Happiness

السعادة

Dialogues with Children: Gareth B. Matthews, “Happiness”, P.4

محاورات مع الأطفال، جاريث ب. ماثيوز، ص ٤

ترجمة: إمتنان الحربي

” زهور العمة غريتي سعيدة مجدداً” قال فريدي.

تجيب عليه أليس بسخرية: ” الزهور لا تستطيع أن تشعر بالسعادة!” بينما تتناول حبوب الإفطار في زاوية طاولة الطعام وتكمل حديثها: “إن العمة غريتي تحب أن تتكلم عن الزهور وكأنهم أشخاص، ولكن الحقيقة هي أنهم لا يملكون أية مشاعر! لا يستطيعوا أن يشعروا بالعطش أو الحزن أو الفرح.”

وبخيبة أمل، يسأل فريدي والدته: “هل هذا صحيح يا أمي؟”

تجيب والدته قائلة: “من الأفضل لك أن تسأل عمتك غريتي، هي التي تعلم عن الزهور أكثر منا جميعاً”.      

هكذا بدأت القصة التي ألفتها للأطفال – الذين كانت تتراوح أعمارهم من 8 إلى 11 سنة – في صف مدرسة سانت ماري للموسيقى الموجودة في أدنبره، اسكتلندا. أكتوبر عام 1982.

 كنت أقضي العام الدراسي في دراسة ﺍلإ‌ﺑﺴﺘﻤﻮﻟﻮﺟﻴﺎ (أو نظرية المعرفة) في جامعة أدنبره، وقد شمل مشروعي الجامعي إجراء أبحاث في (مفاهيم الطفولة والتنمية البشرية)، بالتحديد (التطور المعرفي). كان لدي العديد من الزملاء الوديّين والمُحفزين من؛ أطباء نفسيين، لغويين، مختصين في الذكاء الاصطناعي وفلاسفة – كلهم بالغين، وأهتم بحثي بالأطفال وكيف ينبغي أن يفكروا. لكن أصغر أطفالي كان يبلغ من العمر 15 سنة تقريباً، لم يكن لدي أي تعامل مع طفل بشكل دائم ويومي.

ومع تفكيري بحل لهذه المشكلة، توجهت إلى اليسون (مدير مدرسة سانت ماري الموسيقية)، وهي مدرسة صغيرة جداً للمراحل من الابتدائية إلى الثانوية، جيدة للأطفال الذين لديهم موهبة موسيقية، سألت المدير إذا كان يمكنني المساعدة مرة كل اسبوع في بعض الوظائف مع الأطفال الأصغر سناً. وقد وافق المدير على طلبي بعدما قام بالتحقيقات اللازمة. وتم إعطائي الحرية الكاملة لفعل ما أريد مع الأطفال، فرصة واحدة كل أسبوع. وقد اخترت تحديداً أن أجعل الأطفال يساعدونني في كتابة القصص الفلسفية.

تعليقات أليس المثيرة للشك عن الزهور كانت بهدف جعل الأطفال يتحاورون فيما بينهم؛ وهذا ما فعلوه بالفعل.

كان الأطفال يعتقدون أن الزهور تشعر بالعطش، بلا شك، ولكن لديهم تساؤل عما إذا كانت تشعر بالسعادة؟!

“لماذا لا تعتقدون أن الزهور تشعر بالسعادة؟” سألتهم.

“لأنه ليس لديها أدمغة!” أجابني دانيال بشكل قاطع وبنفس اللحظة وبكل وضوح؛ ابن الثامنة والنصف من عمره (الذي كان أصغر طالب في الصف بذلك الوقت)

“هل هناك سبب آخر؟” سألته.

فأجابني “لأنه ليس لديها مشاعر!”.

شاركنا الحوار بعد ذلك ديفيد بول (ذو العشرة أعوام).

حيث أضاف قائلاً: “هناك نبتة؛ مبنية بحيث تتجمع أوراقها معاً لتصطاد الحشرات”.

سألت الأطفال إذ هنالك أحد يعلم عن اسم هذه النبتة

“صائدة الحشرات” قال أحدهم

تحاورنا عن نبتة مصيدة فينوس لبعض الوقت،

أضافت أليس؛ ذات التسعة عوام ونصف قائلة “إذ لمستها تلتوي أوراقها”

“ذلك مثل الفراشات،” قالت إسثر؛ التي تبلغ من العمر 11 عام (وهي الأكبر في الصف).

رد ديفيد بول سائلاً “لكن، أليست تلتوي بشكل لا ارادي كردّة فعل؟ مثل النابض الحلزوني؛ يلتوي بسهولة إذا لمسته”.

فسألتهم إذا كانت النبتة الحساسة تستجيب بشكل لا ارادي منها كردّة فعل، فهل يعني ذلك أنها لا تملك مشاعر!

“ولكنها تشعر وتستجيب على اية حال، طالما التوت عند لمسها، إذاً فهي تشعر” أجابتني اسثر.

تطور بعدها الحوار عما إذا كانت الزهور تستطيع التواصل مع بعضهم البعض.

“قد تستطيع النباتات التواصل مع بعضها البعض، بموجات الراديو أو وسيلة مشابهة” قال ديفيد بول مقترحاً، وأكمل حديثه: “أو ربما يتم التواصل عن طريق الغبار الذي ينتقل من نبتة إلى أخرى.”

سألتهم: لماذا يهمنا أن نعرف قبلاً، إذا كنا نريد أن نعرف إذا كان شيء ٌما يستطيع أن يشعر بالسعادة أم لا. فعلينا أولاً تحديد ما إذا كان يستطيع التحدث! وكان واضحاً بالنسبة للأطفال؛ أن اللغة تستطيع أن تفصح عن الحالة المزاجية. ولكنهم اقترحوا، أنه ربما يمكن التعبير بطرق مختلفة.

كما قال ديفيد بول “أن تَفتُح الزهرة وازدهارها قد يكون تعبيراً عن سعادتها”.

وثم تحاور الأطفال حول الإشارات أو الإيماءات؛ كطريقة للتعبير عن المشاعر أو حالة المزاج.

أقلقت أليس فكرة – أن الزهور إذا انحنت للأسفل وتقلصت؛ فلابد أن تكون حزينة. وأبدت قائلة: “إنه ليس من الضروري في كل مرة تنحني فيها، يعني أنك غير سعيد! قد تكون في مزاج سيئ وتقف مستقيماً!”

“هل النبتة لها دماغ؟” سأل دانيال.

وقد اخبرتهم إنه سؤال جيد، وأكملت متسائلاً: هل معرفة إجابة هذا السؤال قد تساعدنا في تحديد ما إذا كانت النبتة تستطيع الشعور بالسعادة؟

أجابني مارتن؛ البالغ من العمر 10 سنين: “بدون دماغ لا تستطيع أن تشعر بالحزن أو بالسعادة أو بأي شيء…”، ” بدون دماغ لن تكون موجوداً اصلاً!”

وقد أثار فضولي الجزء الأخير من جواب مارتن وجعلني أتساءل كثيراً عن الحياة والموت، (على سبيل المثال، إذا كان فقدان بعض وظائف الدماغ بمعيار معين هو سبب طبيعي ومقنع لموت الإنسان! وما إذا كان الجنين بدون وظائف الدماغ، يعتبر حقاً كائن بشري؟)

ولكن الحوار كان قد استمر حتى قبل أن أصيغ سؤالاً تابعاً.

أضاف ديفيد بول قائلاً: “أنا لا اعتقد أن النبتة تقول لنفسها، أنا سعيدة، أو أنا حزينة، إنها مثل الآلة، فقد تعمل وقد تنفذ طاقتها ثم تحتاج لمزيد من الطاقة”.

ثم سأل دانيال: “هل لدى الزهور أعين؟”

وأجابه بعض الأطفال بـ “لا”.

رد دانيال بإصرار: “ولكن هنالك شيئاً بداخلها مثل العين!” (أعتقد أنه يقصد أجزاء الزهرة – السداة والمدقة – كأعين لها).

استفزت فكرة – احتياج النبات إلى النظر حوله – ديفيد بول، فقال مدافعاً ” نبات القراص يستطيع أن يشعر أنه بخطر وأنه يحتاج أن يحمي نفسه”.

ومن ثم انتهى وقت حوارنا، حظينا فقط بنصف ساعة لنحدد ما إذا كانت الزهور تستطيع أن تشعر بالسعادة أم لا. وبالتأكيد لم نقرر على إجابه واحدة. ولكننا خرجنا بمجموعة رائعة من الإجابات والآراء المختلفة.

وقد وعدت الأطفال بأنه في الأسبوع القادم سأختم القصة وأني سأستخدم فيها بقدر المستطاع ما تحدثنا عنه في الصف. (كان لديهم علم أني أسجل حوارنا). وطلبت منهم أن يقترحوا أيً من آرائهم وتعليقاتهم قد يستخدم بلسان أليس، وأيً بلسان العمة غريتي. وهكذا. وكانت اقتراحاتهم معقولة ومنطقية.

عدت للمنزل وكتبت الحوار الذي سجلته، واستخدمته لتكملة القصة. لم أواجه أية مشكلة في استخدام آراء الأطفال وتعليقاتهم لتكملة القصة. ولكن بالحقيقة؛ المشكلة كانت كيف أنهي القصة وأكتب خاتمتها، حيث أن حوارنا لم تكن له نهاية واضحة.

ولذلك قررت أن أنهي القصة بتأليفي. وقد استخدمت حوارات ارسطو عن يودايمونيا (يودايمونيا – تعني -السعادة- كما معروف عنها تقليدياً، أو – الازدهار الإنساني والرفاهية – كما يفضل أن يُعرفُها العديد من طلاب أرسطو الحاليين)، من كتابه (الأخلاق النيقوماخية)؛ وطبقتها على النباتات. لا أعتقد أن أرسطو سيكون سعيداً بهذا التعديل، وقد يختلف فيه بعض العلماء. ولكن – على أية حال، هذه هي الخاتمة الأرسطية – أو شبه الأرسطية التي ألفتها للقصة:

قرر فريدي أن يواجه العمة غريتي بسؤال الزهرة: “عمة غريتي، كيف يمكننا أن نعرف أن زهور الأقحوان سعيدة؟”

“ألم ترها اليوم؟” سألته العمة، ثم أضافت قائلة “جميع الزهور مزهرة وتبتسم لنا! “

أجابت أليس بحدة: “أوه… أنتِ فقط تريدين أن تتظاهري بأنهم مثل البشر، لكنك تعلمين أنهم لا يملكون مشاعر أو أحاسيس أبداً، لا يستطيعون أن يشعروا بالسعادة”.

اعتدلت العمة غريتي في مقعدها وهي تسأل: “هل تظنين أن السعادة هي إحساس يا أليس؟” وأكملت سؤالها “ربما السعادة بالنسبة لك هي وخز دافئ ورقيق ينتشر في جسدك؟”

 أجابت أليس بحذر: “لا أعرف”.

“إذا كنتي تعتقدين أن السعادة مثل إحساسك عندما تشربين كوباً ساخناً من الشوكولاتة في جو بارد؛ فإذن ربما الزهور ليست سعيدة بهذا المعنى …”أكملت العمة غريتي حديثها”…على حد علمنا، فإن الزهور لا تملك ذلك النوع من الإحساس. ولكن بالنسبة لك، أكثر أوقاتك سعادة هو عندما تفعلين شيئاً تحبيه وتستمتعين به، كالغناء في جوقة كبيرة أو لعبك بشكل رائع في لعبةٍ ما. لن يكون لديكِ وقتاً لتتوقفي وتحسي بالدفء! سعادتك هي أن تفعلي شيئاً تجيدين فعله، بكل ما لديك. الزهور كذلك؛ تزهر بكل ما فيها إذا كانت بصحة جيدة وتأخذ كفايتها من الماء؛ تفعل ذلك؛ تزهر وتتفتح، وهذا معنى السعادة عند الزهرة.”

استمع فريدي لكلام العمة غريتي وبدأ يفكر عن أكثر لحظاته سعادةً. وهي التي كانت عندما شارك مع جوقة من المنشدين الأطفال في احتفال عشية يوم الميلاد بالكنيسة. ورغم عدم معرفته لم كان يعجبه ذلك النشيد كثيراً، إلا أنه كان يحبه جداً. ربما كان يحس بأحاسيس دافئة في ذلك الوقت، لكن السعادة لم تكن في تلك الأحاسيس الدافئة، فإذا كانت السعادة بالدفء، بإمكانك بكل بساطة أن تذهب إلى حريق غاز.. وتصبح سعيداً.

ربما السعادة عند أي شيء حي، هي أن تفعل شيئاً بشكل جيد، بكل ما لديك. كما قالت العمة غريتي. بالنسبة للزهرة، السعادة؛ هي أن تَزهر وتتفتح.

بعد ذلك – في الأسابيع التالية – قرأنا القصة كاملة معاً، وعند جزء “الذهاب إلى حريق غاز لنصبح سعداء”، كان واضحاً على بعض الأطفال محاولة السيطرة على ضحكاتهم. (ولكن الحقيقة هي أنه؛ حتى إذا لم تكن تشعرنا النار بالسعادة، فإننا بفصل الشتاء – والربيع والخريف أيضاً – في أدنبره؛ نقدّر وبشدة المدفأة الموجودة في الصف حيث نلتقي).

وقد استخدمت النشيد في الكنيسة كمثال؛ لأن اغلب الأطفال في الصف أعضاء في جوقة القديسة ماري الموسيقية الكاتدرائية (الكنيسة الأسقفية الأسكتلندية). بحيث كانوا 5 من 7 أطفال في الصف منشدين (ومن ثم أصبحوا 6 من أصل 8 أطفال؛ عندما انضم الينا ريتشارد في كانون الثاني). وجميع المنشدين منهم في الصف كانوا أولاداً (ومن غير المعتاد – في عادات الجوقة الموسيقية – أن يتم استخدام بنات لطبقة الصوت العالي مثل الأولاد، ولكن ما حدث أن الفتاتين أليس واسثر اختاروا عزف آلة الكمان بدلاً من النشيد). لكنني لم أكن متأكداً أن اختياري للجوقة الموسيقية كمثال؛ سيكون مفيداً أم لا.

سألت الأطفال عن رأيهم بالخاتمة، أغلبهم جاوبني بحماس “جيدة!” وجاوبني دانيال مبتسماً ابتسامة فوز عريضة: “مذهلة!”.

ولكن دونالد (ذو العشرة أعوام والنصف) الذي كان واضحاً أنه طفلٌ مفكر. كان مستاءاً للغاية؛ تمتم بشيء لم أفهمه بالبداية، فطلبت منه أن يعيد ما قاله. فأخبرني أنه أحب القصة، وإنها جيدة. ولكن هناك سؤال لم يعرف كيف يجاوبه- سؤال لا يستطيع ألا يفكر فيه. هو يعتقد أن الزهور تستطيع أن تشعر بالسعادة؛ وأن كل ما أوضحته العمة غريتي عن إحساسهم بالسعادة حين تشرق الشمس صحيح. “ولكن…” أضاف بنبرة شديدة: “كيف يمكنهم أن يشعروا بالسعادة بدون عقل؟… كيف يكون من الممكن أن يستطيعوا أن يكونوا سعيدين بدون عقل؟” دونالد لم يكن ينتظر مني أن أحل مشكلته لأجله أو أن أجعلها تذهب. فقد تقبل المشكلة واعتبرها مشكلته الخاصة؛ سيتعامل معها هو.

وقد كانت استجابته هذه مؤثرةً للغاية بالنسبة لي.

المصدر : حوارات مع الأطفال، جاريث ب. ماثيوز،1992

حمّل مقالة السعادة، حوارات مع الأطفال