البعد الجمالي لمجتمع التساؤل

The Aesthetic Dimension of the Community of Inquiry

آن مارجريت شارب

Ann Margaret Sharp

Public Domains

“جميع الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن المؤلف وليست مسؤولية معهد بصيرة أو دار بصيرة للنشر أو أي جهات أخرى متصلة بها من الجهات والهيئات الثقافية التنظيمية أو المانحة وغيرها”

ترجمة: سجى الحسيني

تدقيق: أمل اسماعيل

“الجمالية ليست دخيلاً على التجربة من الخارج؛ فهي التطوير الواضح والمكثف للسمات التي تنتمي إلى كل تجربة طبيعية كاملة. ليس من الممكن تقسيم التجربة الحيوية بين الجوانب العملية والعاطفية والفكرية عن بعضها بعضاً وتحديد خصائص أحدها مقابل خصائص الآخر. تربط المرحلة العاطفية الأجزاء معًا في مجموعة واحدة، حيث يشير المفكر ببساطة إلى حقيقة احتواء التجربة على معنى، بالإشارة إلى أن الكائن الحي يتفاعل مع الأحداث والأشياء التي تحيط به. يكون التساؤل الفلسفي أو العلمي أكثر عندما تشكّل مكوناته المختلفة تجربةً متكاملة وجودةً جمالية.” (John Dewey, Art as Experience, p. 46.).

أولاً: مقدمة

الجماليّة – كما يصفها ديوي Dewey أعلاه – موجودة في جميع الاستفسارات؛ سواء كانت نظرية أو عملية، علمية أو أخلاقية، باعتبارها جانباً واسعاً من جوانب التفكير الخيالي، فهي نشاط يرسم تدفق الخبرة نحو استمرارية ذات مغزى بإعادة التنظيم المستمر وإعادة بناء الأحداث الظرفية. عن طريق هذا النشاط يتطور أفقٌ وتركيزٌ يكشفان عن احتمالات زمنية للتكامل التام للخبرة. يستوعب الخيال التجربة باعتبارها نموًّا للمعنى من خلال الأفعال (Alexander, p. 261).

بالطبع، لا يوجد منطق مطلقٌ خالٍ من السياق في أيِّ من مجتمعٍات التساؤل. يجب فهم كل فكرة مقابل إطار أو إطارات مجازية؛ وليس من الممكن إعطاء قيمة غير مجازية للمنطق أو التساؤل (Johnson). لنفترض أننا نتخيل مجتمع التساؤل في الفصول الدراسية على أنه طقس – طقس يحتفل بمُثُل الحقيقة والجمال والحرية والخير والعدالة. ستتخلل الجمالية كامل هذه العملية كما تتخلل أي طقس. لكن مجتمع التساؤل في الفصول الدراسية فريد من نوعه كطقس حيث إن جميع الفلسفات ترتبط بالمفاهيم المجازية الأكبر. وهذا يشمل التركيبات الخيالية والمخططات والمُثُل والسرد والنماذج الشعبية ومجموعة معقدة من القيم والمصالح المشتركة ثقافيًا. نظرًا لأن البعد الجمالي يتميز بالإبداع والخيال بدلاً من القواعد أو النظريات أو منهجية ثابتة، فمن المنطقي التحدث عن تقييم جلسة تساؤل جماعية من حيث المعايير الجمالية وكذلك المنطقية والأخلاقية. على سبيل المثال؛ قد نقيّم حوار مجموعة ما من حيث الانسجام والنزاهة والوحدة والتعقيد والإبداع.

يقدم مجتمع التساؤل، في أفضل حالاته، انغماسًا في التجربة الجمالية التي يمكن أن تكون بمثابة تجربة مزودة بتصور إمكانيات جديدة تعتمد على الحساسية والتمييز التقديري للأجزاء والكليات والتلاعب الخيالي بالعناصر لبناء شيءٍ من الانسجام والوعي برؤية هذا الانغماس وجودته. عندما نصبح أكثر وعيًا بالبعد الجمالي لمجتمع التساؤل، يمكننا اكتشاف طرقٍ جديدة لتعزيز مشاركتنا في المجتمع ككل.

ثانيًا: إبداع الحوار: حلقات التساؤل باعتبارها فَنًّا

إن القول بأن كل تساؤلٍ هو فن ليس صحيحًا بالمعنى الحرفي رغم ما سبق – على الأقل ليس بمعنى مُطلَق. ولكن، إذا أردنا أن نولي اهتمامًا وثيقًا للحوار في مجتمع من التساؤل الفلسفي، فعلينا أن نشرع في ملاحظة العديد من جوانب النشاط الفني في الحوار الجماعي. يقول مارك جونسون Mark Johnson (pp. 210 ff) إنه يمكننا معرفة المزيد عن حلقات التساؤل الجماعي عن طريق فحص مدى تشابهه مع الإبداع الجمالي بدلاً من دراسة الشكل المنطقي للحوار. ضع في اعتبارك الخصائص التالية للنشاط الفني لأنها تؤثر على الحوار الفلسفي المجتمعي الجيد في الفصل الدراسي:

  1. إعداد المشكلة – الذي يتضمن تحديد الاستعارات الضمنية التي تكمن وراء المفاهيم التي يستخدمها المشاركون في إعداد المشكلة التي سيجري التحقيق فيها.
  2. صياغة هذه الاستعارات وطرحها في تساؤل مفتوح حول مدى ملاءمتها.
  3. إمكانية إعادة صياغة المشكلة.
  4. تحديد جوانب السياق التي يجب أخذها بعين الاعتبار.
  5. وصف الشخصيات والخصائص المشاركة في المسألة قيد المناقشة.
  6. تفسير الرواية الكامنة وراء المشكلة جماعياً – غالبًا ما يأخذ هذا الشكل ما أسماه بيرس Peirce “التفكير العميق”، أي تقرير ملاحظات متبوعًا بمعالجة خيالية للحقائق المرصودة ولفرضية تفسيرية، ثم تُتدارس من بقية المجموعة.
  7. يبدأ المشاركون باقتراح الصور أو التفسيرات الكلية المنطقية للجزء الفردي. غالبًا ما يحقق المشاركون أثناء ذلك قفزات إبداعية نحو إنشاء فئات قريبة جديدة – بمعنى أن تُدرك المشكلة من جانب مختلف.
  8. يجري إدخال التوتر في التعارض الجماعي بين الطريقتين الجديدة والمقبولة للاستئناف. وبقدر ما يمكن تحمل هذا التوتر والعمل معه يكون منتج المجموعة عميقاً.
  9. غالبًا ما يعبّر التفكير الإبداعي للمجموعة عن نفسه على أنه تصورٌ للاحتمالات الجديدة، والعلاقات الجديدة، والرؤية الكلية الجديدة التي يمكن منها فهم البيانات. يوسع هذا الإبداع فهمنا وإحساسنا بالإمكانيات المتاحة لنا لتجربة العالم وفهم أنفسنا وتكوين ارتباطات مع الآخرين. في البداية، يبدو أن هذه القفزات الإبداعية للأفراد تتعدى التراكيب المقبولة، وتتجاوز الأشكال والممارسات المقبولة، ولكن مع مرور الوقت، تبدأ المجموعة في تجربة طرقٍ جديدة في التفكير وطرقٍ جديدة للربط والعمل.
  10. التخيل هو مفتاح هذه الخطوة. إنها الوسيلة التي تظهر بها الأشياء الجديدة إلى الوجود، ويُعاد بها تشكيل الأشياء القديمة وتتغير طرقنا في الرؤية والسمع والشعور والتفكير والارتباط؛ فالعالم لا يعطى لنا على طبق من ذهب، بل باعتباره مهمةً إبداعية، نعمل نحن أو نستخدم أمانتنا وشجاعتنا وخيالنا – أو نفشل في استخدام كل ذلك – في تفسير ما هو موجود لنا، لأننا بالضرورة نشكّله و”نصنع شيئًا منه”. إننا نساعده على الوجود ونعمل في نقطة الالتقاء إذ نتعامل مع عالمٍ غير أنفسنا، وغير متصلٍ بأيّ شيءٍ يمكننا معرفته معرفةً تامة.

“إن وعينا العادي هو عملٌ مستمرٌّ وعميقٌ للقيم، وحاضرٌ مستمرٌ ووجودٌ للتصورات والحدس والصور والمشاعر والرغبات والكراهية والمرفقات. إنها مسألة ما “نرى الأشياء عليه”، ما نسمح أو نجعل أنفسنا تُفكّر فيه، كيف؟ عن طريقِ حركاتٍ لا تعدّ ولا تحصى، ندرب تصوراتنا ونطور عاداتنا ونختبر طرقنا في التأكد. المجاز والاستعارة لهما جذورهما وأصولهما العميقة في هذا الوعي الذاتي، وجزءٌ مهم من تعلم الإنسان هو القدرة على توليد الصور والحكم عليها وفهمها مما يساعدنا على فهم العالم.” (Murdoch. P. 215).

تعلم التفلسف يعني تعلم نوعٍ معين من الفهم الحدسي. غالبًا ما يعارض مصطلح “الحدس” “العقل” تعارضًا غير صحيح. يمكن القول إن “القفزة البديهية” يجب أن تكون إما تخمينًا عشوائيًا أو جزءًا من التفكير السريع. ما هو عميق في التفلسف هو ليس شيئًا حرفيًا أو شبه واقعي أو شبه علمي. غالبًا ما يكون هناك استخدام دقيق وصريح للمجاز – وغريزيّ في بعض الأحيان. قد يبدو أن هذا يترك التعبير النهائي مفتوحًا إلى درجة من الغموض – الذي قد يكون في حد ذاته موقفًا فلسفيًا. يمكن للفلسفة الرسمية أن تفعل الكثير في إدراك المفاهيم التي تكمن وراء تجاربنا اليومية. هذا ليس تصوفًا ولكنه اعتراف بالصعوبة التي يواجهها المرء عند ربط العقل ربطًا جماعيا حول مسائل ذات أهمية يومية في تجربتنا. (Murdoch. P. 236).

ثالثًا: الوقت والتوقيت

تمامًا كما يوحي عمل فني ناجح بكل الحقائق المرتبطة بالزمن وبتلك غير المحدودة، فإن كل مجتمعِ تساؤل يتميز بمشاركة مزدوجة لنوعي الحقائق تلك في “الوقت المناسب”. قد نميز هذين الجانبين بكرونوس Chronos وكايروس Kairos. كرونوس هو الوقت الموضوعي للساعة. في هذا المجال يجب على المعلم والطلاب أن يتذكروا أن لديهم فقط دقائق محددة لتساؤلاتهم.

 في غضون ذلك الوقت، يجب عليهم ترتيب أولوياتهم ومعرفة ما يجب عليهم فعله ومتى وإلى متى؛ كي يُعزّز هذا حلقة التساؤل بدلاً من أن يعيقها. يعتبر توقيت كل نشاط فردي يتضمن حلقة التساؤل مهمًا – إن قضاء الكثير من الوقت في القراءة أو جمع الأسئلة على حساب متابعة الحوار التساؤلي يؤدي إلى نتائج عكسية. قد نقول أن توقيت الميسر “غير مناسب”.

إلا أنه إذا كان كرونوس هو المسيطر تمامًا، فإن المجتمع يفتقر كثيرًا. من المهم أن يتجاوز كايروس كرونوس في نقطة أو (نقاط) أثناء الجلسة – وإلا لن يكون للعملية أي معنى. تم وصف كايروس على أنه وقتٌ مستوفًى أو وقتُ النسيان أو وقت التجاوز. ننخرط في نشاطنا لدرجة أننا ننسى بالفعل مرور الدقائق، ونعيش مؤقتًا على الأقل، في عالم أزلي.

من المثير أن نلاحظ أنه في تجربة كايروس ليس علينا فقط أن ننسى الدقائق التي تمر، ولكن بالمعنى الحقيقي فإن علينا أن ننسى أنفسنا، وأن يتركز اهتمامنا على التساؤل الجاري، أين يتحرك وكيف يمكننا المساعدة في تحريكه؟ أن تكون منشغلاً بالذات، والتساؤل المستمر عن متى يجب أن نتدخل أو كيف يجب أن نقدم أفكارنا، هو الانتقال من الأزلية إلى الوقت المحدد مرة أخرى. تجربة كايروس هي علامة للمجموعة على أن العملية كانت جديرة بالاهتمام.

رابعًا: البعد السردي لمجتمع التساؤل

يمكن إجراء تحقيق أوسع في الطبيعة المزدوجة لخبرتنا مع الوقت في حلقة التساؤل عن طريق دراسة السرد. حاول عدد من الفلاسفة المعاصرين ومن بينهم ألاسدير ماكلنتري Alasdair Maclntrye أن يوضحوا لنا كيف يتميز الاستنتاج بالسرد والإشارات الزمنية المتعددة التي يوحي بها. إن السرد هو الذي يعطي الأنماط والأشكال للتجارب. في كل مرة تُطرح نظرة للعالم، يجب أن نفترض أن الشخص الذي يحمل مثل هذه النظرة قد مر بعملية تخيلية نشطة لبناء الإطارات والمخططات والاستعارات وترتيبها بطريقة تظهرها مترابطةً وذات معنى.

الانخراط في حلقات التساؤل المجتمعي يعني إدراك أننا منخرطون في تحليل العديد من القيم المتنافسة والعديد من وجهات النظر العالمية المختلفة. من المحتمل توقع تفسيرات مختلفة لمفاهيم أساسية مثل الذات والعقلانية والعقل والحرية والعدالة. إن ما يكمن وراء هذه الآراء المختلفة للعالم هو استعارات أساسية يمكن تحديدها ثم تحويلها إلى استعارات أكثر شمولاً – إذا كان المجتمع واعياً ذاتياً باستنتاجاته. ومع ذلك، فكلما زاد تعدد الثقافات في حلقات التساؤل كان من الصعب التوصل إلى أي نوع من الاتفاق. ستتطلب مثل حلقات التساؤل المجتمعي هذه بين الثقافات تعزيز الفضائل مثل المثابرة والانفتاح العقلي واحترام الآخرين والحساسية والتعاطف الذكي والبناء – فضائل من الأفضل صقلها في السنوات التكوينيّة لحياتنا.

نظرًا لأن كلا من الاستنتاج والخبرة تتميزان بالسرد، فإن الأطفال من السنوات الأولى ينخرطون في رواية القصص. لكي يشرح الأطفال أو يبررون أفعالهم فإنهم غالبًا ما يتعلمون كيفية سرد القصة الأكثر ملاءمة لوضعهم، قصة محتملة للإجابة على الأسئلة المعتادة: “من وماذا ومتى ولماذا” التي سيُسألونها حتمًا. يتعلم الأطفال تدريجيًا ربط الأحداث معًا لتحديد التفاصيل المناسبة وإنشاء تسلسلات مقبولة من الأحداث وتحديد النطاق المناسب من الروابط عند النقاط الصحيحة في السرد. عندما يتم تعريفهم على بناء اللغة والمنطق وقوانين عدم التناقض يدركون أنواع التراكيب والروابط المسموح بها في سياقات معينة. وقبل كل ذلك فإنهم يتعلمون ما يعنيه فهم الأشياء، ورؤية العالم على أنه متصل وهادف في السياق الذي يجدون أنفسهم فيه. يبدأ عالمهم في التشكل عندما يجدون التراكيب السردية التي تعطي نمطًا وشكلًا لتجربتهم. تعتمد إمكانيات هذا النظام اعتماداً أساسياً على إجراءات التركيب الخيالية (مثل بناء مخططات الصور والاستعارات والإطارات) التي يتم تضمينها في تراكيب القصة التي يرثونها من مجتمعهم وثقافتهم. كلنا نريد أن تكون قصص حياتنا مثيرة وهادفة ومثالية للقيم التي نتمسك بها وكلنا لدينا مصلحة مكتسبة في رواياتنا (Johnson. P. 150 ff).

خامسا: صقل الخيال المتعاطف

واحدة من أهم القدرات التي تُعزّز في مجتمع التساؤل في الفصل الدراسي هي القدرة على تخيّل العالم بتعاطف من منظور الآخر. لا تقتصر هذه القدرة على الأنواع البشرية – في مجتمع من التساؤل العلمي أو الفلسفي، يمكننا الدخول خيالياً إلى عالم الحشرات والحيوانات والأنهار والتضاريس الجبلية وغيرها من جوانب الطبيعة.

إن صقل الخيال المتعاطف يعد واحداً من أكثر الآثار قيمة لتحويل الفصل الدراسي إلى مجتمع من تساؤل. لماذا؟ لأننا عندما نتساءل نتعلم تدريجياً أن ما نسعى إليه ليس “وجهة نظر مقدسة” بل نسعى للفهم الأكثر شمولية الذي يمكن أن نحصل عليه لتلك اللحظة. كتب ديوي Dewey في مطلع عام 1916 عن الديمقراطية والتعليم قائلاً إنه أثناء سنوات تكوين الأطفال يجب أن نطور لديهم القدرة على الخروج تجاه الناس والأجناس الأخرى لتعلم كيفية العيش في عوالمهم، لا عن طريق الملاحظة أو الحساب العقلاني فحسب، بل بإعمال خيالهم ومشاعرهم وتعبيرهم. يمكن تشجيع الأطفال على الدخول إلى عالم الآخر بالكتابة الخيالية والدراما ورواية القصص والتمثيل الصامت وألعاب التفكير، وبهذه الطريقة يمكن فهمها من الداخل وكذلك من الخارج.

بالنسبة للطفل، فإن تعلم كيفية رؤية العالم من منظور الآخر يمضي بالتوازي مع صقل التعاطف – أو كما يسميه ديوي Dewey: التعاطف الذكي. مثل هذا الطفل لديه القدرة على المشاركة في معاناة الآخرين وألمهم وذلهم وإحباطاتهم وأفراحهم وآمالهم وخططهم. إن الطفل في طريقه إلى تطوير حساسية خيالية من شأنها أن تضعه في وضع جيد عندما يتعلق الأمر بإصدار الأحكام الأخلاقية. لماذا؟ لأن مثل هذا الطفل قادر على العيش بالخيال ومن ثم مواجهة واقع الآخرين الذين يتفاعلون معه بتعاطف – الأشخاص الذين يتأثرون بأحكامه وأفعاله. هذا التعاطف أو التعاطف الذكي هو أساس علاقاتنا غير العملية بالآخرين وهو عنصر أساسي في معاملة الآخرين معاملةً عادلة.

التعاطف الذكي ليس شيئًا يمكن تعليمه، فكل ما يمكن للمعلمين القيام به أثناء إصدار الطفل لأحكام جيدة هو محاولة تهيئة الظروف المناسبة التي ستعزز صقله لهذه التجربة. إحدى هذه الشروط تركز على إشراك أنفسنا في حياة مجتمع التساؤل الحواري. لمَ هذا؟

سادسًا: تهيئة ظروف الفصل لخلق معاني جديدة

في الحوار المستمر لمجتمع التساؤل، نتعرض للعديد من الآراء العالمية المختلفة والعديد من وجهات النظر المختلفة. نطور القدرة على ترجمة وجهات النظر المتنوعة ببطء حتى يتمكن كل شخص في المجموعة من فهم الآخرين فهما أعمق. نحن لا نأتي فقط لفهم الكلمات المنطوقة ولكن لنرى الإطار المرجعي الذي تصدر منه هذه الكلمات ذات المعنى. مع استمرار الحوار وإدخال المزيد من وجهات النظر، نتعلم كيفية التعامل مع التوترات التي تنشأ من وجهات النظر العالمية المتنوعة. نتعلم كيفية العمل بناءً على هذا التوتر ببناء جسور الاستمرارية بين وجهات النظر المختلفة.

إذا أصغينا بعناية يمكننا أن نلاحظ أن الاستنتاج الذي يحدث في مثل هذه المجموعة هو استكشاف سردي موجه بمبدأ الاستمرارية. لا على صعيد استمرارية الآراء فقط ولكن في محاولة لبناء نوع من الاستمرارية بين وجهات النظر. يستلزم هذا العمل الجماعي وجود رفض معين للأنا وتركيز متزامن على التساؤل نفسه. نجد أن كل مشارك يبني على أفكار الآخرين ويبدأ بعض المشاركين في تصور إمكانات جديدة لحل المسألة قيد الحوار. يبدو أن هناك تدريباً درامياً يحدث حيث يجرب فيه كل طالب الحلول تجريباً إبداعياً ويختبر نتائجها مع المشاركين في المجموعة. ينمو التعاطف الخيالي بينما يحاول الحوار أن يوفّق بين وجهات نظر مختلفة ليصل إلى نوع من التوازن أو الانسجام. تصبح قراءة الوجوه مهمة كالإصغاء للكلمات.

يوصف المشروع بالأمل – الأمل بأن الحوار نفسه سيمكن المشاركين من تجاوز وجهات نظرهم المتنوعة دون التضحية بتفرد وغنى كل وجهة نظر عالمية مشتركة. يبدو أن المشاركين على استعداد للعمل معًا والعمل بإبداع مع القواعد وخلق جو من الثقة والانفتاح والدهشة بوعي. يبدو أن نوعية معينة من الدهشة والحب تتطوران بمرور الوقت. يمكننا أن نرى ذلك في قابلية العمل نحو نوع من وحدة العقول تحت سلسلة الهدف، وفي الرغبة في تقييم عواقب الحلول التي تم إنشاؤها – ليس فقط عواقب المشاركين ولكن جميع الأشخاص وحتى الأنواع الأخرى في الطبيعة. يمكننا أن نرى هذه الدهشة أو الحب في التنسيق النهائي للحوار حيث تشكل يدٌ واحدةٌ سلسلة من الروابط المنطقية في حين تعزز اليد الأخرى العلاقات الشخصية داخل المجموعة التي تتميز بالرعاية والاحترام والتضامن.

إذا وجد الطلاب أن توحيد وجهات النظر مستحيل، فغالباً ما يحاولون إنشاء منظور جديد أو أوسع أو استعارة أكثر شمولاً تكون منطقية لجميع من في المجموعة. في هذا العمل، ينخرطون في تحويل المخططات الأساسية التي عقدها أعضاء المجموعة في البداية، لكنهم الآن على استعداد للتعليق – على الأقل في الوقت الذي يجري فيه التساؤل الحواري. مثل هذا العمل يعتمد على الخيال الإبداعي والتفكير الخيالي. (انظر جونسون Johnson للاطلاع على مناقشة حول اكتشاف الاستعارات وإنشائها في حلقات التساؤل الأخلاقي، الصفحات 32-62). لا يمكننا الانخراط في مثل هذا التحول الإبداعي بالطبع إذا بقينا متشبثين بفكرة أن هناك حقيقة مطلقة واحدة، وأن وجهة نظرنا للعالم تملكها.

نتعلم أن نصغي لروايات جميع المشاركين مع تعزيز خيالنا ومهارتنا في استحضار إمكانات جديدة ووجهات نظر جديدة. يأتي وقت ندرك فيه تمامًا أنه لا توجد رواية حقيقية واحدة للمعلوم أو التجربة. يُعرّف البحث عن نظرية حقيقية واحدة حول العالم الهائل وأنفسنا التجريبية باعتباره بحثًا عن الوهم. مهما كان اسمنا ومهما كانت العلاقات التي نجدها أو نكتشفها التي نحصل عليها من بين الأشياء، إلا أننا نصنف عناصر الخبرة ونميزها وندمجها، فنحن نفعل ذلك ضمن تراكيب قدراتنا العقلانية والقيود البيولوجية والتوقعات والعادات الثقافية في دواخلنا، أي أنه باختصار مخطط مفاهيمي أو تركيب رمزي لا يمكن أن يكون له حجة بالتزامن مع الطرق “الفعلية” للعالم. يقدِّم الوعي البشري – متشابكًا مع نشاطه في المخيال البشري – العديد من العوالم والعديد من أوجه الفهم المتناغمة للتجربة. على الرغم من أنه قد يكون هناك إجماع كبير بين مجتمع الباحثين على مدار الزمن بشأن ما هو النموذج الأكثر ملاءمة (خاصة في العلوم)، فإن العديد من النسخ (الحقيقية) من الخبرات مازال ممكناً دائمًا. إذا أدرجنا صنع العالم في الفن كنوع من المشاريع الوجودية وكذلك الجمالية  (Goodman)، فإن التعددية ستحكم في أي وقت.(Deutsch)

يصبح الانقطاع الجذري بين ما يمكننا معرفته والعالم نفسه هو السمة البارزة للوجود. وهذا الانقطاع هو الذي يتطلب أن نصبح مبدعين. فإما أن نخلق ونبدع أو ندخل في عالم من العدم. إن الحوار المجتمعي هو الذي يعزز اتجاه التساؤل في حدود تقييد مخططات الصور والاستعارات. والأمر متروك للمشاركين في مجتمع التساؤل لتحقيق محتويات تجربتهم والظروف المعطية لوجودهم والقيود اليومية للطبيعة والمجتمع – ومن هذه المواد للتعبير عن أنفسهم وعالمهم (Deutsch. pp. 114-115) لكن هذا الإبداع يتطلب شجاعة ويمكن تغذيتها في التضامن المتزايد تدريجيا الذي يشكله وعي الترابط بين أفراد المجتمع – وترابط ذلك المجتمع مع عالم الطبيعة فيما بعد.

سابعا: أسئلة عملية

ربما يجب أن نسأل أنفسنا في بداية سير الدراسة: “من هم طلابنا؟”، و”ما هي قصصهم؟”. يجب علينا بعد ذلك أن نتيح لطلابنا الفرصة لسرد القصص التي تكشف عن وجهات نظرهم حول العالم، وافتراضاتهم الثقافية، والعلاقات التي لها معنى في حياتهم وتميز هويتهم الذاتية. مع تطور المجتمع وبدء الطلاب في استيعاب عملية التساؤل المجتمعي، سيكون من الجيد طرح الأسئلة التالية لتقييم من يتقن حرفة إصدار أحكام جيدة:

1.  من يستطيع الاستماع للآخرين جيداً؟

2. من هم الذين ما زالوا في حاجة للتحدث طوال الوقت؟

3. من الذي يطلب توضيحات ويطرح أمثلة مضادة ويكشف عن الافتراضات الكامنة، ويتساءل عن الأسباب التي قدمها الآخرون ويعرض وجهات نظر بديلة للنظر فيها؟

4. من الذين يبدون قادرين على متابعة التساؤل إلى حيث يؤدي، ومن الذين ما يزالون عالقين في وجهات نظرهم؟

5.  من الذي يبدو محبطًا في العملية ومن يبدو مركزًا؟ ما هو الأمر المحبط وكيف يمكن التغلب عليه؟

6. من هم الطلاب الذين يفكرون بالحوار (جماعيًا) والذين ما زالوا يفكرون به (أحاديًا)؟

7. إلى أي مدى يظهر توزيع مهارات التفكير الجيد في المجموعة؟

8.  إلى أي مدى يتبنى الطلاب حركات التفكير المختلفة ويجعلونها خاصة بهم في محادثاتهم؟

كما أن لكل شخص قصة يرويها عن المشاركة في مجتمع التساؤل والتحول الذاتي الذي يحدث فيه، فإن المجموعة ككل لديها قصة ورواية عمن كانوا عندما بدؤوا، ومن هم في نقطةٍ ما أثناء عملية التساؤل. وكلما كانت هذه الرواية واعية لذاتها، أصبحت المجموعة أكثر وعيًا بنفسها ومشاوراتها عملية مستمرة للتساؤل والتحول يخضع دائمًا للتصحيح الذاتي.

عندما توشك الدراسة على نهايتها، قد نرغب في طرح الأنواع التالية من الأسئلة:

  1. من يخطو خطوات إبداعية في الحوار؟
  2. من يمارس الاستنتاج الخيالي الجيد؟ من يمارس الخيال الأخلاقي؟
  3. من القادر على تصوير آراء العالم للآخرين؟
  4. من يمارس التصحيح الذاتي علناً في المجموعة؟
  5. من القادر على تصور آراء الآخرين؟
  6. من يمارس التصحيح الذاتي بأريحية في المجموعة؟
  7. من المبدع في إنشاء استعارات جديدة وقراءة المواقف، ووضع حلول جديدة، والحلم بعلاقات جديدة وتقديم إمكانات جديدة؟
  8. من يتابع إلى أين يؤدي التساؤل الحالي؟
  9. كيف يتساءل المشاركون كمجموعة؟ ما هي الصراعات التي تغلبوا عليها؟ ما العمل الذي ما زال يجب أن يُنجز؟

خاتمة

أن تصبح فردًا في مجتمع التساؤل يعني التزاماً بإعادة البناء المستمر الواعي لوجهة نظر الآخر مع استمرار التساؤل. إن بناء وجهات النظر وإعادة بنائها لهو شيءٌ نشارك فيه جميعًا بوعي أو دون وعي طوال الوقت. وصف نيلسون جودمان Nelson Goodman عناصر هذا النشاط في صناعة العالم. نتعلم جميعًا التأليف والتحليل (الإعداد، والتصنيف، وصنع العلاقات، والتسمية). يجب علينا جميعًا أن نتعلم وزن الأشياء في عالمنا؛ لتشكيل التسلسلات الهرمية ذات الأهمية. نحن من نقرر ما هو ذو صلة ومناسب وما هو غير مناسب. سواء كنا نعرف ذلك أم لا، فنحن نرتب باستمرار عناصر ذات صلة في عالمنا ونقدم أبنية مرجعية تكون فيها هذه العناصر منطقية. هذه الأبنية المرجعية هي التي تسود تفكيرنا وتصوراتنا عندما نأتي إلى المجموعة لممارسة التساؤل. نتعلم جميعًا كيف نحذف المواد ونكملها ونضيفها ونطرحها حتى نتمكن من الاستمرار في تكوين رؤية كونية لها بعض التماسك والوحدة. هذا يعني أننا يجب أن نتعلم كيفية التخلي عن بعض الأشياء وإضافة أشياء أخرى مع تطور التساؤل. الأشياء التي كانت ذات أهمية في وقت ما تُستبدلُ بأشياء أخرى لم نكن نحلم بها قبل أشهر لا أكثر. أخيرًا، يجب أن نتعلم إعادة التشكيل – أن نتعلم إعادة التركيب وتصحيح رؤيتنا الكونية لمراعاة ما نتعلمه من بعضنا بعضا ومن الطبيعة نفسها.

الآن فكر في الكلمات أعلاه بالخط العريض، أليست هذه هي الأنشطة التي تنخرط فيها الرسامة وهي تعمل على لوحتها، أو ينخرط فيها الروائي وهو يطور قصته؟ كم هو واضح لنا أن البعد الجمالي يتغلغل في كل جانب من جوانب حلقات التساؤل الجماعي. علاوة على ذلك، فإنه يوضح أن المعايير المنطقية والأخلاقية على أهميتها غير كافية لتقييم عملية ونجاح حلقات التساؤل الجماعي. من الواضح أن المعايير الجمالية هي على نفس القدر من الأهمية أيضاً، وقد تكون أكثر أهمية على المدى الطويل بسبب الطبيعة الإبداعية لإصدار الأحكام.

المراجع

  1. Thomas Alexander, JohnDewey’s TheoryofArt, ExperienceandNature. (Albany: State University ofNewYorkPress,1987). InthisworkhetalksofDewey’stheoryoftheimagination, as an activity which permeates all inquiry.
  2. Monroe C. Beardsley, “On the Creation of Art,” The Journal ofAesthetics and Art Criticism 23, no. 3 (1965) pp. 291-304.
  3. John Dewey, ArtasExperience. (NewYork: G. P. Putnam’s Sons, 1958) p. 46.
  4. John Dewey, Experience and Nature revised edition (Dover, 1958) for quote on the aesthetic dimension of all experience.
  5. John Dewey, Theory ofthe Moral Life. (New York: Holt, Rinehart and Winston, 1960). In the chapter on judgment, Dewey stresses the imaginative and the creative that is involved in every moral judgment.
  6. Eliot Deutsch. Creative Being: The Crafting ofPer;~J2n and World. (Hawaii: University of Hawaii Press, 1992). In this. work, Deutsch describes what it is to live in Chronos versus Kairos and how inlaginative creativity is involved in the latter.
  7. Leon Edel. Henry James: ALife. (New York: Harper and Row, 1985). I am indebted to Edel for insight into two works of James, Portrait of a Lady and The Golden Bowl-both of which have much to offer in helping the reader become aware of the complexity of moral judgment. James shows rather than theorizes and in so doing hel ps us to see that ethical rules and principles can only go so far in helping us make good moral judgments. Ultimatelygoodmoraljudgmentdependsonacreativeinsightcombined with a lack of egotism, intellectual humility and benevolence that is most rare.
  8. Mircea Eliade, The Sacredand theProfane: The NatureofReligion. Translated by Willard R. Trask (New York: Harper and Row, 1959). Eliade shows how much of our daily experience can be characterized as sacred or in Dewey’s word, religious. Aspects of the Community of Inquiry-when the participants are experiencingKairos -would be a case in point.
  9. Richard Eldridge. On Moral Personhood: Philosophy, Literature, Criticism and Self-Understanding. (Chicago: Univ. of Chicago Press, 1989) p. 33. In this work Eldridge points out that narratives are “of considerable value as vehicles for self-reflection on our Personhood and its moral dimensions, for in narratives of action, descriptions of deliberation, motivation andaction vary (within some limits set by facts) at the author’s discretion, so that ranges of narrative test and establish the limits of the possible in human deliberation and action.”
  10. Nelson Goodman, Ways of Worldmaking. (lndianapolis: Hackett, 1978) pp. 7-16. William James. A Pluralistic Universe. (New York: Longmans, Green, 1928).
  11. MarkJohnson, Moral Imagination: Implications ofCognitive Sciencefor Ethics. (Chicago: U niversity of Chicago Press, 1993). In this work Johnson argues that most of our moral reasoning is based on metaphors. This does not mean that all of it is metaphorical. His claim is, rather, that no account of nloral reasoning can get very far without running into metaphor and other imaginative devises. Further the cultivation of the imagination is essential to good moral education.
  12. Joseph Kupfer, Experience as Art: Aesthetics in Everyday Life. (Albany: SUNY , 1983).
  13. Charles E. Larmore, Patterns ofMoral Complexity. (Cambridge: Cambridge University Press, 1987). Larmore, like Martha Nussbaum, argues that to learn good judgment, children should turn to good novels rather than theoretical works. Why? Because good judgment cannot be described theoretically-but it can be shown in good novels. Good judgment, especially moral judgmen’t, requires not only skill but a creative insight for which there are no set rules. The situation demands a certain action and some can see what is appropriate and some cannot. Ultimately then, goodjudgment is an art.
  14. Alasdair Maclntyre, After Virfue, 2nd edition. (Notre Dame, Indiana: University of Notre Dame, 1984). In this work the importance of narrative in reasoning and in moral inquiry is discussed.
  15. Alasdair Maclntyre. Whose Justice? Which Rationality? (Notre Dame, Ind: University of Notre Dame Press, 1988). On the basis of three extensively elaborated cases from different historical periods, Maclntyre argues that the notions of “justice” and IIpractical Reason” are correlative, so that neither can be defined independent of the other.
  16. J. L. Mackie, Ethics: Inventing Right and Wrong. (Harmondsworth, UK: Penguin, 1977).
  17. Gabriel Marcel, CreativeFide1ity. translated by Robert RosthaI (New York: Noonday, 1964.) In this work Marcel speaks to the issue of hope and its importance in the process of ongoing communal inquiry.
  18. Iris Murdoch. Metaphysics as a Cuide to Morals. (London: Catto and Windus, 1992). In this, her lastwork in philosophy, Murdoch stresses the intuitive, metaphorical andcreative dimension of all perception, reasoning and moral activity.
  19. Martha Nussbaum. Love’s Knowledge: Essays on Philosophy and Literature (Oxford, Oxford University Press, 1990). See especially her IIPerceptive Equilibrium: Literary Theory and Ethical Theory, p. 184.
  20. Martha Nussbaum. The Fragility of Coodness: Luck and Ethics in Creek Tragedy and Philosophy (Cambridge: Cambridge University Press, 1986).
  21. Hillary Putnam. Reason, Truth and History. (Cambridge University Press, 1981). Putnam argues that every conception of reason is value-Iaden.
  22. Paul Ricoeur, Time and Narrative. translated by K. McLaughlin and D. Pellauer (Chicago: University of Chicago Press, 1984). I am indebted to Ricoeur for many of the ideas in the sections on time and identity, and narrative in the community of inquiry.
  23. Richard Rorty, IIFreud and Moral Reflection,” in Essays on Heidegger and Others. (Cambridge: Cambridge University Press, 1991) pp. 143-63. In this essay Rorty brings our attention to the essentially creative work of attempting to make sense of things all of us engage in when we dream.
  24. Richard Rorty, IIThe Contingency of Language,” in Contingency, Irony and Solidarity. (Cambridge: Cambridge University Press, 1989). Rorty, like Goodman and Deutsch and others, also stresses the radical discontinuity between what we can know and the world itself. We are bound, says Rorty, by our world of language.
  25. Vincent T omas, IICreativity in Art,” The Philosophical Review 67, no. 1 (January 1958).

حمل مقالة البعد الجمالي لمجتمع التساؤل