تعليم التفكير الفلسفي منهج وأسلوب تعليمي يتجاوز بالمشاركين ما يمكن تحقيقه بالتعليم التقليدي، فهو ليس مادة ذات محتوى محدد وكتاب منهجي يدرس تاريخ الفلسفة أو الفروق بين المدارس الفلسفية المختلفة بل هو منهج ذو طابع عملي يقدم مهارة الحوار السقراطي طريقةً لتعلّم التّجريد والتساؤل الفلسفي والتفكير المفاهيمي حيث يخرج الطالب مكتسباً القدرة على الفلسفة كمهارة فكرية يمكنه تطبيقها عملياً في مجالات الحياة.
يتناسب المنهج مع أي مادة من المواد المدرسية كما أنه مناسب لكل الأعمار ابتداءً من أطفال الروضة حتى الكبار.
يفيد هذا المنهج أصحاب قدرات عقلية متفاوتة.
ينتشر منهج تعليم التفكير الفلسفي في أكثر من 60 دولة حول العالم ويهتم بالحثّ على التفكير بالحوار الذي يخلق نموذجاً تعليمياً يسمّى (مجتمع التساؤل).
في مجتمع التساؤل يتغير دور المعلم من كونه موصلاً للمعلومة إلى ميسر في الحوار الفلسفي مفتوح النهايات في حين أن الطفل أو البالغ هو المشارك الفعّال في صنع المعرفة.
يحدث الحوار في أثناء ما يسمى بالحلقة السقراطية حيث يشجع المشاركون على التفاعل والتجاوب مع مثير فلسفي قد يكون قصة مصورة للأطفال أو صورة أو مقطع من فيلم قصير ثم يتعلمون كيفية طرح السؤال الفلسفي المفتوح. بعد ذلك تطرح كل مجموعة سؤالها ثم يجري التصويت على الأسئلة المطروحة بقيادة المعلم أو الميسر، وبعد أن يتم اختيار السؤال الذي حصل على العدد الأكبر من الأصوات، يقود الميسر الحوار السقراطي باستخدام مجموعة من الأساليب المساعدة.
في ختام الحوار، يقوم الأفراد داخل الحلقة السقراطية بالمراجعة الفعالة وتقييم ما حدث داخل الحوار؛ ذلك لأن التفكير الفلسفي يتجاوز الاهتمام بالمحتوى الفلسفي إلى العملية الحوارية ذاتها أثناء الحوار وهو ما يسمى بما فوق الإدراك (Metacognition).
يتمركز مجتمع التساؤل (Community of Inquiry) حول أربعة أنواع من التفكير: التفكير الرعائي، والتفكير التعاوني، والتفكير الإبداعي، والتفكير الناقد.
يمكن للفرد المشارك بوساطة الدمج التبادلي بين أنواع التفكير لتوليد مجموعة من العادات العقلية بما في ذلك: الربط والتفريق، وبناء المفاهيم وتفنيد الحجج، وإعطاء الأمثلة وتوضيح المعايير، والعودة للفرضيات خلف السؤال والمنطق المصاحب لها، والتعليل وغيرها.
يعد تعليم التفكير الفلسفي تعليماً بنائياً يتمركز حول الطفل، ليعطي الطفل مهارة مستدامة للتعلم، وينمي حس المنطق من جهة والجانب العاطفي والاستماع اليقظ والتحدث الفصيح والتعبير عن الأفكار بوضوح واختصار من جهة أخرى.
أثبتت الأبحاث حول العالم أن تعليم التفكير الفلسفي يسهم في تطوير كفاءة تحصيل المواد الدراسية كما يثري التعلم من الناحية السلوكية؛ لأنه يدعم بوضوح دافعية التعلم عند المشاركين.
يوفر تعليم التفكير الفلسفي تحدياً ذا طابع مغرٍ للأطفال والناشئة وعموم المشاركين – بمن فيهم المعلم الذي يلعب دوراً مغايراً لدوره التقليدي بوجوده ميسّراً في الحلقة السقراطية.
تطوير القدرات الادراكية بتعلم العادات الذهنية العليا وكل ما يتبع ذلك من تجريد وتعليل ومنطق وتصنيف وغيرها
بناء إحساس عالٍ بمجتمع التساؤل، ويتضمن ذلك كل ما يخص المهارات المجتمعية من احترام وتقبل الاختلاف في الأفكار والمشاعر ووجهات النظر والقيم
لكل طفل وناشئ تجربته الخاصة، واهتماماته الخاصة - كما هو حال البالغين تماماً - وله الحق في أن تكون هذه التجارب والاهتمامات جزءاً من تجربته التعليمية.
التعليم الجيد هو الصادر عن هذه الاهتمامات وهو تعليم يتناسب مع الطفل ولا يخضع لمعايير كمية ثابتة.
المدرسة تجربة علمية واجتماعية متكاملة ولا تختص بالجانب التلقينيّ للمحتوى الأكاديمي فقط لذلك فهي صورة مصغرة للمجتمع الكبير.
التعليم الجيد يهتم بالعملية التعليمية الناشئة من الطفل ذاته اهتماماً يساوي - بل قد يزيد - الاهتمام بالمنتج التعليمي أو بالمحتوى التعليمي. بناء على ذلك نؤمن بأنه لا بد أن يتوفر وقتٌ رسمي وغير رسمي للمتعلمين في المدرسة ليطرحوا تساؤلاتهم التي ستساعدهم في فهم مناهجهم العلمية وتجاربهم الاجتماعية على حد سواء.
يسهّل المعلم باعتباره ميسراً عملية نقل الحوار بين الأفراد داخل حلقة الحوار ولا ينقل المعلومة ولا يحدد الإجابات.
يلتزم الميسر (المعلم المتفلسف) بفكرة الحوار الفلسفي المفتوح لذلك فهو لا يقود الحوار ليجعل المشاركين يخمنون الإجابة المحضرة في ذهنه سابقاً، كذلك لا يحاول تخمين الإجابات التي في ذهن المشاركين ثم يعيد صياغتها ليغير فيها، بل يترك الحوار يسير بسلاسة مع استخدام تقنيات معينه تدفع بالفكرة للأمام دون أن يساهم مباشرةً في دفعها لنهاية محتومة.
لذلك فالميسر نموذجٌ يحتذى به في السلوك القيميّ للمنهج.
حلقة الحوار تشمل الجميع والحوار يحترم جميع وجهات النظر ويعزز التفاعل بالحجج والأمثلة والحجج المضادة.
لا يحفز الحوار الرغبة في إحراز النقاط أو الانتصار للرأي داخل الحلقة الفلسفية، بل هناك توجه للوصول للحقيقة دون تحيز ذاتي لها.
المشاركون داخل مجتمع التساؤل يفهمون بأنهم جزءٌ من النسيج الاجتماعي ويستوعبون بأن مجتمع التساؤل هو طريقة طبيعية وأصيلة لصنع التذاوت بين الأفراد intersubjectivity.
يثري مجتمع التساؤل عملية تداول الأفكار ويساهم في خلق نماذج جديدة للأفكار تكون أكثر احتراماً لحقيقة الواقع المعاش والقيم الاجتماعية السائدة وأكثر التزاماً بفكرة المستقبل المشترك داخل النسيج الاجتماعي العام.
الاستيضاح من مصدر السؤال.
استكشاف واختبار الافتراضات الموجودة في السؤال.
اتخاذ القرار في طريقة الوصول للإجابة.
تقييم ارتباط الأدلة بالتبريرات.
الوصول إلى نتيجة على أساس الحجج المفترضة.
استيعاب المفاهيم يحصل على مستويين عام وخاص، لذلك لا يفترض المعلم أن طريقة فهمه وتعريفه للمفاهيم هي نفس التعريفات الخاصة بالأطفال؛ بل هناك معنى شخصي نكوّنه ونستخرجه من تجاربنا اليومية.
المعلم المتفلسف لا يضع مسافة بينه وبين المتعلمين ويعمم تعريفه للمفاهيم بل يجد الجسر الذي يصل كل الأفكار.
من خصائص الفلاسفة تحرير المفاهيم الخام (سواءً عن طريق المقارنة، ملاحظة الاختلافات، التعميمات، إلخ..) أيّ معلم قادر على أن يطبق هذه الأداة بدقة هو معلم متفلسف في ممارساته وفي الأثر الذي يتركه على المتعلمين.
المعلم المتفلسف يسمع بقدر ما يود أن يستمع إليه المتعلمين.
تحفيز الحوار ليس فقط مع المعلم بل بين المشاركين.
يطور الحوار المهارات العقلية والعلاقات الشخصية وينمي الشخصية والثقة بالنفس.
التعليل الكمي (كل، بعض، فقط)
الربط (لذلك، ولكن، لأن، بما أن، إذا)
مكونات المحاجَجة (السياق، الاستنتاجات أو الختام، ملاحظة الإيجابيات والسلبيات)
المحاجَجة (أتفق، لا أتفق، أختلف، أستخلص، أفترض، أوضح، أدحض، أتحقق..)
مدى القناعة (مؤكد، محتوم، مهم، مقدر، محتمل، ممكن، مستحيل..)
بالإضافة إلى المنطق يتطلب التعليل الانفتاح للحوار والاقتناع.
o يمكن للمعلم المتفلسف أن يطور من التعليل عند استخدامه لاستراتيجيات وأدوات مختلفة مثل الفين دياجرام.
لحظات الصمت (يمكن اقتراح استخدام دفتر للكتابة أو الرسم مثلاً).
التوقف في نصف الحلقة ومراجعة النصف الأول عن طريق تذكر” الكلمات المفتاحية“ مع المشاركين، ويمكن أن تطلب مشاركتهم توقعاتهم عن توجه النصف الثاني.
تخصيص وقت للختام في نهاية الحلقة؛ إذ يمكن طلب تقييم جودة التعلم من الحلقة، واقتراح نقاط للتحسين في المستقبل.
اقتراح الكتابة على أوراق لاصقة صغيرة للتعبير؛ ما هو أكثر ما أثار اهتمامك مما تعلمته اليوم، أو ما هي أفضل فكرة خطرت لهم، ثم ألصقها في لوحة.
يشعر المشاركون بالأمان مع المعلم المفكر أو المتأمل؛ لأنهم يعلمون أنهم سيعاملون بعدل فيؤدي ذلك لاحترام متبادل بين المعلم والطالب كما يخلق المودة بينهم.
أن تحترم الآخرين.
ألّا تفضّل شخصا عن آخر.
أن تكون منفتحا في تقبلك أن لكل شخص طريقته الخاصة في التفكير والوجود.
أن تفكر ضمن مجموعة.
أن تكون جديراً بالثقة.
أن تتمتع بالمرح.
بدأ تعليم التفكير الفلسفي P4C في الستينيات من القرن الماضي مع بدايات عمل البروفيسور ماثيو ليبمان من جامعة مونتكلير الأمريكية الذي رأى أن التفلسف لا بد أن يتم التعرف عليه في سن مبكرة بدلاً من أن يؤجل تعليمه للطلبة في سنوات الجامعة. لذلك قرر أن يعود لتعليم أطفال الروضة عن طريق منهج يركز على عملية التفلسف في ذاتها بدلاً من التركيز على المحتوى النظري للفلسفة. في عام 1974 أوجد ليبمان المعهد العالي لتعليم التفكير الفلسفي The Institute of Advancement of Philosophy for Children الذي يستوحي إلهامه النظري من نظريات جون ديوي التعليمية لمجتمع التساؤل الفلسفي .Community of Philosophical Inquiry آمن ليبمان بقدرة الطفل على التفلسف إذا تعرض لمثير فلسفي يمكّنه من الاستجابة الفكرية استجابةً مبسطة تعبر عن فكرة فلسفية. بتطبيق نماذج متعددة لعدد من المنظرين يسعى منهج P4C إلى تفعيل آليات تعليمية محددة لتصميم نموذج تعليمي يتفرد فكرياً ومعرفياً وتطبيقياً عن النماذج التقليدية في التعليم. هذه النماذج استوحت أفكارها من عدة منظرين، منهم على سبيل المثال: جون ديوي وبراجماتيتة التعليمية، وسقراط ونموذجه التعليمي من خلال الحوار الفلسفي، وفيجوتسكي وأفكاره حول التعلم المجتمعي، وكذلك بختين وأفكاره حول الفرق بين الدايلوج والمونولوج في التعليم.
بالرجوع إلى موقع وزارة التعليم نجد بوضوح أن الوزارة قامت مشكورة برصد التحديات التي تواجه قطاع التعليم و أعطت حظا من الدراسة الجادة حول المبادرات المقترحة لتحقيق أهداف الرؤية 2030 في قطاع التعليم.
يتضح كيف أن برنامج تعليم التفكير الفلسفي يخدم بشكل مباشر توجهات الرؤية وبالتحديد في مجالات:
تعزيز التوجه نحو تعليم يتمركز حول احتياجات الطالب أكثر من الأهداف الأكاديمية للمعلم.
تحسين البيئة التعليمية المحفزة للإبداع والابتكار.
تحسين جودة التفكير الناقد وحل المشكلات واتخاذ القرار.
تحسين جودة مهارات التواصل الاجتماعي والعمل ضمن فريق.
تعزيز القيم والبوصلة الأخلاقية والمسؤولية الفردية وضبط النفس.
أخبرنا الله أن السر الأسمى لوجودنا هو أن نعنى بكوننا خلفاء في الأرض، لكن كيف لنا أن نصل لهذه الغاية النبيلة للوجود؟
يمكننا أن نجد جواب هذا السؤال بفعل التفلسف، والفلسفة هي محبة الحكمة ، والقرآن يدعو صراحة إلى تبجيل الحكمة والحكماء وفي الحقيقة يمكننا أن نستبدل مصطلح الفلسفة بالحكمة القرآنية لنجد الطريق سالكا أمام بوابة جليلة من التساؤلات التي عززها القرآن ليزرع فينا منهج أسلوب للعيش هو العيش التأملي المقترن بالتفكير العميق في قراراتنا الحياتية اليومية. حثنا القرآن كثيرا على التفكر والتدبر والنظر والاعتبار وكثيرا ما ذيل الآيات ب (أَفَلا تَعْقِلُونَ).
يعطينا القرآن منهجا عقليا وجدانيا لاكتساب القيم والمفاهيم (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) العنكبوت 20 (إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) الجاثية 13، وغيرها الكثير من الآيات.
والقرآن يحتوي مضمون الآيات على ألوف التساؤلات المتنوعة كم أنه يحث على التساؤل أيضًا بصيغ كثيرة: (فَٱنظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ ۖ وَٱنظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ) البقرة 259 كما يدعونا للتعجب؛ التعجب من السماء والأرض من شروق الشمس والمطر من النبتة التي تخرج رويدًا من بطن الأرض من بذرة سقيت بماء واحد، ماء واحد وملايين الأشكال من الثمار، أليس هذا ما يشرح لنا طريقة الطفل في النظر إلى العالم؟ التفلسف كما يريدنا الله في القرآن هو أن نرى العالم بعين طفل كأننا نراه للمرة الأولى، ألا نستسلم للبديهي، بل نمرح مع أذهاننا في عالم مفعم بالدهشة والملاحظة والمفاجئة.
تهتم الفلسفة بالأسئلة الأساسية في الحياة اليومية: ما هو هذا العالم؟ كيف نتأكد من المعرفة؟ كيف أختار قراراتي الأخلاقية؟ كيف نعرف أنفسنا ونتعامل مع الأخرين؟ كيف نعيش حياة أفضل ونحقق ذواتنا كما أمرنا الله أن نكون خلفاء في الأرض؟
تعنى الفلسفة بالجسد والعقل كما تعنى جيدا بالجانب الروحي وهذه الجوانب أساس في أي تعليم يضمن للطفل تجربة شمولية أكثر من منهج تلقيني. بل أكثر من ذلك، يعطينا التفلسف أدوات ممتازة من الناحية الأكاديمية لفحص وتمحيص المحتوى المعرفي ومن خلال نظريات المعرفة الفلسفية، يمكن للعلوم التجريبية أن تنمو وتتطور، كما تعنى بالتعليل الأخلاقي الذي يساعد في تكوين الخيارات الأخلاقية، وكيف يمكن لهذه الخيارات أن تكون قابلة للتحليل والتعليل والنقد والتقييم، والقيمة المُضافة من تعلم التعليل الأخلاقي هي القدرة على الوزن بين الخاص والعام وبين الجزء والكل. من أنا في هذا العالم الكبير؟ وكيف يجب أن أتصرف سلوكيا بشكل فاضل بناء على المعطيات التي لدي، وأحسب حساب النتائج، أوازن بين دوري أنا وحقوق الآخرين والضرر المترتب من جراء سلوكي، على نفسي وعلى الآخرين. بصيرة يقدم تعليم يمكن الطفل والناشئ من اكتشاف وفهم وإنشاء المعرفة عن العالم والحياة اليومية المعاشة. والتفلسف في البرنامج حين يطرح كمنهج تعليمي فإنه يعلم العيش بجودة حياة ذات مضمون ومعنى مع الأقران في هذا العالم المليء بالتجارب الحياتية التي تستحق وقفات تأملية.