بعض الافتراضات التربوية لتعليم التفكير الفلسفي

Some Educational Presuppositions of Philosophy for Children

ماثيو ليبمان وآن مارجريت شارب

Matthew Lipman and Ann Margaret Sharp

Public Domains

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

تم النشر بواسطة: Taylor & Francis, Ltd.

عنوان URL ثابت: http://www.jstor.com/stable/1050321

JSTOR هي خدمة غير هادفة للربح والتي تساعد الدارسين والباحثين والطلاب على اكتشاف واستخدام والبناء على مجموعة واسعة من المحتوى في أرشيف رقمي موثوق به. ونحن نستخدم تكنولوجيا المعلومات وأدواتها لزيادة الإنتاجية وتيسير أشكال جديدة من المنح الدراسية. لمزيد من المعلومات عن JSTOR، يرجى الاتصال على support@jstor.org

 استخدامكم لأرشيف JSTOR يشير إلى قبولكم لشروط الاستخدام، المتاحة في https://about.jstor.org/terms

ترجمة: مشاعل البلوشي

تدقيق: علوي السقاف

تشير الاهتمامات الحديثة بالإمكانيات التعليمية للفلسفة كمنهج دراسي في المدارس الابتدائية إلى ضرورة تسليط الضوء لما يجب أن يفترضه هذا الابتكار المثير للفضول. واستكشاف هذه الافتراضات قد يلقي بدوره الضوء مجدداً على الصلات الغامضة بين التعليم والفلسفة.

في الماضي، افترضت المناقشات التي تدور حول الفلسفة التي تستهدف الشباب أن الطلاب لن يكونوا أصغر من سن المرحلة الثانوية، وكان احتمال تشجيع التفكير الفلسفي بين أطفال المدارس الابتدائية غير وارد مطلقاً.

تميل مثل هذه المناقشات إلى افتراض أن الصعوبات التي واجهناها حتى الآن في تقديم الفلسفة للشباب تكمن في التعقيد المتأصل للموضوع.

ونتيجة للتجريد الذي جعلت الفلسفة موضوعاً كئيباً غير مناسباً لفئة الأطفال العمرية فقد كانت الجهود مقتصرة على تعريف الشباب بالفلسفة بطريقة أكثر بساطة ووضوح، ولكن بالطبع لا يمكن التعمق في هذا الاتجاه، ولذا كان من المفترض أن يتم التركيز على توفير الإثراء الفلسفي لسنوات الدراسة الثانوية الختامية لبعض الطلاب الأكثر تميزًا.

كانت هذه الافتراضات بالطبع جزءًا لا يتجزأ من نظرية قديمة للتعليم، والتي لم تكن عملية التعلم فيها أكثر من نقل محتويات المعرفة البشرية من الكبار إلى الصغار، تمامًا كما يُسقط الطائر قطع الطعام في أفواه صغاره، وتنص النظرية البديلة في التعليم – التي يعتبرها مؤيدو تعليم التفكير الفلسفي P4C أمرًا مفروغًا منه إلى حد ما – على أن العملية التعليمية يجب أن تولد أنشطة تفكير بين أولئك الذين يتم تدريسهم على هذا النحو. وفقًا لذلك، يُفترض أن التدريس السليم للتاريخ يولد التفكير التاريخي وأن التدريس السليم للرياضيات يولد التفكير الرياضي، لذلك يجب أن يولد التدريس السليم للفلسفة تفكيرًا فلسفيًا، بغض النظر عن عمر الطلاب. ومن سمات هذا النهج الافتراض بأن التفكير الفلسفي يتضمن، من ناحية، تسريع الأفكار والحجج المنطقية والأنظمة المفاهيمية، ومن ناحية أخرى، وسيلة واضحة في التلاعب بالمفاهيم الفلسفية حتى يمكن فصلها عن بعضها وجمعها معًا بطرق جديدة.

أولئك الذين يرون أن تعليم الفلسفي للأطفال p4c قادر على تشجيع التفكير الفلسفي فإنهم يعبرون عمومًا عن تأكيدهم بأن جميع الأطفال تقريبًا لديهم الاهتمام والقدرة على الانخراط في مثل هذا النوع من النشاط، وترددنا التقليدي في مناقشة المسائل الفلسفية مع الأطفال ما هو إلا نتاج اعتمادنا على نظرية قديمة في التعليم بعد أن لاحظوا أن القليل من  الأطفال  فقط كانوا حريصين على الاطلاع على الفيلسوف الألماني كانط Kant وكذلك مقاطع أكثر حيوية لأرسطو Aristotle وبعد أن لاقوا نجاحًا ضئيلًا في الجهود الرامية إلى إحداث أثر مبدأ السعادة الأكبر، الذي يقودنا بدوره إلى الاستنتاج بوجود فجوة لا يمكن تجاوزها بين التفكير المنضبط المتمثل بالفلسفة و بين خاصية التساؤل الجامحة لدى الأطفال ويتضح أن هذا الاستنتاج يتعرض لهجوم قائم.

يستند النهج الحديث إلى فكرة وجود طرق لإشراك الأطفال في الأنشطة الفلسفية بوقت كاف قبل تأهيلهم لقراءة أي شيء في المرجع الفلسفي التقليدي. حيث أن مفارقات المظهر والواقع، الثبات والتغيير، والوحدة والتنوع تسحرهم منذ الطفولة المبكرة، فربما يحتاجون إلى عقد أو عقدين من الزمن لأن يكونوا مستعدين لمواجهة هيراقليطس Heraclitus وبارمينيدس Parmenides. مثل القبل سقراطيين، كان الأطفال يميلون إلى الإيجاز في حواراتهم، ولكن في حوارات الفصول الدراسية الفعالة التي يحب الأطفال المشاركة فيها، تضيف وفرة العبارات على الحوار بريقاً مرحّباً به، وقد يتقبل الأطفال الذين يرون العروض التقديمية الرسمية للفلسفة غير مستساغة عند تضمينها مع تلميحات ضمن سياق قصص الأطفال. ويمكن حث الشباب على التعبير عن المفاهيم الفلسفية في شكل شعر بطريقة سلسة إن كانوا يجدون أمر كتابة مقال فلسفي أمراً صعبًا بالنسبة لهم.

وإن كانت أحد الفرضيات التعليمية التي تعتبر تعليم التفكير الفلسفي للأطفال p4c أمرًا مسلمًا به هو أن هناك تمييزًا واضحًا بين التفكير حول الموضوع والتفكير في موضوع ما، وهناك فرضية أخرى من هذا القبيل توضح أن هناك تمييزًا وإن لم يكن من السهل ترسيمه بين التفكير كعملية والتفكير كموضوع بحد ذاته. نظرًا لأن الأخير هو مثال للأول، فإنه يخضع على الأقل للتقييم من حيث المعايير المنطقية. ولكن إذا كان أحد الأشياء التي يفرضها التفكير بمعناه الأوسع هو معرفة ما سيتبعه من المقدمات المنطقية، ومن ثم ينطوي التفكير الذاتي على استنتاج ما يلي من مقدمات المرء. التفكير الذاتي يعني التركيز المكثف على اهتمامات الطفل ووجهات نظره وهو شرط أساسي لتقديم تعليم التفكير الفلسفي للأطفال p4c بطريقة جذابة لتمكنه من استنباط معتقداته واكتشاف أسباب وجيهة لتبريرها ولمعرفة ما يلي من افتراضات المرء وصياغة وجهة نظر عن العالم في عقله ولكي يكون واضحًا بشأن قيمه وطرقه المميزة في تفسير تجربته. ولا يفترض تعليم التفكير الفلسفي للأطفال p4c أن التفكير الذاتي -لأنه تطبيق مرتبط بالتفكير بما يلائم المرء شخصياً – يحتاج إلى تركيز أكبر من الأطفال عن أن يشجعهم على اكتساب مهارات تعليل أكثر عمومية، ولكن بالتأكيد فإنه أيضا لا يتطلب تركيزًا أقل في هذا الشأن ايضاً.

من المتوقع أن تزدهر فلسفة الأطفال في فصل متنوع يتحدث فيه الأطفال عن مجموعة متنوعة من أساليب الحياة وتجاربها، ويكون اختلاف المعتقدات فيها واضحاً جليًا وتتعدد فيه أساليب التفكير مما يضيف لها قيمة وتستحق الوقت المبذل عليها بدل أن تكون مهملة، فالمفكر البطيء صاحب الحجة السليمة يحظى بنفس الاحترام في الصف الدراسي كالذي اللي يحصل عليه الأطفال الذين يطرحون آرائهم بصورة سريعة وواضحة. فالطفل الذي يتوصل إلى المعتقدات من الناحية التحليلية يلاقي نفس الاحترام الذي يتلقاه الطفل الذي يتوصل إلى المعتقدات بشكل بديهي وتخميني، رغم أنه قد يكون أفضل من أي أسلوب فكري أخر. وبالتالي، فإن تنوع أساليب التفكير في الفصول الدراسية، إلى جانب مجموعة متنوعة من الخلفيات والقيم والخبرات الحياتية، يمكن أن يسهم إسهاماً كبيراً في إنشاء مجتمع متسائل. وعلاوة على ذلك، فإن التساؤل المشترك يعتبر النظير الإيجابي للتفكير في الذات. وعندما يتم قبول طرق مختلفة على نطاق واسع لمعالجة المشاكل علناً، فإن المنافسة السلبية تتضاءل وتُرحب بالآراء المختلفة للمشاركين.

ومن أكبر العقبات التي تواجه ممارسة الأطفال للفلسفة هي كمية المصطلحات التقليدية الهائلة، وللانخراط في نشاط فلسفي للطالب جامعي أو طالب الدراسات العليا يعني تعلم كيفية توظيف المفردات التقنية الفلسفية المجازة من 2500 عام.

تأثير وقوة تلك المفردات مكثف جداً، وكافية بالتأكيد لتنفير أي طفل يتجول بين أغلفة كتب الفلسفة، وينبغي تشجيع التفكير الفلسفي بين الأطفال بمصطلحات ومفاهيم عادية كي يتقبلها الأطفال بأريحية أكثر.

فمن المألوف أن يجد مؤيدو النهج الجديد أنفسهم في شيء من هذا القبيل فيما يتعلق بتحديد المهام التي يتوجب القيام بها مع الأولويات التي يتوجب أيضًا إسنادها إلى كل مهمة، فإن الحيرة في حالة الابتكار التعليمي المعروف تعليم التفكير الفلسفي للأطفال p4c سائدة إلى حدٍ ما، ومن الأمثلة على ذلك التوتر القائم بين المهتمين بالحفاظ على سلامة الفلسفة باعتبارها نظاماً بغض النظر عن أعمار الطلاب، وبين أولئك الذين تكمن قيمة الفلسفة بالنسبة لهم في تكثيفها للبعد التفكري للمنهج الحالي، ويؤكد أنصار الجماعة الأخرى على أن الأطفال بحاجة إلى التشجيع أكثر من حاجتهم للتلقين والنقد في نهجهم للتاريخ والعلوم السياسية والرياضيات والفنون اللغوية وما شابه ذلك. ولذلك فهي تمنح الفلسفة لما لها من مزايا أساسية، بينما يرى آخرون أن قيمتها جوهرية مصرين على إدخالها والاحتفاظ بها كمنهج دراسي منقحٍ ومستقل.

ولا حاجة إلى الاختيار بين هذين النهجين الجديرين بالاهتمام، لأنهما لا يتناقضان. وقد لاحظ من درّسوا الفلسفة بوصفها نظاماً منفصلاً ومتميزاً للأطفال أنها تميل بشكل لا مفر منه نحو التفكير الفلسفي. ويميل الأطفال الذين تلقوا تعليمهم بشكل منهجي يسمح لهم بالفضول والتفكير إلى نقل هذه السلوكيات لبقية أنشطتهم التعليمية. وأي تحقيق في افتراضات تعليم التفكير الفلسفي فلسفة الأطفال من شأنه أن يحسن النظر في تبرير كلا النهجين. ولكن النهج الذي يسعى إلى الاحتفاظ بالفلسفة كنظام متكامل حتى في المدرسة الابتدائية هو النهج الذي يعد أكثر تهديداً، وسيكون بالطبع بحاجة أكبر للدفاع عن حججه.

لكل تخصص جانب استهلاكي – جانب يتم فيه الحصول على مواد والتمتع بها من أجلها فقط. وبالتالي، إذا لم يتم تدريس القيم الجوهرية للهندسة المعمارية – المتعة الموجودة في الترتيبات الهندسية للمساحة والمكان- في نظام له نزاهته الخاصة، فإن قيم العمارة الفعالة والنفعية ستكون معرضة للخطر، وسيكون لها تأثيرٌ أقل بكثير على حياتنا. هذا هو الحال مع تدريس الفلسفة. وقد تتخذ الممارسة الفلسفية للأطفال أشكالاً عديدة: فهناك مسرحية الأفكار التي تكون عرضية وعفوية في بعض الأحيان، وفي أحيان أخرى تكون مدروسة ومعمارية. ولكن أيا كان الشكل المحدد الذي قد يتخذه نشاطهم الفلسفي، فإن عدم تشجيعهم على العمل مع الأفكار والاعتزاز بها في سبيل المعرفة والفكرة نفسها يعد نقصًا في المسؤولية التعليمية.

ومن بين أولئك الذين يتفقون على الوظيفة الأساسية للفلسفة، هنالك من يرى بأن تعليم التفكير الفلسفي P4C يمكن أن تؤدي إلى تحسين الإنجاز الأكاديمي في مجموعة واسعة من التخصصات. ويتوقف صحة هذا الرأي أو عدم صحته على إجراء تجارب وقياسات تعليمية مناسبة. ويبدو أن مثل هذه البحوث في مجال العلوم الإنسانية غير ملائمة للعديد من الناس. فقد قيل، في بعض الحالات، إن الدراسات الإنسانية ينبغي ألا تُجبر على تبرير نفسها بموجب أدلة تجريبية على أنها تعزز التحسين الأكاديمي. على سبيل المثال، لا ينبغي للأدب أن يبرر نفسه بإظهار أن دراسته تؤدي إلى درجات أفضل في العلوم الاجتماعية أو في الرياضيات. ولعل المرء قد يطرح نفس الحجة بالنسبة للفلسفة: فهو موضوع إنساني ثري بحد ذاته لا يحتاج إلى أي مبرر آخر.

لكن من غير المرجح أن تكون هذه الحجة مقنعة للغالبية العظمى من مديري المدارس الذين يجب عليهم اتخاذ القرارات الفعلية بشأن الدورات الجديدة التي يجب تقديمها وأيها يجب تقليصها. فإذا تم قبول الفلسفة في المناهج الدراسية في ظل الظروف الراهنة، فلن تنجح إلا إذا تمكنت من الإثبات لمديري المدارس أنها يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في الأداء العام للطفل. ما هو تأثير تعليم التفكير الفلسفي على إتقان القراءة والتفكير والإبداع؟ ما الذي يتغير، إن وجد، في المواقف تجاه الذات، وتجاه الذهاب إلى المدرسة، وتجاه زملائه في الفصل؟ ما لم تتوفر بعض هذه النتائج، وما لم تكن ذات أهمية جوهرية، فلا ينبغي أن يكون لدى المرء أي أوهام حول استعداد المسؤولين التربويين لإدخال التفكير الفلسفي إلى الفصل الدراسي.

وعندما يتم تشجيع الأطفال على التفكير بطريقة فلسفية، يتم تحويل الفصل الدراسي إلى مجتمع متسائل وملتزم بالتساؤل وبأساليب البحث المسؤولة التي تفترض الانفتاح على الأدلة وعلى العقل. ويفترض أن تصبح هذه الإجراءات التي يتبعها المجتمع المحلي، عند استيعابها، عادات تفكرية للفرد.

إن بناء مجتمع متسائل يعتبر إنجازاً مهماً أكثر من مجرد ابتكار بيئة مفتوحة. وهناك بعض الشروط المسبقة: الاستعداد الفكري، والاحترام المتبادل (للأطفال تجاه بعضهم البعض، والأطفال والمعلمين تجاه بعضهم البعض)، وعدم استخدام التلقين. وبما أن هذه الظروف متأصلة في الفلسفة نفسها، وهي جزء من طبيعتها، كما كانت، فليس من المستغرب أن يصبح الفصل الدراسي مجتمعا متسائلاً كلما كان بمثابة ساحة للتشجيع الفعال للتفكير الفلسفي للأطفال.

هذا لا يعني أن تعليم التفكير الفلسفي P4C تستلزم مساواة مكانة المعلم والطلاب. في المسار الطبيعي للبحث الفلسفي، كما هو الحال في حوار الفصل الدراسي، قد يُفترض أن المعلم يمتلك السلطة فيما يتعلق بالتقنيات والإجراءات التي يتم من خلالها إجراء مثل هذا التساؤل. تقع على عاتق المعلم مسؤولية التأكد من اتباع الإجراءات المناسبة. ولكن فيما يتعلق بالعطاء والأخذ في الحوار الفلسفي، يجب أن يكون المعلم منفتحًا على مجموعة متنوعة من الآراء الضمنية بين الطلاب. يجب أن يحث المعلم الطلاب على توضيح وجهات النظر هذه، والبحث عن أسسها وآثارها. ويجب على المعلم أن يمتنع عن إحباط الأطفال فكريًا وإتاحة الفرص لهم لترجمة أفكارهم والتعبير عنها. فالتلاعب بالحوار من أجل دفع الأطفال إلى تبني قناعات المعلم الشخصية أمر مستهجن.

وينبغي تشجيع الأطفال على التفكير بأنفسهم وأن يكون المدرسون منفتحين على وجهات النظر المختلفة قد يصطدم بعض المدرسين باعتبارهم يحرضون على النسبية الفكرية بشكل أكبر ضرراً وتخريباً من النسبية غير العقلانية. ويمكن الاحتجاج بها تحت راية “التعددية”، ويستبعد التقارب في الآراء والاتفاق والموافقة، ويصبح التنوع الفكري هو النظام السائد اليوم. ولكنه يتجاهل افتراض ممارسة الفلسفة بأن المعارضة حق وليست التزاما. ومن المؤكد أن الحق في عدم الاتفاق لا يتجاوز الحق في الاتفاق، ولا ينبغي احترام الحق في السعي إلى تحقيق الإجماع إلا الحق في السعي إلى التنوع الفكري. وعلاوة على ذلك، فإن استعداد المعلم لتشجيع التنوع الفكري يوازنه تركيز مستمر على الممارسة الشائعة المتمثلة في إجراءات التساؤل.

وتقع على عاتق المدرسين مسؤولية التأكد من أن التلاميذ لديهم وسائل الدفاع عن أنفسهم في الحوارات الفلسفية. وبالتالي فإن أحد مبررات تعليم المنطق، غير إجبار الأطفال على التفكير بحزم في أنفسهم، هو أنه يمكنهم من إجبار خصومهم على التفكير بحزم أيضا. وقد يقال نفس الشيء فيما يتعلق بجعل الأطفال متاحين لمفاهيم فلسفية: فهو يضمن لهم بالتالي عدم تحولهم إلى بيادق لا حول لها ولا قوة عندما يتناقشون مع أطفال آخرين يتمتعون بقدرة بلاغية أو منطقية متفوقة. على سبيل المثال، لنفترض أن المعلم في الفصل يواجه اقتراحاً لا يعارضه أحد من الطلاب – بأن المسألة الميتافيزيقية قيد الحوار “تقرر” بتصويت. ويبدو أن هناك سبباً وجيهاً في مثل هذه الحالة يدعو المعلم إلى التشكيك في مدى ملاءمة هذا الإجراء عند تطبيقه على المسائل الفلسفية خلافاً للقضايا السياسية. وباختصار، عندما يفشل الحوار الطلابي في التجسُّد، قد يضطر المعلم إلى التدخل، بإدخال اعتبارات ذات صلة بالفلسفة، من أجل الحفاظ على نزاهة التساؤل.

ومن الواضح أن هذا الأداء التعليمي يتطلب قدراً كبيراً من المهارة والفطنة، ومن المعقول التساؤل عما إذا كان يمكن تكليف مدرسي المدارس الابتدائية القائمين بهذه المسؤولية. والجواب هو أنه باستثناءات نادرة لا يمكنهم ذلك. وبدون التدريب المناسب، لا يمكن تكليف معظم المعلمين بالتعامل مع صرامة المنطق، أو القضايا الحساسة للأخلاقيات، أو تعقيدات الميتافيزيقيا. بيد أن هذا لا يعني أنه لا يمكن تثقيف المعلمين على التعامل مع هذه المسائل على النحو المناسب على المستوى الذي يدرسون فيه. فالمشكلة لا تكمن في أن المعلمين في التدريب يفتقرون إلى الإمكانات الفكرية التي من شأنها أن تحولهم إلى مدرسين فعاليات فلسفية في فصول الدراسة الابتدائية، بل إن برامج تدريب المدرسين الحالية تفشل تماماً في إعداد المعلم لهذه المسؤولية فعلى سبيل المثال، يقدم للمعلمين بعض الأوقات دورات دراسية في فلسفة التعليم بل إنها قد تأخذ في مناسبات نادرة مساراً في المنطق أو الفلسفة. ولكن مثل هذه الدورات في حد ذاتها لا قيمة لها عندما تصبح مسألة إعداد المعلم لتشجيع الأطفال على التفكير بشكل فلسفي. ولا تتيح دورة دراسية على مستوى الكلية في الفلسفة للمعلم ترجمة مفاهيم ومصطلحات الفلسفة إلى عرض يفهمه الأطفال. وما لم يتم تدريب المعلمين بطرق النهج التعليمية المماثلة للنهج التي يتوقع منهم استخدامها في فصول الدراسة الخاصة بهم، فإن إعدادهم سيكون فاشلا. وإذا كان من المتوقع أن يجري المعلمون حوارات، فلا بد من إتاحة الفرص لهم للدخول في حوارات فلسفية بأنفسهم وتعريضهم لنماذج تعرفهم بكيفية تيسير الحوارات بطريقة فلسفية. وإذا كان من المتوقع من المعلمين أن يثيروا سلوك التساؤل من جانب طلابهم، فلابد وأن يتلقوا تعليمهم من جانب المربين الذين يقومون بنمذجة مثل هذا السلوك بأنفسهم في جلسات تدريب المعلمين. وإذا كان من المتوقع من المدرسين أن يعلموا الأطفال كيفية التفكير، فيجب عندئذ أن يعطوا ممارسة في المنطق كما يتوقعون من طلابهم. وغني عن القول إنه يجب تشجيع المعلمين في التدريب على احترام التساؤل إذا كانوا يريدون حث طلابهم على الاهتمام بهذه الإجراءات.

ومن الواضح كذلك أن المناهج الدراسية الأساسية التي يتدرب عليها المعلمون أنفسهم ينبغي ألا تختلف اختلافا كبيرا عن مواد المناهج الدراسية التي يستخدمونها في المدرسة الابتدائية. وهذا لا يعني أنه لا ينبغي تدريب المعلمين بتعمق أكبر من تدريب الأطفال. يمكن استكشاف الفروق الدقيقة والتعقيدات في المنطق والفلسفة بشكل أكمل مع المعلم، على الرغم من أنه من غير المرجح في معظم الحالات أن تظهر هذه الفروق بشكل صريح في الفصول الدراسية. ولكن إذا لم يتعرف المعلم في عملية التدريب على تلك المواد التي ستستخدم لتشجيع التفكير الفلسفي بين الأطفال، فإن مشكلة التفسير مرة أخرى تقع بالكامل على عاتق المعلم، وهي عبء لا ينبغي أن يطلب من المعلم دعمه.

وسيكون من الصعب جداً وضع برنامج تعليم التفكير الفلسفي للأطفال p4c   للأطفال بدون عنصر تعليمي نظري، لأن المسائل ذات القيمة كثيرا ما تواجه في جوانب أخرى من الفلسفة وتتسم بأهمية كبيرة بالنسبة للأطفال. ومن ناحية أخرى، سيكون من الصعب تعريف البرنامج على أنه تساؤل أخلاقي إذا تم إدراجه. ولا يجب تشجيع الطلاب على التعبير عن معتقداتهم بشأن ما يعتبرونه مهماً فحسب، بل يجب أيضا تشجيعهم على مناقشتها وتحليلها، مع مراعاة الأسباب المؤيدة والمعارضة للاحتفاظ بهذه المعتقدات، حتى يتمكنوا من الوصول إلى أحكام قيمة تفكرية تكون أكثر قوة وقابلية للدفاع عنها مما قد تكونه تفضيلاتهم الأصلية. مثل هذه التساؤلات ستساعد الطلاب بالضرورة في اختبار المعايير المستخدمة في تفضيل قيمة على أخرى، ويمكن أن يؤدي إلى قيام الأطفال بالتساؤل في المعايير التي يتم من خلالها اختيار المعايير بأنفسهم.

من المرجح أن يكون إعطاء الأطفال ممارسة في تحديد الأسس التي يتم تفضيل بعض الأسباب بناءً عليها على الأسباب الأخرى لتبرير المعتقدات الأخلاقية، وتدريبهم على التعرف على التناقضات في الجدل وجعلهم يرون العلاقات النظرية والممارسة أكثر قيمة من تعريض الأطفال لمدارس الأخلاق التقليدية التي يتم فيها تدريس دورات للكبار.

لا يمكن تعليم الفلسفة بدون أخلاقيات وعلى العكس من ذلك، فإن الافتراض بأن التعليم الأخلاقي يمكن تعليمه دون تعريض الطفل لفروع أخرى من الفلسفة هو أكثر إثارة للشك. ويندرج التحري الأخلاقي بالضرورة على اعتبارات منطقية مثل الاتساق والهوية، والاعتبارات الميتافيزيقية مثل مفهوم الشخص أو المجتمع، والاعتبارات الجمالية مثل العلاقات الكلية الجزئية، فضلا عن مجموعة كاملة من الاعتبارات الإبستمولوجية. يمكن مساعدة الأطفال بتسهيلها لهم عن طريق اللعب في الفصل الدراسي الفلسفي لرؤية أوجه التشابه والاختلاف بين الطرق التي تعمل بها القواعد في اللعبة والطرق التي يفترض أن تطبق على السلوك الأخلاقي. خيال الأطفال الأخلاقي قد تطلقه حكايات القديسين والأبطال، ولكن إذا كنا نتوقع منهم الانخراط في السلوك الأخلاقي بطريقة تفكرية ومسؤولة فيجب عليهم أن يكونوا متمكنين بقدر كاف من الفهم الفلسفي حول ماهية القدسية والبطولة. وباختصار، فإن المفاهيم الرئيسية للأخلاقيات لا يمكن أن يستوعبها الطفل أكثر دون مساعدة التفسير الفلسفي الذي يمكّنهم من فهمها على مستوى عمري أكبر.

ومناقشتنا بشأن الافتراضات المسبقة لتعليم التفكير الفلسفي P4C لم تشر إلى الأطر الاجتماعية التي من شأنها أن تكون شرطاً مسبقاً لنجاح البرنامج في المدارس الابتدائية، خلافا للأطر التي قد تؤدي إلى فشل البرنامج. وأولئك الذين يضطلعون بمشاريع كافية لبدء برنامج من هذا القبيل سيفيدون في التعرف مسبقا على قيم وتوقعات المجتمع المحلي الذي يجري فيه تقديم البرنامج. وتفترض الفلسفة مسبقا الالتزام بالتحقيق المفتوح، وقد يكون هذا التحقيق موضع ترحيب أو قد لا يكون في بعض المجالات. ويمكن القول بالطبع إن هذا سبب جيد لتوقع أن يكون انتشار تعليم التفكير الفلسفي للأطفال P4C محدوداً للغاية. ولكن هذه مسألة تتعلق إلى حدٍ كبير بتوقيت الابتكار التعليمي. وقد لا تكون المدارس ذات القيم التقليدية القوية أفضل مكان لبدء برنامج لا يستطيع مؤيدوه أن يظهروا سجلاً راسخاً للأداء الأكاديمي المحسن. ومن ناحية أخرى، وبمجرد أن يسمح للمرء أن يثبت الفوائد الأكاديمية من البرنامج وأن يخفف من مخاوف الوالدين من أن تؤدي الفلسفة إلى تفاقم التوترات بين الوالدين والأطفال أو تقويض القيم الأبوية، تصبح مشكلة إدخال هذا البرنامج في المدارس الابتدائية أقل جسامة بكثير. ولنسمح بقبول قضية المدير أو الوالد المجتهد: فإذا لم يكن تعليم التفكير الفلسفي P4C مثرياً ومفيداً تعليميًا، فلا مكان له في المدارس. عبء إثبات أهمية التأثير يعود إلى البرنامج نفسه؛ لإظهار الفروقات التي ستطرأ على الطلاب من خلاله.

حمل مقالة بعض الافتراضات التربوية لتعليم التفكير الفلسفي