقيا والأخلاق ونظرية المعرفة … المنطق” (Sleeper ١٩٧٨، ص. ٢٣٧).ووفقًا لسليبر (١٩٧٨)، فإن كل تخصص فرعي من التخصصات الفرعية للفلسفة “ضمني … في كل موضوع، وعلى كل مستوى” (ص. ٢٣٧). كما ساهم روبنسون (١٩٩٥) في اتساع أسس الفلسفة، مشيرًا إلى أن “جميع الموضوعات لها بعد تأسيسي فلسفي” (ص. ٧). وبالمثل، يلاحظ فيتزسيمونز (٢٠١٤) أنه يمكن فهم الفلسفة على أنها “التخصص الذي يعيننا على أفضل وجه للتفكير بالتخصصات الأخرى ” (ص. ١٢٣٨). ويعالج بولتون (٢٠١٤) معتقد سليبر بنفس المفهوم، مع إضافة “أنطولوجيا” إلى تلك القائمة (ص. ١٢٤٠).

كما تبنّى كلٌّ من: ماكال و ويجرز McCall and Weijers (٢٠١٧) الفلسفة أساسًا لكل جانب من جوانب الحياة البشرية الجماعية، ويشكل الأساس الذي نبني منه أفكارنا حول الأشياء، ونصدر منه الأحكام، ثم نتصرف على أساسه. وبالنسبة لماكال وويجرز، فإن تمكين الناس من رؤية وفهم الافتراضات الفلسفية الأساسية هو توثيق بالنسبة لهم (ص. ٨٣).

ومع تطور أفكار روبنسون (١٩٩٥) وفيتزسيمونز (٢٠١٤)، يتحدث هاند (٢٠١٨) صراحة عن البعد الفلسفي لمجموعة من المجالات الدراسية، بما في ذلك “الفلسفة الأخلاقية والفلسفة السياسية وفلسفة الدين” (ص. ١٩). كما يوافق سبليتر (٢٠١٩) على أن الفلسفة هي مفهوم يؤسس مجموعة من التخصصات الفرعية، ويعدل قائمة بولتون “للتخصصات الفرعية” للفلسفة، بحيث يشمل “التصنيف المتعارف عليه”: “الميتافيزيقيا والأخلاق والمنطق ونظرية المعرفة وعلم الجمال وفلسفة العلوم والفلسفة السياسية والاجتماعية” (ص. ٨٠-٨١).

وفي الأدب يبدو أن هناك عدة طرق يتم بها استخدام فكرة الفلسفة أساسًا. فبالنسبة إلى بعض المنظّرين  إنها الأساس الذي تنشأ منه صوامع مختلفة (الميتافيزيقيا ونظرية المعرفة وما إلى ذلك). ومجموعة أخرى ترى أنها الهيكل الأساسي الذي يمكننا من التحقيق في مختلف التخصصات مثل “الدين” و”العلم” و”السياسة” وما إلى ذلك. كما يرى البعض أن الفلسفة أساسية بمعنى أنها تدعم قدرتنا على التفكير والتصرف. وبحسب المفهوم الأخير لـِ “الأساسي” يرى (ماكال وويجرز) أن الفلسفة جزء لا يتجزأ من طريقتنا الإنسانية في الوجود ويرتبط بفهم الفلسفة طريقةَ حياة، والتي يتم تناولها بشكل مفصّل لاحقًا في هذه المقالة. في المقابل، ترى المفاهيم السابقة أن الفلسفة مجال مجرد ومتخصص يتم وضعه فوق إنسانيتنا. كما سنرى ما يبرر استكشاف الآثار المترتبة على هذه المفاهيم المختلفة ونوع المحادثات / الحوار حول الحياة التي نحياها

الفلسفة كتفكير – ومهارة، وتصرف، وممارسة

يتحدث بعض المؤلفين عن الفلسفة على أنها “تفكير”، والذي ينظر إليه على أنه مهارة أو تصرف أو ممارسة يمكن شحذها وتحسينها باستمرار. وكمهارة، تهتم الفلسفة “بتنمية مهارات التفكير النقدي من خلال التساؤل والحوار” (Topping & Trickey 2007). أما بالنسبة إلى بعض المؤلفين، فإن الفلسفة مهارة تفكير، وهي مفهوم ينتج عن الجمع بين طرق التفكير المستقلة وأنواع المهارات المستقلة أيضًا. ويرى هانام وايشيفيريا  (٢٠٠٩ Hannam and Echeverria ( إن “مهارات التفكير تحدث من خلال التفاعل بين أربعة “عناصر” رئيسة”، هي:

 1. التفكير النقدي

 2. التفكير الإبداعي

 3. التفكير التعاوني

 4. التفكير الرعائي (المرجع نفسه).

 كما أن هناك أربع “فئات من المهارات”، هي:

  1. مهارات التفكير الجيد
  2. مهارات التساؤل
  3. المهارات المفاهيمية
  4. مهارات الترجمة.

ويبدو أن دانيال وأورياك (٢٠١١) يصنعان “فلسفة” و”تفكيرًا نقديًّا” متميزين، لكنهما يحتجّان بأنهما يستندان إلى نفس المعايير في أن “الفلسفة والتفكير النقدي يقدِّمان التعليل المنطقي والحوار النقدي والشك المنهجي” (ص. ٤٢٠).

وتشير لام (٢٠١٢)  Lamإلى أنه تم تطوير “اختبار نيوجيرسي لمهارات التفكير (NJTRS) من قبل فرجينيا شيبمان لتقييم برنامج الفلسفة للأطفال” (ص ١٨٨)، وربط مفهوم الفلسفة بأشكال التفكير التي يمكن جمعها في اختبار وقياس واحد.

في أدب الفلسفة، يتم تقسيم مفهوم التفكير إلى “أشكال مختلفة من التفكير”، “بما في ذلك التفكير المجازي، والتفكير الاستقرائي، والتفكير المنطقي، والكشف عن الافتراضات الأساسية، وتمييز العلاقات السببية، وتحديد الأسباب “الجيدة”، وإدراك الحكم المشكوك به” (لام ٢٠١٢، ص. ١٨٨).

ويرى بيناد (٢٠١٤) بأنه من خلال الفلسفة يمكن شحذ التصرف في نوع التفكير النقدي، وهذا التفكير “له عناصر من الإبداع والحياد والانعكاسية والثبات” (ص. ١٢٥٤). يتابع بيناد أن “التصرف في التفكير النقدي سيعني أن الفرد لا يأخذ شيئا كأمر مسلَّم به، ويتساءل ويستفسر باستمرار” (ص. ١٢٥٤). كما يشير كام (٢٠١٤) إلى أن “الفلسفة هي تخصص يركِّز بشكل خاص على التفكير، وأنه ينطوي على المفكرين في المراقبة المعرفية لفكرهم الخاص. وأنها ممارسة لعملية التفكير، بمعنى أنها لا تنطوي فقط على التفكير الدقيق في موضوع ما، ولكن التفكير في هذا التفكير، في محاولة لتوجيهه وتحسينه”. وفي ورقته البحثية لعام ٢٠١٨، يبدو أن كام يتحدث عن هذه الممارسة على أنها “التفكير في أعلى مراتبه”

كما يتحدث كلٌّ من: نايت وكولينز (٢٠١٤) أيضًا عن الفلسفة على أنها التفكير، والتي يمكن تحسينه بالممارسة، مشيرَيْن إلى أن الفلسفة لديها “الدقة والعمق وهذا من سمات التفكير الجيد” (ص. ١٢٩١). أما بالنسبة إلى ويبر وولف Weber and Wolf(٢٠١٧) تتجلى هذه الدقة والعمق بأنها عملية تأويلية تتخلص باستمرار من طبقات الافتراضات التي تلتزم بمفاهيمنا وقيمنا ومعتقداتنا (ص. ٨٠). واعترافا بأن “الأسئلة” هي التي تكمن في قلب حوار غني ومدروس، ويشير كلٌّ من: ويبر وولف أيضًا إلى أهمية “التشكيك في السؤال” من أجل سد أعماق التعقيد، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا بالتفكير الفلسفي (ص. ٧٤). ويصف هاند (٢٠١٨) هذه التصرفات بأنها “الفضول والانتباه والصرامة والانفتاح والمثابرة والشجاعة الفكرية” – ممارسات التفكير التي يمكن تطويرها وتحسينها من خلال المشاركة الفلسفية (ص. ٤-٥).

ويرى وينستانلي (٢٠١٨) بأنه من المرجح لـِ “التعبير والتطوير” لمهارات التفكير أن تظهر بشكل خاص من خلال التدريس الفلسفي و “تقل احتمالات ظهورها في مواضيع أخرى” (ص. ١٢١). ويوافق كام على ذلك (٢٠١٨)، فيقول إن التفكير السيئ “هو نقص يمكن للفلسفة – وربما الفلسفة فقط – علاجه” (ص. ٦٩).

في حين يعتقدان هانام وشيفيرا (٢٠٠٩) أن الفلسفة مهارة تتطلب الجمع بين طرق التفكير المستقلة – التفكير النقدي؛ التفكير الإبداعي؛ التفكير التعاوني؛ التفكير الرعائي -ويشير سبليتر (٢٠١٩) إلى الفلسفة للأطفال (P4C)، فيناقش كيف تخلق ممارسة الفلسفة الفرصة لنمذجة أساليب التفكير والتحدث المختلفة، المتمثلةِ في:

  • المفكر المنطقي الصارم
  • المفكر المبدع أو الخيالي
  • المفكر المتعاطف والمهتم
  • المفكر الحذر والمتسائل
  • حتى المفكر المتزمت أو الدوغمائي أو المحكوم بالقوانين” (ص. ٨٠-٨١). ويعتقد سبليتر أنه يمكن دمجها في أسلوب واحد.

وبالنسبة إلى الكثير من المنظّرين فهم ينظرون إلى الفلسفة على أنها تفكير بامتياز. يتضمن هذا التفكير عددًا من “الأنماط” ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتساؤل. كما أنه شيء يمكن تحسينه باستمرار من خلال أشكال محددة من الممارسة، وبالنسبة إلى البعض فإنه يمكن اختباره وقياسه. أما بالنسبة إلى المجموعة الكبرى من المنظّرين فإنهم ينظرون إلى “التفكير” هنا على أنه سعيٌ فكريٌّ، لا يستند إلى سياق معين، ولا علاقة له بالعمل. وعدد غير قليل منهم يجد أن هذا “التفكير” يعتمد أيضًا على مفهوم عقلاني معين لـِ “أن تكون إنسانًا”؛ مخلوق “قيد التطوير” نحو نوع معين من الإنسان الكامل. ومن المهم النظر في الأحكام القيمية الضمنية في هذا، خاصة فيما يتعلق بالطفل في الصف الدراسي. فالتفكير-كما صوَّرته هذه الطريقة- ليس أكثر من أداة للممارسة ستمنح مكانًا في عالمٍ تكنوقراطي وبيروقراطي لأطفالنا عند تطويرها؟ (إذا كانوا ناجحين)

 ما الذي يجعل حديثنا عن “التصرف الفلسفي” ممكنًا على النقيض من حديثنا عن “الفلسفة كمهارة” أو “أسلوب تفكير”؟

الفلسفة كطريقة أو عملية

بالنسبة إلى بعض المنظّرين، فيبدو أنهم يفهمون الفلسفة في المقام الأول على أنها عملية منطقية – طريقة أو نهج يمكن تدريسه وممارسته وتطبيقه. ويعتقد سليبر (١٩٧٨) أن “الفصول الدراسية الفلسفية ستكون مكانًا لاكتشاف واستخدام الأساليب المنطقية لحل المشكلات، وتحديد أنجح الطرق للتوصل إلى استنتاجات والتوصل إلى أحكام تقييمية” (ص.٢٣٩). ويتحدث سبرود (١٩٩٥) عن كيف أن الفلسفة “تشمل الخوارزميات والاستدلال والمواقف والصفات … [إنها] مزيج حكيم” (ص. ٢٤).

ويناقش كلٌّ من: دانيال وأورياك (٢٠١١) كيف يعتنقُ ليبمان أسلوبًا منهجيًّا للتفكير النقدي، واصفَيْن أربع فئات من مهارات التفكير التي تتطور: التصور، والتفكير، والتعميمات، والبحث.

 ويدور هذا النهج حول ثلاثة معايير أساسية:

1. استخدام معايير معينة (لتقييم شروط التعابير)

 2. التصحيح الذاتي (للانخراط في بحث نشط عن الأخطاء الذاتية)

3. الحساسية للسياق (للإقرار بأن السياقات المختلفة تتطلب تطبيقات للقواعد والمبادئ المختلفة) (ص. ٤٢٠).

ومع الأخذ بمفهوم الفلسفة كطريقة أو عملية منهجية، يتحدث ماسا (٢٠١٢) عن “تطبيق طريقة ليبمان” عند مناقشة تدريس الفلسفة (الصفحة ٧٧١، مؤكد ). وعلى نهجه يتحدث بولتون (٢٠١٤) عن “برامج الفلسفة التي تم تقديمها في الفصول الدراسية الابتدائية” (الصفحة ١٢٣٨، مؤكد). يرى كام (٢٠١٨) بأن “إسهامات الفلسفة باختصار ليست مسألة محتوى بقدر ما هي مسألة طريقة” (ص. ٦٩). أما بالنسبة إلى هاند (٢٠١٨) فإن هذه الطريقة تتضمن معالجة “أنواع معينة من المشاكل، وتطوير أشكال معينة من الحجة والتحليل لحلِّها” (ص. ٧).

ويتحدث وينستانلي (٢٠١٨) عن كيفية أن “التجريد جزء من الطريقة الفلسفية” (الصفحة ١٢١، مؤكد). ويوافق وورلي (٢٠١٨) ذلك مشيرًا إلى أن الفلسفة هي عملية منهجية تهتم بـِ “المفاهيم والتفكير في المفاهيم المجردة” (ص. ٨٤).

كما يتحدث هوبز (٢٠١٨) عن كيفية أن نهج الفلسفة اليونانية هو “مصدر تربوي مفيد للغاية” (ص ٢٤، مؤكد)، في حين يعتقد وورلي (٢٠١٨) أن “القيام بالفلسفة الجدلية هو أكثر من مجرد نموذج للتفكير، بل هو أيضا نموذج تربوي لكيفية ممارسة التفكير بشكل جيد” (ص ٨٢، مؤكد).

وبالنسبة إلى المنظّرين الذين ينظرون إلى الفلسفة على أنها طريقة أو عملية، فهم يرون الفلسفة على أنها “شيء” يمكن “تطبيقه” بطريقة إجرائية أو منهجية أو “تقديمه” للطلاب في شكل معدٍّ مسبقًا أوضمن برنامج. كما أن اللغة المستخدمة تنقل الفلسفة – كَـ “شيء” – يمكن أن يتخذ أشكالًا محددَّةً فقط، ويجب على أولئك الذين يرغبون في الانخراط في “الفلسفة” أن يفهموا ويعملوا مع هذه الأشكال المحددة سلفًا؛ حتى تحسب إسهاماتهم كفلسفة. ومن الأسئلة التي ظهرت:

  • هل يُضفي فهمُ الفلسفة كعملية أو طريقةٍ الصفةَ الشرعيةَ على شكل العقلانية المهيمن؟ وهل يُسكت الأصوات الأخرى، أو يستبعد الأفكار التي تحدث بطرق أخرى غير العملية المخطط لها مسبقًا؟
  • هل يؤدي فهم الفلسفة كعملية أو طريقة إلى تهميش التفكير والأفكار التي يتم نقلها بطرق مختلفة عن الشكل المعياري للحجة؟
  • هل تتحول الفلسفة المفهومة هنا إلى عملية أو طريقة دوغمائية؟
  • هل يعتمد هذا النهج في الفلسفة على مفهوم حديث للبحث العلمي، فيتم تحديد ما يمكن “معرفته” وإجراءات مثل هذه “المعرفة” مسبقا؟ إذا كان الأمر كذلك، فما هي القيود والمشاكل المتأصلة في هذا؟

الفلسفة كأداة أو وسيلة

وعلى عكس العملية أو الطريقة، فإن بعض المنظّرين يفهم الفلسفة على أنها أداة أو وسيلة تستخدم في مَهَمَّةٍ معينة. فيقول سبرود (١٩٩٥): إن “المفكر الجيد “أي الشخص الذي “قام” بالفلسفة “يعرف أي “أدوات” من “مجموعة أدواتها” يستخدم ومتى” (ص. ٢٤).

ويشير اليستا (٢٠١١) إلى الفلسفة على أنها شيء يمكن “نشره” “للعمل على الأفراد حتى يتمكنوا من تطوير و/أو اكتساب صفات وقدرات ومهارات معينة” (ص. ٣١٠).

ويشير كلٌّ من: دانيال وأورياك (٢٠١١) إلى التفكير النقدي على أنه “أداة لمواجهة العمليات والأفكار غير المدروسة” (ص. ٤٢٠).

ويقول طومسون ولاشيك (٢٠١٤) عن “أدوات التفكير” للفلسفة (ص. ١٢٣٢)، ويشير ڤانسيلقيم )Vansieleghem ٢٠١٤ ) في الحديث عن فلسفة ليبمان للأطفال – إلى أن “الفلسفة في شكلها النشط فقط هي التي يمكن أن توفر الأدوات التي تمكن الأطفال من التفكير بأنفسهم واتخاذ قراراتهم الخاصة” (ص ١٣٠١، مؤكد). ويوضح هوبز (٢٠١٨) هذا، بحجة أن “اكتساب أدوات منطقية أمر حيوي إذا كان الأطفال سيتعلمون كيفية التفكير والتحليل وطرح أسئلة جيدة” (ص. ٢٥). ومن بين هذه الوسائل و”الأدوات”، يوضح كام (٢٠١٨) أن “الفلسفة لديها إمدادات وافرة” (ص. ٧٢). كما يلاحظان بريور وويلكس (٢٠١٩) أن “التساؤل والاستقصاء الفلسفي يوفران أدوات ممتازة لتوسيع تصورات الطلاب والخبرة والتعلم” (ص. ١٨٩).

وبطريقة مماثلة فإن أولئك الذين ينقلون فكرة الفلسفة كطريقة أو عملية، هم يكتبون عن “تطبيق” نهج معين، أو “تقديم” الفلسفة في الصف الدراسي، أما أولئك الذين ينظرون إلى الفلسفة كأداة، فهم يرونها أيضًا على أنها “شيء”، أو مجموعة من “الأشياء” التي سيتم تنفيذها أو “نشرها” بطريقة منفصلة. ويتم التركيز على الاستخدام الفعال للفلسفة، “المنتشر” للعمل على الأفراد حتى يتمكنوا من تطوير / الحصول على طريقة للوجود تعتبر ذات قيمة. وتشمل الأسئلة التي يمكن طرحها للنظر فيها حول هذا التفسير للفلسفة ما يلي: هل تعزز الفلسفة كأداة فكرة أن الفلسفة مجال مجرد ومتخصص، ولا يمكن للجميع الوصول إليه؟

الفلسفة كمهمة إبداعية

ومن المفاهيم أيضًا ما يعتقد أن الفلسفة مهمة إبداعية. فتذكر شارب (١٩٩٥) أن كلمة فلسفة – من بين عدد من الأشياء الأخرى – تدور حول “التساؤل الجمالي” والعمل على “تفاعل الأطفال في استكشاف القضايا الإشكالية التي تنطوي على العلاقات بين الإبداع الفني والتقدير الجمالي والنقد الجمالي” (ص. ٤٥).

ويؤكد ليبمان (١٩٩٥) هذا التفسير، مدَّعيًا أن التفكير الإبداعي “يشمل الاكتشاف والاختراع، ويتألف من جميع عمليات التساؤل الفنية والعلمية، ويشمل التفكير الإدراكي شكلًا من أشكال الاكتشاف” (ص. ٦١).

أما ليبمان فيقول: لا يوجد سوى تخصص الفلسفة “القادر على تعزيز التطبيق المعياري لهذه الأنواع الواسعة من أساليب التفكير [التي يكون الإبداع واحدًا منها]” (ص. ٦١).

 ويلاحظ دانيال وأورياك (٢٠١١) أن هذه المهمة الإبداعية يمكن أن تتخذ شكلَ “اختراع، وربط، واقتراح البدائل، وإجراء القياسات، وصياغة الفرضيات” (ص. ٤١٨).

ويلاحظ كام (٢٠١٤) أنه كما هو الحال مع جميع المهام الإبداعية الأخرى فإن الفلسفة “هي حالة من التعلم بالممارسة” (ص. ١٢٠٤).

الفلسفة كونها مهمة إبداعية لا تتعلق بالتشبع من “الحقائق” أو العثور على الإجابة “الصحيحة” للمشكلة. ومع مرور الوقت، اتسع مفهوم الإبداع على أيدي المنظّرين ليشمل المدى الحر للفكر، كما هو الحال – على حد تعبير دانيال وأورياك – نخترع ونصنع مجموعات ونتوصل إلى بدائل ونبحث عن طرق للمضي قدمًا.

 ويشير ليبمان إلى معيارية هذا العمل، مع الاعتراف بأن التفكير لا يتجلى على أنه “معرفة” ولكنه قدرة على تمييز الصواب والخطأ، وأن ما نأتي به كما نعتقد له آثار في العالم الحقيقي. لذلك من المهم النظر في: هل يؤدي إضفاء الطابع المؤسسي على الفلسفة -كوسيلة برامجية لإشراك الإبداع- إلى خنق الإبداع؟ هل الطريقة -التي تم بها تطبيق P4C كطريقة مفيدة من قبل بعض الممارسين في الصف الدراسي- تحدُّ وتتعارض مع رؤية ليبمان الأساسية حول ماهية الفلسفة وأهميتها في الصف الدراسي؟

الفلسفة كتساؤلٌ

بالإشارة إلى نموذج فلسفة ليبمان للأطفال (P4C)، يعتقد سليبر (١٩٧٨) أنه من الواضح “أن كل موضوع يمكن تدريسه فلسفياً”. وهنا لا تُفهم الفلسفة على أنها موضوع يتألف أساسًا من “المذاهب المنافسة للفلاسفة المهمين تاريخيًّا، إلى جانب الأساليب التي استخدموها” التي يمكن تدريسها للطلاب، بل “أن الفلسفة هي تخصص للفحص النقدي والتساؤل” (ص. ٢٣٧). ولتخصصها في التساؤل، فإن الفلسفة تهتم بالأسئلة الاستجوابية (ص. ٢٣٧). ويتحدث برويدفريد (١٩٨٨) عن الفلسفة على أنها تهتم “بالتساؤل عن صحة ادعاءات الحقيقة” (ص ٢٩٧)، مما يمكن الناس من الابتعاد “عن التعبير عن الحجج التي ليس لها دليل” (ص. ٢٩٥).

وفي توضيح الفلسفة على أنها تساؤل، ينص إينيس (١٩٩٣) على أن مثل هذا التساؤل ينطوي على “الانفتاح” و “الحكم على مصداقية المصادر، وتحديد الاستنتاجات والأسباب والفرضيات، وتقدير جودة الحجة، وتطوير وجهات النظر والدفاع عنها، وطرح أسئلة توضيحية ذات صلة، والبحث عن الأسباب، واستخلاص استنتاجات قابلة للتطبيق وذات مصداقية” (ص. ١٨٠).

كما تتحدث شارب (١٩٩٥، ص ٤٥) عن خمسة أنواع من التساؤلات والتي تشكل الفلسفة:

  1. التساؤل الأخلاقي: وهو إشراك الأطفال في دراسة القضايا التي تتناول دور القيم والمعايير الأخلاقية في السلوك البشري.
  1. التساؤل الجمالي: وهو إشراك الأطفال في استكشاف القضايا التي تنطوي على الإبداع الفني، والعلاقة بين الإبداع الفني والتقدير الجمالي والنقد الجمالي.
  1. التساؤل الميتافيزيقي: وهو إشراك الأطفال في تحقيق “تعميم أكبر في فهمهم للعالم وطريقة عمله”.
  1. التساؤل المنطقي: وهو إشراك الأطفال في التفكير في التفكير، بما في ذلك التفكير في “قواعد التساؤل”
  1. التساؤل المعرفي: وهو إشراك الأطفال في أسئلة مثل “ما الذي يصح؟” و “ما هي العلاقة بين الحقيقة والمعنى؟

وتتحدث شارب (١٩٩٥) أيضا عن دور التساؤل في دراسة المفاهيم – على سبيل المثال، مفاهيم “العدالة والشخصية والحرية والديمقراطية والخير والحقيقة والصداقة والذات والهوية” (ص ٤٦)، مشيرًا إلى أن الفلسفة تشجع المتعلمين على “التعرف بأنفسهم على الافتراضات الأساسية لهذه المفاهيم” (ص. ٤٦). ويتبع فانسيليغيم نهج شارب (٢٠١٤) موضحًا ” الافتراضات والآثار الأساسية” لـِ “تفسيراتنا وحججنا” (ص. ٤١). وبنفس القدر ” للتساؤل في المشاكل والقضايا الإنسانية الأساسية، حيث تخضع جميع المفاهيم العامة التي تحرك المجتمع للتدقيق” (كام ٢٠١٤، ص. ١٢٠٥).

وبغضِّ النظر عن الخصائص المحددة للتساؤل المثار، يعتقد ميليت وتابر  Millett and Tapper( ٢٠١٤) أن التساؤل يوفر “رؤى جميلة حول التفكير الغني الذي يستطيع الأطفال القيام به عندما يتحدثون ويستمعون إلى بعضهم بعضًا، سعيًا لتحقيق الوضوح المفاهيمي” (ص. ١٢١٦). أما بالنسبة إلى بورغ (٢٠١٨)، فإن أعظم قوة تعليمية في الفلسفة هي “علم أصول تدريس التساؤل”. فمن خلال التساؤل “يحسن الطلاب قدراتهم المعرفية، مما يزيد ليس فقط من معرفتهم بمجالات التعلم، بل أيضا الروابط بين جميع جوانب المناهج الدراسية” (ص. ٤٣). ويُشارك هاند (٢٠١٨) ميليت وتابر (٢٠١٤) فيقول: إنَّ السعي لتحقيق الوضوح المفاهيمي هو نقطة انطلاق جيدة للتساؤل الفلسفي، ويمكن أن يصبح هذا التساؤل أكثر تطوُّرًا بمرور الوقت (ص.٤-٥).

وبالمثل ناقش طومسون ولاشيك (٢٠١٤) مجموعة من الأسئلة الاستجوابية التي يمكن للفلسفة تغطيتها للقيام بعملها (ص. ١٢٣٠)، كما يعتقد هوبز (٢٠١٨) أن الأسئلة الاستجوابية للفلسفة “تدعو بشكل إيجابي” إلى التفسير والمناظرة، مما يفتح إمكانية إجراء محادثات غنيَّة (ص. ٢٥). وتعد المحادثات التي تنجم عن مثل هذه الأسئلة محادثات جيدة، من حيث أنها “تتعلق بأفكار عميقة، وتسعى إلى توضيح المفاهيم التي يمكن مناقشتها، أو الحجج التي قد لا يتم دحضها بالكامل” (D’Olimpio & Peterson ٢٠١٨، ص. ١٠٥).

ويعتقد كلٌّ من: بريور وويلكس (٢٠١٩) أن البحث الفلسفي يتفاعل مع العالم الذي نعيش فيه ويستجيب له، مما يتيح فحص المعتقدات والقيم، ويسهل التأملات الذاتية، والتي يمكن أن تكون عملية تحويلية (ص ١٨٥ ص. ١٩٤). وعند التفكير في الفلسفة كتساؤل يشير كام (٢٠١٤) و  برور و ويكسPrior and Wilks( ٢٠١٩ )  إلى أن الأسسَ الواضحة لمثل هذه التساؤلات للعالم من حولنا تدعم الاستكشاف والتفاعل بشكل نقدي مع المشاكل والقضايا الإنسانية الأساسية. أما بالنسبة إلى المنظّرين لآخرين، يظل التساؤل على مستوى مجرد، خاليًا من السياق الحالي. فعلى سبيل المثال، يعتقد شارب (١٩٩٥) أن العالم ينقسم إلى “عوالم صغيرة ” من أجل بدء عملية التساؤل. ويرى آخرون أن التساؤل وسيلة للحصول على “الوضوح المفاهيمي”، في غير السياق.

 ولكن إذا أريد للفلسفة أن تكون ذات مغزى للصغار، فهل يمكن أن تصبح أكثر من ذلك إذا كان التساؤل قائمًا على العالم الذي ينتمون إليه؟

الفلسفة كبحث عن الحقيقة

بالنسبة إلى بعض الكتّاب، فإن الفلسفة تهتم بالتأكد على “الحقيقة”. فينص سبلتر (١٩٧٨) على أن “الدرس الفلسفي يجب أن يهتم بالحقيقة، وكيف يتم التأكد منها” (ص. ٢٣٨). وينصُّ ليبمان وشارب وأوسكانيان (١٩٨٠) على أنه “يجب إخضاع كل معتقد لاختبارات المنطق والخبرة” (ص. ١٣٣). ويعتقد دانيال وأورياك (٢٠١١) أن الفلسفة – بالنسبة للبعض – تدور حول “إيجاد أسباب حقيقية تستند إليها المعتقدات المختلفة” (ص. ٤١٩). كما ينصُّ بيستا (٢٠١١) على ما يلي: “شيء واحد يمكن القول بأنه رائع …وهو التوجه القوي [للفلسفة] نحو المعرفة والحقيقة” (ص. ٣٠٧). أما كام (٢٠١٤) فينصُّ على أن الفلسفة لديها “اهتمام حقيقي بالحقيقة والوضوح” (ص. ١٢٠٤). ونرى في جدال هاند (٢٠١٨) أن الفلسفة – مثل التساؤل المنضبط الذي يُزرع من خلال المشاركة المستمرة – تؤهل الأطفال للتفكير بوضوح وبعناية. لذلك فهو “مُفْضٍ إلى تقييم الأدلة وتقدير الحقيقة” (ص. ٥).

كما ناقش الكتّاب طبيعة “الحقيقة” أيضًا. فبالنسبة إلى سليبر (١٩٧٨) تهتم الحقيقة “باكتشاف أسس القيم والصواب والخطأ” (ص. ٢٣٨). ويتطلب هذا الاهتمام بالحقيقة وكيفية الحصول عليها “تصنيف الحالة المنطقية والمعرفية لمجموعة كبيرة ومتنوعة من ادعاءات الحقيقة” (ص. ٢٣٨). ويرى سليبر بأن هذا “يجب أن يكون محور اهتمام رئيسٍ في الصف الدراسي الفلسفي” (ص ٢٣٨). بينما يتحدث فانسيليجيم (٢٠١٤) في وقت لاحق من حيث “معرفة أسباب الأفكار – الظروف التي يتم فيها التفكير ” (ص. ١٣٠٢).

ويتحدى المنظّرون  الآخرون فكرة أن الفلسفة يمكن أن تكون بحثًا عن “حقيقة نهائية”. فيشير بيستا (٢٠١١) إلى أن “هناك أجزاء من التقاليد الفلسفية التي لديها القدرة على أن تجعلنا نتردد، ونفكر، وننخرط في حالة تساؤل عن الوجود … وأن جودة الفلسفة … هي [التي] لديها توجه نحو عدم المعرفة”، بدلًا من “المعرفة على وجه اليقين” (ص. ٣١٧).

وهناك فكرة منتشرة في الأدبيات الفلسفية مفادها أن الفلسفة هي البحث عن الحقيقة، والتي يمكن التأكد منها من خلال التفكير الواضح وعملية التفكير التي تهدف إلى فرز ادعاءات الحقيقة من أجل الوصول إلى “المعرفة”. ويبدو أن هذه عملية مجردة وغير سياقية. وتشمل الأسئلة التي يجب طرحها ما يلي:

  • ما نوع “المعرفة” و”الحقيقة” التي تم تصور الفلسفة الموجهة نحوها؟
  • ما هي الحقيقة المميزة من خلال هذه العملية ما هي التحيزات التي تؤثر على البحث عن الحقيقة؟
  • كيف يؤثر الولاء الذي ليس به تساؤل بالنسبة إلى نظام أو شخص آخر أو مؤسسة على تأطير الحقيقة؟
  • كيف يشكِّل التداخل بين التجربة والتاريخ والثقافة والأسرة والعواطف والتعليم وما إلى ذلك الحقيقةَ بالنسبة إلينا؟

ويبدو أن فكرة بيستا بأن الفلسفة يجب أن تجعلنا “نتردد” و “نتساءل في المسلَّمات والأشياء التي نفعلها كل يوم بشكل طبيعي” تشير إلى الحاجة إلى ترسيخ الحقيقة في العالم الذي نعيشه بالنسبة إلى أشخاص معينين وفي وقت معين، كما يشير إلى أنه لا يوجد أحد لديه الحقيقة الكاملة حول الموقف، لذلك لا يمكن أن يكون هناك بحث عن الحقيقة “المطلقة”. ومن المؤكد أن تمييز الحقيقة يتضمن التساؤل، والوقت والالتزام والمثابرة. ويتطلب إثبات الحقيقة مشاركة مفتوحة مع الحقائق الأخرى، فيمكن اختبار الحقيقة في مجتمع جدير بالثقة؛ لأن ذلك يتطلب شهادة ليتم تذكرها ويمكن أن تنكشف لنا الحقيقة عندما نكون منفتحين على مجموعة من وجهات النظر ونتعامل معها، والتي جميعها لا تتخطى الشك. وبالنسبة إلى بيستا، فإذن ذلك يجعل الفلسفة تحررية.

الفلسفة كتعليم غير دوغمائى، وبالتالي محرر للفكر

يعد “التعليم غير الدوغمائي” من مفاهيم الفلسفة؛ إذ إن “التلقين الدوغمائي يتناقض مع التساؤل الفلسفي … وهو في غير مكانه في الصف الدراسي الفلسفي” (سليبر ١٩٧٨، ص. ٢٣٨). والفلسفة تعني البقاء منفتحًا ومرتاحًا مع “عدم الانغلاق” (سليبر ١٩٧٨).

أما الفلسفة باعتبارها تدريسًا غيرَ دوغمائي، فيعتقد فيشر (١٩٩٥) أن الفلسفة هي وسيلة “لمكافحة التحيز، وتشجيع التسامح، و…مساعدة الأطفال على الشعور بالثقة بشأن قدرتهم على التفكير بأنفسهم” (ص. ٨٩). وباعتبارها غير دوغمائية وتحررية، فإنها ستحرر الطفل من إمكانية أن يكون “بيدقاً pawn ” غير مدرك في النظام التكنولوجي للكلمة المكتوبة والمطبوعة والمنطوقة. وتسمح الفلسفة للأطفال بمعرفة إذا كان أي شخص في السلطة يستخدم مفهومًا فلسفيًّا غير مدروس فيمكنه أن يشكِّك في الافتراضات التي تُعرض عليه” (شارب ١٩٩٥, ص. ٤٦).

وحتى تكون الفلسفة تحررية، يجب أن تتساءل باستمرار في المسلّمات، حتى نبقى “في حالة الطفل باعتباره الشخص الذي لم يتم بعد “ملء” رؤيته وتفكيره وسلوكه بالمعرفة والتمييز وأساليب التحدث مع الآخرين” (بيستا ٢٠١١, ص. ٣١٧-٣١٨). وتماشيًا مع الفلسفة كإبداع، فإنها تتطلب الخيال وهي مناسبة تمامًا للأطفال الذين “يطؤون نفس الأرضية التي يمتلكها الفلاسفة”، من حيث أنهم “ينظرون عمومًا إلى العالم بأفكار جديدة وعيون حرة ومفتوحة وخيال وفضول دائم” (مارتن ٢٠١١، ص. ١).

من ناحية أخرى يتناول دانيال وأورياك (٢٠١١) فكرة “الحداثة”، وحتى تظل الفلسفة غير دوغمائية وتحررية، يجب ألا “تنخرط في محادثة ” لأنه “عند فعل ذلك، فأنت حتًما [ستقع] ضمن نطاق الواقعية السلبية، إذ يتم قبول جميع وجهات النظر وتقبُّلها، ولا يتم تقييم المسلّمات أو تحديد أولوياتها” (ص ٤٣٠) – أي أنها لن تكون بعد الآن “فلسفة”.

ويقترح أن الفلسفة لا يمكن أن تكون غير دوغمائية وتحررية إلا إذا أخضعت نفسها باستمرار للتدقيق النقدي، لأن التركيز على طريقة معينة – مثل النهج “المعرفي العقلاني”، أو “طريقة ليبمان” – يمكن أن يكون دوغمائياً في حد ذاته، باستثناء طرق التفكير الأخرى والاهتمام بقضية ما” (هانام واشفيرياHannam & Echeverria ٢٠٠٩، ص. ١٣).

وعلى النقيض من رأي هانام واشفيريا، تعتقد فانسيلقيم Vansieleghem (٢٠١٤) أن “تدريس الفلسفة للأطفال يرتبط بالنداء بعدم الطاعة الدوغمائية” (ص. ١٣٠٢). فتجادل بأن “ممارسة الفلسفة للأطفال على نحو متزايد” تدور حول “خلق بيئات صعبة … ومساحات رمزية، وسياقات المناطق التي تنتشر فيها معاني مختلفة [و] حيث يتم انتقاد التفكير الفردي” (٢٠١٤، ص.١٠٣٥). وتمضي فانسيلقايم إلى القول بأن “معرفة أسباب الأفكار – الظروف التي يتم التفكير فيها – هو تحرير لأنفسنا من الصلابة الفكرية ومنح أنفسنا تلك القدرة على الاختيار بين البدائل والعمل عليها … [هذا] هو مصدر الحرية الفكرية” (٢٠١٤، ص. ١٣٠٢). وبالتالي تمنع الفلسفة الناس من “الخضوع لضرورات الطبيعة الاجتماعية، أو السياسية أو الثقافية أو الدينية” بلا شك (٢٠١٤، ص. ١٣٠١).

ويعتقد دودينغتون (٢٠١٤) أن الفلسفة تتطلب “ميلًا طبيعيًّا إلى “الدهشة”، وإذا كان تعليمنا للأطفال هو “أن يكون تعليميًّا حقًّا، فإنه لا ينبغي أن يغلق التساؤل بإجابة كأي شكل من أشكال الاستجابة [لهم]، بل يجب أن يحافظ على المزيد من القدرة على التساؤل ويلهمهم لذلك” (ص. ١٢٦٥). وباختصار، حتى تكون الفلسفة تحررية يجب أن “تحتوي الاحتمالات” (ص. ١٢٦٦).

وكفكر غير دوغمائي فإن الفلسفة “تمثل تدخُّلًا هيكليًّا”، يغيِّر الطرق المعتادة للتفكير والتحدث والسلوك (ستيوارت ٢٠١٤، ص. ١٢٧٤). ويعتقد فيتزسيمونز (٢٠١٤) أن مثل هذا التدخل هو افتتاح، من شأنه أن يجلب “للشعوب رياحًا جديدة ومذهلة في بعض الأحيان تهبُّ في الفصول الدراسية ” (ص ١٢٨٥، في إشارة إلى غرين ٢٠٠٠، ص. ١٣٤). ويضيف فيتزسيمونز، أنه إذا كان المعلمون مهتمين بتعزيز التعليم كتطور للفكر المستقل إلى ما هو أبعد من المنفعة الآلية، فإن الفلسفة هي مشاركة حيوية وربما حاسمة مع السلطة، ومع النظام الذي تعمل به المدارس، وبشكل أعم مع المجتمع وحكومته” (ص. ١٢٧٦).

ويتحدث ميكود وفيلتالو ) Michaud and Valitalo٢٠١٧( عن كيفية تحدي الطبيعة التحررية للفلسفة طريقةَ عمل المدارس، مشيرَيْن إلى قدرة الفلسفة على تقويض هياكل السلطة من خلال اعترافها بالخطأ البشري والشكوك التي نواجهها (ص. ٣١). وفي الصف الدراسي لا يمكن للمعلم ولا الطالب الادعاءُ بأن لديهم الإجابة “النهائية” أو “الكاملة”؛ لذلك لا يمكن أن يكون هناك مطالبة بالسلطة (ص. ٣١).

ويوضح وينستانلي (٢٠١٨) كيف أن “الفلسفة تعطِّل تجربة الصف الدراسي الشائعة”، وهي تجربة من المتوقع أن تقدِّم إجاباتٍ “صحيحةً” على الأسئلة، والتي يتم تأكيدها من قبل المعلم (ص. ١٢٣).

ومع ذلك، يلفتُ ريد ساندوفال وسيكس (٢٠١٧) الانتباهَ إلى التحديات الهائلة المتمثلة في بناء فصل دراسي تحرريٍّ حقًّا، وهو أكثر من مجرد تفكيك الهياكل الاستبدادية التقليدية للعلاقة بين المعلم والطالب. ويشيران إلى أن هناك صغارًا في فصولنا الدراسية من عدة ثقافات / أعراق “يتم وضعهم بحيث تكون تجاربهم الحية وأسئلتهم الفلسفية مقوّمة بأقل من قيمتها اجتماعيًّا وغيرَ معترف بها، وبالتالي ممثلةً تمثيلًا ناقصًا” في مواقف الفصول الدراسية (ص. ٢٢٠). وبالحديث عما يتعلق بالطريقة التي يعمل بها برنامج الفلسفة للأطفال P4C، يذكران ريد ساندوفال وسيكس أنه إذا تم تهميش الصغار بهذه الطريقة، فإنهم “قد يكافحون من أجل التعبير عن الأسئلة الأكثر أهمية بالنسبة لهم” (ص. ٢٢٠). علاوة على ذلك، إذا لم تكن مصالحهم ممثلة في الحوارات الجارية، فلن يكون لتلك الحوارات أي صلة بهم، مما قد يجعلهم يشعرون بالصمت. وقد تبعدهم أكثر عن الحوار الطريقة التي يتفاعل بها المعلمون مع مشاركات الطلاب ويفسرونها على هامش الدرس (ص. ٢٢٠). ويتفق كلٌّ من شيتي وسوسا Chetty and Suissa (٢٠١٧) على أن الفلسفة للأطفال يمكن أن تعمل على تعزيز نفس الهياكل الضارة التي تنصُّ على أنها ترغب في تحدّيها؛ لأنها يمكن أن تعكس المعاني الاجتماعية والامتيازات العرقية وتعيد تسجيلها وتعيد فرضها من خلال عملها (ص. ١٦).

ويرى كلٌّ من: غلاسر وغريغوري (2017) مقابل ذلك بأن الفلسفة للأطفال في وضع جيد يمكن المعلمين من تسهيل المهمة التحررية للفلسفة، مع الاعتراف بأن هذه يمكن أن تكون مهمة معقدة للغاية “في عالم تعددي مشبع بوسائل الإعلام نشارك فيه في مجتمعات متعددة ذات معنى مما يجعل ذلك يتنافس أحيانًا على الأسبقية” (ص. ١٨٠). كما يرى غلاسر وآخرون بأن الفلسفة للأطفال توفر فرصًا لـِ “مجموعة من التبادلات” التي يمكن للصغار من خلالها التعامل مع “المعاني الثقافية المناسبة واستيعابها وتجاوزها” (ص ١٨٠)، وكلها عوامل تحول وتشكل الحياة.

ويشير هوبز (٢٠١٨) – مثل ريد ساندوفال وسيكس – إلى أنه حتى تكون الفلسفة تحررية حقًّا، يجب أن تمكن الصغار من رؤية أن “هناك طرقًا مختلفة للعيش والوجود والتفكير عن تلك المعروضة أمامهم في الرمز البريدي المحلي” (ص. ٣٠-٣١).

ومن خلال عملنا الخاص مع الصغار من عدة خلفيات ثقافية، حيث نستكشف فلسفيًّا جوانب العالم الذي نعيش فيها حاليًّا، فإننا، جنبًا إلى جنب مع طلابنا نبني ونكتشف ونختبر الفلسفة على أنها تحررية. فيتم تمكينهم من التفكير في العالم من خلال فتح مساحة لتساؤلاتهم والتشكيك في الممارسات التي تؤثر على أنفسهم أو على الآخرين وكيف تم تشكيلها من خلال هذا العالم – وبالتالي تشكيلهم. لذا فإن التفكير يترجم بسهولة إلى سلوك. وأنه ممارسة مجتمعية في الأساس. ولكي يُعتقد أنها تحررية حقًا، فإنها تحمل بالضرورة مساحة مفتوحة للأفكار ووجهات النظر وبالتالي حياة الآخرين. وأن إدراك طرق وجودنا وطرق المعرفة يفتح إمكانيات سبق إخفاؤها عن البعض. ولذلك يمكن أن يكون التفكير الذي يتبعه سلوك أمرًا خطيرًا. والذي يحسم الأمر بالنسبة للفلسفة التحررية هو الاعتراف بإنسانيتنا المشتركة، في عالم نتشاركه مع أشكال الحياة الأخرى، والتي يجب أن تربط الاحتمالات المفتوحة لنا. وتشمل الأسئلة المتعلقة بهذا الأمر والتي تحتاج إلى استكشاف ما يلي:

  • ما هي الهياكل والمؤسسات وأشكال الممارسة التي تحد من أو تمنع المهمة التحررية للفلسفة؟
  • هل هناك مفاهيم تهيمن علينا وتحتل مكانة في عالمنا، ولكنها تهمش بعض الناس ولا تتقبل طريقة حياتهم ووجودهم وتشوه حدود الفكر التحرري؟

إذا كان الأمر كذلك، فما الذي يجب تغييره، وكيف؟

الفلسفة كنشاط مجتمعي

يرى المنظّرون   الذين يفسرون الفلسفة على أنها نشاط مجتمعي بأنها تشمل الكلام والسلوك، وهي تهدف لتحسين كيفية عيشنا معًا.

وكنشاط مجتمعي، ربما تكون الفلسفة باعتبارها “فنَّ حوار قد بدأت مع سقراط نفسه” (برويدفريدت 1988, p. ٢٩٦). ويتحدثان ألموند وهيل (١٩٩١) عن “فلسفة مواجهة خارجية” تساعدنا على إيجاد “حلول لمشاكل الحياة السياسية والاجتماعية” (ص. ١). وعلى هذا النحو يمكن أن تكون الفلسفة “قوة مؤثرة في الساحة العامة” (ص. ٦). أما كنشاط مجتمعي، فتدور الفلسفة حول العمل معا للتغلب على “التحيز وضيق الأفق” – سواء كان “أكاديميًّا، أو اجتماعيًّا، أو شخصيًّا، أو مهنيًّا، أو دينيًّا، أو عرقيًّا، أو قوميًّا [أو] أيديولوجيًّا” (بول ١٩٩٢، ص. ٤).

وكمسعى مجتمعي، تعتبر الفلسفة أمرًا بالغَ الأهمية لكونها “حساسة” و”معالجة لعدد كبير من المشاكل التي تتحدى العالم اليوم” (اليونسكو ٢٠٠٦، ص. ٣-٤؛ اليونسكو ٢٠٠٧). وأنه من “الضروريات لتطوير ثقافة ديمقراطية وسلمية” (اليونسكو ٢٠٠٦، ص. ١٤؛ اليونسكو ٢٠٠٧).

ويرى كلٌّ من: توبينغ وتريكي (٢٠٠٧) بأن الفلسفة هي نشاط مجتمعي يساعدنا على “بناء فهم أعمق (أو حل أفضل) مما هو ممكن بشكل فردي” (ص. ٧٦). ومن خلال الحوار الفعال، يتم اكتساب “القدرة على التفكير بشكل جيد” تدريجيًّا، حيث يتم “تحدي المشاركين ومساعدتهم على أن يكونوا أكثر وضوحًا واتساقًا وإبداعًا”، وبالتالي “مسؤولون أمام مجتمع أقرانهم” (غريغوري ٢٠٠٧، ص. ١٦٢).

ويعتقد دانيال وأورياك (٢٠١١) أن الفلسفة “تعني حوارًا مفتوحًا داخل مجتمع من الأقران وعلاقة جدلية بين التفكير والسلوك”، بينما يفهم الحوار على أنه “طريقة اتصال نشطة ونقدية” “تهدف إلى حل مشكلة مشتركة” (ص. ٤٢٢). وأن مثل هذا الحوار “يختلف عن المحادثة من حيث إنه يتطلب مهارات معرفية واجتماعية معقدة، وهي الاهتمام المستمر بكلمات شخص آخر وتجاوز الذات في البحث عن التساؤل الذي يحمل معنى، ومبررات صالحة، وحجج مناسبة، وانتقادات بناءة، وما إلى ذلك” (ص. ٤٢٢).

ويشاركهم كام (٢٠١٤) الشعور بالفلسفة كنشاط مجتمعي، فيكتب عن عمل “التفكير معًا” (ص ١٢٠٥)، وأنه في مثل هذا العمل “نخضع أسبابنا لحكم بعضنا بعضًا، أو نحاول اتباع حجة إلى حيث توصلنا إلى مكانٍ ما” (ص. ١٢٠٧). وباتباع أسلوب تفكير بعضنا بعضًا، “نحن مثل المحققين الذين تتمثل أدلتهم في التجارب والاستدلالات والأحكام والاعتبارات الفكرية الأخرى التي يجلبها كل مفكر” إلى الموقف المطروح (ص. ١٢٠٨). كما أشار كوستا كارفاليو ومندونكا (٢٠١٧) إلى أهمية “التفكير معًا”. وبالإشارة إلى برنامج الفلسفة للأطفال، يعتقد كوستا كارفاليو ومندونكا أن تعلم التفكير هو نشاط مجتمعي يسعى إلى تغذية “مجتمع معقول”. ويرَيانِ بأن “الفرد لا يمكن أن يصبح عاقلًا تمامًا من خلال التفكير والتصرف بمفرده”، وأن المشاركة في النشاط المجتمعي للتفكير – معًا “جزء ضروري من كونه عاقلًا” (ص. ١٢٨). وبالنسبة إلى بورغ (٢٠١٨)، فإن الفلسفة كنشاط مجتمعي “تعكس الديمقراطية كطريقة للحياة”. وتحقيقًا لهذه الغاية، لا تتعلق الفلسفة فقط بتطوير قدرات الطلاب على التفكير النقدي، ولكنها تتطلب أيضًا تطوير “التفكير الإبداعي والسلوك الأخلاقي والقدرات الشخصية والاجتماعية” (ص. ٤٣).

وفي الصف الدراسي الفلسفي تتطلب الطبيعة المجتمعية للفلسفة ألا يتتبع جميع المشاركين تفكيرهم فحسب، بل يجب أن يصبحوا قادرين أيضًا على تتبع تفكير جميع أعضاء المجموعة الآخرين (وورلي ٢٠١٨، ص. ٨٤). ومن خلال الانخراط في الحوار الفلسفي وتتبعه، يطور الصغار الثقة في التعبير عن أفكارهم المنطقية (ص. ٧٨).كما يمكننا من خلال الانخراط في الحوار الفلسفي أن نقدر أن الفيلسوف الجيد يعرف كيفية الاستماع وكذلك التحدث” (هوبز ٢٠١٨، ص. ٢٥).

ويشير غلاسر وباس (٢٠١٩) أيضًا إلى مجموعة من الفوائد التي تنشأ عند العمل في الفلسفة كنشاط مجتمعي. فمن خلال التفكير معًا نتعلم أن نوليَ اهتمامًا وثيقًا لما يتم استكشافه. ومن خلال العمل بشكل جماعي، نتعرض لوجهات نظر متعددة، ويمكننا التقاط أفكار بعضنا بعضًا والاستفادة منها – أو تحديها باحترام، حيث نتعلم الانتباه إلى طرق التفكير (ص. ٢٩).

كما يعتقد غولدينغ (٢٠١٩) أنه على عكس نهج الفلسفة الغربية التقليدية الذي يعد “قاتل فكريًّا” حيث “يهاجم” الناس و “يدافعون” عن المواقف الراسخة، فإن الطبيعة المجتمعية لمنهج الفلسفة للأطفال تمكن “التفكير معًا” لاستكشاف القضايا الفلسفية. وهذا يجعل الفلسفة متاحة وذات صلة لجميع الأعمار، مما يثري تفكير الجميع ويزرع الوضوح المفاهيمي (ص. ١٣١). وينصُّ سبليتر وقلاسير  )Splitter & Glasser ٢٠١٩(   عند التفكير في تجاربهم المبكرة مع الفلسفة باعتبارها نشاطًا مجتمعيًّا أن ما يحدث في هذا الفضاء الفلسفي المشترك والتعاوني “مهم للغاية على أسس فكرية واجتماعية وأخلاقية وعاطفية / شخصية” (ص. ١٢).

إن الفلسفة كنشاط مجتمعي تزرع حوارًا محترمًا – وحتى لو اختلفنا يجب أن نختلف باحترام؛ لذلك من الأهمية بمكان أن يتعامل الطلاب مع بعضهم كأشخاص، لأن “الأفكار تنشأ لدى أشخاص لديهم مشاعر وآراء” (ص. ١٠-١١). وتربط الطبيعة المجتمعية للفلسفة أيضًا أولئك الذين يتعاملون مع قضية فلسفية بأولئك الذين يفكرون في مثل هذه القضايا منذ آلاف السنين. وينضم الصغار إلى هذا الحوار “بشروطهم الخاصة، ولكن أيضًا على قدم المساواة مع بعضهم” (سبليتر ٢٠١٩, ص. ٨٤).

أما المنظّرين الذين ينظرون إلى الفلسفة على أنها نشاط مجتمعي، يصبح العقل راسخًا في “التفكير معًا”. وهناك توتر وخطر، اعتمادًا على كيفية إنشاء “المجتمع” وطريقته في التواصل. فيمكن أن يصبح المكان كغرفة صدى حيث يتم تعزيز بعض الأفكار وجعل البعض الآخر غير مرئي، أو يمكن أن يصبح مساحة تحررية يتم فيها الدخول في آفاق البصيرة الخاصة بنا وتوسيعها مع رؤية طرق أخرى للوجود – وحيوات أخرى.

وعلى الرغم من النظر إلى الفلسفة على أنها نشاط مجتمعي، إلا أن الكثير من المنظّرين   لا يتبنَّوْن مثل هذا المفهوم في القضايا المجتمعية، مما يعني أن التفكير معًا لا يزال مهمة مجردة. وفي المقابل، يعترف ألموند وهيل (١٩٩١) بأنه إذا كانت هذه الفلسفة “مواجهة خارجية” فإنه يمكننا الاهتمام بقضايا في “الحياة السياسية والاجتماعية”. وأن ترسيخ هذا التفكير في القضايا المحلية ذات الصلة يجعل المشاركة المجتمعية ذات مغزى للمعنيين.

وكنشاط جماعي، يتم التأكيد على الطبيعة التعاونية للتفكير معًا، وهو الابتعاد عن أشكال الفلسفة الأكثر قتالية في طبيعتها. وكما لاحظ سبليتر، فإن هذا يسمح ويتطلب من المفكرين احترام إنسانية بعضهم بعضًا، واحترام أولئك الذين سبقوهم ممن ساهموا في عمق واتساع الفكر الإنساني. وهذا يدل أيضًا على أن الأفكار ليست غير تاريخية، بل هي جزء من سرد زمني، يربطنا بماضٍ. وهذا يساعدنا على فهم أين كنا، ومن أصبحنا – وعندما نكون في مساحة تحررية – يمكننا من النظر في نوع الأشخاص الذين نريد أن نصبحهم ونحن ننتقل إلى مستقبلنا.

الفلسفة كأسلوب حياة

يفهم بعض الكتاب والمؤلفين الفلسفة على أنها تتعلق بالطريقة التي نتعامل بها مع أنفسنا وحياتنا. فعلى سبيل المثال، كتب روبنسون (١٩٩٥): “كلنا فلاسفة. في كل مرة نعطي فيها سببًا لآرائنا، ونفكر فيما إذا كان سببا أفضل من الآخر، ونتساءل عن المعاني المختلفة لبعض الكلمات، فإننا هنا نقوم بالفلسفة” (ص. ٥). بالنسبة لروبنسون، فإن الفلسفة مهتمة بشكل أساسي – وبشكل حاسم – بـِ “كيف نعامل الآخرين” (ص. ٩).

وبالنسبة لكوستيلو (١٩٩٥) فإنه يجب أن تصبح الفلسفة طريقة حياة حتى يأتي الأطفال “ونغرس فيهم عادات التفكير التي تعتبر حاسمة لحياتهم المستقبلية كمواطنين” (ص. ١٠٧). ويوافقه فيلدز (١٩٩٥)، بحجة أن الفلسفة هي المفتاح في “تعليم التلاميذ من أجل المواطنة المسؤولة” (ص. ١٧). وتفهم جازارد (١٩٩٦) الفلسفة على أنها نشاط مدروس “يولّد في طلابها الرغبة في معرفة كيفية عيش حياة أكثر معنى”، (ص ١١، في دانيال وأورياك ٢٠١١، ص. ٤١٨).

وكتب روندهويس وفان دير ليو (٢٠٠٠) أن “الفلسفة أكثر من مجرد تحليل وتكهنات، بل هي تتعلق بسلوك الحياة نفسها، وبالتالي تفترض مسبقًا تعويضًا للتفكير في التجربة وتوضيحها. وهذا لا يعني المهارات المعرفية فحسب، بل المواقف أيضًا” (ص. ٣٠).

ويفهم بعض المنظّرين أن الفلسفة تهتم بجيل المعنى، وعلى وجه الخصوص، المعنى الذي يمكننا من العيش معًا بشكل جيدٍ كمخلوقات يجب أن تعمل باستمرار لفهم نفسها والأشياءِ التي تفعلها. ومع وضع ذلك في الاعتبار، ويعتقد دودينغتون (٢٠١٤) أن “ممارسة الفلسفة من خلال المناقشة يمكن أن تسهم في تجارب لغوية أصيلة … والتي من خلالها “يمكن صياغة الهوية الشخصية والثقافية” (ص. ١٢٦٥). وأن روح “الانفتاح بقلب مقدام والمشاركة والمسؤولية” أمر بالغ الأهمية لهذه المناقشات وهذا الفهم للفلسفة (ص. ١٢٦٥). ويعتقد دودينغتون أن المناقشات الفلسفية المفتوحة والمحترمة تمكن المشاركين من “خلق معنى لأنفسهم”. ويحدث خلق المعنى هذا من خلال الاستماع إلى الآخرين وزيادة وعي المرء بتفكيره وأفكاره أثناء مناقشتها.

ولا تعمل المشاركة الفلسفية النشطة على التعبير عن الحياة العاطفية والتفكيرية فحسب، بل تشكِّلُها أيضًا (ص. ١٢٦٤).

إن الفلسفة -باعتبارها طريقة حياة- هي المفتاح لتربية المواطنين القادرين على تبني دورهم كَـ “ناقد وضمير للمجتمع” (فيتزمونز ٢٠١٤, ص. ١٢٨٣). وكما رأى كوستيلو في تصريحات سابقة فإن كام ((2014 يرى  بأن الفلسفة كطريقة للحياة يجب أن “تكون جزءًا من رحلتهم اليومية طوال السنوات الدراسية” (ص ١٢٠٦)؛ لأنها يمكن أن تؤثر بشكل كبير على كلٍّ من طريقة تفكير الناس، وشخصياتهم، ومخاوفهم.

وكطريقة للحياة، يمكن فهم الفلسفة على أنها هي التي تشكل طريقتنا الإنسانية في الوجود، من حيث إنها تمكِّن شخصًا ما من أن يصبح واعيًا لنفسه والعالم ومكانه منه: “أما الطفل الذي يتفلسف، لم يعد التفكير النقدي … [فقط] يتعلق بالوصول إلى “المهارات المدرسية” مثل التفكير المنطقي، ولكن حول أن يصبح واعيًا بعمليات حياته وعواطفه وقدراته وربط نفسه بطريقة نشطة ومنتجة في هذه العملية” (فانسيليغيم ٢٠١٤، ص. ١٣٠٤). ويقول كاريكيو (٢٠١٦) أن “أي موضوع يطرح هو مسألة كرامة ومسؤولية إنسانية” (ص. ١١١).

وتدعم هاينز وموريس (٢٠١٧) أفكار دودينغتون (٢٠١٤) فيما يتعلق بخلق المعنى ونسجه معًا من خلال المشاركة الفلسفية، وكيف يشكل ذلك تجربة معيشية. ومن خلال أي مشاركة فلسفية “يجلب الناس بشكل فردي وجماعي الذكريات والعواطف والمجموعات والخبرات في هذه المناسبة” (ص. ١٧٧). وأي نصوص يتم استخدامها تثار وتنسج مع روايات المشاركين الخاصة. ويخُلق المعنى من تفاعل كل هذه العناصر الديناميكية؛ إنها لحظة فريدة لا تتكرر تسمح باستكشاف أعماق جديدة من الخبرة وتفتح إمكانيات جديدة (ص. ١٧٧).

وبالنسبة لهوبز (٢٠١٨) فإن الفلسفة كطريقة للحياة تعني أن تصبح واعيًا بالعالم والنفس وأي نوع من الأشخاص يطمح المرء إلى أن يكونه. وهذا يتطلب منا النظر في بنية وشكل وسرد حياة جيدة. من خلال القيام بذلك “يمكن للصغار البدء في فهم كيف قد تبدو الحياة المزدهرة أو الحياة المتقزمة أو المشوهة، ونوع الملكات الفكرية والعاطفية والبدنية التي تحتاج إلى تطويرها، وما هي الفضائل الفكرية والأخلاقية التي عُززت، من أجل مساعدة الشخص على عيش الأول وتجنب الأخير” (ص. ٣٠-٣١).

وبالتفكير في عملهم المبكر في تدريس الفلسفة في المدارس، يعلق سبليتر وقلاسير (٢٠١٩) على أن نجاح الممارسة الفلسفية لا يمكن قياسه بعدد ورش العمل التي عقدت أو الكتب المنشورة أو المدارس المشاركة – بل من خلال التحول في مكان الأطفال في مجتمعاتهم، ومدى الاعتراف بتقاليد الفلسفة كشكل من أشكال الحياة التي تتمحور حول بناء المعنى والاستفادة منها كمورد غني لصنع معنى الأطفال. ومدى وجود مساحة للأطفال للتفكير والتفكر والمشاركة والاستماع إليهم. (الصفحات ٢١-٢٢، مؤكد)

وإذا كانت الفلسفة فعلًا حيًّا، فهي بالضرورة فرد وطريقة مجتمعية للوجود. وللمعلمين دور محوريٌّ في رعاية طريقة الوجود هذه، وبالتالي فإن نزاهتهم كأشخاص وممارسة عملهم هي مصدر اهتمام رئيس. ويجب وضع القدرة والحاجة التي لدينا لفهم أنفسنا والأشياء التي نقوم بها، إلى جانب الأساليب التي يمكن بها للتفكير أن يحول أساليب معيشتنا وحياتنا. إن الاعتراف أولا وقبل كل شيء في تعليمنا للصغار بمعيارية الفلسفة كطريقة للحياة يعني أنه يجب علينا ضمان أن يوفر التعليم مكانًا آمنًا لاستكشاف طرق المعيشة والوجود حتى نتمكن على حد تعبير هوبز (٢٠١٨)، من توجيه الصغار بعناية نحو حياة تستحق العيش، والحفاظ على الكرامة الإنسانية والمسؤوليات التي تأتي معها.

وإذا كانت الفلسفة ضرورية لطريقتنا البشرية في الوجود، فكيف يمكننا تغيير التعليم من نظام مدفوع باعتبارات اقتصادية وبيروقراطية، يركز على إنتاج نوع معين من الأفراد يتناسب مع سوق العمل السائد ويتوافق مع الاقتصاد، إلى نظام يغذي الناس على التساؤل والتحدي ويعمل على تغيير الممارسات الحالية التي لا تفضي إلى العيش معًا بشكل جيد؟ إذا كانت الفلسفة طريقة للوجود / العيش، فيجب نسجها تمامًا في جميع تفاعلاتنا التعليمية. ويلعب التعليم دورًا محوريًّا في تشكيل كيفية تفكير الصغار وتصرفهم. ولكي يتمتع التعليم بالجدارة يجب أن يوفر فرصًا للصغار لتحديد واستكشاف القضايا والهياكل التي تؤثر سلبًا على الأفراد والمجتمعات.

والعمل على تحدي تلك المواقف وتغييرها حتى يتمكن جميع الناس من العيش معًا بشكل جيد.

وكبشر يمكن أن نبقى على قيد الحياة بدون فلسفة، ولكن بدونها لن نزدهر بالطريقة الممكنة بالنسبة إلينا. فيرى الباحثون الذين ينظرون إلى الفلسفة طريقةً للحياة بالحاجة إلى دمجها في التعليم منذ السنوات الأولى حتى تصبح جزءًا لا يتجزأ من حساسياتنا الإنسانية وبالتالي من حياتنا الفردية، والمجتمعية والثقافية والسياسية.

ملخص

تجمع هذه المراجعة معًا وتحدد الفهم المتنوع لماهية الفلسفة المتداولة في أدب الفلسفة، ومن أجل توفير مفهوم موحد ويمكن للآخرين الوصول إليه قدمنا بصفتنا مؤلفين العديد من التعليقات وطرحنا أسئلة تشير إلى مجالات مختلفة للحث على البحث فيها. كما أن هذه ليست مراجعة شاملة ونرحب بالآخرين للتعليق وطرحِ المزيد من الأسئلة البحثية.

ويتضح من الأدب المعني بتدريس الفلسفة في المدارس أن الفلسفة مفهوم معقد ومتنازع عليه. فهو ذو دور أساسيٍّ في حياة الإنسان. بغض النظر عن جانب الفلسفة الذي أصبح محور كتابة المنظّرين – سواء كان ذلك فلسفة كتساؤل، أو فلسفة كنشاط مجتمعي، أو فلسفة كمَهَمَّةٍ إبداعية أو فلسفة تحررية – وتحتضن الفلسفة أشكال التفكير التي تعتبر مهمة للناس. أما الذين ينظرون إلى الفلسفة على أنها أكثر من مجرد سعي أكاديمي يوسعون صراحة فكرة أن طرق التفكير يجب أن تنطوي أيضًا على طرق للسلوك، وبالتالي طرق الوجود. ويتم شرح ذلك بوضوح من قبل المؤلفين الذين يدافعون عن الفلسفة كونها طريقة للحياة.

كما أن هناك مساحات توتر في الأدب فيما يتعلق ببعض تفسيرات الفلسفة. ونراها أكثر وضوحًا في المناقشات التي تصور الفلسفة كبحث عن الحقيقة، والمناقشات المتعلقة بالفلسفة كطريقة أو عملية. ويتم تحدي فكرة أن الفلسفة يمكن أن تعطينا حقائق نهائية من قبل أولئك الذين ينظرون إلى الفلسفة على أنها غير دوغمائية وتحررية. وبالمثل، يقال إن الفلسفة على أنها غير دوغمائية وتحررية يجب أن تكون خالية من أساليب أو عمليات معينة قد تحبس التفكير أو تقيده بطريقة معينة.

يعارض بعض الكتاب فكرة التفكير في الفلسفة من حيث كونها أساسية لعدد لا يحصى من التخصصات الفرعية، ويسعى كل منها إلى اكتساب المعرفة في منطقتها. وبدلًا من ذلك، فإنها تسلط الضوء على الأهمية الاجتماعية والثقافية والسياسية للفلسفة، والطريقة التي يمكنها بها إلقاء الضوء على قضيةٍ ما، وتعميق وتوسيع فهمنا لها. وفي هذا الدور تعد الفلسفة جزءًا لا يتجزأ من نقد وخلق وإخبار العالم عنا وعن مكاننا فيه.

وبالنسبة إلى بعض المنظّرين  فإن الفلسفة هي تخصص تنافسيٌّ يهتم بالمعرفة “الدفاعية” والتوصل إلى “نتيجة ناجحة” من خلال اكتساب مجموعة من المهارات المدرسية. أما المنظّرين لآخرين يرون الفلسفة أنها مسعًى تعاونيٌّ مجتمعيٌّ يهتم بالاستكشاف المشترك وصناعة الحس بطريقة تشكل كيان المرء ذاته. وكمسعى تعاوني جماعي فإن الفلسفة لا تتعلق بتطوير قيادة الأدب الذي كتبه الفلاسفة التاريخيون أو المعاصرون وتحدي أفكارهم، بل هي ممارسة عضوية جدلية تربط الفكر والعمل بطريقة تشكل من نحن وماذا نفعل.

ونظرًا لأنه مفهوم معقد، فإن أولئك الذين يكتبون في مجال تدريس وتعلم الفلسفة في المدارس غالبًا ما يعملون بفهم متعدد للفلسفة في نفس الوقت. ومع ذلك، تختلف طبيعة هذه المفاهيم وفقاً لكيفية نسجها معًا. فعلى سبيل المثال ينظر بعض الكتاب الذين يناقشون الفلسفة على أنها تساؤل بينما يحملون في الوقت نفسه مفهومًا تأسيسيًّا للفلسفة، إلى طبيعة التساؤل بشكل مختلف عن أولئك الذين يعتبرون الفلسفة نشاطًا مجتمعيًّا. ويهتم الأول بالأسئلة التي يمكن عزلها بطريقة ما، مثل “الأسئلة الميتافيزيقية”، و”الأسئلة الوبائية”. والهدف هو العمل من أجل إجابة نهائية والدفاع عنها. بينما في المقابل، يهتم التساؤل كنشاط مجتمعي بتطوير الحساسية للممارسات التي تؤثر سلبًا على الأفراد والمجتمعات وإثارة تساؤلات حولها. والهدف هنا هو العمل من أجل إيجاد طرق أفضل للعيش معًا.

ويتضح من المثال أعلاه أن طريقة تصور الناس للفلسفة سترسم خريطة للعمل الذي يّدعون أن تعليم الفلسفة وتعلمها يقوم به. وفي الجزء الثاني من هذا البحث، نتعامل مع الأدب المتعلق بتدريس الفلسفة في المدارس من أجل المطالبة بدعم العمل الذي تقوم به الفلسفة.

المراجع:

Almond, B & Hill, D (1991) Applied philosophy: Morals and metaphysics in the contemporary debate. London, Routledge.

Benade, L (2014) Developing democratic dispositions and enabling crap detection: Claims for classroom philosophy with special reference to Western Australia and New Zealand. Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1243-1257.

Biesta, G (2011) Philosophy, exposure, and children: How to resist the instrumentalisation of philosophy in education. Journal of Philosophy of Education, 45(2), pp. 305-319.

Burgh, G (2018) The need for philosophy in promoting democracy: A case for philosophy in the curriculum. Journal of Philosophy in Schools, 5(1), pp. 38-58.

Cam, P (2014) Philosophy for children, values education and the inquiring society. Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1203-1211.

Cam, P (2018) The generic argument for teaching philosophy. Journal of Philosophy in Schools, 5(1), pp. 59-75.

Chetty, D & Suissa, J (2017) ‘No go areas’: Racism and discomfort in the community of inquiry. In MR Gregory, J Haynes & K Murris (eds) The Routledge international handbook of Philosophy for Children. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 11-18.

Costa-Carvalho, M & Mendonca, D (2017) Thinking as a community: Reasonableness and emotions. In MR Gregory, J Haynes & K Murris (eds) The Routledge international handbook of Philosophy for Children. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 127-134.

Costello, P. J. M. (1995) Education, citizenship and critical thinking. Early Child Development and Care, 107(1), pp. 105-114.

D’Olimpio, L & Peterson, A (2018) The ethics of narrative art: Philosophy in schools, compassion and learning from stories. Journal of Philosophy in Schools, 5(1), pp. 92-110.

Daniel, M-F & Auriac, E (2011) Philosophy, critical thinking and Philosophy for Children. Educational Philosophy and Theory, 43(5), pp. 415-435.

Doddington, C (2001) Entitled to speak: Talk in the classroom. Studies in Philosophy and Education, 20(3), pp. 267-274.

Doddington, C (2014) Philosophy, art or pedagogy? How should children experience education? Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1258-1269.

Ennis, RH (1993) Critical thinking assessment. Theory into Practice, 32(3), pp. 179-186.

Fields, JI (1995) Sleepers awake: The current debate using philosophy with young children (citizenship, philosophy and reasoning: citizens of the twenty‐first century). Early Child Development and Care, 107(1), pp. 17-21.

Fisher, R (1995) Stories for thinking—the Philosophy in Primary Schools (PIPS) project. Early Child Development and Care, 107(1), pp. 85-95.

Fitzsimons, P (2014) School and the limits of philosophy. Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1276-1289.

Gazzard, A (1996) Philosophy for Children and the discipline of philosophy. Thinking, 12(4), pp. 9-16.

Glaser, J & Bass, A (2019) Getting started: The early use of the IAPC curriculum. In G Burgh & S Thornton (eds) Philosophical inquiry with children: The development of an inquiring society in Australia. London, Routledge Taylor and Francis Group. pp. 23-31.

Glaser, J & Gregory, MR (2017) Education, identity construction and cultural renewal: The case of philosophical inquiry with Jewish Bible. In MR Gregory, J Haynes & K Murris (eds) The Routledge international handbook of Philosophy for Children. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 180-188.

Golding, C (2019) Connecting concepts and developing thinking classrooms. In G Burgh & S Thornton (eds) Philosophical inquiry with children: The development of an inquiring society in Australia. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 131-142.

Greene, M (2000) The dialectic of freedom. In R Reed & T Johnson (eds) Philosophical documents in education. New York, NY, Addison-Wesley Longman, pp. 123-141.

Gregory, MR (2007) Normative dialogue types in philosophy for children. Gifted Education International, 22, pp. 160-171.

Hand, M (2018) On the distinctive educational value of philosophy. Journal of Philosophy in Schools, 5(1), pp. 4-19.

Hannam, P & Echeverria, E (2009) Philosophy with teenagers: Nurturing a moral imagination for the 21st century. London, Continuum.

Haynes, J & Murris, K (2017) Readings and readers of texts in Philosophy for Children. In MR Gregory, J Haynes & K Murris (eds) The Routledge international handbook of Philosophy for Children. London, New York, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 171-178.

Hobbs, A (2018) Philosophy and the good life. Journal of Philosophy in Schools, 5(1), pp. 20-37.

Karikio, S (2016) The new responsibility and challenge of education: The current and prospective situation of Philosophy for Children. Practice and Theory in Systems of Education, 11(2), pp. 105-117.

Knight, S & Collins, C (2014) Opening teachers’ minds to philosophy: The crucial role of teacher education. Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1290-1299.

Lam, C-M (2012) Continuing Lipman’s and Sharp’s pioneering work on Philosophy for Children: Using Harry to foster critical thinking in Hong Kong students. Educational Research and Evaluation, 18(2), pp. 187-203.

Lipman, M (1995) Moral education higher‐order thinking and philosophy for children. Early Child Development and Care, 107(1), pp. 61-70.

Lipman, M (2003) Thinking in education. Cambridge, Cambridge University Press. Lipman, M, Sharp, AM & Oscanyan, FS (1980) Philosophy in the classroom. Philadelphia, PA, Temple University Press.

Martin, D (2011) Matthew Lipman, philosopher and educator, dies at 87. The New York Times, January 14, p. 1.

Massa, S (2012) Philosophy for Children in an Italian primary classroom. Proceedings of the 8th International Conference on Education. Samos Island Greece, 05-07 July 2012, pp. 765-771.

McCall, CC & Weijers, E (2017) Back to basics: A philosophical analysis of philosophy in Philosophy with Children. In MR Gregory, J Haynes & K Murris (eds) The Routledge international handbook of Philosophy for Children. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 83-92.

Michaud, O & Valitalo, R (2017) Authority, democracy and philosophy: the nature and role of authority in a community of philosophical inquiry. In MR Gregory, J Haynes & K Murris (eds), The Routledge international handbook of Philosophy for Children. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 27-33.

Millett, S & Tapper, A (2014) Philosophy and ethics in Western Australian secondary schools. Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1212-1224.

Paul, R (1992) Critical thinking: What, why, and how. New Directions for Community Colleges, 77(1), pp. 3-24.

Poulton, J (2014) Identifying a K-10 developmental framework for teaching philosophy. Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1238-1242.

Prior, S & Wilks, S (2019) Philosophy in public and other educational spaces. In G Burgh & S Thornton (eds) Philosophical inquiry with children: The development of an inquiring society in Australia. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 185-198.

Proedfriedt, WA (1988) Teaching philosophy and teaching philosophically. The Clearing House, 58(7), pp. 294-297.

Reed-Sandoval, A & Sykes, AC (2017) Who talks? Who listens? Taking ‘positionality’ seriously in Philosophy for Children. In MR Gregory, J Haynes & K Murris (eds) The Routledge international handbook of Philosophy for Children. London, New York, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 219-225.

Robinson, W (1995) Why ‘Philosophy for Children’? Early Child Development and Care, 107(1), pp. 5-15.

Rondhuis, T & Van der Leeuw, K (2000) Performance and progress in philosophy: An attempt at operationalisation of criteria. Teaching Philosophy, 23(1), pp. 23-42.

Sharp, AM (1995) Philosophy for Children and the development of ethical values. Early Child Development and Care, 107(1), pp. 45-55.

Sleeper, R (1978) Pre-college philosophy. The Social Studies, 69(6), pp. 236-243.

Splitter, LJ (2019) Memo to Harry Stottlemeier and friends: You are not wanted here! Reflections on the idea of a philosophy curriculum in Australia. In G Burgh & S Thornton (eds) Philosophical inquiry with Children: The development of an inquiring society in Australia. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 73-86.

Splitter, LJ & Glaser, J (2019) Philosophy for Children comes to Australia. In G Burgh & S Thornton (eds) Philosophical inquiry with children: The development of an inquiring society in Australia. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 9-22.

Sprod, T (1995) Cognitive development, philosophy and children’s literature. Early Child Development and Care, 107(1). pp. 23-33.

Stewart, G (2014) Kaupapa Māori, philosophy and schools. Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1270-1275.

Thompson, G & Lašič, T (2014) That’s not for our kids: The strange death of philosophy and ethics in a low socioeconomic secondary school. Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1225-1237.

Topping, KJ & Trickey, S (2007) Impact of philosophical enquiry on school students’ interactive behaviour. Thinking Skills and Creativity, 2, pp. 73-84.

UNESCO (2007) Philosophy: A school of freedom—Teaching philosophy and learning to philosophize: Status and prospects. Paris, United Nations Educational, Scientific, and Cultural Organisation—Social and Human Sciences Sector.

UNESCO (2006) Intersectoral strategy on philosophy. Paris, United Nations Educational, Scientific, and Cultural Organisation—Social and Human Sciences Sector.

Vansieleghem, N (2014) What is Philosophy for Children? From an educational experiment to experimental education. Educational Philosophy and Theory, 46(11), pp. 1300-1310.

Weber, B & Wolf, A (2017) Questioning the question: A hermeneutical perspective on the ‘art of questioning’ in a community of philosophical inquiry. In MR Gregory, J Haynes & K Murris (eds) The Routledge international handbook of Philosophy for Children. London, Routledge Taylor and Francis Group, pp. 74-82.

Winstanley, C (2018) Deep thinking and high ceilings: Using philosophy to challenge ‘more able’ pupils. Journal of Philosophy in Schools, 5(1), pp. 111-133.

Worley, P (2018) Plato, metacognition and philosophy in schools. Journal of Philosophy in Schools, 5(1), pp. 76-91.